أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة، وقال فيها:
“قال تعالى ( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من اولياء ثم لا تنصرون ) صدق الله العلي العظيم). هذه الآيه وغيرها آيات أخر التي وردت في الذكر الحكيم للدلالة على القوانين الاجتماعية الالهية التي تحكم حركة التاريخ والتحولات الاجتماعية ولا تتخلف حينما تتحقق شروطها كقوله تعالى ( وما كان الله مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
ففي هذه الآيه الشريفة ( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ) بيان واضح الى ان النتائج الكارثية من حياة الضنك والفقر والخنوع والذل وعدم الاستقرار والتخلف الذي يستوعب جميع شؤون المؤمنين التي عبر عنها القرآن بقوله (فتمسكم النار ) هي نتيجة حتمية ولا مفر منها وستطال المجتمع الذي انحرف عن جادة الحق وركن الى الظالمين، سالكا طريقهم، ومتبنيا نهجهم في الحكم واسلوب العيش في الحياة، وبتعبير آخر التبعية في النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمدرسة المنحرفة التي تتبنى نهجا مخالفا للقيم الإلهية والدينية.
وقد تطرق القرآن الكريم الى بعض العناوين التفصيلية وربط بينها وبين النتائج السلبية على الصعيد الاقتصادي ونبه مثلاً على خطورة الاعتماد على الربا بغية جني الارباح السهلة بدل استثمار المال في التجارة والزراعة وسائر الطرق المشروعة التي يكون الربح فيها نتيجة نشاط ايجابي من جانب صاحب المال ولا يقتصر الربح ولا نسبته عليه، وانما تتوزع بين الاطراف التي تتعاطى هذه الانشطة فتمنع من عملية تجميع الاموال لدى افراد او مجموعات محددة منسجمة مع القاعدة التي أسسها وهي ( كي لا يكون دولة بينكم ) لما لها من آثار ضارة وتداعيات سلبية ماحقة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي التي نبه الله تعالى اليها في كتابه العزيز فقال ( يمحق الله الربا ) مشجعا على سلوك آخر في عملية منع ايجاد فوارق طبقية كبيرة تكون غالبا سببا لاختلالات اقتصادية تنشأ عنها اضطرابات اجتماعية اقتصادية ويحقق بهذه البدائل التي يشجع عليها استقرارا اقتصاديا واجتماعيا وتعاونا بين فئات المجتمع المختلفة منها حيث تكتمل الآية بها فيقول تعالى ( ويربي الصدقات ) التي يمكن فهم المقصود منها الاعمال المشروعة من اعمال التجارة والاستثمارات في الصناعة والزراعة التي يكون من جملة آثارها سد حاجة المجتمع ومنع حصول مشاكل اقتصادية توقع المجتمع في الفقر والعوز والتخلف”.
وتابع :لقد فتح الاسلام الباب واسعا امام الافراد والمجتمعات لمجموعة من البدائل من النشاطات المشروعة وشجع على اتباعها واعطاها صفة العبادة، وعبر في بعض الايات عنها مبينا عظيم نتائجها، كما هو الحال في الآية السابقة التي تقدم ذكرها وهو قوله ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ) وهو تعبير له من التأثير النفسي الهائل المحبط والمخيف عندما يقول مخوفا وجازما بالنتيجة الصادمة التي يعمى صاحب المال عن رؤيتها فيأتيه الخطاب الرباني قائلا بصورة جازمة محققة ( يمحق الله الربا )، يتبعه بعد ذلك مباشرة بقوله ( ويربي الصدقات ) ليأخذ بانتباه السامع مباشرة باتجاه آخر وهو البديل الذي لا تناسب بينهما، وهو ما يبتغيه ويريد الحصول عليه حقيقة، وهو الربح الحقيقي ويربي الصدقات وان استخدام الطرق المشروعة هي التي تأخذ بيده للربح الحقيقي.
لقد بدأنا الحديث بالآية الشريفة وهي قوله تعالى ( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ) واتينا على الحديث حول الربا كتطبيق لهذه الآية المباركة بإن اتخاذ الربا طريقا للربح غير المشروع اتباع لنهج الظالمين الذين يأكلون المال من غير حله، وقد اطلق الله تعالى عليه صفة السحت وهو تعبير آخر عن المحق الوارد في قوله تعالى ( يمحق الله الربا )، ولقد تحولت كثير من المجتمعات العربية والاسلامية الى مجتمعات مرابية بشكلٍ مباشر وبشكل غير مباشر من حيث تجميد الاموال في البنوك الربوية وخارج البلدان التي تنتمي اليها والابتعاد عن استثمارها في مشروعات منتجة ومفيدة لها ولبلادها، و غالبا ما يكون ذلك مسببا عدم الاستقرار السياسي والامني فيها بفعل السياسات المعادية وعدم تمكن هذه البلدان من مواجهة هذه السياسات او عدم وجود ارادة جدية للانظمة التي تحكمها لمواجهتها والعمل على ايجاد الانظمة التي تنسجم مع قيمها مما يتسبب في الابقاء على تخلفها ويسهل للقوى المعادية و بالتحديد الغرب على ابقاء السيطرة على خيراتها، وهذا من اعظم الخيانات التي ارتكبت في حق ابنائها وهو ما حذرنا الله تعالى منه وعرفنا هذه النتائج الخطيرة التي انتهت اليها. ولقد كانت هذه الوظيفة التي انيطت بالنظام اللبناني من أهم اسباب وجوده ليضاف اليه الكيان الصهيوني لتتضافر جهودهما من دون تنسيق لبلوغ هذا الهدف وهو تنفيذ الارادة الغربية في الابقاء على التبعية للغرب”.
أضاف الخطيب :”واليوم وفي هذه الازمة المتجددة للنظام اللبناني يراد تجديد ثوبه الذي اهترأ وادى خدمته المحددة على اكمل وجه في الفترة السابقة على مستوى المشاريع الخارجية من استخدامه كمنبر اعلامي مهم للترويج لها في مواجهة المقاومة كتعبير عن محاولات النهوض الجدية والتي شكلت تحديا خطيرا للواقع واستطاعت ان تجذب قوى أساسية في الواقع العربي والاسلامي وتقنعها بصوابية نهجها، لذلك فإن الازمة التي يعيشها الواقع اللبناني اليوم يشكل تحديا مصيريا لطرفي الصراع، الطرف الذي يعبر عن مصالح الامة من جهة المتمثل بقوى المقاومة، والعالم الغربي المتمثل باسرائيل والقوى الاخرى المتحالفة معها، بعضها سرا وبعضها في العلن، ويمثل الانهيار المالي والحصار الاقتصادي أهم وجوهها الظاهرة. ولا شك ان هذه المعركة ستحدد مصير الطرفين، وهذا هو سر خطورتها ولذلك يتحتم فيها على قوى المقاومة الانتصار والاحتفاظ بعنصر القوة لديها وهي البيئة التي لم تتخل عنها رغم كل ما مرت به من متاعب وعانته من اخطار”.
وقال:”لقد شكلت المقاومة في لبنان الاساس المتين الذي استندت اليه كل قوى المقاومة في المنطقه، لذلك فهي المستهدف الاول للقوى المعادية والضغط الذي تتعرض له البيئة الحاضنة بشكل خاص والشعب اللبناني بشكل عام يقصد به ان تتتجرد من اهم اسلحتها ، ويتوجب على المقاومة وبيئتها ان تتحسب لذلك، ونحن على يقين من تنبههما لما يجب عليهما القيام به. كما اننا على يقين من تمكن شعبنا بتجاوز هذه المرحلة والعبور الى الانتصار، نستند في ذلك الى صدق وايمان وصبر هذا الشعب وهو ما عبّر عنه قول سيدنا امير المؤمنين (ع ) حين قال:” فَلَمَّا رَأَى اللهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الَبْتَ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصرَ” الذي يثبت قدرة المقاومة وبيئتها على التغلب على المصاعب التي تسبق اي نصر، كما هو متحقق تاريخيا، ونحن نعول في هذا السياق على مساعي دولة الرئيس بري في الدفع باتجاه نجاح مبادرته واستجابة الاطراف المعنية، مع هذه المبادرة وعدم التهرب من تحمل المسؤولية لاخراج البلد من هذا الواقع الخطير”.
ورأى الشيخ الخطيب:” ان التهرب من القيام بهذه المسؤولية في هذه الظروف لحسابات انتخابية لانه يقتضي اتخاذ قرارات غير شعبية وجعل اللبنانيين يتحملون هذا الاذلال ومصير البلد على كف عفريت ، هو عمل خطير لا نحب ان يقع فيه احد، و نعلن تضامننا مع المطالب المحقة للمواطنين في مكافحة الفساد ولجم الاحتكار ومعاقبة الفاسدين ولصوص المال العام ورفض الضغوط والعقوبات الامريكية ضد اي مكون لبناني”.
وجدد العلامة الخطيب تهنئته للرئيس الإيراني المنتخب الدكتور السيد ابراهيم رئيسي “الذي حاز على ثقة الشعب الإيراني في مشهد ديمقراطي يدحض كل الافتراءات الغربية ضد ايران في محاولات فاشلة لالصاق تهمة قمع حرية الرأي والتعبير بالجمهورية الإسلامية الايرانية فيما أظهر الاستحقاق الانتخابي مستوى عال من الحرية والوعي والمسؤولية تحلى بها الشعب الإيراني والسلطة السياسية على السواء، ونحن لنا ملء الثقة ان السيد رئيسي اهل لتحمل المسؤولية في تقدم ايران وحفظ منعتها والمحافظة على دورها كقلعة من قلاع الإسلام في الدفاع عن مصالح الامة ودعم ألشعوب المستضعفة وقضاياها المحقة”.
وختم الخطيب:” ونحن اذ نهنئ ايران شعبا ورئيسا وقيادة على انجاز الاستحقاق الانتخابي في اجواء ديموقراطية عبر فيها الشعب الايراني بكل حرية عن ارائه، نستنكر بشدة القرصنة الاميركية المتمثلة بحجب المواقع الاعلامية المقاومة المشهود لها بالصدقية بهدف حجب الصوت الحر والصادق بما يكشف زيف ادعاءاتها في الدفاع عن الحرية. فهذه القرصنة بمثابة عدوان جديد يندرج في إطار تصعيد العقوبات على محور المقاومة وممارسة بلطجة اعلامية تنافي كل المواثيق والحقوق”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام