“سيب وأنا سيب” بهذه العبارة يختصر السعوديون ما آلت إليه الحرب المعلنة من بلادهم ضد الشقيقة اليمن. شعارات العزم والحزم التي تغنّت بها صحف المملكة على مدار أكثر من عام ونصف، وُضعت اليوم جانباً. رفعت المملكة الراية البيضاء، وخرج مُعلن الحرب ليطلق اجواء عن الرغبة بوقفها بعد فشل الاهداف بل وارتدادها على السعودية… أخيراً نطقها عادل الجبير: نريد وقف الحرب. ليغرد خلفه السعوديون: لقد خسرنا.
قبل يومين، خرج وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ليُعبر عن رغبة بلاده في وقف إطلاق النار في اليمن، واضعاً الكرة في ملعب اليمنيين. شكك الجبير في إمكانية إلتزام اليمنيين بوقف إطلاق النار في اليمن! الحرص على الالتزام بوقف النار، لم يكن إلا تخفيفاً من وهج إعلان الفشل.
منذ انطلاق العدوان على اليمن، تجاهلت المملكة كل الأصوات التي خرجت لتدين الحرب وتدعو إلى وقفها. سقوط أكثر من 10 آلاف قتيل منذ بدء العدوان – وفق تقديرات الأمم المتحدة في آب/اغسطس الماضي- لم يحرج المملكة على مدار أكثر من 18 شهراً. إيجاد المخرج المشرف كان الهمّ الوحيد الذي يشغل دائرة القرار في المملكة، المخرج الذي يأتي على حساب اليمنيين ودمائهم، والذي يحفظ لولي ولي العهد السعودي ماء وجهه في صراعه المحموم على وراثة عرش والده.
مؤخراً نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً حول محمد بن سلمان استقت معلوماته من أمراء في العائلة المالكة، ودبلوماسيين سعوديين. كشفت الصحيفة الأميركية أن بن سلمان اتخذ قرار الحرب على اليمن دون أن ينسق مع أيِ من المسؤولين السعوديين، رغم أن النقاش حول توجيه رد لليمن كان يدور بين هؤلاء. المناصب الأمنية الثلاث الكبرى في المملكة يتقاسمها كل من: وزير الدفاع محمد بن سلمان، ووزير الداخلية محمد بن نايف، إضافة إلى وزير الحرس الوطني متعب بن عبدالله. قفز بن سلمان عن المناصب الأمنية ليتخذ قرار الحرب منفرداً، معتبراً أن نجاح هذه الحرب سيؤمن له وصولاً سلساً لوراثة العرش، والدفع به في سن مبكر إلى “العالمية”، على حد توصيف صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية.
تبني بن سلمان للعدوان على اليمن كان واضحاً منذ الساعات الأولى لبدء الحرب. مع بدء العدوان كان الإعلام السعودي يرفق ذكر اسم بن سلمان بصفة “قائد عاصفة الحزم”، فيما كان الأخير يتنقل ملتقطاً الصور مع القوات السعودية. قناة “العربية” ذكرت أن أولى الضربات على اليمن أشرف عليها محمد بن سلمان، إلا أنها لم تذكر أن وزير الحرس الوطني متعب بن عبدالله –مثلاً- لم يكن على علم بها!
وبـ “حزم” حددت المملكة السعودية أهداف الحرب، فتمثلت بالتالي:
– إعادة “الشرعية” التي حصرتها المملكة السعودية برئيس مستقيل لا يمثل حيثية شعبية في الداخل اليمني، بقدر ما بات يمثل صورة للنفوذ السعودي في اليمن.
– إنسحاب “أنصار الله” من العاصمة صنعاء وإعادتهم إلى صعدة.
– نزع السلاح من أنصار الله.
– عدم السماح بأي دور للرئيس السابق علي عبد الله صالح في مستقبل اليمن.
في 26 آذار/مارس 2015، اُعلن عن العدوان، وبدأت الضربات العسكرية تطال مواقع الجيش اليمني، ولم تسلم الأسواق الشعبية والأماكن الدينية والتراثية من غارات الحرب العبثية. وبعد أقل من شهر على بدء العدوان، أعلنت السعودية عن انطلاق حملة “إعادة الأمل” بهدف “استئناف العملية السياسية” لاستكمال “عاصفة الحزم التي انتهت بعد أن نجحت في تحقيق أهدافها”، دون أن تتحدد الأهداف التي تم تحقيقها… فماذا تحقق بالفعل؟
“إعادة الشرعية”
بعد شهر من انطلاق العدوان على اليمن، وحتى يومنا هذا لم تتمكن السعودية من إعادة عبد ربه منصور هادي إلى صنعاء، أو المحافظات المحيطة، أقصى ما وصل إليه هادي كانت عدن التي كان قد فر إليها قبل العدوان.
أكثر من ذلك، نجح اليمنيون في تشكيل المجلس السياسي الأعلى الذي مُنح شرعية قيادة زمام الأمور في اليمن. على رأس المجلس يأتي “صالح الصماد” أحد أبرز قيادات أنصار الله، وينوب عنه قاسم محمد لبوزة أحد السياسيين البارزين في حزب المؤتمر الشعبي الذي تعهدت السعودية بعدم السماح له بأي دور في مستقبل اليمن.
أنصار الله من شوارع صنعاء إلى الداخل السعودي
بقي عناصر الحركة في شوارع صنعاء، ولم تنجح القوات السعودية وحلفاؤها حتى في حصرهم ضمن العاصمة نفسها. المقاتلون اليمنيون المحسوبون على أنصار الله والمؤتمر الشعبي وأبناء العشائر يتواجدون إلى اليوم في البيضاء ولحج المحاذية لعدن.
التمدد اليمني لم يقتصر على المحافظات اليمنية وحدها بل تعداها إلى الداخل السعودي نفسه، تمكن المقاتلون اليمنيون من السيطرة على موقع الخوبة العسكري في جيزان (جازان) بالداخل السعودي. واقتحمت القوات اليمنية مدينة الربوعة في عسير جنوب المملكة، وفي آب/أغسطس الماضي وصلت اللجان والشعبية في اليمن إلى مشارف نجران السعودية.
سلاح أنصارالله: من توشكا إلى بركان1
ماذا عن نزع سلاح “أنصار الله”… الإجابة تدّعمها المواقع والتجمعات السعودية التي تُدك يومياً بالصواريخ اليمنية، لم يكن أولها توشكا ولن يكون آخرها بركان1. في تموز/يوليو الماضي ازاح اليمنيون الستار عن منظومة صواريخ بالستية زلزال 3 محلية الصنع، ويصل مداه إلى 65 كلم. وفي بداية أيلول/سبتمبر أعلن اليمنيون عن تطوير صاروخ بركان 1 الذي يصل مداه إلى 800 كلم، الذي استخدم في قصف قاعدة فهد الجوية بمحافظة الطائف في العمق السعودي.
هكذا إذاً لم تنجح المملكة السعودية في تحقيق أيِ من أهدافها في عدوانها على اليمن، لماذا أتت “إعادة الأمل” إذاً؟ الهدف الذي أُعلن عنها والمتمثل بـ ” استئناف العملية السياسية” يؤكد أن العملية التي أعلن عنها قبل 18 شهراً أتت لتمهد لوقف الحرب بطريقة تحفظ للسعودية مخرجاً يُصوّر كمكسب في معركة بن سلمان على عرش والده… ولم يأت هذا المخرج. طالت حرب الاستزاف السعودي، حتى غرقت المملكة بالكامل بوحول المستنقع اليمني.
ماذا حققت المملكة من حربها على اليمن؟
بعد مضي 18 شهراً من العدوان على اليمن، يتحفظ الإعلام السعودي عن ذكر ما حققته المملكة في حربها. الصمت المطبق لإعلام المملكة، عوّض عنه المغردون السعوديون الذين علقوا على إعلان الجبير الأخير، بالتذكير بما حققته المملكة في اليمن.
قال “مجتهد”: “كانت أهداف عاصفة الحزم عودة الحوثيين لصعدة وتسليم السلاح للشرعية وعودة الشرعية لصنعاء ثم انتهت على “سيب وأسيب”… وأعاد المغرد السعودي الشهير تغريد ما نشره أحد السعوديين:
” ماذا حققت عاصفة الحزم؟
-تدمير البنية التحتية لليمن
-قتل الالاف المدنين الابرياء
-استنزاف المليارت من خزينة الوطن
-خفض الرواتب ووقف العلاوات”
وكتب أحد السعوديين: “أحد الأهداف التي حققتها عاصفة الحزم طفله تموت من الجوع فاليمن”، في وقت علق فيه المغرد السعودي تركي بن محمد على إعلان الجبير، فقال: “كان الجبير في بدايه عاصفة الحزم يتكلم وكأنه بوش عندما انطلقت عاصفة الصحراء واليوم يتكلم وكأنه محمود عباس يتكلم بنبرة الذل والانحطاط”.
حتى اليوم لا يوجد أرقام رسمية واضحة عن عدد القتلى السعوديين جراء الحرب المفروضة على اليمن، إلا أن هناك أرقام تنشر بين فترة وأخرى. بعد أربعة أشهر على انطلاق العدوان كشفت مصادر سعودية خاصة أن عدد القتلى السعوديين بلغ 122 قتيلاً ونحو ألف جريح.
وفي 11 آذار/مارس الماضي كشف المغرد السعودي الشهير “مجتهد” أن خسائر القوات السعودية جراء حربها على اليمن بلغت: 3500 قتيل، 6500 جريح، إضافة إلى 430 مفقود بين ضابط وجندي.
واشار تقرير نُشر مؤخراً لصحيفة “نيويورك تايمز” أن “حصيلة قتلى السعودية في الحرب في اليمن أكبر مما هو معلن”.
ماذا عن الكلفة المادية التي ترهق المملكة المثقلة من عجزها الاقتصادي. بعد مضي ستة أشهر على العدوان، كشفت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أن حرب محمد بن سلمان كلّفت الخزينة السعودية 725 مليار دولار.
في السابع من آب/أغسطس الماضي كتب الباحث الاميركي المعروف “بروس ريدل” مقالة نشرها موقع ” المونيتور” ” أن الحرب على اليمن مكلفة للسعودية، كاشفاً أن المملكة السعودية احتلت المرتبة الثالثة عالمياً العام الفائت من حيث حجم الميزانية العسكرية خلف الولايات المتحدة والصين. وحذر من أن بلداً يبلغ عدد سكانه 20 مليون نسمة لا يستطيع ان يستمر الى ما لا نهاية مع هذه الميزانية العسكرية الضخمة، خاصة في ظل هبوط اسعار النفط مجدداً.
بعد أشهر من إعلان الحرب على اليمن، تفاجأ السعوديون بحجم العجز القياسي الذي سجلته ميزانية بلادهم (98 مليون دولار)، لتدخل المملكة بذلك عهداً جديداً عنوانه “التقشف” الذي طال الخدمات التي تقدم للمواطنين، والرواتب والعلاوات.
مع الضربات التي كانت تتلقاها السعودية شيئاً فشيئاً، كانت حدة اللهجة تجاه اليمن تتراجع شيئاً فشيئاً . بعد عام على بدء العدوان، سمع السعوديون لهجة جديدة على لسان المتحدث باسم التحالف السعودي ومستشار وزير الدفاع السعودي “أحمد عسيري”… كانت المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤول سعودي أن “هناك قناعة لدى قيادة التحالف العربي أن الحل في اليمن سيكون سياسيا، عبر اتفاق وطني خالص بين السلطات الشرعية ومكونات المجتمع السياسي، بما في ذلك الحوثيين.”
اللهجة الأوضح تعبيراً عن التراجع السعودي أتت على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي قال في تغريدة نشرها في أيار/مايو الماضي: ” سواء اختلفنا أو اتفقنا مع الحوثيين، فإنهم يظلون جزءا من النسيج الاجتماعي لليمن”. هكذا تحوّلت اللهجة تجاه أنصار الله من “إنقلابيين” و”اعداء يهددون أمن المملكة” إلى “جزء من النسيج اليمني”.
ويأتي تصريح عادل الجبير الأخير عن رغبة بلاده بوقف إطلاق النار في اليمن، تصريحاً جديداً اكثر وضوحاً في مسار التراجع السعودي المستمر.
خسرت السعودية حربها على اليمن. بتعبير أدق، فشل محمد بن سلمان في حرب اليمن التي وظفها في معركة وصوله إلى عرش المملكة. في سبيل حرب العرش بين أمراء آل سعود، خسر عشرات آلاف الضحايا أرواحهم، ودُمر اليمن والكثير من معالم حضارته… جند بن سلمان الإعلام السعودي والعربي للتحريض ضد اليمنيين، ونجح هذا الإعلام في قتل الضمير لدى الملايين الذين لم تهزهم مشاهد المجازر والقتل المريع في اليمن، إلا أنه لم ينجح في معركته الأهم: معركة تركيع اليمنيين ليعتلي بن سلمان جثثهم إلى سُدة المُلك.