حاول المسؤولون الصهاينة التصعيد من حراكهم السياسي والدبلوماسي في محاولة يائسة لتفادي الاسوأ في ظل قناعة تبدو راسخة بان المفاوضات النووية بين ايران والدول الكبرى قد شارفت على نهايتها غير السعيدة صهيونيا، وفي مؤشر على مستوى التوتّر والسخط الإسرائيليين، كشف مُعلّقون عن “احتكاك وسجالات لاذعة” مع الأميركيين، على الرغم من رسائل التهدئة التي بعثها الأميركيون مؤخراً للكيان الصهيوني.
ومع تزايد التقديرات باقتراب الحسم، أجرى رئيس الحكومة الصهيونية يائير لابيد، محادثات واتصالات مع شخصيات أميركية على خلفية المفاوضات النووية، وذكرت تقارير إعلامية أن لابيد نقل عبر تلك الشخصيات رسائل إعتراضية للإدارة الأميركية، مفادها أن “مسودة الإتفاقية التي سلّمها الإتحاد الأوروبي لإيران لا تفي بالخطوط الحمر التي التزمت بها إدارة بايدن”.
وأعرب وزير الحرب الصهيوني بني غانتس عن قلقه من بلورة إتفاق نووي، وقال “توجد فيه الكثير من الثغرات.. لذلك نحن ضدّ الإتفاق”، وأضاف “إسرائيل ستضطرّ لإجراء نقاش داخلي حول كيف يمكن العيش في واقع يسود فيه الإتفاق، وجاء التعبير الأوضح عن التشاؤم واليأس الإسرائيليَين على لسان وزير المالية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بقوله إن “تفاصيل الإتفاق الصادم تعني شيئا واحدا فقط: خلال خمس سنوات تصبح إيران دولة ذات سلاحٍ نووي، أيْ دولة مع ترسانة صواريخ نووية يمكن أن تضرب أيّ نقطة في دولة إسرائيل”.
ولم يتغير القلق الصهيوني رغم الزيارة التي قام بها مدير الامن القومي الصهيوني ايال حولاتا يوم الثلاثاء ولقاء مستشار الرئيس جو بايدن للامن القومي جيك سوليفان حيث صدر بيان عن البيت الابيض بعد اللقاء شدد “على التزام ادارة بايدن الثابت وتقوية قدرات اسرائيل لردع اعدائها والدفاع عن نفسها ضد أي تهديد او مزيج من التهديدات بما فيها تلك النابعة من ايران والجماعات الوكيلة عنها ، والتزاما بعدم السماح لايران امتلاك السلاح النووي ابدا”.
وبحسب بعض المحللين العسكريين فإن “الاعتداء الاميركي على مواقع ايرانية بمحافظة دير الزور جاء في سياق ارسال تطمينات للكيان الصهيوني بأن الموقف من الحرس الثوري الايراني لم يختلف”.
على المستوى الامني ظهرت فروقات واضحة مع المستوى السياسي، فإن مقاربة المؤسّسة الأمنية والعسكرية أقل تشاؤماً من النظرة السياسية المُعلَنة ورغم هذا فقد تحدَّث موقع “مكور ريشون” عن الإحباط الكبير في المؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية، في الأيام الأخيرة، من التطورات الحاصلة بشأن الاتفاق النووي الإيراني، مشيراً إلى أنه “من الواضح اليوم أكثر من أي وقت مضى أن إسرائيل فشلت في التأثير على الاتفاقية، وبالتالي هناك إحباط”.
وقال مصدر صهيوني مطّلع على الحوار الصهيوني مع الأميركيين في السنوات الأخيرة “لقد فعلنا كل ما يمكن القيام به، ونقلنا إلى الأميركيين كل ما يمكن نقله لإقناعهم، لكننا للأسف فشلنا، لا أعرف لماذا اختاروا الذهاب إلى هذه الاتفاقية بكل قوتهم من دون الاستماع إلينا”.
ويتصل قلق المحافل الأمنية والعسكرية تحديداً بالتحديات والقيود العملية التي قد يفرضها الإتفاق، على مسار مواجهة المشروع النووي الإيراني بشكل عام، وينسحب هذا القلق إلى كامل مساحة المواجهة العسكرية مع إيران، التي ستزيد، بفعل رفع العقوبات عنها، من مستوى تحدّيها العسكري للكيان الصهيوني.
ويُنقَل عن مسؤول أمني قوله في هذا المجال “لسوء الحظ، تُركنا وحدنا في المعركة.. الأميركيون قرّروا ببساطة إنهاء القصّة وتوقيع إتفاق بين سيّئ وسيّئ للغاية”.
وعلى غرار المستويات السياسية والأمنية والعسكرية، سادت النظرة التشاؤمية في الفضاء الإعلامي الصهيوني، الذي تصدّره الحديث عن “يأس” و”إحباط” و”كابوس” و”كارثة”، مقابل القليل ممّن تحدّث عن إيجابيات هنا وهناك، أو مقاربة المسألة من زاوية الموقف الذي يتحتّم على إسرائيل اتخاذه بمعزل عن نظرتها للإتفاق ، وكثُرت في التعليقات والتحليلات والتسريبات المفردات السلبية والانتقادية للأميركيين، وذلك من قبيل، “الخشية من مسار التنازلات”، “الهرولة نحو إتفاق سيّئ”، “عدم الإصغاء لهواجس إسرائيل” (هذه النقطة كانت محطّ تباين)؛ “إسرائيل غير حاضرة في المفاوضات”.. وغيرها الكثير.
وفي هذا السياق كشف الإعلام الإسرائيلي أنّ العلاقة مع الأميركيين شهدت-مؤخراً- توتراً كبيراً و”احتكاكاً” على خلفية إدارة المفاوضات، حتى أنّ مُعلّقين تحدثوا عن “سجلات لاذعة” بقي أغلبها في الغرف المُغلقة.
زاوية أُخرى تناولتها القراءة الإعلامية، تتعلّق بالتوقيت السيء لإثارة موضوع الإتفاق النووي، وذلك عشيّة جولة إنتخابية مبكرة خامسة وحملات إنتخابية قاسية، الأمر الذي من شأنه تحويل قضية حسّاسة ومصيرية إلى هذا الحدّ إلى مادة للتجاذبات السياسية والشخصية بين الحكومة والمعارضة.
في الخلاصة بالامكان اختصار الموقف الصهيوني، بما قاله مصدر سياسي “سنعارض الاتفاق حتى اللحظة الاخيرة ولكن دون احداث ازمة مع الاميركيين، واسرائيل تعارض هذا لاتفاق وهي غير ملزمة به بل ستفعل ما هو مطلوب بغية منع إيران من الحصول على سلاح نووي بالطريقة التي تناسبها”.
المصدر: موقع المنار