“الجرعة تؤدي إلى التسمم” قول مأثور يُنسب إلى براكلسوس، الطبيب والفيلسوف السويسري من أوائل عصر النهضة.
ويعني ذلك أن أي مادة يمكن أن تصبح سامة إذا أعطيت بتركيز عالٍ، حتى أن الكثير من الماء يمكن أن يصبح قاتلاً.
وبالنظر إلى فيروس كورونا من تلك العدسة، فإن “جرعة” الفيروس أي العدوى التي يتلقاها الأشخاص قد تُحدث فرقاً بين عدم ظهور الأعراض أو الإصابة بمرض خفيف أو مرض خطير.
فيروس “SARS-CoV-2” يتشابه مع الفيروسات الأخرى
وأوضح إيرين بروماج أستاذ علم الأحياء في جامعة ماساتشوستس، دارتموث، أن مفهوم الحاجة إلى جرعة معينة من العامل الممرض -وهو كائن حي مسبب للمرض- لإحداث عدوى هو الحال نفسه بالنسبة للعديد من الفيروسات، مثل الإنفلونزا، وفيروسات الجدري، وغيرها.
ووصف إيرين العلاقة بأنها “تعتمد على الجرعة”: “إذا أعطيت حيواناً جرعة منخفضة، فسيكون قادراً على صدها دون الإصابة بأي مرض. وفي حال أعطيته جرعة معدية أكبر، فسوف يستسلم الحيوان للمرض نتيجة ذلك العامل المسبب للمرض.
والأمر لا يرتبط بالحاجة إلى عدد معين من جزيئات الفيروس لإصابة خلية، بل يزيد من احتمالات دخول إحدى تلك الجسيمات الفيروسية إلى الخلية وإصابتها بالعدوى، مما يؤدي إلى بدء التفاعل المتسلسل.
وهناك طريقة أخرى للتفكير في الأمر تماماً كالحمل، إذ لا تحتاج البويضة إلى ملايين الحيوانات المنوية للتخصيب، وواحدة فقط تكفي، لكن الرجال يصنعون ملايين الحيوانات المنوية لزيادة فرصة وصول أحدها إلى البويضة.
الحصول على جرعة فيروسية دفعة واحدة أو بمرور الوقت
وهناك بُعد آخر للجرعة الفيروسية ويتعلق بالوقت. وليست جرعة الفيروس التي تحصل عليها ببساطة في وقت ما هي المهمة، إذ قد يرتبط الأمر بمجموع الجرعات الفيروسية التي تحصل عليها خلال فترة زمنية معينة.
ويتساءل بروماج أن “بعض الناس يتكهنون حول ذلك: هل بسبب ذلك، على سبيل المثال، من المرجح أن يكون لسائقي الحافلات أو الأشخاص الذين يعملون في غرف الطوارئ نتائج سلبية أكثر؟ لأنهم يتعرضون لجرعات أعلى، أو لأنهم في بيئة حيث يتعرضون لها على مدى فترة طويلة ويحصلون على الجزء الأكبر من العامل الممرض”؟
وفي منتصف أكتوبر، غيرت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها تعريفها لـ “الاتصال الوثيق” ليشمل حالات التعرض المتعددة، لشخص مصاب بـ15 دقيقة أو أكثر.
ولا يتعلق الأمر بالفيروس فقط، بل يتعلق أيضاً بالمصاب.
وقال بروماج: “يحتاج كل شخص إلى كمية مختلفة من الفيروسات. وقد يحتاج الشخص الذي يعاني من نقص المناعة، أو الشخص المتوتر، على سبيل المثال، إلى قدر أقل من [الفيروس] لتكون إصابته تماماً كإصابة شخص ما في حالة صحية جيدة”.
الجرعة الفيروسية والحمل الفيروسي
وتقول الدكتورة مونيكا غاندي، طبيبة الأمراض المعدية وأستاذة الطب بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، إن الحمل الفيروسي عبارة عن كمية الفيروس التي يحملها الشخص المصاب في جسمه.
وأضافت أنه “عند الحصول على جرعة فيروسية أقل، فهي ترتبط بمرض أقل حدة”.
العلاقة بين الأقنعة واللقاحات
وهناك طريقة مهمة للتفكير في جرعات الفيروس. وإذا كانت الجرعة صغيرة، فقد لا تسبب المرض، ولكن يمكن أن تولد استجابة مناعية مماثلة للقاح.
وفي الواقع، كتبت غاندي وشريكها في التأليف، الدكتور جورج راذرفورد من قسم علم الأوبئة والإحصاء الحيوي في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، مقالة في مجلة “نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين” في سبتمبر، حيث طرحت نقاشاً أنه من خلال ارتداء الشخص للقناع، سيحصل على جرعة أصغر من الفيروس، ويحفز جهاز المناعة في الجسم.
ويمكن أن يساعد ذلك أيضاً في تفسير سبب عدم ظهور أعراض فيروس كورونا على بعض الأشخاص، ولكن توفر أجسام مضادة للفيروس لديهم. ويتطلب ذلك المزيد من الأبحاث.
ونظراً لأن الناس لا يستطيعون التحكم في الجرعة الفيروسية التي يحصلون عليها، ناهيك عن مقدارها، كررت غاندي ما قاله معظم خبراء الصحة العامة حول ما يجب علينا فعله للبقاء بأمان قدر الإمكان: التباعد الاجتماعي، واختيار المساحات الخارجية بدلاً من الأماكن الداخلية، وغسل اليدين، ووضع القناع.
المصدر: سي ان ان