أطفال بيننا يعيشون، في حين يجوبون العالم من خلال شاشة رقمية وألعاب إلكترونية، العزلة تؤدي إلى الانطواء، والضعف الاجتماعي يسبب الاكتئاب، يسافرون في الفضاء الرقمي بلا ضوابط، يحلقون بعيداً عن أعين الرقابة، يتعرضون للتنمر وربما للابتزاز. إذ يشكل من تعرضوا لهذا نسبة بالغة في كثير من المجتمعات.
قصة ليست حديثة أو مستحدثة، بل باتت تعاني منها العديد من العائلات في العالم، وتتطور تدريجياً مع اختلاف الأجيال، أطفال يفقدون براءتهم من خلال الإنترنت، ويفتقدون مهارات الاتصال بسبب عزلتهم، ساعات طويلة من الجلوس واللعب بلا رقيب، مشاهد ومناظر قد تؤدي إلى الضياع، استغلالهم جنسياً وعاطفياً بات مقلقاً، وابتزازهم أصبح شائعاً في كثير من البلدان.
تقول المنظمة الدولية للشرطة الجنائية “الإنتربول” على موقعها الرسمي “تحتوي قاعدة بيانات الإنتربول لصور الاستغلال الجنسي للأطفال على أكثر من 2.7 مليون صورة ومقطع فيديو، وساعدت في تحديد هوية 23.500 ضحية في جميع أنحاء العالم”.
إذ باشرت كثيراً من حالات الاعتداء والتنمر والابتزاز، التي تعرض لها الأطفال حول العالم. قبل عامين، وتحديداً سنة 2018، قامت “الإنتربول” بعمل دراسة بالتعاون مع شبكة “ECPAT” العالمية؛ لمجموعة عشوائية من مقاطع الفيديو والصور المسجلة، ووفقاً للدراسة تبين أنه كلما كانت الضحية أصغر سناً اشتدت الإساءة إليها أكثر، وأن أكثر من 60 في المئة من الضحايا مجهولي الهوية هم من اليافعين دون سن البلوغ.
الأطفال الذين يستخدمون الإنترنت
الأطفال في فضاء الإنترنت يقودهم فضولهم، وحماسهم ليتعرفوا على خبايا ودهاليز هذه الشبكة، بعدها ينزوون في خندق صغير، لا صلة ولا تواصل، لتتحول حياتهم إلى مجرد أجهزة.
كثير من الأطفال ممن يستخدم الإنترنت يجهلون قيمة هذه الشبكة، وقد يتعرضون للقرصنة نتيجة عدم الإلمام، وعدم قدرتهم على التعامل مع شبكة مليئة بكل أنواع البشر، ويخلقون علاقات مع أشخاص من جنسيات عدة، لتتحول إلى صداقة عميقة بعد مدة، في عالم مختلف، وفي قرية صغيرة بعيداً عن ضغوط الحياة، ولكنها مكتظة بالبشر، مرعبة وليست آمنة.
هناك محاسن وهناك مساوئ، الوالدان دائماً ما يحاولون إيجاد الأفضل لطفلهم، وبالتأكيد الإنترنت خيار جيد لتعلم الطفل، ولرفع مستوى الوعي لديه، وتثقيفه وتوسيع مداركه أولوية، ولكن مع مراعاة عمره، إذ تشير البيانات بحسب الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، إلى أن الأطفال والشباب الذين يستخدمون الإنترنت لمجموعة واسعة من أنشطة البحث عن المعلومات هم غالباً أكبر سناً ويتمتعون بالقدرة على الانخراط في مجموعة أوسع من الأنشطة عبر الإنترنت بشكل عام، ولوالديهم موقف داعم ومساعد تجاه استعمال الإنترنت، فيما تؤكد، أن الأطفال الأصغر سناً بوجه خاص بحاجة إلى مزيد من الدعم، إما من أولياء أمورهم أو مدارسهم أو مقدمي الخدمات الرقمية، لتشجيعهم ومساعدتهم على النهوض بحقوقهم في العالم الرقمي.
الأطفال الذين يعيشون في الدول المتقدمة والغنية وذات الدخل المرتفع يستطيعون الوصول إلى الإنترنت أكثر من الدول منخفضة الدخل، وذلك بحسب تقرير مشترك بين منظمة حقوق الأطفال “اليونيسيف” والاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، إذ إن 87 في المئة من الأطفال والشباب يستخدمون الإنترنت في البلدان الغنية، بينما 6 في المئة فقط منهم بالدول الفقيرة.
المخاطر والمعوقات
مخاطر تعرض الأطفال إلى الاستغلال العاطفي معضلة عويصة، وما تؤول إليه الأمور هو بالطبع أمر يدعو إلى القلق، التهديدات التي تطالهم ابتزاز تحت طيات السكوت هي مشكلة يحذر منها متخصصو الأطفال، كما تشير لمياء البراهيم، استشاري طبيب الأسرة والمستشارة النفسية والأسرية، التي تقول، “أقترح أن يكون استخدام الطفل للأجهزة بوجود أسرته بقدر ما يمكن، التوجيه المباشر وإتاحة المجال له للاستقلالية مهم، وأيضاً يجب مناقشة ومتابعة ما يتصفح، لأن الأسرة هي الملاذ الآمن، واللجوء إليهم في حال التعرض لأي محاولة استغلال أو مشكلة”.
عالم التقنية والألعاب والتحول الرقمي، عادة يومية ليس للأطفال فحسب، بل لمعظم الناس، وأصبحت في أغلب الأوقات والساعات والدقائق، إذ لا يمكن لأي أحد أن يتخلى عن هاتفه المتنقل لساعة أو أكثر في أوقات الفراغ، تكمل البراهيم “دور الأسرة يتمركز حول إعطاء الأمان والاحتواء مع الثقة، التقنية والتحول الرقمي أمر لا بد منه في زمننا هذا، وينبغي على الأسرة تفهم احتياجات الطفل والاهتمامات، وبعض الأسر تبالغ في التخوف من التقنية لجهلهم بالفوائد، نعم هناك سلبيات ولكن هناك إيجابيات، على الطفل أن يطور نفسه بنفسه من خلال الابتكار والتواصل”.
التنمر عادةً إحدى أكثر المشاكل التي يعانيها الأطفال حول العالم، ويؤثر غالباً في الشخصية والعادات والسلوكيات، إذ أوضحت البراهيم قائلة، “بعض الأطفال لا يحبذون الإفصاح عما يتعرضون له من ترهيب أو ابتزاز عبر الشبكة الرقمية، خوفاً من معاقبتهم وحرمانهم من استخدامها مستقبلاً، وهذا يعتبر تحدياً كبيراً بين الحزم في التربية والتعامل مع التكنولوجيا كأسلوب معيشي، في رأيي أن الحوار دائماً هو الحل لتقريب وجهات النظر بين الطفل وأسرته”.
المصدر: الاندبندنت