تعود الحياة إلى طبيعتها في إيطاليا بحذر شديد، في المرحلة الثانية التي أقرتها الحكومة، ودخلت حيز التنفيذ يوم 18 أيار الجاري، عاد الأجداد ليحتضنوا أحفادهم وعاد الكبار والصغار الى المتنزهات، ورغم السماح للقوارب باستئناف نشاطها في المدينة العائمة البندقية، تبدو الحركة منعدمة بغياب الزبائن، لذا ينتظر أصحابها الثالث من حزيران موعد فتح الحدود للسياح الأوروبيين، حيث أعيد فتح صالونات الحلاقة والمقاهي، بفارغ الصبر، انتظرت العديد من النساء في إيطاليا هذا الأمر بعد وقت طويل من الإغلاق المفروض، الذي يمكنهن فيه قص شعرهن وصبغه مرة أخرى.
قرار إعادة الفتح شمل كذلك الشواطئ والمطاعم والحانات والمحلات التجارية. كما عادت المصانع لبدء تشغيل خطوط إنتاجها مع بدء إيطاليا لعملية تدريجية وبطيئة لرفع إجراءات عزل عام مستمرة لأطول فترة في القارة الأوروبية إلى أكثر من شهرين ونيف، بعد أن أصدرت السلطات الإيطالية أوامر للإيطاليين بالتزام منازلهم لمحاولة إبطاء انتشار أحد أسوأ موجات تفشي فيروس “كورونا” المستجد في العالم. اليوم بدأت الحكومة إلغاء معظم القيود، بحذر، بينما أبقت عددا منها قيد التطبيق بانتظار تقييم ما سينتج عن المرحلة الثانية.
على الرغم من الفتح، تبقى القيود صارمة جدا في مواقع الإنتاج، فهناك المسح الحراري للموظفين الكبار، ثم سائر العمال، قبل أن يسلموا معدات حماية: كمامات وقفازات ونظارات، وتقدم مدن سياحية عروض مغرية لعودة السياح إليها كجزيرة صقيليا التي أعلنت عن خطة تتضمن تحمل نصف تكاليف تذكرة الطائرة مع تحمل تكلفة إقامة ليلة واحدة في الفندق من بين كل 3 ليال يقضيها السائح فيها، حسب ما صرح به الوكالة الوطنية للإعلام في اتصال هاتفي رئيس مديرية السياحة في المقاطعة ذات الحكم الذاتي في الجزيرة مانيلو ميسينا، وأكد أن حكومة الجزيرة “مولت خطة بنحو 43 مليون يورو للنهوض بالسياحة”.
وتمثل السياحة في إيطاليا 13 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي ويعمل في القطاع السياحي 15 في المئة من اليد العاملة. وتحاول إيطاليا، التي هي أصلا تعاني من دين متراكم يصل اليوم إلى 155 بالمئة نسبة للناتج المحلي (في بداية العام كان 132بالمائة نسبة للناتج المحلي)، الحفاظ على التوازن بين الصحة والإقتصاد، وخصصت بشكل استثنائي 80 مليار يورو لتحسين الوصول إلى بر الأمان والحد من الإنهيار الذي يسببه الحجر الصحي، للشرائح الأضعف في المجتمع، لكنها غير قادرة على إنقاذ الاقتصاديات العملاقة في خامس دولة صناعية في العالم.
وقد يوازي مبلغ 80 مليار يورو الذي خصصته لمساعدة الشرائح الضعيفة تقريبا حجم الأعمال السنوي لشركة “فيات كرايسلر”، فماذا لو انهارت شركة أو أكثر بهذا الحجم؟ انخفضت مبيعات “فيات كرايزلر” منذ بداية العام بنسبة 70 بالمائة وخسرت الشركة في سوق الأسهم 4,2 مليار يورو، وبدأت حاليا الشركات الاستراتيجية استئناف العمل تدريجيا، مع التزامها تدابير سلامة صارمة لتجنب طفرة في عدوى “كوفيد-19”.
وتحاول منطقة لومبارديا وهي من أهم المناطق الصناعية، والتي لم تتعاف بعد وفيها حتى الآن 50 في المئة من الإصابات، استئناف نشاطها لا سيما الأنشطة الانتاجية والصناعية الموجهة أكثر نحو التصدير، مثل السيارات والموضة والآليات الصناعية، ولم تتدخل أوروبا حتى الآن عبر صناديق الإنقاذ، رغم المساعدة الفورية التي قدمتها روسيا والصين لإيطاليا.
ورحبت إيطاليا باقتراح المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بطرح مبادرة مشتركة لمواجهة أزمة جائحة كورونا على المستوى الأوروبي. برلين وباريس تجريان مشاورات رفيعة المستوى منذ فترة حول خطط إنشاء صندوق أوروبي للتعافي الاقتصادي عقب أزمة كورونا. ويرى الطرفان أنه يتعين تأسيس صندوق أوروبي لإعادة الإعمار بقيمة ألف مليار، على أن يذهب جزء هذه الأموال كمنح للدول الأعضاء في الاتحاد، بينما يكون الجزء الآخر في صورة قروض. إلا أن المقترح الفرنسي والألماني والمرحب به من قبل بلدان جنوب أوروبا، ترفضه دول الشمال الأوروبية التي لا تريد حسب زعمها تمويل ديون بلدان جنوب أوروبا ولم تتعرض لجنون فيروس “كورونا” كما تعرضت إيطاليا وفرنسا وإسبانيا.
المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية