وجه وزير العمل مصطفى بيرم كتابا إلى مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان، بعدما امتنع مجلس إدارة الصندوق عن تطبيق المرسوم 8737 بحجة أن الضمان ليس من المؤسسات العامة. وجاء في الكتاب ما يلي:
“إن وزير العمل قد سبق له بموجب قراره رقم 9/1 تاريخ 7/2/2022 قد أكد قاصدا في بناءات هذا القرار للقول بأن المرسوم رقم 8737 تاريخ 28/1/2022 (إعطاء مساعدة اجتماعية مؤقتة لجميع العاملين في القطاع العام مهما كانت مسمياتهم الوظيفية والمتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعد وإعطاء وزارة المالية سلفة خزينة من اجل تمكينها من سداد هذه المساعدة)، وأن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو مؤسسة عامة بطبيعته وجزء من القطاع العام ويخضع للأحكام القانونية التي ترعى هذا القطاع.
وان ما أقدمتم عليه في الجلستين الأخيرتين لناحية رفض تطبيق هذا المرسوم بحجة أنكم لستم بمؤسسة عامة هو كلام يناقض مضمون قرارنا كما أنه يشكل خروجا على ما استقر عليه اجتهاد مجلس شورى الدولة في كافة قراراته لا سيما في القرار رقم 324/2016-2017 تاريخ 13/2/2017 حيث ادعى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بأنه ليس من المؤسسات العامة الادارية (انما هو مؤسسة مستقلة ذات طابع اجتماعي لها مواردها الخاصة) إلا أن المجلس لم يأخذ بهذا الزعم، وقضى بأن عدم تعريف الصندوق بالمؤسسة العامة في المادة الأولى من القانون، لا يحول دون اعتباره كذلك، في حال توافرت فيه الخصائص التي استقر الاجتهاد على الأخذ بها من أجل تعريف المؤسسة العامة وتمييزها عن المؤسسة ذات المنفعة العامة أو عن مؤسسات القطاع الخاص. فقد استقر الفقه والاجتهاد على اعتماد مجموعة من المعايير وعلى التوفيق بينها من أجل استنباط صفة المؤسسة، وهي معيار الهدف وطبيعة المهمة، ومعيار الموارد، ومعيار قواعد الأنظمة وسير العمل، مع تعلقه بشكل أساسي بهذا المعيار الأخير، ذلك أنه من النادر أن تمول المؤسسات الخاصة بواسطة الضريبة وأن يلحق بها مباشرة بعض موظفي الدولة.
وعليه، تعتبر المؤسسة “مؤسسة عامة” اذا كانت ترمي الى تحقيق المنفعة العامة، واذا كانت تخضع لرقابة الادارة العامة، وتتمتع ببعض امتيازات السلطة العامة، وكذلك اذا كانت وارداتها مكونة من أموال عمومية.
بما أنه يستنتج من الأحكام القانونية المار ذكرها ، ومن سائر الأحكام الواردة في قانون الضمان الاجتماعي لا سيما منها تلك التي توجب الانتساب الالزامي لجميع الأجراء المنصوص عليهم في المادتين 9 و10 من القانون لصندوق الضمان وتحدد اجراءات المراقبة والتفتيش التي يقوم بها مفتشو الصندوق والعقوبات التي يمكن انزالها باصحاب العمل المخالفين لموجب التصريح عن الأجور وتقديم المستندات وتسديد الاشتراكات (غرامات ، حبس)- امتيازات سلطة عامة-، أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو مرفق عام أعطي شخصية معنوية واستقلالين مالي واداري، وذلك باعتبار أنه أنشئ لتقديم خدمات صحية واجتماعية لجميع الأجراء المنتسبين اليه -معيار الهدف: منفعة عامة- وهو يدار من خلال مجلس ادارة تمثل الدولة فيه من خلال ستة مندوبين، وتكون بعض مقرراته خاضعة لوصاية وزارة العمل ولرقابة مجلس الوزراء وديوان المحاسبة المؤخرة، ويعين على رأس أمانة سره مدير عام وذلك بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العمل وانهاء مجلس الادارة (ويعزل ويصرف ايضا بالطريقة ذاتها) ، كما يمكن أن يختار بعض موظفيه من بين موظفي الدولة بحيث تعتبر خدمتهم في الصندوق خدمة فعلية في ملاك الدولة (معيار الوصاية الادارية وقواعد سير العمل)، وهو يتمتع من أجل ضمان حسن سيره والتزام اصحاب العمل بموجب تسجيل جميع الأجراء الذين تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها في القانون في فروع الضمان وتسديد الاشتراكات عنهم، باعفاءات ضريبية وبحق تحديد قيمة بعض الاشتراكات (المادة 72) وبحق التفتيش والمراقبة تمهيدا لفرض العقوبات بحق المخالفين (من غرامات وعلاوات) – امتيازات سلطة عامة – هذا فضلا عن امكانية تمويله من خلال سلفات خزينة تمنحها الدولة لتحقيق توازنه المالي. هذا وقد استقر كل من هيئة التشريع والاستشارات ومجلس شورى الدولة، على تعريف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالمؤسسة العامة المستقلة.
وبما أن ما جاء في المادة 40 من النظام العام للمؤسسات العامة، لجهة استثناء بعض المؤسسات من الخضوع لأحكام المرسوم رقم 4517/1972، والتي منها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، واعتبارها خاضعة لقانون انشائها وللنصوص التنظيمية الصادرة تطبيقا له، لا يمكن أن يفسر اخراجا لهذه المؤسسات من اطار المؤسسات العامة، لا سيما اذا ما توافرت فيها جميع خصائص المؤسسة العامة – كما في حالة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي- انما يفسر اخراج هذه المؤسسات من القواعد العامة التي ترعى المؤسسات العامة والتي حددت بموجب المرسوم رقم 4517/1972، بحيث تبقى خاضعة للأحكام التي أنشئت ونظمت في ظلها.
وحيث أن مجلس شورى الدولة قد حسم طبيعة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو المرجع الوحيد الذي له سلطة الحسم وقراراته نافذة وملزمة.
لذلك يطلب إليكم الكف عن اتخاذ قرارات أو إعداد مطالعات تخالف منطوق هذا الحكم سيما انه قد ينجم عن هذا التصرف إلحاق ضرر بالعاملين في هذا القطاع بما يخالف قواعد الخلق الإداري (Les règles de la moralité administrative التي تعلو في تدرج القيم dans la hiérarchie des valeurs حتى القوانين والأنظمة، الذي يوجب على الإدارة أن لا تستعمل سلطاتها الإدارية لمجرد غايات مالية وأن تجبر أولادها (موظفيها ) إلى مراجعة القضاء للحصول على حقوقهم (هيئة التشريع والاستشارات الرأي رقم 195/2022 تاريخ 10/3/2022).
وحيث أن مجلس الوزراء قد أقر المساعدة الاجتماعية للقطاع العام بمفهومه الشامل لكل من يخدم المرفق العام ومنه بالاسم (مستخدمو الضمان الاجتماعي) بما يعادل راتبا كاملا إضافة للراتب الأساسي من ضمن مشروع الموازنة الذي وافق عليه مجلس الوزراء مجتمعا وتم تحويله إلى المجلس النيابي لإصداره بقانون. فإنه وبطريقة أولى يجب الاستمرار بإعطاء هؤلاء المستخدمين منحة نصف راتب التي أعلنتها الحكومة أسوة بغيرهم ممن يخدمون المرفق العام بحسب المعيار الذي أقرته الحكومة لحين إقرار الموازنة في المجلس النيابي، خاصة وأن مجلس الإدارة وافق على هذه المساعدة للشهرين الأخيرين من العام 2021 ويرفض دون مسوغ قانوني الاستمرار به.
إن عدم منح هذه المساعدة المحقة والمقررة أصولا يرتِّب مسؤوليات قانونية، وقد تلجأ سلطة الوصاية تبعا لمبدأ استمرارية المرفق العام وتأدية الخدمة العامة المرتجاة أصلا من وجوده ومنعا للتعسف والتمنع عن القيام بهذه الموجبات، إلى اتخاذ ما يلزم من وسائل قانونية لتسيير هذا المرفق الحساس”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام