تدرك روسيا حجم المخاطر الأميركية المستهدِفة للمنطقة، ولا تنظر للمشهد اللبناني والتدخل الأميركي المستغل للأحداث الأخيرة و المحرض عليها بمعزل عن الإشتباك الإقليمي ومحاولة عدم اخلاء الساحة للاخرين من اللاعبين الاقليميين والدوليين. وفي هذا السياق سربت مصادر مؤسسات غير حكومية تقارير حول مخطط أميركي سري يهدف لإثارة التوترات في المنطقة واستهداف دول مثل إيران، تركيا، روسيا و دول قريبة من روسيا مثل أرمينيا و جورجيا و أوكرانيا و غيرها.
وورد في هذه التقارير أن دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة تخشى من نجاح مشاورات ومقررات مجموعة أستانا ( روسيا تركيا و إيران) و التطورات التي توصلت إليها تلك المجموعة في سوريا وتعتبرها مقلقة للغاية كونها تقوض هدف الولايات المتحدة الإستراتيجي في استعمار سوريا و المنطقة. تلك الدوائر تشير إلى عدم فعالية عصا عقوبات ترامب على إيران وتركيا وروسيا لذلك تمت صياغة خطة إستراتيجية جهنمية تستند لأنشطة مدمرة مزعزعة للإستقرار منها خلق تناقضات في العلاقات بين دول المنطقة روسيا وإيران، إيران وتركيا، أرمينيا وإيران وكذلك تفعيل الأزمة في لبنان وغيرها.
أروقة السياسة والدبلوماسية الروسية تُدرك أن لبنان ليس بمعزل عن هذا المخطط الأميركي، ومن هنا ممكن تحليل موقف السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان والذي ورد فيه أن روسيا ترى في لبنان “مساحة لمواصلة توسعها العدائي لدورها الإقليمي وفي البحر الأبيض المتوسط، ” على حد تعبير فيلتمان الذي إعتبر لبنان مساحة للتنافس الإستراتيجي العالمي وان الاخرين سوف يملأون الفراغ بسعادة إذا تنازلنا عن الأرض فيه ، في اشارة الى روسيا والصين وايران..
ونذكر أن السفير الروسي ألكسندر زاسبكين كان من أول المحذرين في تصريح له جاء فيه أن الأميركي يأخذ لبنان إلى الفوضى وهذا التصريح قد جاء قبل الحراك في مؤشر إلى إطلاع الإستخبارات الروسية على خطورة المخططات الأميركية للبنان وقد عاد وصرح السفير الروسي منذ ايام في مقابلة مع المنار ان التدخل الاميركي في لبنان تخريبي.
و بينما تتوافد جهات غربية فرنسية و أخرى بريطانية إلى لبنان في محاولة للتدخل على مسار تكليف و تأليف الحكومة تحرص موسكو على أن لا يبدو نشاطها تجاه لبنان مشابهاً للتدخل الغربي فيه و تُرَحِّب بكل مبادرة تساعد على حل الأزمة مع العلم الروسي المسبق أن السبب الأساسي لما يحصل من أحداث في لبنان هو تدخل أميركي غربي و سعي أميركي للهيمنة عبر الآليات المصرفية الدولية و السياسات النقدية و برنامج العقوبات المستخدم مع وصفات الثورات الملونة.
من ناحية ثانية أشار مبعوث الرئيس الروسي الخاص و نائب وزير الخارجية ميخايل بوغدانوف في دردشات مع بعص الدبلوماسيين إلى تواصل مكثف بنَّاء مع جميع الأطراف اللبنانية و تحديداً مع شخصيات مسؤولة في القيادات اللبنانية وان التواصل الروسي قائم بشكل معززعلى كافة المستويات الأمنية و السياسية و العسكرية.
وكان من المفترض أن يزور بوغدانوف لبنان في بداية شهر نوفمبر تشرين الثاني في زيارة مقررة قبل بدء الأحداث و الحراك في لبنان، و قرار بوغدانوف بزيارة لبنان ما زال قائماً و هو قيد التشاور مع وزير الخارجية سيرغي لافروف و القيادة الروسية لتحديد التوقيت و تَخَيُّر الظرف المناسب.
ربما لا تسعى روسيا في هذه المرحلة للدخول في مواجهة مباشرة أكثر حدةً مع الولايات المتحدة و تحاول تحديد مساحة إشتباكها معها إلا أنها تُدرِك تماماً أن للبنان خيارات بديلة عن الدعم الأميركي الغربي له على شكل قروض سيدر و غيرها ، و هذا ما أشار إليه سماحة الأمين العام لحزب الله من خيارات إقتصادية لدول مستعدة للإستثمار في لبنان، فيما نقرأ مؤشرات لتبلور مبادرة روسية تحظى بفرص نجاح أكبر من مثيلاتها الفرنسية و البريطانية لإخراج لبنان من المأزق الحالي.
المصدر: موقع المنار