مخطئ من يعتقد أن قلة النوم يمكن تعويضها لاحقا. فالأضرار الناجمة عن ذلك هي مباشرة ومستمرة مهما حاول الإنسان تداركها فيما بعد. وتكفي ليلة واحدة لا نحصل فيها على قسط واف من النوم لإحداث اضطرابات عصبية ونفسية، خاصة إذا كنّا نعمل في اليوم الموالي، وفقا لتصريحات الدكتور هانس-غونتر فييس، رئيس المعهد الألماني لطب النوم (DGSM)، أدلى بها لوسائل الإعلام الألمانية.
لكن متى يمكننا القول إننا حصلنا عن القسط الكافي من النوم؟ وهل يمكن حساب ذلك بالساعات؟
يرد الخبير الألماني والذي ألف كتابا حول الموضوع بعنوان “النوم يحقق المعجزات”، بالقول إنه لا يمكن تحديد ذلك بالساعات، وإنما العامل المحدد هو الجينات، ما يعني أن كل واحد منّا عليه مراقبة جسده لاستخلاص عدد الساعات التي يحتاجها للنوم. ومع ذلك هناك معدل تقريبي يقدر بسبع ساعات من النوم للرجال، فيما تحتاج النساء إلى عشرين دقيقة إضافية.
متى تصبح قلة النوم خطرة؟
هذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه بحسم.مع ذلك ينصح الخبراء مَن واجه مشاكل في النوم ثلاث مرات في الأسبوع ولمدة شهر، بالذهاب فورا إلى الطبيب.
بالطبع قلة النوم تدخل ضمن مشاكل العصر الحديثة، وهي أكثر شيوعا في الدول المتقدمة، حيث ضغوطات العمل أكثر حدة، مقارنة بالمجتمعات الأخرى. لكن انتشار الهواتف الذكية أثر بدوره على جودة النوم، وذلك على مستوى عالمي، حتى بات الهاتف الذكي عاملا “تخريبيا” للنوم الصحي، وذلك بسبب “معدل الضوء الأزرق للشاشات الذي يؤثر سلبا على إفراز هرمون ميلاتونين” المسؤول عن النوم، وفق الأطباء.
ويمكن تلخيص الأضرار الناجمة عن قلة النوم في تسع نقاط:
-ضعف الجهاز المناعي: قلة النوم بمعدل ساعتين طيلة أسبوعين كافية لإحداث خلل في الجهاز المناعي. من الأعراض الشائعة التعرض لنزلة البرد باستمرار. ويقول الدكتور فييس إنه وفق دراسات أجريت في معهده “كل شخص من اثنين يتعرض لنزلة برد بسبب قلة النوم”.
-ضعف المردودية: قلة النوم تؤثر بشكل مباشر على القدرات الذهنية للمرء وتحدّ منها. هذا ما تظهره جليا الإحصائيات الرسمية والتي تشير إلى أن أعداد ضحايا حوادث السير بسبب ضعف التركيز أعلى بكثير من تلك التي يكون سببها تناول المشروبات الكحولية عند قيادة السيارة.
-الزيادة في الوزن: قلة النوم تحدث اضطرابات في الهرمونات، ما يتسبب في زيادة الوزن. كما أن قلة النوم تنمي الرغبة في تناول الطعام، والسبب الزيادة في إفراز هرمون “غريلين” المسؤول عن الإحساس بالجوع.
-الذبحة الصدرية: عودة إلى الدكتور هانس-يورغن فييس الذي يؤكد أن “العديد من الدراسات أظهرت أن مشاكل النوم تتسبب في أمراض الأوعية الدموية والشرايين، كما أنها تحدث اضطرابات في الضغط وفي ضربات القلب، وفي حالات قصوى، تتسبب في الذبحة الصدرية.
-تنامي أوجاع الرأس والشقيقة: هورمون الكورتيزول يفرزه الجسم في حالات التوتر، ولأن قلة النوم تحدث التوتر فمن الطبيعي أن نسبة هذا الهرمون ترتفع في الجسم.
النتيجة: آلام في الجسم. الخطير أن هذا الهرمون يمنع الإنسان من النوم، وهكذا ننزلق في مطب لا يمكن الخروج منه إلا بمساعدة طبية.
-مشاكل نفسية: من الأعراض المعتادة لقلة النوم الاضطرابات النفسية والاكتئاب ولدى البعض حالات الخوف المرضي. ويصنف الأطباء اضطرابات النوم في صدارة أعراض أمراض الاكتئاب، وقد يختفي الأمر عند معالجة الاكتئاب أو العكس.
-داء السكري: نشرت المجلة الطبية المختصة “The Lancet Diabetes Endorinology”
مؤخرا تقريرا اعتبر أن اضطرابات النوم من العوامل الأساسية المسببة للإصابة بمرض السكري من فئة 2، لكونها تحدث اضطرابات في نظام الاستقلاب، ومن ثمّ في تعامل الجسم مع الهيدروكاربونات. الملفت أن ذلك يحدث أيضا حتى إذا ما بالغنا في النوم: هنا العودة إلى القاعدة الذهبية، خير الأمور أوسطها.
-تلف العضلات: هذا الكلام يوجه خاصة للشباب فمن يريد تربية العضلات عليه أيضا أن يذهب للنوم مبكرا. عكس ذلك فإن هرمون تيستوسترون المسؤول عن بناء عضلات الجسم يتراجع بقوة.
-الموت المبكر: قلة النوم ترفع من خطر الموت المبكر. لكن كيف ذلك؟ الأطباء يربطون بين خطر الموت المبكر وساعات النوم العميق، التي تمثل المرحلة الثالثة في مسار النوم. لأن الجسم لا يصل إلى مستوى الراحة المنشود كما أن الأمراض المذكورة آنفا من شأنها وفي حال أصيب المرء بإحداها الزيادة من خطر الموت المبكر. وهذا أيضا ينطبق على الأشخاص الذين يبالغون في النوم.
المصدر: dw.com