هل يمكن فهم أبعاد الحياة الإسلامية بعيدًا عن الولاية؟
لقد أبرز الإمام الخميني روح ولاية الفقيه، وجعلها الإمام الخامنئي على أقدام المعرفة الميدانية، وبيّن مساراتها اليوم، لتكون كلّها في إطار سياق قراءة الولاية وتأثيراتها في الحياة الإسلامية. ولتكون السياسة، كما العقيدة والقيم والأخلاق، هي ثمار وفروع وأغصان لجذرٍ هو الولاية.
فالولاية هي أصل، ومحور وروح رساليّتنا، ومن دونها لا يمكن لنا أن نعي، أو أن نفهم أبعاد حياتنا الإسلامية.
كيف يتحقّق مسار الولاية الذي رسمه النبي (ص) في حياتنا؟
إنّ فكرة الولاية عند النبي (ص) تبلورت حينما رفع رأسه ليناشد ربه، وقال: “اللهم أنت الوليّ المطلق”. ويُشهِدُ الله أني: من كنت يا رب مولاه ورسوله ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾[1] فهذا علي مولاه والذين آمنوا.
لذا، ينبغي أن يتحقّق المسار الذي يرسمه النبي في حياتنا الإسلامية، من خلال دعائه لربه سبحانه وتعالى بأن يوالي من والاه، ويعادي من عاداه؛ أي أن يتولى الله أمر كل من اعتبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هو الولي، فيصبح مسار حياتنا اليومي في هذه الدنيا، مشمولًا بولاية الله ولطفه ورعايته، وبتدخل الإله الدائم في أقدار حياتنا، وفي خفقان قلوبنا حينما يشتعل هذا القلب حبًّا وارتباطًا بالله سبحانه وتعالى.
ويؤثر هذا البُعد الإيماني في كل كياننا، من هنا تتبلور مسألة (اللهم وال من والاه)، بل (وانصر من نصره)، وتتحقق مداليل الفتح على يد من يناصر ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
حركة وأبعاد الولاية
إنّ دراسة موضوع الولاية، وظاهرتها، وحركتها وأبعادها، هي الضابطة المؤسسة للأصالة في حياتنا المعرفية والعلمية اليوم، وهي أيضًا الضابطة المؤسّسة في حياتنا الفكرية ضمن الدراسات والمناهج الحديثة والمعاصرة، لترى فيها منذ أن صدع النبي بنبوّته، وكان مِن حوله الأصحاب، إلى أن تولى الأمر من بعده من تولى، وكيف كانت حركة الصراع تقوم ما بين فعل سياسي وفعل عقائدي في إنتاج الجماعات بمسارهم الإسلامي، إلى اللحظة التي غاب فيها الإمام الحجة (عج)، في لحظة الغيبة الكبرى.
ونحن أمام قراءة للظاهرة تعتمد على شقّين:
الشق الأول: هو التاريخ المرتبط بولاية رسول الله (ص)، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، إلى الإمام الحجة (عج). وبهذا الشق نحن نرتبط باللحظة التي نوجد بها هنا في الحياة الدنيا، ونرتبط بهذه الممارسة اليومية في زمننا المعاصر، وفي مواجهاتنا المعاصرة، بأصالة التاريخ من خلال عناوين كبرى، أهمها يُنتِج مفهوم الجهاد والشهادة وفق نهج محمد وعلي والإمام الحسين (ع).
الشق الثاني: هذه الولاية في القراءة المنهجية المعرفية تنتج جماعة تتطلع نحو المستقبل؛ فالولاية الحاكمة لهذه الظاهرة التاريخية لم تتوقف، لأنّ قائدها وبطلها ورمزها وأيقونتها ما زال حيًّا ألا وهو القائم من آل محمد (عج)، وهو يمثّل ما تريد هذه الظاهرة أن تصل إليه في مسير تكاملها. وبالتالي، فإنّ الولاية تؤسّس منهجًا معرفيًّا لقراءة التاريخ وحدثه ومتغيراته.
قيمة الولاية
عندما تتحدث عن التوحيد في العقيدة الإسلامية فأنت تتحدث عن الولي المطلق، وعندما تتحدث عن النبوة فأنت تتحدث عن الولي الذي ينبغي أن تتّبع، والذي أخذ ولايته من الولي المطلق. وكذا موضوع الإمامة، وموضوع الشريعة والسنن والحقائق التي أبرزها الإسلام، فهي عبارة عن هذه الرسالة الولائية التي بثّها رسول الله محمد (ص) في حياة الناس، والتي ينبغي أن تتجلّى وفقها الولاية بشكل كامل، وأن نبني حياتنا والتزاماتنا اليومية بأنّ هناك يوم الدين؛ ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾[2]؛ هو اليوم الذي تكون الولاية فيه قد تجلّت على الوجود بأعلى مستويات تجلّياتها. حينئذٍ نبني حياتنا اليومية وفق الإيمان بالمعاد، وبتمثّل وتجلي الولاية المطلقة والشاملة.
إذًا، الولاية هي العنوان المركزي الذي تحضر فيه محورية الشأن العقائدي، في العقيدة والشريعة والأخلاقيات بشكل دائم.
بناءً عليه، يمكننا القول: إنّ الولاية تمثّل القيمة الأعلى في منظار البحث الذي يدخل إلى عمق المسائل الرسالية الإسلامية، ومن خلالها يمكننا دراسة الإسلام وفهمه. كذلك نعيشها دراسة مكتملة منجزة وموحِّدة لكل طبقات ومفاصل التقسيمات الفنية، التي يعمل على إبرازها علماء المسلمين عادة.
المصدر: موقع معهد المعارف الحكمية