ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاربعاء 23 حزيران 2021، على الازمة الحكومية المستحكمة بين الافرقاء المعنية بالتأليف، والاتصالات الجارية والجهود المبذولة من قبل الوسطاء لحلحلة العقد المستجدة، قبل البحث في منح الثقة …
الاخبار
سعر البنزين إلى أكثر من 192 ألف ليرة والغاز المنزلي إلى أكثر من 125 ألفاً: الدولة تستبدل الدعم بـ 93 دولاراً للأسرة
لا صلة لما يجري في البلاد، منذ عام 2019 حتى اليوم، بما يُسمّى زوراً «فشل السلطة». «السلطة»، بأجنحتها السياسية والتشريعية والمصرفية ــــ المالية الاحتكارية ــــ مدعومة من السلطة الدينية والغالبية العظمى من وسائل الإعلام ــــ تُدرك تماماً ما تفعله، وتنجح في تحقيقه. هي ببساطة تدافع عن امتيازاتها، وترفض أن تدفع جزءاً ولو يسيراً من الخسائر التي لحقت بالاقتصاد والناس. للدلالة على النجاح الباهر لهذه السلطة، تكفي المفارقة الكبرى التي ظهرت أمس: فيما كانت لجنة نيابية تبحث في منح جزء من العائلات الفقيرة بطاقة تمويلية تحوي كل منها على ما متوسطه 93 دولاراً شهرياً كـ«تعويض» ضحل عن رفع الدعم عن الدواء والوقود، كشف المصرف المركزي السويسري أن مصارف سويسرا تلقّت عام 2020 ودائع إضافية من لبنان بلغت 2.6 مليار دولار، ليصبح مجموع ودائع اللبنانيين في المصارف السويسرية أكثر من 7 مليارات دولار.
ولا بدّ ــــ عند كل مرحلة تزخيم للانهيار ــــ من العودة إلى المنعطف الأساسي: خطة الإنقاذ المالي لحكومة الرئيس حسان دياب. هذه الخطة كانت لتشكّل منطلقاً، رغم كل ما فيها من ثُغَر، للخروج من الأزمة؛ أو على الأقل، كان يمكن تطبيقها أن يخفف من سرعة الانهيار، كما خفض كلفته على المجتمع بصورة عامة، وإنْ بتفاوت بين الطبقات الاجتماعية المختلفة. وكانت تلك الخطة ستُقرن بقانون لفرض قيود على رأس المال (كابيتال كونترول)، بما يحول دون تهريب أموال كبار القوم، من سياسيين ومصرفيين ومحتكرين ورجال دين… إلى الخارج. لكن «السلطة» قررت تدمير تلك الخطة، عبر عملية غش ممنهج عنوانها أن «الورقة الحكومية تتضمّن أرقاماً مبالغاً بها للخسائر». وبدلاً من اقتراح خطة بديلة، تولّت إسقاطَ الخطة الحكومية لجنة نيابية برئاسة أمين سرّ تكتل «لبنان القوي»، النائب إبراهيم كنعان. وعاونه في إدارة تلك العملية عضو كتلة التحرير والتنمية ياسين جابر، وعضو كتلة الرئيس نجيب ميقاتي النائب نقولا نحاس. أدّى كنعان مهمته التي كلّفته بها المنظومة الحاكمة، إلى حد أنّ صانع ما يُسمّى «الإبراء المستحيل» تلقّى تهنئة من تيار المستقبل! كان الهدف حماية أصحاب المصارف وكبار المودعين (سياسيون، محتكرون…) من المساهمة مساهمةً جديةً في كلفة الخروج من الأزمة، لأنهم كانوا الأكثر استفادة، على مدى عقود، من كل السياسات التي أوصلت البلد إلى الانهيار الشامل. في تلك اللجنة، لم يكن الاصطفاف خفيّاً ولا موارباً: «كلّن يعني كلّن» عملوا على تدمير الخطة، ولم يقف في وجههم سوى عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض، الذي قاطع لاحقاً، مع كتلته، المؤتمر الصحافي الذي عقده الثلاثي: كنعان ــــ جابر ــــ نحاس من أجل الإعلان عن النتيجة التي توصّلوا إليها.
تلك المقاطعة بدت كالعبوس في العتمة. فهي لم تحل دون ارتكاب تلك العملية التي يمكن القول إنها كانت «الجريمة الأصلية» في مرحلة ما بعد الانهيار. ولأنها «الجريمة الأصلية»، لا بد من إعادة التذكير بها مع كل انتقال إلى مرحلة جديدة من الانهيار. والمرحلة الجديدة ستكون بلا شك أقسى من سابقاتها على سكان لبنان، وتحديداً، على الفقراء ومتوسطي الدخل منهم.
كل عائلة يملك أحد أفرادها حساباً مصرفياً يفوق الألف دولار ويقلّ عن الخمسين ألف دولار، لن تحصل على أي دعم
المنعطف الجديد اسمه رفع الدعم، وبحث إقرار «بطاقة تمويلية»، تُمنح لجزء من العائلات اللبنانية، لإعانتها على مواجهة تبعات قرار خفض دعم استيراد البنزين والمازوت والغاز والأدوية، بنسب متفاوتة. بعد أكثر من سنة و8 أشهر على بدء ظهور نتائج الانهيار، وبعد تأليف الكثير من اللجان، وجلسات وزارية ونيابية ومصرفية، أنهت اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة، أمس، عملها بشأن «البطاقة» التي تُقدّم بصفتها منقذةً للبنانيين من تبعات إلغاء الدعم أو خفضه أو ما يُسمّى «ترشيده».
ونيابة عن السلطة، اقترحت اللجنة الآتي:
ــــ العائلات الأكثر فقراً، التي تستفيد من قرض البنك الدولي الذي لم يبدأ توزيعه بعد، ستُمنح ما قرره لها البنك الدولي. بوضوح أكثر، اللبنانيون القابعون في حالة فقر مدقع، وكانوا قبل الانهيار يقفون على حافة الجوع، لن تلتفت إليهم السلطة، بل قررت ترك أمرهم إلى قرض من البنك الدولي يمنحهم عشرات الدولارات شهرياً.
ــــ باقي العائلات التي «تستحقّ دعماً»، والتي لم يُعرف عددها بعد، ستُمنح شهرياً ما معدّله 93 دولاراً أميركياً للعائلة الواحدة.
ــــ كل عائلة يملك أحد أفرادها حساباً مصرفياً يفوق الألف دولار ويقلّ عن الخمسين ألف دولار، لن تحصل على أي دعم. سيُقَر قانون يُلزم المصارف بدفع مبلغ 100 دولار شهرياً (مئة دولار أميركي فقط لا غير)، لتلك العائلة، من وديعتها. بوضوح أكثر، فإن أي فرد جمع ألف دولار على مدى سنوات، وكان حظه عاثراً إلى درجة إيداع «ثروته» في مصرف، سيكون محروماً من الدعم، ويُعتبر ماله المحجوز تعويضاً له أقرّته الدولة!
هذه الإجراءات هي كلّ ما ستواجه به السلطة حالة الانهيار التي تحققت، وتلك التي لم تبدأ بعد. كان لديها من الوقت ما يكفي لإقرار خطة نقل عام، تسمح بخفض كلفة استيراد المحروقات، كما تتيح للسكان التنقل من دون استخدام سياراتهم… وكان لديها ما يكفي لعقد اتفاقيات من دولة إلى دولة لاستيراد الغاز المنزلي بأسعار معقولة… وكان لديها من الوقت ما يكفي لعقد اتفاقيات استيراد الأدوية بأسعار «منطقية»… وكان لديها ما يكفي من الوقت لوضع خطة تحفيز للاقتصاد ودعم التصنيع المحلي وإعادة إطلاق العمل المصرفي بما يخدم الاقتصاد… وكان في النهاية يمكنها دفع مبالغ مالية مجزية للعائلات اللبنانية، لدعمها على تحمّل تبعات الانهيار، قبل تبعات رفع الدعم… كان يمكنها فعل الكثير في سنة و8 أشهر، لكنها فضّلت إهدار كل ذلك الوقت، لفتح الباب واسعاً أمام تهريب الأموال إلى الخارج، وتحميل عموم السكان الجزء الأكبر من الخسائر، بدلاً من أن يتحمّل الجزء الأكبر منها أولئك الذين تمنحهم ثرواتهم القدرة على دفع بدل الخسائر من دون أن يُسحقوا.
ثمة مفارقة إضافية تُضاف إلى ثنائية الـ«93 دولاراً للعائلة اللبنانية في مقابل 2.6 مليار دولار مهرّبة إلى سويسرا وحدها، في عام 2020 وحده». المفارقة الإضافية أن اللجنة النيابية، ونيابة عن عموم السلطة، قررت تمويل جزء من كلفة البطاقة المقترحة، عبر استخدام قرض من البنك الدولي مخصص لمشروع النقل السريع. مشروع للنقل العام، يربط العاصمة بالمناطق، بواسطة باصات سريعة، يخفض كلفة استيراد البنزين وكلفة التنقل التي يدفعها السكان. وبدلاً من الإسراع في تنفيذه، قررت السلطة دفنه واستخدام أمواله كـ«إبرة بنج» مؤقتة بعد إلغاء الدعم، وترك السكان ليستمروا بخدمة ثروات مافيا المحروقات.
وليكتمل عمل اللجنة النيابية، أصرّ بعض أعضائها (على رأسهم ياسين جابر ونواب القوات اللبنانية)، على الربط بين إقرار البطاقة ورفع الدعم. القواتيون كانوا يطالبون بإلغاء الدعم كاملاً. أما جابر، وبعض زملائه، فكانوا أكثر «رحمة». طلبوا من الحكومة مشروعاً لما يسمّونه «ترشيد الدعم»، فأتتهم وزيرة الدفاع والخارجية، زينة عكر، بورقة أعدّها زميلها وزير الاقتصاد راوول نعمة، وأقِرَّت في اجتماعات وزارية. تلك الورقة تبشّر بإلغاء كامل للدعم عن المواد الغذائية، وبنسبة 54 في المئة عن الأدوية، و30 في المئة عن الغاز، و40 في المئة عن البنزين، و32 في المئة عن المازوت. وفي حال الالتزام بوصفة راوول نعمة هذه، سيصبح سعر «جرّة» الغاز المنزلي أكثر من 125 ألف ليرة، وأكثر من 179 ألف ليرة لصفيحة المازوت، وأكثر من 192 ألف ليرة لصفيحة البنزين، بحسب الأرقام الواردة في الورقة الوزارية. هذه الأسعار تقترح السلطة مواجهَتها بتوزيع 93 دولاراً شهرياً على عدد محدود من العائلات. وهذه الأسعار لن تقف عند هذا الحد، لأن سعر الدولار بدوره لن يكون له سقف بعد رفع الدعم. جريمة جديدة ستُرتكب، باسم حماية أموال المودعين التي نُهِب أكثر من 85 في المئة منها، كما باسم مكافحة التهريب!
الدواء ما بعد انتهاء الدعم: «إيه في حلول»!
في ظلّ توقف صحة اللبنانيين على قرارات حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، يصبح من الواجب التساؤل عن دور المعنيين في ملف الدواء للبحث عن مخرج يُعفي من الوقوف على باب «المركزي»، خصوصاً أن انتهاء الدعم لا يعني أن لا خيارات أخرى يمكن الأخذ بها
يُجمع المعنيون بملف الدواء على أن لا دواء في السوق بعد شهرٍ من اليوم. وليست هذه خلاصة مبالغاً فيها، إذا ما أخذنا في الاعتبار انقطاع كثير من الأدوية، بينها عشرات أدوية أمراض السرطان، ومئات أدوية الأمراض المزمنة، وغيرها مما يُصنّف ضمن خانة الـotc، والتي بات معظمها خارج الخدمة أو يُباع بـ «الظرف».
صحيح أن مصادر وزارة الصحة ألمحت إلى أن ثمّة اتفاقاً مع حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، على استمرار الدعم لاستيراد كل الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد المستخدمة في المختبرات، إلا أن حاكم «المركزي» ربط القرار النهائي بموافقة المجلس المركزي للمصرف، في جلسته اليوم، على استيراد الأدوية وفق سعر الصرف الرسمي، واعتماد «آلية تنسيقية» تقضي بحصول المستوردين على موافقة مسبقة من مكتب وزير الصحة، تُعطى بحسب حاجة السوق، وتراعي ما هو موجود في «ستوك» الشركات المستوردة والمستودعات.
لكن، إلى الآن، «لا فول قبل أن يصير بالمكيول». وبما أن الاتفاق لا يزال حتى اللحظة وعداً، فإن مفاعيل انقطاع الأدوية بعد الشهر المقبل لا تزال أمراً واقعاً. وما يعزّز هذا الخوف هو الجدل المستمر ما بين الوزارة و«المركزي»، خصوصاً لناحية تعنّت الأخير وامتناعه عن صرف قيمة فواتير الأدوية التي وصلت إلى لبنان قبل إقرار الآلية الجديدة، والموجودة الآن في المستودعات. وهذا «ليس مشجّعاً»، على ما تقول مصادر أخرى في وزارة الصحة.
ففي ظل هذا الواقع، ومع قرب الوصول إلى نهاية «قصة الدعم»، تكبر الأسئلة: فماذا يمكن أن يحصل بعد ذلك؟ ما هي السيناريوهات أو الخيارات المتاحة التي يفترض بوزارة الصحة أن تمنع بموجبها حصول الكارثة؟
مشكلة الدواء في لبنان أنها «ليست مشكلة آنية، وإنما ممأسسة»، بحسب مصادر الوزارة. وهي تبدأ من «استلشاء» الدولة في دعم الصناعة الوطنية وتركها «الشغل» للشركات الخاصة. ومن تبعات هذا الأمر أن الأمن الدوائي بات مكشوفاً، إذ أن 97% من الأدوية المستهلكة في السوق مستوردة. أما الحديث اليوم عن دعم الصناعة الوطنية فليس مسنوداً حتى الآن بأي خطة، والمتوفر فقط هو دعم المواد الأولية التي تدخل في صناعة الدواء، «وهذا غير كافٍ، خصوصاً أن الأكلاف الأخرى من تعليب وكرتون وورق ومحروقات وغيرها تفوق بقيمتها المواد المدعومة «ج». يضاف إلى ذلك أن غالبية الصناديق الضامنة لا تلحظ في مناقصاتها حصة للصناعة الوطنية باستثناء وزارة الصحة العامة التي تخصص 10% من المناقصات لها.
«استلشاء» الدولة في دعم الصناعة الوطنية جعل 97% من الأدوية المستهلكة في السوق مستوردة
مع ذلك، لا يعني الأمر أن لا حلول أو بدائل. بحسب المصادر، «هناك أكثر من خيار أمام وزارة الصحة تؤمّن استمرارية الدواء على المديين القصير والطويل. البطاقة الدوائية التي أعلن حسن عن قرب إطلاقها هي أحد الخيارات الأساسية. إذ أن تطبيقها يؤدي إلى ترشيد صرف الأدوية تحت إشرافٍ طبي من جهة ومنع الاستعمال العشوائي للأدوية من جهة أخرى، وهي يُفترض أن تكون موصولة ببرامج إلكترونية تتيح تتبّع الدواء، ما ينعكس على قيمة الفاتورة الدوائية. وتخزّن هذه البطاقة معلومات عن المريض وأدويته المزمنة، بحيث «لا يستطيع صرف أدوية تتعدى ما هو مسموح له». أما الجزء الآخر من «المهمة»، فهو التخفيف من الأكلاف، إذ أنها «ستكون بطاقة بأدوية الجينيريك لا البراند».
وإلى تلك البطاقة التي ستعلن عنها الوزارة في الأيام المقبلة، تُطرح حلول تضعها مصادر الوزارة في خانة «المهمة»، منها إقرار «تسهيلات للموافقة على استيراد سريع للأصناف المفقودة من السوق، وقبول تسجيل أدوية من مصادر متنوّعة لسد النقص». صحيح أنها «ستكون أدوية غير مدعومة، إلا أن أسعارها تنافس البراند المدعوم». يضاف إلى ذلك خيار «دعم كل الأدوية المنتجَة محلياً بسعرها النهائي»، و«إلغاء الأدوية المستوردة من الخارج، والتي تنتج منها المصانع الوطنية صنفين»، إضافة إلى التخفيف من الأدوية «البراند» لمصلحة «أدوية جينيريك تحمل الفعّالية نفسها ولكن بأسعار أقل».
ويمكن أن يكبر هامش الحلول، من خلال توسيع مروحة الأدوية، بحيث يمكن أن يصبح العلاج في بعض الأحيان مرتكزاً على الفئة العلاجية، وهذا يضمن التنويع في الأدوية. «هذا يعني، مثلاً، أنه في علاج تقرّحات المعدة نذهب إلى مجموع الأدوية التي تؤدي إلى العلاج نفسه». كما قد يكون العلاج مرتكزاً على التركيبة العلمية «بما يفسح المجال أمام أكثر من اسم تجاري مع ضمان الفعّالية». أكثر من ذلك، يمكن أيضاً القيام بخطوة أخرى لا تقلّ أهمية، هي إلزام الأجانب الذين يشترون أدوية من لبنان بدفع فرق سعر الدواء في المطار».
هذه الطروحات عينة مما يمكن أن تقوم به الوزارة والمعنيون لتجنّب الوقوع، كل مرة، تحت وطأة قرارات المصرف المركزي. فهل تسلك طريقها إلى التنفيذ؟
التدقيق الجنائي: مطالبة «ألفاريز» بقيمة العقد سلفاً تؤخر الاتفاق
مرّت نصف المهلة التي ينص عليها قانون تعليق أحكام السرية المصرفية في ما يتعلق بالتدقيق الجنائي، من دون أن يبدأ التدقيق. مفاوضات لا تنتهي تجري على خطوط متعددة، تشمل وزارة المالية وشركة «ألفاريز ومارسال» ومصرف لبنان، بمتابعة لصيقة من رئاسة الجمهورية. المماطلة فصل أساسي من هذه المفاوضات، لكنها صارت معتادة لكل من يعمل على الملف. ثمة جهات ترفض التدقيق من أساسه، ولا تيأس من وضع الألغام في طريقه. مصرف لبنان في طليعتها، هو الذي رفض تسليم المعلومات المطلوبة بحجج مختلفة، لكن ذلك لا يعفي معظم من أقرّوا القانون في مجلس النواب من السعي للالتفاف عليه.
مع ذلك، فإن هذه العقبات نُحّيت جانباً حالياً، وصار التركيز على السعي إلى إعادة إحياء العقد الموقّع معها. وزير المالية، غازي وزني، يرفض تحمّل المسؤولية عن أي قرار يتعلق بالتدقيق، وهو لذلك يطلب تكراراً موافقة رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية على كل خطوة. وبعدما حصل على موافقة استثنائية لتفويضه التفاوض مع شركة التدقيق على التعديلات المقترحة من قبلها، ونتيجةً لهذا التفاوض، أصرّت الشركة على الخطوات التالية:
– أن تدفع الدولة اللبنانية 150 ألف دولار أميركي بدل إنهاء العقد السابق الموقّع في 31 آب 2020.
– أن تدفع الدولة 100 ألف دولار تحتفظ بها الشركة لضمان تنفيذ العقد.
– تدفع الدولة كامل قيمة العقد، أي 2 مليون و740 ألف دولار بدل أتعاب ومصاريف عند توقيع العقد بما فيها المئة ألف دولار.
– تأكيد مصرف لبنان جاهزية المعلومات المطلوبة منه من قبل الشركة بموجب قائمة المعلومات (IRL) وبالشكل المتفق عليه.
– أن تقدم الشركة تقريرها الأولي في غضون 12 أسبوعاً من تاريخ بداية تقديم الخدمات.
لكن وزير المالية لم يبتّ هذه المطالب، لأن العقد سبق أن أحيل على هيئة التشريع والاستشارات، فقد طلب منه إعادة تحويل العقد الجديد إليها، لأخذ رأيها، علماً بأن مصادر مطّلعة كانت أشارت إلى أن وزير المالية سيطلب موافقة استثنائية جديدة على العقد، لما يتضمنه من التزام مالي ليس بصدد تحمّل مسؤوليته منفرداً، علماً بأنه كان أشار في كتابه الموجه إلى الهيئة، في 9 حزيران الجاري، والذي يطلب فيه رأيها في التعديلات تمهيداً لإبرام العقد، أن رئاسة الجمهورية وافقت على هذه التعديلات، فيما طلبت رئاسة مجلس الوزراء إرسال الملف إلى الهيئة لإبداء رأيها.
هيئة الاستشارات ترفض دفع قيمة عقد التدقيق سلفاً
بعد يوم واحد من تلقيها الكتاب، أنجزت رئيسة الهيئة القاضية جويل فواز الاستشارة، وحوّلتها إلى وزارة المالية في 14 حزيران، مركّزة على عدم جواز دفع قيمة العقد مسبقاً. فقد استغربت الهيئة كيف تلجأ شركة، مطلق أي شركة، إلى أن تفرض على الدولة أن تسدد لها كامل أتعابها قبل قيامها بالمهمة المطلوبة منها، والتي يراد التعاقد معها لإتمامها. لذلك، أوضحت الهيئة أنها لا توافق على هذا التعديل، مقترحة أن يصار إلى دفع نسبة من الأتعاب عند اتخاذ قرار بدء العمل (بعد تسليم مصرف لبنان كل المعلومات) لا تتجاوز بأحسن الأحوال نسبة 40 في المئة التي كان متفقاً عليها في العقد الأساسي، ولا سيما أن الشركة تكون قد حصلت مسبقاً، وقبل أن تبدأ بمراجعة المستندات والمعلومات المسلّمة إليها من مصرف لبنان، على 100 ألف دولار، يحق لها الاحتفاظ بها في حال إنهائها الاتفاق إذا لم تتمكن من اتخاذ قرار بدء العمل، لعلّة تسليمها المعلومات المطلوبة بشكل غير ملائم.
الهيئة كانت توقفت عند عدم الوضوح في طبيعة العقد. هل هو عقد جديد أم تعديلات على العقد القديم؟ فالوزارة تقول حيناً إنها تتعامل مع تعديل على العقد القديم، وتارة تقول إنها تفاوض على عقد جديد. لذلك أكدت الهيئة أنها لتتمكن من إبداء الرأي فيه بشكل نهائي يجب توقيع عقد جديد متكامل يصار إلى تضمينه التعديلات المراد إدخالها، مذكرة بأن العقد السابق لم يعرض عليها بشكله النهائي، إذ تضمن تعديلات لم تكن موجودة في المسودة التي اطلعت عليها.
أما بشأن دفع الـ150 ألف دولار التي تطالب الشركة بها نتيجة إنهاء عقدها الموقع في 31 آب 2020، فأوضحت الهيئة أنها غير قادرة على إبداء الرأي بشأنها، أولاً لأنها لم تطلع على كتاب الإنهاء المرسل من قبل الشركة، وثانياً لأنها ليست في موقع يخوّلها التحقق مما إذا كانت فعلاً المستندات التي جرى تسليمها إلى الشركة تكفي أو لا تكفي للبدء بمهمتها. وعليه، فهي اعتبرت أنه إذا رأت وزارة المالية أن ما تدلي به الشركة هو في موقعه الصحيح وأن المستندات التي سُلّمت إليها لا تكفي فعلاً لقيامها بعملها، فإنه لا حاجة إلى منازعة الشركة بالنسبة إلى هذا المبلغ.
ما الذي سيحدث بعد هذه الاستشارة؟ تذكّر شخصية مطّلعة بأن رأي الهيئة غير ملزم للإدارة، مشيرة إلى أن ما أدلت به هو البديهي، إذ لا يُعقل أن يُسدّد أحد الثمن الكامل لخدمة لم تنجز. مع ذلك، يقول المصدر إن هذا المبدأ لا يعني أن القيام بعكسه هو مخالف للقانون، فالدولة يحق لها أن تدفع بالطريقة التي تراها مناسبة. ويوضح أن هذا الطلب ناتج عن وصول لبنان إلى مرحلة اللاثقة بالنسبة إلى الشركات والمنظمات الدولية، وهو ما يجعل الشركة تطالب بالمبلغ كاملاً. ولذلك، المطلوب أن يعاد التفاوض مع الشركة مجدداً بشأن طريقة الدفع، بما يضمن لها الحصول على أموالها. ولذلك، علمت «الأخبار» أن وزارة المالية ستعقد عند الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم اجتماعاً مع «ألفاريز» عبر الهاتف، للبحث مجدداً في طريقة الدفع، علماً بأن رئاسة الجمهورية، على ما يؤكد وزير المالية، لم تعارض الأمر في المبدأ.
لبنان في قلب التنين [2]: عن حلف التسعينيّات المتجذّر
ابراهيم الأمين
لم يتعب الرئيس نبيه بري من السياسة. قال قبل مدة إنه لا تقاعد في العمل السياسي، وإن المرء ما دام يتمتّع بقدرات جسدية وعقلية، فبمقدوره ممارسة العمل السياسي. وبري مثل كميل شمعون الذي قال ذات مرة إنه سيظلّ يعمل في السياسة حتى بعد موته بعشرين سنة. بري، هنا، يمثّل الصورة الأكثر وضوحاً عن القوى والشخصيات التي تستمتع بما تقوم به. كل انزعاج أو ضيق يظهر بين فترة وأخرى، لا يعني تعباً من اللعب مع الجميع. لكنه يعبّر أحياناً عن ضيق من لاعبين انضمّوا ويحتاجون الى وقت حتى يحصلوا على بطاقة العضوية في نادي الكبار.
بهذا المعنى، يحجز بري لنفسه موقعه الدائم. وقد قال، بالمناسبة، لمن يهمّه الأمر إنه لا يزال مرشّحاً لتولي رئاسة المجلس النيابي لولاية جديدة. وهو، في هذه اللحظة، لا يقطع الطريق على طامحين، بل يريد أن يثبّت في عقول الآخرين، من أنصار أو حلفاء أو خصوم، أنه لا يرى مانعاً من البقاء في منصبه، وأن الذين ينظرون إليه على أنه دخل مرحلة التقاعد يتوهّمون أن تغييرات تفرض عليه الابتعاد طوعاً، ولا يجيدون قراءة الوقائع حتى يفترضوا أن بمقدورهم إبعاده عن موقعه ودوره قسراً. وفي كل الحالات، يقف بري وسط الساحة رافعاً سيفه الذي اعتاد حمله. بري لا يقدر اليوم على اختراع عضلات جديدة تتيح له حمل سيف أكثر وزناً وفعالية. ولا هو في مرحلة ابتداع آليات مختلفة لإدارة ما يرى أنه برنامجه. بري، اليوم، ينظر بجدية واهتمام الى ما يجري في ملف تأليف الحكومة بطريقة ليست موجودة لدى جميع أقرانه أو حلفائه من الحلف السياسي الذي جاءت به التسوية السورية ــــ السعودية ــــ الأميركية وثبّتت قواعده في حكم لبنان طوال 15 عاماً، ثم أدخلت عليه تعديلات لـ 15 عاماً أخرى. وبعد ثلاثين عاماً من تولّي المسؤولية الكاملة، لا يزال الرئيس بري يرى أن بإمكانه الاستمرار.
وهو يقف على رأس حلف أساسه قوى «الإسلام السياسي»، بالمعنى اللبناني للتعبير. لديه حليف تاريخي اسمه وليد جنبلاط. تقاتلا وتخاصما وتحابّا وتفاهما وتعاتبا، لكنهما أكثر سياسيين لبنانيين يفهم كل منهما الآخر. ولديه تركة حليف آخر اسمه رفيق الحريري، رحل في لحظة غير محسوبة، فأسندت مسؤوليته الى ابنه سعد الذي كان بري يتعب في الحوار معه قبل 15 عاماً، لكنه صار يفهم عليه ويقدر على إفهامه أكثر بعد 15 عاماً. وسعد يمثّل الضلع الثالث في تحالف قامت عليه جمهورية اتفاق الطائف، أو النسخة الإسلامية من النظام الطائفي الذي قام لأول مرة في عام 1943 بأرجحيّة مسيحية. وبري، كما الحريري وجنبلاط، يعرفون طرق التعايش مع التطورات الجارية من حولهم. لكنهم غير مستعدين لتنازلات تجعلهم في موقع مساوٍ للآخرين. وهذا هو جوهر المشكلة التي يعيشها النظام اللبناني منذ ما بعد 7 أيار 2008، يوم ارتكب الأميركيون خطأً جوهرياً جعل المقاومة في لبنان تدخل تعديلات على آلية الحكم في لبنان، وتُدخل الثلث الضامن مادة حاكمة لنظام الحكم ولو لم تُكتب في الدستور. والثلث الضامن، استخدمته المقاومة ليس لحماية مصالحها من مؤامرات عملاء الغرب وعربهم في لبنان، بل لتعزيز موقع الحليف المسيحي الأبرز، ميشال عون، في مؤسسة الحكم. كان الثلث الضامن بمثابة تعويض ضروري للرئيس عون عن إبعاده عن موقع المسؤولية الأول بعد فوزه الساحق في انتخابات عام 2005. وكان الثلث الضامن ورقة القوة التي يمسك بها عون في وجه التحالف الضمني الذي يجمع بري والحريري وجنبلاط وآخرين. وليس سراً أن حزب الله لم يمانع أن يمتلك عون حق الفيتو بواسطة هذا الثلث في مواجهة من لا يريد حزب الله مواجهتهم مباشرة.
يرفض التحالف الثلاثي الاعتراف بعون شريكاً كامل المواصفات ورهانهم في المعركة على حياد حزب الله
المعركة على طريقة إدارة السلطة هي ما يحصل الآن. وكل ما جرى منذ انتخاب عون رئيساً للجمهورية، هو رفع حلف التسعينيات من سقف المواجهة. الأمر هنا لا يتعلّق بأن عون يريد نسف النظام، أو أن جبران باسيل يقود عملية إصلاحية تستهدف إعادة تركيب الدولة بطريقة مختلفة. بل المشكلة تكمن، أساساً، في كون حلف التسعينيات لم يقبل فكرة أن يدخل عون نادي السلطة شريكاً بكامل المواصفات. بهذا المعنى، ربما كان حزب الله الوحيد الذي أعاد «الوديعة» المسيحية الى عون، من التمثيل النيابي في جزين وبيروت والبقاع الشمالي، ثم دعم أحقية وصوله الى رئاسة الجمهورية باعتباره الأكثر تمثيلاً عند المسيحيين. وإذا كان حزب الله لا يشعر بقلق من عودة هذه الوديعة الى أصحابها، فإن الأمر ليس على هذا النحو مع حلف التسعينيات. جنبلاط يتصرّف على أن المقاعد النيابية المسيحية التي أخذها العونيون في بعبدا وعاليه والشوف انتزعت منه. لذلك كان شديد الصراحة عندما اعتبر عون كميل شمعون آخر. وهو كان يريد بقاء الأمور على حالها. وقد نجحت خطّته في منع عودة شعبية مسيحية كبيرة الى مناطق سيطرته، وكان مرتاحاً الى القيادات المسيحية التي ارتضت العمل تحت عباءته منذ تسعينيات القرن الماضي. بالنسبة إلى جنبلاط، المسيحيون يجب أن يكونوا مثل نعمة طعمة لا أكثر. أما الحريري، الذي يتصرّف على أنه رئيس تيار وطني متنوّع، فيتذاكى على بقية الناس، مصدّقاً كذبة والده بأنه قائد تيار عابر للطوائف والمناطق. لذلك، يتصرّف على أن المقاعد المسيحية التي تقع ضمن «ولايته» (ذات الغالبية السنية) هي ملكه، وأن على المسيحيين فيها أن يختاروا من بين الذين يرشّحهم هو لهم. ومشكلته مع عون أساساً تكمن في كون الأخير جاء ليقول له: أنا ألعب مثلك ومثل بقية الزعامات الطائفية، وهذه المقاعد تخصّني ولا تخصّك! لكن مشكلة الحريري أكبر من مشكلة جنبلاط، كونها تنتقل الى القطاعات الفعّالة في الحكومة والمصارف وعالم المال ورجال الأعمال. والحريري هنا مصدوم من كون المرجعيات الدينية التي استوعبها والده، أو حيّدها هو بالتعاون مع السعودية والفرنسيين والأميركيين (من بكركي الى الفرع اللبناني من الكنيسة الأرثوذكسية بقيادة إلياس عودة) لا تساعده على رفع الحُرم في وجه عون، علماً بأن القيادات التاريخية في الكنيستين المارونية والأرثوذكسية لم تقف يوماً إلى جانب عون.
على أن الطرف الأقوى في هذا الحلف بقي معانداً هو أيضاً لفكرة أن يكون عون شريكاً كامل المواصفات. فكرة أن تكون لبري وصاية مباشرة على مقاعد نيابية مسيحية في الزهراني وجزين ومرجعيون والبقاع الغربي وبيروت، قائمة على أساس أن موقعه في رئاسة المجلس النيابي من جهة، ونفوذه الكبير في مؤسسات الدولة التنفيذية من جهة أخرى، يمنحانه الحق في أن يكون شريكاً في اختيار هؤلاء. ربما كان هذا الأمر صحيحاً لو أن برّي يقبل أن يكون حزب الله شريكاً بالتساوي الحقيقي معه في الحصة الشيعية، أو أن يقبل منافسة لا شراكة عون في الحصة الشيعية نفسها. وبري، أجاد مرات كثيرة في مقايضة الحريري الأب والابن في مبادلة مقاعد شيعية بحصص أخرى على مستوى النفوذ داخل الدولة.
بهذا المعنى، يمكن فهم الموقف الجذري لحلف التسعينيات اليوم. هم لا يخشون انقلاباً على النظام يقوده ميشال عون، بل يرفضون أن يكون شريكاً مستقلاً في إدارة الدولة. وإذا كان عون يرى ضرورة مراجعة كيفية إدارة الدولة خلال 15 عاماً، فإن الحلف المتجذّر يعتبره شريكاً في حكم 15 عاماً أخرى. لكن الحقيقة أن هذا الحلف، الذي انضمّ إليه مباشرةً أو بنحوٍ غير مباشرة خصوم عون من المسيحيين على وجه التحديد، لا يريد لهذه الشراكة أن تكون. وهذا ما يجعلهم يدافعون عن فكرة الحريري حول طريقة تأليف الحكومة. وهم لا يتّكلون فقط على قدراتهم من أجل خوض المواجهة، بل يستندون أساساً الى كون حزب الله القوة الفاصلة في أي معركة جدية، لا يزال ممتنعاً عن خوض المعركة طرفاً إلى جانب هذا أو ذاك!
تحويل الأموال من لبنان إلى سويسرا: 2.6 مليار دولار عام 2020!
من 3.9 مليارات فرنك سويسري (4.35 مليارات دولار أميركي) سنة 2019 إلى 6.4 مليارات فرنك (7.03 مليارات دولار أميركي) سنة 2020، ارتفعت الأموال المودعة في مصارف سويسرية ومصدرها لبنان! الزيادة بنحو 2.6 مليار دولار أميركي، تُشكّل دليلاً حسّياً على استمرار «تهريب» الأموال من لبنان إلى الخارج. هؤلاء الذين يملكون الدولارات وقرروا تحويلها لـ«ينجوا» بها، ليسوا بالتأكيد عمّالاً وكادحين ومن «صغار المودعين»، بل سياسيون ورجال أعمال وأصحاب مصارف ومديرون كبار في البنوك ونافذون مُرتبطون بالمنظومة الحاكمة، قرّروا أنّ يُحمّلوا الخسائر لعامة الشعب ويُخلّصوا أنفسهم. وهي دليلٌ أيضاً على الهدف الحقيقي من تطيير إقرار قانون القيود على حركة رأس المال والتحويلات المالية إلى الخارج («الكابيتال كونترول»). على مدى سنة ونصف سنة، خرّب نواب ومصرفيون ومحتكرون ورؤساء كتل وأحزاب وتيارات كلّ محاولات إقرار القانون، عَملوا خلالها على نقل أموالهم إلى الخارج، غير آبهين بانهيار البلاد على الصعد كافة، وبأن «صغار المودعين» لم يكونوا قادرين على سحب فتات جنى أعمارهم من المصارف اللبنانية.
الأرقام كشفها أمس المصرف المركزي في سويسرا، وأظهرت أن الودائع الآتية من لبنان، ارتفعت عام 2019 بنحو 1.1 مليار فرنك سويسري، فيما لم ترتفع عام 2018 سوى بنحو 39 مليون فرنك سويسري. وفي بعض السنوات، كان مجموعها ينخفض، كما في الأعوام 2013 و2014 و2015 و2016.
ونشر موقع «FiNews» تقريراً يُشير إلى أنّ كشف هذه المعلومات «يأتي على خلفية التحقيقات السويسرية والفرنسية في المخالفات المُشتبه بارتكابها في المصرف المركزي اللبناني». الارتفاع عام 2020 قياسي، ويُشكّل «أعلى مستوى منذ أن بدأ البنك المركزي في سويسرا إصدار البيانات سنة 1996». اعتبر تقرير «FiNews» أنّ البيانات «مُثيرة للاهتمام» لسببين رئيسيين، الأول فرض قيود شديدة على «المعاملات بالنقد الأجنبي في ظلّ المشاكل الاقتصادية التي يُعانيها لبنان»، والثاني يتعلّق بـ«الشائعات حول تحويل السياسيين وصنّاع القرار مبالغ كبيرة إلى الخارج». وذكّر الموقع بأنّ الحاكم رياض سلامة، «المُعيّن في مركزه منذ سنة 1993، تحوّل إلى موضوع محوري في التحقيقات الأوروبية. المدعي العام السويسري يُحقّق معه ومع شقيقه رجا في غسل أموال وعمليات احتيال في المصرف المركزي».
عون – حزب الله ومعادلة المقايضة: تتركونني أترككم
تفاوتت تفسيرات المواقف الأخيرة للنائب جبران باسيل، مترجّحة بين التنديد والتبرير والصمت والتشفي. بيد أنها دلّت أكثر من ذي قبل على أزمة فعلية في تحالف الرئيس ميشال عون وحزب الله منذ 6 شباط 2006
ليست المرة الاولى تُطرح مآخذ متبادلة بين فريقي «تفاهم مار مخايل» وتحملهما – او احدهما على الاقل – على التحدث عن الحاجة الى مراجعة تحالفهما في ضوء تقويم المرحلتين السابقة بما رافقها، والحالية بما ينتظرها. كلاهما قالا مراراً ان تحالفهما اقوى من ثغره والشكوك التي باتت تحيط به. يعترفان ايضاً بأن وقائع الحاضر تجاوزت حاجات الماضي التي تطلبها واحدهما من الآخر. الا ان كلام رئيس كتلة لبنان القوي النائب جبران باسيل، الاحد الفائت، اظهر الى السطح للمرة الاولى أزمة ثقة جدّية ما بينهما. في النبرة كما في المخاطبة والمحتوى والاشارات المخفية. ما كانا يتبادلانه في السرّ وعلى نحو غير مباشر، وفي جولات التفاوض، خرج الى العلن، سواء كان المقصود المُخاطِب أم المُخاطَب.
بالتأكيد لا توحي ازمة الثقة هذه بانجرارهما الى تقويض «تفاهم مار مخايل»، والتنصل منه. غير انهما باتا الآن في حاجة اكثر الى تكييفه مع مرحلة جديدة، تختلف تماماً عما كان يدور بين عامي 2005 و2006: اعداء الماضي اصبحوا حلفاء اليوم، وحلفاء الحلفاء حينذاك صاروا خصوماً اقرب الى اعداء.
لعل الاهم ليس ما قيل الاحد فحسب، بل ما يُفترض ان يعني كل ما قيل، وهو ان صاحب المواقف تلك كان رئيس الجمهورية ميشال عون، وإن بلسان صهره رئيس الكتلة الأكبر في مجلس النواب. ما تحدّث عنه باسيل هو اللغة نفسها التي كان عون يطرقها قبل عام 2005 وبعده حتى عام 2008، كلما تناول موقع المسيحيين في السلطة والحكم. اضحت الآن مع باسيل تحمل عنوان «الحقوق المسيحية». لذا يصبح من الطبيعي الافتراض ان الكثير مما خاطب به باسيل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، هو ما رَامَ رئيس الجمهورية ان يقوله لحليفه.
ما بات في ماضي تحالف طرفي «التفاهم»، ان كليهما أتمّا تسديد ديون بعضهما بعضاً. وقف عون إلى جانب حزب الله في حرب تموز 2006، فردّ الحزب الجميل له بأن اضحى التيار الوطني الحر بدءاً من عام 2008 في صلب معادلة السلطة والحكم. لم يتردد ايضاً في الجهر بتعطيله انتخاب رئيس للجمهورية ما بين عامي 2014 و2016 ما لم يكن المرشح الفائز هو عون بالذات. ما بين هاتين المرحلتين، بلغ التيار اوجاً سياسياً غير مسبوق في انتخابات 2009، وصولاً الى انتخابات 2018، وفي الحكومات الاربع التي سبقت انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
قد لا يكون صائباً القول ان حزب الله وحده أوصل عون الى رئاسة الجمهورية. الصائب انه جعله المرشح الذي لا تجرى انتخابات رئاسية من دونه، ولا يكتمل نصابها من غير ان يصبح هو الرئيس. لذا عطّل جلسات الانتخاب الـ45 المتتالية، وابقى – الى اصرار عون ايضاً – على حليفه مرشحاً رئاسياً فقط. الصائب كذلك ان انضمام الرئيس سعد الحريري الى حزب الله في تأييد عون اتمّ الاستحقاق، فافضى في نهاية المطاف الى انجاز مثلث الربح وضع قواعد التسوية: في مقابل عون رئيساً للجمهورية، يمضي الحريري الولاية كلها رئيساً للحكومة، فيما حزب الله يمثّل مرجعية استقرار الداخل دونما الخوض في اي من اسباب الخلاف معه، بما في ذلك سلاحه ودوره في النزاعات الاقليمية.
كلام باسيل الأحد يُخرج رئيس الجمهورية عن صمته
على نحو كهذا، اضحى لحزب الله حليفان موثوق بهما وضروريان لاستمرار الاستقرار، هما عون والحريري. لأنهما حليفاه، لم يكن في حاجة الى المفاضلة في ما بينهما. صحّ ذلك في ظل التسوية الرئاسية المعروفة، قبل ان يفترق رجلاها ويتبادلا بغضاً شخصياً غير مسبوق.
ما تحدّث عنه باسيل الاحد – رغم قوله انه آخر كلام فيها – يبدأ بمشكلة الحكومة المتعذّر تأليفها، ولا يقتصر عليها. ثم لا تلبث هذه ان تضع تحالفهما على المحك اذ تعود بهما الى البدايات: لم ينشأ «تفاهم مار مخايل» بسبب فائض القوة السياسية والشعبية لدى حزب الله، ولا بسبب امتلاكه السلاح، ولا ما ستبيّنه السنوات التالية بعد عام 2012 عندما تدخّل في الحروب الاقليمية في سوريا والعراق واليمن، بل رمى الى مساعدة التيار – في مقابل الغطاء المسيحي الذي يوفره لسلاح حزب الله كان الاخير يحتاج اليه – من اجل الدخول في السلطة. توخى «التفاهم» طيّ صفحة التحالف الرباعي عام 2005 مذ مُنع عون وتياره – الفائز بكتلة نيابية كبيرة حينذاك – من المشاركة في اولى حكومات انقسام البلاد ما بين قوى 8 و14 آذار. ذلك ما تحقق بالفعل منذ ما بعد اتفاق الدوحة عام 2008 في استحقاقات الانتخابات النيابية، ثم الحكومات المتعاقبة. وهو فحوى ما دلّ عليه باسيل بتلميحه الى استمرار معادلة المقايضة: تغطية مسيحية في مقابل توازن مسيحي. بعبارة ابسط ليس فيها تهويل ولا تخويف ولا ابتزاز: تتركونني، اترككم.
ما لا يخفى عليه ايضاً – وهو يؤكد معادلة المقايضة – معطيان اثنان على الاقل صارا عقبة فعلية في طريق استمرار «التفاهم» في صيغته القديمة، بعدما انقلبت الادوار والمواقع رأساً على عقب:
– معرفته الوثيقة بالاولويات الثلاث المتتالية لحزب الله لا يتساهل حيالها: وحدة البيت الشيعي بينه وحركة امل، الاستقرار السنّي – الشيعي، وقوفه الى جانب رئيس الجمهورية. للاولويات الثلاث هذه اهمية متساوية، الا ان ترتيبها، على نحو ما هي عليه الآن، يخضع لتدرّج اخطارها. لم يعد يشعر التيار الوطني الحر، ولا حتماً عون وباسيل، بأن تحالفهما مع الحزب كما في لحظة ابرامه لا يزال يتقدّم الكثير من الاولويات. مكمن هذا الهاجس ان حزب الله انتقل من التحالفات العمودية العميقة الى التحالفات الافقية المسطحة.
– ليس خافياً تمسك حزب الله بالحريري الذي بات، في حال الوهن التي اضحى عليها، افضل الفرص الاستثنائية التي لا يسع الحزب اهدارها. لن يمنحه الحظ يوماً ما هو عليه في علاقته الآن بالرئيس المكلف، وقد لا يتوافر مع اي رئيس مكلف آخر: ان يكون على قطيعة نموذجية مع السعودية وممنوعاً من زيارتها، ويبدّد تدريجاً كل الثقل الاقليمي والدولي الذي اورثه اياه والده الراحل، ويكون مع ذلك الاول في طائفته يقنعها بمهادنة الحزب بذريعة المحافظة على الاستقرار السنّي – الشيعي في الشارع، ويُحجم عن الخوض في المشكلة الأم التي اشاعها قبل سنوات في تياره وشعبيته وهي سلاح الحزب ودوره في النزاعات الاقليمية وفي اغتيال والده، ويتحول حزب الله من خلال الرئيس نبيه برّي ملاذاً آمناً للرئيس المكلف كي يترأس الحكومة بلا منافس، ويعوّض خسارته حلفاءَه السابقين بالثنائي الشيعي المتشبث بتكليفه وبرفض السماح له بالاعتذار عن عدم تأليف الحكومة.
قلمّا ستسنح للحزب فرصة كهذه يوماً، تجعل الجميع يحتكم اليه ويحتمون به. في احسن الاحوال على نحو ما اضحى عليه العدوّان الجديدان الحريري وباسيل.
اللواء
بعبدا تنتظر مساعي حزب الله.. للإنقضاض على حلف برّي – الحريري!
العقوبات تسابق قروض البنك الدولي للبطاقة التمويلية.. وبيروت ثالث أغلى عاصمة في العالم
أغرب ما يجري الآن، هو ترداد المواقف السياسية حول ضرورة وأهمية تأليف الحكومة، إما لإغراق البلد أكثر فأكثر في الدوامة، وإما لتبرئة الساحة، ثم المشاركة على مواقع التواصل أن الدنيا ليست بخير، وأن الأسعار آخذة بالارتفاع كعلامة من علامات الانهيار، وأن سلعاً جديدة، أضيفت إلى الملف المعيشي المأزوم، كارتفاع سعر كيلو البن إلى مئة ألف ليرة، وارتفاع سعر ربطة الخبز بسبب رفع الدعم عن السكر.
ومع انكفاء الطبقة السياسية الممسكة بزمام الأمور، تظهر كل ساعة، وكل يوم مظاهر الفساد، وفصوله، ووقائعه، سواء على مستويات الدولة وكبار الموظفين والمؤسسات والمرافق العامة. واللافت، في الوضع هو بروز ثلاثة تيارات في ما خص تأليف الحكومة:
1- حلف بين عين التينة والرئيس المكلف سعد الحريري، في ما خص مبادرة الرئيس نبيه بري، الماضي بالتمسك بها إلى النهاية، وهذا الحلف أشبه «بالحلف المؤقت» بعد وحدة الموقف، والاتحاد بين الرئيس بري والحريري.
2- حلف غير خفي بين التيار الوطني الحر وحزب الله، وإن بدا الحزب يمسك العصا من الوسط، مع دعم مباشر من فريق سياسي، على ارتباط بعاصمة معنية، لقصر بعبدا، والتيار الوطني الحر.
3- تيار ثالث، يعبّر عنه النائب السابق وليد جنبلاط يجنح إلى التسوية مع بعبدا، وتأليف حكومة، مقابل تنازلات متبادلة، وفقاً لمقتضيات التسوية.
على جبهة بعبدا، يتحدث زوار القصر عن أن الرئيس ميشال عون يدرس بعض الخيارات، بدءا من الاسبوع المقبل، وفي ضوء ما تصل اليه الاتصالات الجارية مع حزب الله، عبر النائب باسيل، الذي رمى كرة النار إلى الأمين العام لحزب الله.
وهذه الخيارات تتعلق «بلعبة قانونية» لسحب التفويض النيابي للرئيس المكلف تأليف الحكومة، في ضوء وساطة حزب الله بين بري وباسيل.
وقالت مصادر متابعة لعملية تشكيل الحكومة ان التواصل بين الأطراف المعنيين بعملية التشكيل متوقف حالياً، باستثناء اتصالات جانبية غير معلنة في حين انحصرت الاتصالات خلال اليومين الماضيين بين مسؤولين في حزب الله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري لتطويق الاشتباك السياسي العالي النبرة مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ومنع تفاعله نحو الأسوأ. وقد نجحت الاتصالات في إبقاء ما حصل ضمن اطار محدود، وتجنب معظم النواب والقياديين من الجانبين التعليق على الخطاب الأخير لباسيل.
وأشارت المصادر إلى انه وبرغم حدة الاشتباك السياسي بين بري وباسيل وحساسية الموقف الذي أعلنه باسيل بتفويض الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بما يقبله بخصوص حصة الرئيس عون الوزارية ومن خلاله حصة التيار الوطني الحر، وما تسبب فيه من إحراج واستياء ملحوظ داخل الحزب، جراء هذا الطلب، فان مقربين من الحزب أكدوا أن التوجه لديهم هو المحافظة على العلاقة التحالفية المميزة مع سائر الحلفاء وفي مقدمتهم بري، وعدم السماح لأي كان التأثير سلباً على هذه العلاقة أو إحداث اي شرخ فيها، وفي الوقت ذاته ابقاء خطوط التواصل مع التيار الوطني الحر قائمة، لأجل التفتيش عن حل للازمة بأسرع وقت ممكن. ولذلك لم يتوقف التواصل مع رئيس التيار الوطني الحر لهذه الغاية برغم الأثر السيئ لموقفه الأخير لدى الحزب، وتمّ التفاهم على ايفاد أحد مسؤولي الحزب للقاء باسيل والاستفسار منه عن المضامين الأساسية لموقفه الأخير، والتباحث معه أيضاً في ضرورة إحداث اختراق بملف التشكيل.
وظهر جلياً أن الاستياء من خطاب باسيل الأخير، لا يقتصر على حزب الله، حليفه التقليدي، بل تعداه بأشواط كثيرة داخل الأوساط المسيحية التي عبّر مسؤولوها عن سخطهم الكبير على رئيس التيار الوطني الحر، الذي فاجأ اللبنانيين، بموقفه هذا، فيما كان يدّعي قبل أيام معدودة في مجالسه الضيّقة، رفضه دعوة نصر الله للتعاون لأجل تنفيذ مبادرة بري حفاظاً على حقوق المسيحيين، وفي الوقت نفسه، كان يرفع سقف انتقاداته للحزب، ويعتبر انه انحاز عن تحالفه مع التيار ودعم تكليف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة العتيدة، وأخيراً دعم مبادرة الرئيس بري لحل الأزمة الوزارية، وكل ذلك لمواجهة رئيس التيار الوطني الحر ولو بشكل غير مباشر.
وعلم أن اجتماعاً عقد مساء امس بين باسيل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، لمتابعة البحث بالوضع الحكومي وتذليل العقبات.
وبانتظار نتائج مساعي حزب الله التي بدأها امس لتبريد الاجواء السياسية بين الرئيس نبيه بري والنائب جبران باسيل، بما يمهّد امام استئناف اتصالات تسهيل وتسريع تشكيل الحكومة، غابت اي حركة سياسية وهدأت جبهة السجالات، لكن استمرت جبهات إذلال المواطنين مشتعلة على اكثرمن صعيد.
لكن الرئيس بري استقبل أمس السفير المصري ياسر علوي حيث جرى بحث آخر المستجدات السياسية. وبعد اللقاء غادر علوي من دون الادلاء بتصريح.
وفي جديد مواقفه، قال «تكتل لبنان القوي» بعد اجتماعه امس: يأمل التكتل ان تشكّل المواقف التي اطلقها رئيسه (باسيل) يوم الأحد الماضي والفكرة التي قدّمها كركيزة انطلاقة لتزخيم الاتصالات واجراء المشاورات اللازمة لقيام الحكومة الاصلاحية الموعودة. واطّلع التكتل من رئيسه على المتابعة الجارية جرّاء ذلك. واكد رئيس التكتل «ان لا أحد يحق له تحويل اللبنانيين الى أسرى معادلة اللاءات المانعة للتشكيل بعد كل التنازلات والتسهيلات التي تم تقديمها. وشدّد التكتل على ان الاستمرار في حال المراوحة هو بمثابة ارتكاب جريمة بحق الناس وهذا ما لن يشارك فيه او يسكت عنه او يقبل باستمراره».
الراعي: الإمعان بالتخريب
سياسياً، يغادر الكاردينال الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى الفاتيكان الثلاثاْء المقبل، للمشاركة في اللقاء الروحي المسيحي، الذي دعا اليه البابا فرنسيس لبحث وضع المسيحيين في لبنان والمنطقة، على ان يعود إلى بيروت في 3 تموز المقبل.
وقال الراعي في مؤتمر المؤسسة البطريركية للإنماء الشامل في بكركي: «السياسة ممعنة عندنا بالتخريب والهدم وكأن العمل السياسي هو من أجل خراب وطن». وأشار البطريرك الراعي إلى أن «عقلنا حر وقدراتنا حرة ونستطيع اذا تضامنا أن ننهض على الرغم من كل شيء». واعتبر الراعي اننا «لسنا الوطن الوحيد الذي يختبر هذه المحنة، يجب أن ننتزع الخوف من قلوبنا ونجدد الثقة بوطننا فاجدادنا قاوموا وهذا هو دورنا اليوم».
وفي ضوء هذا الانهيار السياسي والاستقطاب السياسي قالت أوساط مراقبة لـ»اللواء» عن مصير البطاقة التمويلية، أو بالأحرى ما إذا كانت تعود بالفائدة خصوصاً أن قرارات رفع الدعم بدأت تسلك طريقها، وقالت أن الأسابيع المقبلة قد تكون أكثر من صعبة بحيث يبدأ المواطنون بتلمس انعكاسات الانهيارات المتتالية للأوضاع، مشيرة إلى أن ما من أفكار يتم التداول بها من أجل تخفيف وطاة هذه الأوضاع لأن ما من حكومة جديدة في المدى المنظور، وما من حكومة تصريف أعمال قادرة على أن تصرّف بالمعنى المتشعب للتصريف.
ولاحظت ان ما من منافذ للعبور من هذه الأزمة، وبالتالي قد يتعقد المشهد العام في البلد إذا صحت التوقعات حول تفلت الأوضاع العامة في سيناريوهات غير مطمئنة.
وتناقش اللجان النيابية المشتركة في جلسة تعقدها اليوم مشروع القانون الرامي الى اقرار البطاقة التمويلية وفتح اعتماد اضافي استثنائي لتمويلها بعدما توصلت اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان الى تصورة ستقدمه الى اللجان اليوم بعدما تقدمت الحكومة بتصورها لموضوع ترشيد الدعم.
وتمنى النائب ياسين جابر الذي ترأس اجتماع اللجنة الفرعية امس ان تضع اللجان اليوم صيغة محددة، يتم درسها ومن ثم اقرارها موضحاً ان هناك مصادر عدة للتمويل منها: اعادة استعمال قروض من البنك الدولي على ان يترك تقدير ذلك للحكومة. واستبعدت مصادر نيابية ان يتم اقرار المشروع في جلسة اليوم، وهذا الامر قد يحتاج لأكثر من اجتماع.
وبدا ان اقرار تمويل هذه البطاقة دخل في سباق مع الاتجاه الاوروبي لفرض عقوبات على شخصيات لبنانية تعيق تأليف الحكومة، ويمكن ان تدخل التنفيذ مطلع تموز المقبل.
وتتناول العقوبات بعض السياسيين ومقربين منهم، لكن الاكثر استهدافاً هما التيار الوطني الحر وتيار المستقبل.
وستشمل العقوبات منع سفر المعاقبين الى دول الاتحاد الأوروبي، اضافة الى تجميد حساباتهم المصرفية في البنوك الأوروبية.
الطوابير مستمرة
واستمر مشهد الطوابير امام محطات الوقود في بيروت والمناطق، في وقت واصل المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي سامر ليشع «الكبسات» على محطات الوقود التي تمتنع عن تزويد السيارات بالمحروقات.
وأمام اتهام الحكومة بالعجز عن معالجة الازمات القائمة او تمنّعها بحجة انها في مرحلة تصريف اعمال، ذكرت مصادر مقربة من الرئيس حسان دياب لـ «اللواء»: نحن نقوم بما علينا لمكافحة التهريب والغلاء والاحتكار وتوفير المحروقات والكهرباء، ولكن لا نملك كل الحلول والامكانات. واوضح المصدر: «لقد استدعينا القضاء ومسؤولي الامن والاقتصاد وطلبنا منهم اتخاذ الاجراءات وبحثنا معهم الخطوات التنفيذية، فقاموا بما يستطيعون من مداهمات وتوقيفات ومحاسبة، ولكنها غير كافية، فليس هناك تعاون معنا بما يكفي، وحاكم المصرف المركزي اكد لنا انه لم يعد قادراً على مواصلة الدعم.
واضاف المصدر: اذا كانت هناك من مقترحات اخرى لمعالجة الازمة قابلة لتنفيذ ليتقدموا بها «بدل التنظير وتوجيه الاتهامات». حاولنا جهدنا لكن لا تجاوب كافياً.
وعن مصير الاتفاق مع العراق لتزويد لبنان بمليون طن من الفيول لزوم معامل انتاج الكهرباء، اوضح المصدر انه «من المفروض ان تكون الاتصالات قائمة بين مصرف لبنان ومصرف العراق المركزي للتفاهم على كيفية دفع ثمن الفيول وموعده، لكننا لا نعرف تفاصيل ما يجري بين المصرفين».
على الارض، استمرت ازمة نقص البنزين والمازوت في المحطات واستمر معها مشهد مئات السيارات المنتظرة بالدور تعبئة خزاناتها بـ 30 الف ليرة او اربعين الفاً على الاكثر على سعر الصفيحة 43 و44 الف ليرة، فيما أكد ممثل موزعي المحروقات فادي ابو شقرا «اننا ننتظر ردّ الحكومة على موضوع تسعير المحروقات على أساس 3900 ليرة للدولار، وكشف ان أصحاب أكثر من 140 محطة محروقات رفضوا تسلم البنزين من الشركات بسبب تعرضهم للمشاكل والابتزاز والضرب ولم يستطيعوا حماية أنفسهم. وطالب الأجهزة الأمنية واللواء عماد عثمان بحماية المحطات التي تقوم بواجباتها.
وقال أمين سر نقابة موزعي المحروقات حسونة غصن: اعتبارا من اليوم ستتضخم أزمة البنزين في لبنان، والدولة تركت بعض المخزون للقوى الأمنية والجيش اللبناني وهو مهدد بالنفاذ أيضا.
من جهته قال عضو نقابة أصحاب محطّات المحروقات جورج البركس لـ «المركزية: أن لا داعي لخلق بلبلة، يوجد مخزون ومنذ أشهر نرفع الصوت للتنبيه إلى أن مع الوصول إلى شهر حزيران يجب وضع خطّة، فإذا تقرر البقاء على الدعم يجب تأمين الدولارات للاستيراد، أو إعلان رفعه، لكن لا يمكن عدم فتح الاعتمادات ووقف الاستيراد لأن هذا يعني قطع البنزين من السوق. البقاء على هذه الحالة وتأخير الاعتمادات من دون حلّ سيبقي البلد في حالة المدّ والجزر بين وجود البضائع وفقدانها.
في المقابل، أفيد ان النائب العام الاستئنافي في البقاع القاضي منيف بركات أمر بفتح 3 محطات محروقات في راشيا لبيع كامل مخزونها من المحروقات قبل الادعاء على أصحابها.
معيشيا ايضا، وبينما رفعت الافران تلقائياً سعر ربطة الخبز الى 3 الاف ليرة منذ اكثر من اسبوع، اعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة رسيما امس رفع سعر ربطة الخبز، وأصدرت الوزارة الجدول الأسبوعي لسعر مبيع دقيق القمح، موضحةً فيه أن هذا الارتفاع أتى نتيجة «توقف مصرف لبنان عن دعم مادة السكر في الأسواق اللبنانية، واستناداً إلى سعر القمح في البورصة العالمية، وإلى سعر صرف الدولار، واستناداً إلى سعر المحروقات، ونظراً للظروف الاقتصادية الضاغطة والقدرة الشرائية المنخفضة التي يعاني منها المواطنون».
وفي جديد الازمات، جرى تداول صور ومعلومات عن زحمة امام محلات بيع البن، بعد معلومات عن نقص في استيراد البن بنحو 40 في المئة واحتمال وصول سعر الكيلو الى مائة الف ليرة، فبدأ الناس بالتهافت لشراء البن خشية انقطاعه او ارتفاع سعره بشكل كبير.
وفي متابعة لعملية ترميم العلاقات اللبنانية – السعودية سيما اثر «شحنة الرمان المخدّر»، إستقبل وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي في مكتبه، وفدا من مجلس العمل والاستثمار اللبناني في السعودية برئاسة فادي قاصوف، وحضور رئيس هيئة تنمية العلاقات اللبنانية – الخليجية ايلي رزق، وتم البحث في العلاقات اللبنانية السعودية على المستويات كافة.
بعد اللقاء قال قاصوف: قصدنا هذا الصرح كون وزير الداخلية محمد فهمي مكلفاً من قبل مجلس الدفاع الاعلى عن الملف السعودي اللبناني، بخصوص ما حدث أخيرا من تهريب المخدرات، ووجدنا لديه الاصرار الكامل والمحبة العارمة والوفاء المميز للمملكة العربية السعودية، وبشرّنا ان الاتصالات جارية على قدم وساق لحلحلة هذا الموضوع ونتمنى خيرا، كما ان السكانر سوف تركب قرابة اواخر شهر تموز للعمل بها في مرفأ بيروت، وبذلك نتفادى اي مشاكل مستقبلية
وختم قائلاً: نطلب متابعة هذا الملف انقاذاً للجالية اللبنانية ومساعدة لها، كما نرجو ان يتم السماح بالسفر من لبنان الى المملكة العربية السعودية خصوصاً خلال فترة الصيف.
المركز 3
واحتلت بيروت المركز الثالث بين مدن العالم الاكثر غلاء بالنسبة للعاملين الأجانب، وفقا لشركة «ميرسر» للاستشارات في العام 2021.
وحسب المسح الذي أجرته الشركة فقد قفزت بيروت من المركز 45 قبل عام إلى المركز 3. ومن عوامل ذلك الاضطراب السياسي، والركود الاقتصادي الحاد والواسع، بما في ذلك وباء كوفيد 19 وانفجار مرفأ بيروت.
التحركات
وفي التحركات، قطع محتجون طريق المنية – العبدة الدولية عند جسر نهر البارد في بلدة المحمرة احتجاجاً على سوء الاوضاع المعيشية، وفقدان المحروقات من بنزين ومازوت.
وفي بيروت، نظم الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين مع تجمع قدامى المستأجرين اعتصاماً في وسط بيروت، رافعين شعارات منددة باترفاع الاسعار، وحرمان الفقير وذوي الدخل المحدود من الحصول حتى على الرغيف.
وجنوباً، قطع محتجون طريق عام صور – صيدا في منطقة دوار العباسية بالاطارات ومستوعبات النفايات.
المرفأ: تخلية سبيل
قضائياً، أحال المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي إلى القاضي غسان الخوري طلبات تخلية سبيل 13 موقوفاً استمع إلى 5 منهم، قبل البت بشأنها، لجهة تخلية السبيل او الابقاء على توقيفهم.
543698 إصابة
صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامة عن تسجيل 147 إصابة جديدة بفايروس كورونا و4 حالات وفاة في الساعات الـ24 الماضية، ليرتفع العدد التراكمي إلى 543698 حالة مثبتة منذ 21 شباط 2020.
وفي السياق، حذر مدير مستشفى بيروت الحكومي الدكتور فراس الأبيض، من أن «كورونا لم ينته وهو يتحور» متخوفاً من وصول السلالة الهندية إلى لبنان طالما الوضع غير مضبوط في المطار.
البناء
بوريسوف نقل للأسد نتائج قمّة بوتين بايدن والتقارب حول سورية… وتصعيد متزايد في فلسطين
إغلاق مواقع إعلاميّة في واشنطن ورفع عقوبات… وإيران: الاتفاق منجز نحو الجولة المقبلة
حزب الله يستكشف «تنازلات باسيل الحكوميّة» لمطابقتها مع مبادرة برّي قبل بحث منح الثقة
كتب المحرّر السياسيّ
نقل نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف الى الرئيس السوري بشار الأسد رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تتضمن نتائج قمة جنيف التي جمعت بوتين بنظيره الأميركي جو بايدن، وما حملته من بدايات تقارب روسي أميركي حول سورية، كما قال بوريسوف في مؤتمر صحافي بعد لقائه الأسد، مؤكداً على مواصلة الدعم الاقتصادي الروسي لسورية في مجالي القمح والمشتقات النفطية، معتبراً الانتخابات الرئاسية بما حملته من حضور شعبي مميّز شكلت رسالة قوية، بصورة خاصة للمعارضة حول خيارات الشعب السوري، فيما تحدثت مصادر دبلوماسية عن فتح قنوات للحوار المباشر بين واشنطن وموسكو حول سورية، انطلاقاً من التوجّه الذي قرره الرئيسان بوتين وبايدن لجهة التنسيق والبحث عن نقاط التعاون، حيث تتواجد قوات أميركية بصورة غير شرعية وخلافاً لرأي الحكومة السورية التي تستضيف بصورة قانونية القوات الروسية على أراضيها، وهذا ما تعتقد مصادر روسية أنه أهم الاختبارات لجدية القرار الرئاسي المشترك المتخذ في جنيف بإزالة كل فرص الاحتكاك بينهما منعاً لأي توتر، وتعتبره مدخلاً للنقاش الأميركي لعروض روسية لانسحاب أميركي آمن، مع ضمانات تتصل بالرعاية الروسية للحل السياسي، ومشاركة المكوّن الكردي فيه.
فلسطينياً، تواصلت المواجهات العنيفة في حي الشيخ جراح في القدس، بين الأهالي وشرطة الاحتلال، بينما استمرت الاشتباكات في عدد من بلدات ومدن الضفة الغربية، فيما كانت غزة على موعد مع بيان للفصائل الفلسطينية الذي هدّد بالعودة إلى المربع الأول عشية وقف النار بعد معركة سيف القدس مشيراً الى أن لا شيء تغير منذ وقف النار، وأن رعاة الاتفاق لم ينجحوا بتقديم صيغ واقعية لوقف الانتهاكات في القدس، ولا في تقديم تصورات قابلة للتنفيذ بما يتعلق بإعادة إعمار قطاع غزة، وفك الحصار عنه، وكشفت مصادر فلسطينية عن أن قادة الفصائل المقاومة قرروا وضع الوسيطين المصري والقطري في صورة خطورة الوضع، ورفض الطروحات التي حملها المبعوث الأممي، ومنح وقت ضيق لتصحيح الصورة قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة. وأشارت المصادر إلى أن الاستعدادات جارية لكل الاحتمالات بالنسبة للفصائل، وكأن المعركة ستبدأ غداً.
في ملف التفاوض حول العودة للاتفاق النوويّ، صورة غامضة تقدّمها واشنطن التي قرّرت تجاهل تأثيرات الانتخابات الرئاسية الإيرانية على مفاوضات فيينا واعتبار أن الملف بيد المرشد الإمام الخامنئي وبالتالي لا تأثير للرئاسات وتغيرها عليه، ما يوحي بالسير قدماً بالاتفاق الذي قالت الخارجية الإيرانية أنّه بات منجزاً، وأن الجولة المقبلة للتفاوض ستكون الجولة الأخيرة، بينما يعتقد المفاوضون الروس أن كلام الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي متطابق مع ما سبق وقاله المفاوضون الإيرانيون عن رفض مواصلة التفاوض للتفاوض، ما يعني أن عدم حسم أمر الاتفاق في الجولة المقبلة يرسم علامات استفهام حول فرص استمرار التفاوض بالنسبة لإيران، ومما زاد من مخاوف المراقبين من تردّد أو مماطلة على الجانب الأميركيّ صدور إشارات متعاكسة سلباً وإيجاباً، فواشنطن رفعت المزيد من العقوبات عن شركات ايرانية، وحجبت مواقع إعلامية إيرانيّة وتابعة لقوى محور المقاومة حليفة لإيران، كان أبرزها موقع قناة العالم وبرس تي في.
لبنانياً، يواصل حزب الله التحرّك نحو تثبيت التهدئة السياسية والإعلامية، فيما عقد قادة الحزب أكثر من اجتماع مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بعد كلمته الأخيرة، في محاولة لفصل ما يمثل مواقف صالحة للنقاش المستقبلي حول صيغة النظام السياسي، وما يتصل بالتشكيلة الحكومية وعروضه الخاصة لحل عقدها، واستكشاف دقة ما وصفه بالتنازلات، ومقارنته بمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، خصوصاً بعدما قال إنه موافق على أن يشارك الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية في اختيار الوزيرين المسيحيين موضع الخلاف، على أن يجري الفصل بين تصور تشكيل الحكومة وبين قضية منح الثقة بها من قبل نواب التيار، التي تعتقد مصادر معنيّة بالملف الحكومي ان باسيل وضعها في عهدة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، على قاعدة نقبل ما تقبله لنفسك، والتي يمكن البحث بعد حسم أمر قواعد تشكيل الحكومة بكيفية حلها، باعتبارها شأناً قابلاً للتداول بالتكافل والتضامن بين الحليفين، من خلال الحصول على تأكيدات يضمنها حزب الله للتيار بالتزام الحكومة ورئيسها ببعض البنود الإصلاحيّة التي تمثل خطوطاً حمراء بالنسبة للتيار ورئيسه ورئيس الجمهورية.
وفيما خطف الأضواء حادث السير المأساويّ على طريق السعديات الذي خطف عائلة كانت تبحث عن مادة البنزين لتعبئة سيارتها قبيل استقبال رب العائلة العائد من سفره إلى مطار بيروت، وذلك بسبب زحمة السير الخانقة أمام إحدى محطات الوقود في المنطقة، يستمر مسلسل تعطيل الحل الحكومي وسقوط المبادرات والمقترحات الواحد تلو الآخر في ظل تمسك طرفي الصراع بعبدا – بيت الوسط بمواقفهما وشروطهما، فيما يستمر بالتوازي مسلسل إذلال المواطنين على محطات تعبئة الوقود والأفران والصيدليات والسوبرماركات وسط نقص في المواد الغذائية وشحّ في المحروقات وارتفاع أسعار معظم المواد والسلع الغذائيّة الأساسيّة بعد رفع الدعم عنها كالخبز والألبان والأجبان والحليب والبن، فيما سجل سعر صرف الدولار المزيد من الارتفاع، ما يُنذر بانفجار اجتماعيّ وشيك تتراكم مؤشراته يومياً.
وتتجه الأنظار إلى قصر بعبدا الذي يعد العدّة لمرحلة جديدة من المواجهة بحسب ما يسوق نواب التيار الوطني الحر، وذلك عبر مجموعة من الخطوات يعتزم رئيس الجمهورية طرحها في التداول. لكنه ينتظر ردّ حزب الله على مبادرة النائب جبران باسيل الذي وضع الملف الحكومي في عهدة السيد حسن نصرالله.
ولفتت أوساط التيار الوطني الحر لـ«البناء» إلى أن «عون بصدد دراسة خيارات محددة تتعدّى توجيه رسالة إلى المجلس النيابي أو رسالة مباشرة إلى اللبنانيين، بل خطوات سيكون لها مفعول تنفيذيّ وحل جذري يؤدي لإعادة خلط الأوراق لتسريع التشكيل». وهذا ما أكده النائب جورج عطالله بأن عون سيعلن عن خطوات قريبة ستؤدي إلى تغيّر نوعيّ على الصعيد الحكومي فضلاً عن توجه التيار للإعلان عن عدم المشاركة في الحكومة.
مصادر مقربة من بعبدا شددت لـ«البناء» على أن «عون لن يسمح بحالة المماطلة التي يعكف عليها الرئيس المكلف منذ تكليفه، وكأنه مكلفٌ بتضييع الوقت واستنزاف العهد لمزيد من التأزيم وليس لإنتاج حكومة جديدة لإنقاذ البلد الدعوة إلى طاولة حوار وطني في بعبدا تشمل القيادات السياسية الأساسية أو رؤساء الكتل النيابية والمعنيين بالشأن الاقتصادي والمالي للتباحث بالأوضاع السائدة وسبل الخروج من الأزمات الحادة. أو دعوة المجلس النيابي لإعادة النظر بقرار تكليف الحريري وتخييره بين التأليف أو سحب الثقة منه والدعوة إلى استشارات جديدة».
وبحسب ما يقول أستاذ القانون الدستوري د. عادل يمين لـ«البناء» فإنه «ليس في الدستور أي آلية واضحة وصريحة لسحب التكليف من رئيس الحكومة المكلف. ولكن ليس ما يمنع رئيس الجمهورية على سبيل المثال من دعوة النواب أو رؤساء الكتل النيابية إلى قصر بعبدا للتشاور في ما آلت إليه مساعي تأليف الحكومة والمأزق الحكومي القائم أو الدعوة إلى طاولة حوار تبحث الأزمات الوطنية القائمة وبينها أزمة تأليف الحكومة».
إلا أن عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قاسم هاشم، رد على عطالله في حديث تلفزيوني بأن «عدم مشاركة التيار في الحكومة حتماً ستتغير المعادلة الحكومية وكيفية التوزيع، وسيكون هناك إعادة نظر»، مشدداً على أنه «إذا لم يشارك التيار هناك نواب مسيحيون قد يشاركون، وسيكون لهم حضور». وشدد هاشم على أن «معادلة أن تكون الحكومة على أساس 24 وزيراً هي من صلب المبادرة التي قامت عليها أفكار رئيس مجلس النواب نبيه بري، وعدد وزراء رئيس الجمهورية ميشال عون من ضمن النقاش الذي سيستكمل لاحقا»، موضحاً أن «الاتصالات على قدم وساق، حتماً هناك أكثر من قناة، وهي لن تتوقف، لأنها شكل من أشكال الحوار القائم».
أما التيار الوطني الحر فسيلاقي رئيس الجهورية بخطوات متدرجة تبدأ بالإعلان عن عدم المشاركة في الحكومة ورفض منح الثقة لأي حكومة يترأسها الحريري، بالتوازي مع تجميد التفاوض بموضوع تأليف الحكومة حتى مع الوسطاء ووضع الأمر في عهدة رئيس الجمهورية. ما سيرتب تداعيات سياسية ودستورية على مسار تكليف الحريري لا سيما في ظل غياب المكوّنات المسيحية الأساسية عن المشاركة في الحكومة وفي استحقاق منحها الثقة ما سيضعنا أمام إشكاليّة ميثاقية.
وبحسب يمين فإن «غياب الكتل النيابية ذات الطابع المسيحي عن المشاركة في الحكومة وعن منحها الثقة يصيبها بخلل ميثاقي واضح، وإن كان دعم رئيس الجمهورية صاحب التمثيل الواسع يخفف من حدة هذا الخلل. أما بالنسبة إلى عدد الوزراء الذين يحق لرئيس الجمهورية ترشيحهم فليس من نص واضح في هذا الدستور، ولكن الأخير جعل تأليف الحكومة رهن اتفاق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف».
أما خيار استقالة نواب التيار البرتقالي من المجلس النيابي، فمستبعد بحسب ما تؤكد مصادر «التيار» نفسه لـ«البناء»، «لأسباب عدة منها فقدان التيار قوته النيابيّة ككتلة داعمة لرئيس الجمهورية في المجلس النيابي لا سيما في حال عدم مشاركتنا في الحكومة. إذ لا يجوز ترك رئيس الجمهورية وحيداً في المعركة في مواجهة أخصامه السياسيين. كما أن خيار الاستقالة لن يؤدي إلى إسقاط المجلس النيابي وإجراء انتخابات جديدة لا سيما وأننا لا نثق بالقوات اللبنانية التي قد تخذلنا ولا تستقيل، ما يدفع بالرئيس بري للدعوة لإجراء انتخابات فرعية لملء المقاعد الشاغرة».
واكد النائب باسيل بعد اجتماع تكتل لبنان القويّ أن «لا أحد يحق له تحويل اللبنانيين الى أسرى معادلة اللاءات المانعة للتشكيل بعد كل التنازلات والتسهيلات التي تمّ تقديمها». وشدّد على أن «الاستمرار في حال المراوحة هو بمثابة ارتكاب جريمة بحق الناس وهذا ما لن يشارك فيه أو يسكت عنه او يقبل باستمراره».
من جهته، أعلن اللقاء التشاوري بعد اجتماعه الدوري في دارة النائب عبد الرحيم مراد أنه «يربأ بنفسه عن مجاراة المسؤولين عن تشكيل الحكومة في الجدل الدستوري والميثاقي الذي انزلقوا اليه والذي لا يهدف سوى الى شدّ العصب المذهبي وتكريس الاصطفافات الطائفية وكأننا امام التحضير لانتخابات نيابية وليس امام تعثّر متواصل في تشكيل الحكومة».
وناشد اللقاء المجلس النيابي «إقرار القوانين التي تخفف من هذا الوجع، ولا سيما البطاقة التمويلية التي تستفيد منها 800 الف عائلة في لبنان، مع علمنا ان البطاقة هي ليست الحل السحريّ، لكن الكحل افضل من العمى».
وفيما نجحت جهود حزب الله بفرض هدنة سياسيّة إعلامية على جبهات الخلاف علمت «البناء» أن مساعي تحصل بعيدًا عن الأضواء لإعادة تحريك الاتصالات والبحث عن حلول لتذليل العقد بالتوازي مع تأمين خط تواصل بين الرئيسين عون وبري. واشارت الى ان «مبادرة عين التينة لا زالت المبادرة الوحيدة المطروحة على الطاولة، كما أن حزب الله لن يخرج عن إطار الحفاظ على علاقته مع الرئيس بري بالتوازي التمسك بالتفاهم والعلاقة الجيدة مع التيار الوطني الحر».
وعلمت «البناء» أن قيادة حركة امل عمّمت على جميع النواب والمسؤولين والقيمين على وسائل التواصل الاجتماعي «عدم الدخول بأية سجالات وردود أفعال مع التيار الوطني الحر وذلك استكمالا لمساعي التهدئة والعودة الى خيار الحوار».
على صعيد التحرك الأوروبي نقل عن مرجع ديبلوماسي أن «الأميركيين فوّضوا الفرنسيين في الملف اللبناني، حيث إن بايدن بات مقتنعاً بنظرية ماكرون، التي تعني تجنيب لبنان خطر الارتطام الكبير بسبب الصراع الأميركي مع طهران، وخاصة أن بايدن يعوّل على توقيع اتفاق مع طهران، ما يعني أن ملفات المنطقة ستعود للترتيب بين الجانبين، وسيكون لبنان أبرز الملفات التي ستؤدي حتماً لإيجاد تسوية بين الأطراف المتناحرة، ولكن حتى ذلك الحين يجب إبقاء لبنان صامداً بالحدّ الأدنى، وقادراً على مواكبة المفاوضات الجارية». ووفقاً للمرجع بحسب وكالة رويترز، فإن «بايدن أبلغ بعض اللبنانيين المقربين من حزبه ومن دوائر القرار الأميركية أنه لن يقوم بأي فعل يضر بمصالح لبنان، وأنه سيعمل على سلسلة خطوات إنقاذية مع الفرنسيين والعرب لمنع السقوط اللبناني»، ووفق المرجع فإن «هؤلاء اللبنانيين فهموا من بايدن عدم اقتناعه بسياسة سلفه تجاه لبنان، أي «الضغط القاسي» الذي سيؤدي بإيران للهزيمة، وأنه ثبت عكسها في النهاية».
وقالت مصادر وزارية لـ«البناء» إن اكثر من مسؤول غربي – اوروبي لا سيما ممثل السياسة والامن في الاتحاد الاوروبي بوريل حذروا المسؤولين اللبنانيين بأن الأمن خط أحمر ومن غير المسموح اللعب به مهما بلغ حجم الازمات وتحت طائلة تحميلهم مسؤولية تداعيات تهديد الأمن.
في غضون ذلك تتفاقم الأزمات الحياتية، وسط تحذير أكثر من مسؤول أننا أمام أزمة نفاد مادتي المازوت والبنزين نهاية هذا الاسبوع. وأشارت مصادر معنية بالملف إلى أن «بالنسبة للمازوت لم يحدد بعد موعد لفتح مصفاتي طرابلس والزهراني لتسليم المادة لهذا الأسبوع. أما البنزين فإن مصرف لبنان كان فتح اعتمادات لخمس بواخر منذ 15 يوماً والكمية التي أفرغت بدأت تنفد من الشركات والمحطات وهذا ناتج عن عدم فتح الاعتمادات بسبب عدم وضع آلية جديدة لكيفية الدعم من خلال منصة 3900 للدولار». وبحسب المصادر، نحن أمام معادلة «إما رفع الدعم وإما لا بنزين في نهاية الأسبوع».
وفيما استمر مشهد طوابير السيارات أمام محطات الوقود، أكد ممثل موزعي المحروقات فادي ابو شقرا «اننا ننتظر ردّ الحكومة على موضوع تسعير المحروقات على أساس الـ3900»، ولفت الى ان «أصحاب أكثر من 140 محطة محروقات رفضوا تسلم البنزين من الشركات بسبب تعرضهم للمشاكل والابتزاز والضرب ولم يستطيعوا حماية أنفسهم». وطالب «الأجهزة الأمنية واللواء عثمان بحماية المحطات التي تقوم بواجباتها».
وأمر النائب العام الاستئنافي في البقاع القاضي منيف بركات بفتح 3 محطات محروقات في راشيا لبيع كامل مخزونها من المحروقات قبل الادعاء على أصحابها.
واستكملت اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة، المكلفة درس مشروع قانون البطاقة التمويلية وفتح اعتماد إضافي استثنائي لتمويلها، واقتراح قانون البطاقة الائتمانية التمويلية الإلكترونية، من خلال جلسة عقدت في المجلس النيابي برئاسة النائب ياسين جابر وحضور الوزراء المعنيين. وقال جابر بعد الجلسة: «توصلنا بعد نقاش طويل الى تصور سنتقدم به اليوم الى اللجان المشتركة. وقد أتت الحكومة اليوم مع تصورها لموضوع ترشيد الدعم وتقدّمت بدراسة حول هذا الموضوع». واضاف: «كما حصل نقاش معمق في موضوع البطاقة التمويلية وشروط الحصول عليها وسيترك أمر التنظيم للحكومة وهناك إعادة دراسة للأرقام ولمن سيحصل عليها، والأخذ في الأعتبار موضوع ما سيحصل عليه المواطنون من أموال في المصارف المتعلق بالـ 400 دولار وغيرها».
وعن مصادر التمويل للبطاقة قال جابر: «هناك عدة مصادر منها: إعادة استعمال قروض من البنك الدولي وهذا الأمر متروك تقديره للحكومة».
وتستكمل اللجنة الوزارية المكلفة متابعة مشروع البطاقة التمويلية دراسة المشروع، بحسب ما علمت «البناء» في جلسة تعقدها اليوم في السراي الحكومي بالتنسيق مع اللجان النيابية.
وأكد رئيس الجمهورية خلال استقباله وفداً من جمعية الصداقة اللبنانية – الزيمبابوينية، أن «الانماء في لبنان ضرورة، لا سيما في هذه الفترة الصعبة التي يمر بها وفي ظل الازمة الكبيرة التي يعيشها اللبنانيون والتي لا سابق لها، وهي جزء من الإرث الثقيل الذي ورثناه من العهود السابقة ونتيجة لتراكم الازمات التي بدأت بالديون الهائلة التي ترتبت على الدولة، نتيجة الفساد وهدر الاموال العامة وسوء الإدارة، وقد زاد هذا العبء بعد الحرب في سورية وإغلاق الحدود، إضافة طبعاً الى التأثير الكبير للنزوح السوريّ على مختلف القطاعات الاقتصادية، من دون إغفال تأثير تظاهرات تشرين وجائحة «كورونا»، وصولاً إلى الكارثة الكبيرة التي حلت على لبنان إثر وقوع انفجار مرفأ بيروت».
الى ذلك، أشار موقع «فاي نيوز» السويسري، إلى أن «العملاء اللبنانيين جمعوا أموالاً في سويسرا أكثر من أي وقت مضى العام الماضي، حيث ارتفعت الأموال المودعة في سويسرا نيابة عن العملاء اللبنانيين في عام 2020 بنحو الثلثين، أو 2.5 مليار فرنك سويسري أي 2.7 مليار دولار، لتصل إلى 6.46 مليار فرنك».
على صعيد التحقيقات بتفجير مرفأ بيروت، استمع المحقق العدلي القاضي طارق البيطار الى إفادات 5 شهود، على أن يستمع اليوم الى إفادات 3 شهود آخرين. كما أحال البيطار الى المدعي العام العدلي في الجريمة القاضي غسان الخوري طلبات تخلية سبيل 13 موقوفاً لإبداء الرأي قبل البتّ بشأنها، لناحية تخلية السبيل أو الإبقاء على توقيفهم.
المصدر: صحف