خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 1-7-2022 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 1-7-2022

الشيخ علي دعموش

الاسرة والتحديات المعاصرة

 

نص الخطبة

في الاول من شهر ذي الحجة سنة 2 هجرية تزوج امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) من ابنة رسول الله(ص) السيدة فاطمة الزهراء (ع)، فكان هذا الزواج المبارك بكل عناوينه نموذجا للزواج الاسلامي والمثالي الذي يقوم على اساس الحب والمودة والرحمة والكفاءة.

ومثالا لبناء اسرة متدينة متماسكة ومتعاونة تلتزم قيم الاسلام واخلاقه واحكامه وتراعي الحقوق والواجبات التي شرعها من اجل ضمان سعادتها واستقرارها النفسي والاجتماعي.

وقد اعتبرت هذه المناسبة الجليلة مناسبة لإقامة اسبوع للاسرة من كل عام،  نستحضر فيه المفاهيم والقيم والاخلاق الأسرية التي جاء بها الاسلام والتي يجب ان تحكم حياة الاسرة، ونتحدث فيه عن اهم الضغوط والتحديات والمشكلات المعاصرة التي تواجه الاسرة، وكيفية مواجهتها وتجاوزها، ومن هنا فان حديثنا في هذه المناسبة سيتناول أبرز التحديات التي تواجهها الاسرة في لبنان لا سيما في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان على اكثر من صعيد.

اليوم الاسرة تتعرض لتحديات وأخطار متنامية في ظل التحولات والتغيرات الفكرية والثقافية والسلوكية والاقتصادية التي يشهدها المجتمع خصوصا ان هذه التحولات تتزامن مع اتساع وتيرة العولمة والانفتاح وثورة التكنولوجية واتساع نطاق استعمال الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات التي دخلت الى كل بيت والى كل اسرة واصبحت بمتناول الجميع.

من اهم تلك التحديات: التحديات والضغوط الاقتصادية والمعيشية والتحديات الاخلاقية والسلوكية.

اليوم من ابرز التحديات الاقتصادية والمعيشية التي تواجهها الأسرة اللبنانية هذه الأيام، إنخفاض قيمة الليرة وارتفاع اسعار المواد الغذائية، والمحروقات والأقساط المدرسية للعام القادم، وارتفاع فاتورة اشتراكات الكهرباء والدواء والطبابة والاستشفاء وغير ذلك .

بالتأكيد الأسرة مطالبة بمواجهة هذه التحديات والضغوطات الإقتصادية والنفسية والمعيشية .

من اهم وسائل واساليب مواجهة هذه الضغوط هو التوجه نحو ترشيد الانفاق وصرف الاموال وإعادة النظر في جدولة الصرف، وطريقة الإنفاق، عادة الحكومات والشركات في الازمات الاقتصادية تضطر إلى الترشيد وتقليل الإنفاق، لتغطية العجز، الأفراد والاسر يجب ان يتبعوا نفس الطريقة لكي لا يقعوا تحت العجز .

مشكلتنا أننا تعودنا على طريقة في الصرف وإنفاق المال، تعتمد على قوة العملة والوفرة المالية، وكانت قيمة الليرة تساعد على صرف مريح لكن الظروف اليوم قد تغيّرت وأصبحت الليرة لا قيمة لها والرواتب والمداخيل لا تغطي النفقات والأعباء حتى الضرورية، وبالتالي بات من الضروري أن نغيّر عاداتنا، لنكيّف حياتنا مع الاوضاع الجديدة اي مع انخفاض قيمة الليرة وغلاء المواد الأساسية من غذاء ودواء واستشفاء وكهرباء وأقساط مدارس الخ ، وإلا فسنعاني من الأزمات النفسية، والمشاكل العائلية، والوقوع في فخّ الديون والقروض، وقد يندفع البعض نتيجة عدم التكيف مع هذه الأوضاع الصعبة لطرق ملتوية منحرفة إحتيال وغش ونصب وسرقة من أجل الحصول على ما يغطي مصاريفه .وقد بدأت مثل هذه الأمور تظهر بصورة لافتة في مجتمعنا حيث نجد اليوم زيادة عمليات النشل والسرقة والاعتداء على املاك الناس والاستغلال والاحتكار وانتشار العمليات الربوية وغير ذلك .

بعض عادات صرف المال التي ترسخت في حياتنا سابقا بفعل الاستمرار في ممارستها، بات من الضروري في الظروف الحالية التخلي عنها لان احوالنا واوضاعنا تغيرت وطرأت على حياتنا الشخصية والاجتماعية ظروف جديدة، وأصبحت تلك العادات مكلفة ومرهقة. فمثلا اذا كان الواحد منا قد اعتاد على الاكل في المطاعم او على السفر لشم الهوا او على الانفاق في المقاهي والملاهي او انه اعتاد على المبالغة في استهلاك الكهرباء والماء الى حد الاسراف احيانا ، فان هذا السلوك كان ممكنا قبل الازمة في الأوضاع العادية، اما اليوم وفي ظل الازمات والغلاء الذي نعيشه في كل شي لم يعد هذا ممكنا لان المداخيل الشهرية لم تعد تكفي للترف والصرف بنفس الطريقة التي كنا ننفق فيها.

الانسان في الظروف المعيشية الصعبة يجب أن يتحكم بعاداته، ويتكيف مع مدخوله ولا يبالغ في الاستهلاك فضلا عن وجوب الامتناع عن الاسراف والتبذير في الطعام والشراب وصرف الماء والكهرباء وغير ذلك

اليوم فواتير الكهرباء والماء عالية جدا، بحيث ان الناس ضجت من غلاء فواتير الاشتراكات، ومن كلفة تامين المياه ونقلها الخزانات للاستعمال.

وبمعزل عن موضوع الغلاء في اشتراكات الكهرباء او في تأمين المياه لا بُدّ من إعادة النظر في طريقة استهلاكنا للكهرباء وللمياه في حياتنا، لانّ هناك مبالغة في الانارة احيانا، واحيانا تترك الاضاءة في البيوت او الغرف شغالة او المكيف شغال بالرغم من عدم وجود احد في البيت او الغرفة، كما ان هناك نسبة كبيرة من الهدر للمياه بسبب عدم الاهتمام بصيانة شبكة المياه في المنازل، وحصول تسريبات، او ترك حنفية المياه تجري لفترة طويلة عند غسل الأشياء ، كما يحصل عند تنظيف الأسنان او عند الوضوء مثلاً، حيث يترك الإنسان حنفية الماء مفتوحة حتى ينتهي من تنظيف أسنانه أو غسل الاعضاء مما يؤدي الى اهدار الماء بلا فائدة.

مَرَّ النَّبِيَّ(ص) بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ.

وفي حديث عنْ الامام الصادق(ع) قَالَ: «أدنَى الإِسرافِ: هِراقَةُ فَضلِ الإِناءِ.

ومن أبرز مظاهر الصرف التي يجب إعادة النظر فيها وخاصة في الظروف الحالية، هي الإسراف في اقتناء الموادّ الغذائية المعرضة للتلف.

والجانب الأسوأ هو زيادة كمية طبخ الطعام فوق الحاجة في المنازل، وفي المناسبات العامة، كحفلات الزواج ومجالس العزاء حيث يتم إستهلاك كميات معينة والباقي يرمى في سلة النفايات.

ايضا في موضوع التسوق البعض في مجتمعاتنا يشتري الأجهزة أو الآليات او الملابس على أساس الموضة بغير حساب، فحتى لو كانت سيارته صالحة ومناسبة لاستخداماته فإنه قد يشتري سيارة جديدة، تماشياً مع الموديلات الحديثة والموض وغير ذلك.

إنّ مثل هذه العادات وغيرها لا بُدّ من إعادة النظر فيها، وتجاوزها لخلق عادات جديدة هي أقرب للتعاليم الدينية وأنسب لتنظيم عملية الصرف والنفقات لئلا نقع في العجز ونضطر لمراكمة الديون التي لا نقدر على تسديدها.

فقد ورد عن رسول الله (ص) أنه قال: “الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة.

وعن علي(ع): “الاقتِصادُ يُنمّي القليل، والإسرافُ يُفني الجَزيلَ”.

ولكي ينجح الإنسان في تنفيذ قرارات ترشيد الصرف والإنفاق لا بُدّ أن يبذل جهداً لتوعية عائلته واولاده بضرورة هذا التوجه، وضرورة الصبر والتحمل والتضحية وامتلاك الحصانة اللازمة ليتفهموا التغيير ولا يتعاملون معه بشكل في هذه الظروف.

ترشيد الانفاق في كل هذه المجالات والموارد التي ذكرناها وعدم التبذير والإسراف فيها تساعدنا على مواجهة الظروف المعيشية الصعبة والتخفيف من تداعياتها.

إنّ الله تعالى يقول: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) سورة الاسراء﴾

وروي عن رسول الله(ص) أنه قال: إِنَّ مِنْ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ.

هذا على مستوى مواجهة التحديات الاقتصادية والمعيشية.

اما التحديات الاخلاقية والسلوكية فابرزها اليوم هو ما تخلفه الحرب الناعمة من تداعيات على الافكار والمفاهيم والقيم والسلوك والاخلاق الفردية والاجتماعية.

فالأعداء بعدما عجزوا عن تدمير مجتمعنا عسكريا من خلال الاحتلال والعدوان والإرهاب اتجهوا لتدميره أخلاقيا وسلوكيا وذلك من خلال: اغراق جيل الشباب بالملذات والشهوات، وتوريطهم بآفة المخدرات الخطيرة والمدمرة ، والتركيز على نزع الحياء من المرأة وضرب العفة لدى الاجيال وفي الحد الادنى اضعاف حالة العفة والحشمة في مجتمعنا ولدى شبابنا وفتياتنا وصولا الى جعل ما يسمى بزواج المثليين حالة طبيعية غير مستنكرة في مجتمعنا والترويج له تحت عنوان الحرية الشخصية والمساواة والعدالة وما شاكل!!.

اليوم اخطر ما تواجهه الاسرة والمجتمع البشري على الصعيد الاجتماعي والاخلاقي  هو ما يسمى بزواج المثليين، وهو ليس بزواج هو علاقة شاذة خارجة عن الطبيعة تهدد استمرار النوع الإنساني وتضرب كرامته وعفته وفطرته.

الحالة الطبيعية هي الزواج، زواج الرجل من المرأة، والمرأة من الرجل وفق الاصول والضوابط الدينية وغير ذلك هو شذوذ ومرض يجب ان يعالج ولا يمكن للمرض ان يكون حالة طبيعية.

نحن لم نشاهد حتى في الحيوانات على أنواعها، أنّ ذكراً يمكن أن يتزوّج ذكراً.. أو انثى تتزوّج أنثى..الحيوانات تراعي الطبيعة، ولكن الإنسان يحاول أن يتجدد بشكل مخالف للطبيعة والفطرة الانسانية .

ولا بد في مواجهة هذا التحدي من تكوين الاسرة بالزواج الطبيعي وتحصين الاسرة وتحصين الاجيال الشابة بالوعي والقيم والاخلاق والتربية السليمة والتوجيه الصحيح، والعودة الى القرآن والعمل بقيمه ومفاهيمه وأحكامه، لانه يمنحنا ويمنح أجيالنا هذه الحصانة والمناعة التي نستطيع من خلالها مواجهة هذه المعركة الجديدة .

والمطلوب من كل المراكز الثقافية والتربوية والاجتماعية والعلماء والنخب القيام بواجبهم على هذا الصعيد ومواجهة هذا المرض حتى لا يتحول الى حالة عادية كما المطلوب من اجهزة الدولة المعنية منع الترويج باي صورة لمثل هذه العلاقة الشاذة  ومن المجلس النيابي وضع تشريع خاص يجرم هذه الافة ويفرض عقوبات عليها .

الشركات والمؤسسات التجارية وغيرها التي تروج من حيث تدري او لا تدري لشعار الشذوذ الجنسي، مطالبة اليوم بنزع هذا الشعارمن منتجاتها ويجب ان تمنع الدولة ذلك.

كل من يروج لهذا الشذوذ ولشعاره ويدعو الى شرعنته هو ينتهك القيم الإنسانية التي تربى عليها المجتمع اللبناني.

وكل من يشتري ويوزّع ويتاجر بمنتجات شركات تحمل شعار الشذوذ انما يروّج لهذا الشذوذ الذي يأباه الطبع الانساني السليم .

اما في الموضوع الحكومي، فان الشعب اللبناني ينتظر تشكيل حكومة جديدة تعطيه املا بمعالجات جادة وحقيقية للمشكلات التي يعاني منها، وتقوم باجراءات عملية  تخفف من تداعيات الازمات التي تصيب حياته اليومية.

هناك قوى سياسية تتعاطى بمنتهى الاستخفاف مع هذا الاستحقاق الهام لانها لا تشعر بحجم المأساة التي يعيشها الشعب اللبناني، وتتلهى بالخلافات والشعارات والمزيدات، ولا تريد السعي او المساهمة في تحقيق اي انجازات لمصلحة اللبنانيين في الوقت الحالي، وهذا هو حال الكتل النيابية التي أعرضت عن المشاركة في الحكومة فهي لا تريد ان تتشكل حكومة في لبنان وصرحوا بذلك بالعلن، وبالتالي هي تريد ان يبقى اللبنانيون تحت وطأة الحصار والضغوط والازمات تماشيا مع ما يريده الامريكي في هذه المرحلة.

بينما حزب الله والقوى الحريصة على البلد يريدون تشكيل حكومة اليوم قبل الغد لكسب الوقت، لانهم يعتبرون تشكيل الحكومة ضرورة وطنية ومدخلا اساسيا وجوهريا لوقف الانهيار حتى لو كانت مدتها قصيرة لان وجود حكومة خير من لا حكومة مع اننا نعتقد ان الحكومة اذا تشكلت يمكن ان تؤسس لمعالجات وحلول تساعد على الخروج من المأزق الذي يعيشه البلد.

لذلك حزب الله يتعاطى بمسؤولية بالملف الحكومي ويقدم كل التسهيلات ويتواصل ويساعد من اجل ولادة الحكومة ، والمصلحة الوطنية تقتضي من المعنيين تسريع وتيرة الجهود المبذولة وإبداء المرونة وعدم التصلب او التوقف عند الحسابات الضيقة لان ذلك سيؤدي الى التعطيل وتعقيد الامور واضاعة الفرص.