بسم الله الرحمن الرحيم
الغفلة عن مراقبة الله
مراقبة الله، والشعور بوجوده وحضوره وعظمته، والخوف منه، من أهم الواجبات التي ينبغي ان يراعيها الانسان المؤمن، وقد حذر الله سبحانه وتعالى من الغفلة عن مراقبته والاستخفاف ببحضوره وعلمه، فقال تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) البقرة: 235.
الانسان عادة يخشى مراقبة الناس له، ويحذر من ان يطلع أحد على ما يمارسه من سيئات في الخفاء، ويشعر بالخجل او بالندم عندما تنكشف ممارساته السيئة للناس، بل ان البعض يعتذر، والبعض الآخر قد يبكي ويحاول بكل الطرق والاساليب تبرير سلوكه عندما يُفتضح أمره وينكشف سره، او عندما يعلم ويشعر بأنه مراقب من قبل الآخرين، وانهم قد اطلعوا على ما اراد اخفاءه من اعماله وتصرفاته، لكن هذا الانسان نفسه يغفل عن ان الله مطلع عليه ويراه، ويسمعه، ويراقبه، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، او انه يعلم برقابة الله عليه ولكنه لا يبالي، بل يستخف بحضورالله واطلاعه على ما يقوم به من افعال لا يرضى بها.
الانسان غير المؤمن يخشى مراقبة الناس له، بينما الانسان المؤمن يخشى مراقبة الله له، فلا يقبل أن يراه الله في المواقع التي نهاه عنها أو يفقده في المواقع التي أمره بها، ولذلك فهو يحذر من ارتكاب معاصيه او فعل ما لا يرضيه، ويحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الناس.
يقال ان ابن عمر خرج في بعض نواحي المدينة ومعه أصحابه فلما جاء وقت الطعام وضعوا سفرة، فمر بهم راع كان يرعى غنما، فناداه عبدالله ابن عمر ليأكل معهم، فقال: إني صائم.. وكان يوما شديد الحر، فقال له ابن عمر : تصوم في مثل هذا اليوم الشديد الحر وأنت ترعى بين الجبال وفي هذه الوديان ؟!! فقال الراعي: أبادر أيامي الخالية، فتعجب ابن عمر وقال: هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها…قال: إنها ليست لي، إنها لمولاي.. قال: فما عسى أن يقول لك مولاك إن قلت له قد أكلها الذئب فانه لن يحاسبك؟ ! فرفع الراعي اصبعه الى السماء ومضى في طريقه وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول فأين الله ؟؟؟ ” .
على الانسان عندما يريد ان يقدم على اي أمر لا يرضى الله عنه ان يتذكر الله، وان يستحضر الله في نفسه، فلا يجعل الله أهون الناظرين إليه، بل عليه أن يدرك بان الله سبحانه عالم السر والنجوى، ويعلم عنه ما لا يعلمه عن نفسه، وانه يراه وينظر اليه ويعلم ما يرتكبه في السر وفي العلن ولا تخفى عنه خافية. قال تعالى:{أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}(البقرة:77)، وقال:{ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } (العلق:14)، وقال:{ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً } (الأحزاب:52)، وقال:{ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ }(غافر:19).
البعض يخاف من الناس، ويستحي من الناس، ويخشى ان يراقبه الناس ويطلعوا على ما يضمره ويخفيه من أخطاء وسيئات أو من سلوك منحرف، حسناً.. اذا كنت تستحي من الناس وتخاف من الناس، فالله أحق أن تستحي منه وان تخافه وتخشاه، وأن تتذكر بانه يراقبك ويراك حتى عندما تكون في خلواتك بعيدا عن أعين الناس، فلو علمت أن شخصا يعرف نواياك وما تضمره له وما يدور فى نفسك، فانك حتما ستخاف من اطلاعه على ذلك، فلماذا تخاف من انسان مثلك ولا تخاف من الله؟ وأنت تعلم يقينا أنه يعرف ما فى نفسك (و اعلموا أن الله يعلم ما فى أنفسكم فاحذروه).
ولو افترضنا أن شخصا سيتنصت عليك، او سيسجل أقوالك فى جهاز تسجيل، أو سيضع كاميرا فى بيتك، ستكون حريصا على كل كلمة تقولها أو حركة تقوم بها، لأنك تشعر أنك مراقَب، فكيف والله تعالى يراقبك ويحصي عليك كل كلماتك وأفعالك وتصرفاتك (ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ).
احذر ان تكون من شريحة المنافقين الذين يقول الله عنهم: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) النساء:108 .
وقد ورد عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (الامام الصادق)عليه السلام: يا إسحاق! خف الله كأنك تراه وإن كنت لا تراه فإنه يراك، وإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت وإن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت له بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين عليك .
فالله عز وجل هو أعظم الناظرين إليك، العالمين بك، المطلعين عليك، العارفين بأسرارك، ولا مفر لك منه.
والرؤية هنا تنصرف الى الرؤية بالبصر، والمعنى: أي خف الله خوف من يشاهده بعينه وإن كان محالا مشاهدة الله بالعين، ولذلك قال: كأنك تراه، وهذه مرتبة عين اليقين وهي أعلى مراتب المتقين. وقوله: ” فإن لم تكن تراه ” أي إن لم تحصل لك هذه المرتبة من الانكشاف والعيان فكن بحيث تتذكر دائما أنه يراك، وهذا مقام المراقبة، كما قال تعالى: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت إن الله كان عليكم رقيبا) .
فعلى الانسان ان يتذكر أن الله تعالى مطلع على كل نفس بما كسبت، وأنه سبحانه عالم بالنوايا والسرائر وما يجول في الخواطر، فإذا استقر هذا العلم في قلب الانسان واصبح يقينا، دفعه ذلك إلى مراقبة الله سبحانه دائما، وترك معاصيه خوفا وحياء، والمواظبة على طاعته وابتغاء رضاه دائما.
إن مراقبة الله والشعور بعظمته والخوف منه من أعظم العبادات، قال الله تعالى وهو يقرر هذه الرقابة الربانية: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (يونس:61.
وإن من أعظم نتائج مراقبة الله والخوف منه للأمة هو التمكين في الأرض، بعد هزيمة الطغاة والمستكبرين وهلاك الظالمين، قال عز وجل :(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ )إبراهيم13- 14 إذاً: الخوف من الله ومراقبته يؤدي إلى التمكين في الأرض والانتصار على الأعداء..
وبالمراقبة يطاع الله، ويتعمق الإيمان، ويطرد الشيطان، وتؤدى الواجبات والحقوق والأمانات..
بالمراقبة تستقيم الحياة، ويعم الاستقرار، ويسود الصلاح بين الناس، وتصلح امورهم.
وبالمراقبة يُقام العدل، وتحفظ الحقوق، وتصان النفوس والدماء والأعراض .
الشعور برقابة الله والاحساس بحضوره وعظمته يجعل الانسان مستقيما ونزيها لا يفكر ولا يعمل الا ما يرضي الله وينفع الناس ويبني الحياة.
اما بدون المراقبة فالايمان يتزلزل، ويُعصى الله، ويُطاع الشيطان، وتُنتهك الحرمات، وتضيع الأمانات، ويسيطر الفساد، ويكثر الظلم والعدوان، وبدون مراقبة الله رأينا كيف ان البعض تمادى في عصيانه وظلمه وفساده وجرائمه، وكيف ان الإهمال والفساد وهدر الاموال ضرب الكثير من الأعمال، ودمر الكثير من المؤسسات، وتسبب بالعديد من الازمات التي يعاني منها الناس على مختلف الصعد.
المصدر: موقع المنار