ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة، هنأ فيها المسلمين جميعا واللبنانيين وخصوصا بذكرى ولادة الرسول الأكرم محمد، مؤكدا أن “دولة النبي الأعظم في كل زمان ومكان، قامت على المبادىء التالية: لا للجهل، لا للظلم، لا للاستبداد، لا للاضطهاد، لا للفقر، لا للقهر والخوف، لا للذل والابتذال، لا للمهانة، لا للدكتاتوريات، لا لوحوش المال، وأباطرة الأسواق، لا لنهب المال العام، لا للقرصنات المختلفة، لا للغرف السوداء، لا لسطوة العائلة، لا للنفاق السياسي والحكومي، لا للسكوت عن الباطل، لا لمخالفة الحق، لا لطعن العدل وخذلانه، لا للشعب الساكت عن الجائر، لا للقضاء المجير للحاكم، لا للطبقية، لا للاحتكار المالي النقدي الاقتصادي والسياسي، لا للإعلام الفاسد، لا للفساد بكل أشكاله، لا للمشاريع التي تتعارض مع مصلحة الناس والشعب، لا للبرامج التي تتعارض مع الأسرة، لا للنفوذ الذي يحول الدولة إلى مرزعة، لا للحاكم الذي ينام وشعبه جائع، أو يسكن القصور، وشعبه يسكن الأكواخ، أو يأمن وناسه خائفة، أو يطمئن وناسه مذعورة، أو هو مضمون وشعبه بلا ضمان، أو يستغل السلطة للتجارة، أو يفرخ المؤسسات والشركات استغلالا للمنصب والسلطة، لأن دولة النبي بمراد الله تعني خدمة الناس، وحمايتهم، وحماية مرافقهم وأموالهم ومواردهم وأرزاقهم ومستقبل أجيالهم ومنع جور السلطة وفسادها، بحيث تكون الدولة بكل مرافقها ومؤسساتها وبرامجها ومشاريعها وأدوارها وأدواتها بخدمة ناسها وشعبها بعيدا من الابتزاز والاحتكار والسلب والصفقات، بل يجب أن تتشكل الدولة ومؤسساتها وفق مراد الله حيث تكون حاجزا ضد الطمع الافتراضي والاستغلال الافتراضي لمن يحكم أو تتمكن يده من السلطة”.
وقال “في يوم النبي الأعظم، انتماءنا إلى الحق والعدل والعون والبر والخير والإحسان للبلد والناس والشعب، بكل ما يضمن هذه العناوين في الشقين الفردي والعام، وعلى قاعدة خصومة الظالم والفاسد والمستأثر والمتسلط، مع المظلوم والمحروم والمضطهد وذوي الحقوق بمختلف عناوينها، ومنها حق الناس بدولة خدمات ومؤسسات صحية واجتماعية وبرامج تربوية وتنموية وسياسيات ضد البطالة والجوع والفقر والظلم والإذلال، والاضطهاد والنهب والتضخم، واحتكار الأسواق وجماعة الوكالات ولعبة العائلات، وما إلى ذلك من مفاسد وكوارث مختلفة. وهو يعني في يومنا هذا، ضرورة إستغلال اللحظة المصيرية، لاستعادة مشروع الدولة ووظيفتها العادلة وعدالتها الاجتماعية، وسط أزمة كبيرة تطال البلد وتكاد تضع مشروع الدولة في مهب الريح. لذلك، كنا وما زلنا رواد الدفاع عن الحق في وجه الباطل، أينما كان الحق، وأينما كان الباطل”.
وشدد على “وجوب حماية أصل مشروع الدولة أولا، ومبدأ العيش المشترك، والسلم الأهلي، وتحويل المطالب الاجتماعية والحراك المطلبي إلى أداة إصلاحية قوية، على قاعدة الشراكة الوطنية، التي تضمن إقرار قوانين ومحاكم كفيلة بمنع الفساد ومحاسبة الفاسد، واسترداد المال العام، وتأكيد مبدأ من أين لك هذا؟ وهذا يفترض حماية الحراك من الابتزاز السياسي، والاستغلال الحزبي، ولعبة الأوكار، والغرف السوداء، والضغط الخارجي، ولعبة الأمم الملونة، وخاصة أن كثيرا من الأمور قد اتضح، لذلك لا يجوز تضييع الحراك وتغييب جوهر قضيته أو التعامل معه على طريقة ما جرى في نفق نهر الكلب، وطريق خلدة، وباقي المفاصل، أو تظهيره على طريقة تسكير الطرق وابتزاز المواطنين، ومنع لقمة عيشهم، وفرز الناس بين خائن ووطني، واعتماد القوة البديلة والتعامل الفوقي واستباحة كل شيء، وإلا تحول الحراك ضد أهدافه، وهو ما يعاني منه الحراك الآن، ويكاد يحوله إلى كانتونات شغب تتعامل مع قضايا الناس بخلفيات سياسية وغايات حزبية تتعارض بشدة مع مبدأ استعادة الدولة العادلة، وتطهيرها من الفساد بمختلف أشكاله وأنواعه”.
أضاف “في يوم ولادة الرسول الأكرم، نعيد تأكيد ضرورة حماية الإنسان ودولة الإنسان وثروات الإنسان وإمكاناته من الضياع، واللحظة الآن مؤاتية جدا، فلا تضيعوا بوصلة الحراك في الزواريب الحزبية والأقنعة المشبوهة، حتى لا يضيع لبنان، أو يتحول إلى عشية كعشية 1975، لأن أي لعبة تمزيق أو تفكير بإنشاء كانتونات يعني إشعال حرب أهلية لن يربح فيها من يسعر نار الفتنة أو يشتغل كمقاول دموي، لصالح الأوكار الخارجية”.
وتابع “آن الأوان لإحداث صدمة سياسية تجبر هذه السلطة على التغيير والإصغاء إلى صوت الناس، إلى الفقراء والعاطلين عن العمل، إلى المرضى والطلاب، إلى المستقبل الذين نريده أن يكون بحجم طموحات شبابنا وأبنائنا، فالبلد بلدنا، وعلينا مسؤوليات كبيرة لإخراجه من هذه المآزق التي إذا لم نتحاور ونتعاون ونتفاهم ونتآلف ونصغي لبعضنا بخلفية وطنية وبدوافع “كلنا لهذا البلد” يعني أننا أمام المجهول”.
ودعا إلى “تأليف حكومة تكون بمستوى التحديات، وذات كفاءات عالية، وقادرة على الإمساك بزمام الأمور، واستعادة ثقة الناس، لأن الاستمرار بذهنية الترقيع والتسويف وسياسة المسكنات لم تعد تجدي ودونها عواقب خطيرة، فالمتربصون والمتسلقون من كل حدب وصوب”.
وختم متوجها إلى الحراك “البلد في القعر، مالية الدولة منهوبة، والوضع الاقتصادي معدوم، وضع المصارف في أسوأ حالاته، ومؤشرات السقوط عالية، بلدنا على وشك الإفلاس والضياع، فيما هناك من يختصر حراككم ببعض الشخصيات الموهومة والمشبوهة. فأدركوا الحراك، لأن هناك من يعمل على سرقة حراككم، فانتبهوا، وكونوا مع جيشكم متعاونين مخلصين له، لأن الإخلاص لهذا الجيش هو إخلاص للوطن، ولحقوقكم، فالجيش لنا ومنا، وهو خشبة خلاصنا وملاذ تطلعاتنا، فلا تنغمسوا بالفتنة المدبرة، ولا تنخرطوا في مؤامرة قد تضيع الوطن فتضيع معه الحقوق. كما نقول لهذا الجيش الذي نحترم: إنك مسؤول عن أمن البلد، وأمن الناس، وواجبك الوطني يدعوك لأن تحفظ الأمن وتصون الاستقرار، فلا تتهاون ولا تتساهل في هذه المهمة، وكن حازما في اتخاذ القرار والموقف الشجاع الذي يمنع قطع الطرقات، ويحمي السلم الأهلي ويحصنه من الأيدي العابثة”.
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام