لا تزال الأبحاث العلمية بحاجة إلى الاتفاق على «نظرية شاملة» تفسّر وظيفة النوم، وهدفه في تكوين الإنسان، مع أن الأبحاث أظهرت وظائف مهمة للنوم وتأثيراته على أجسامنا وعقولنا.
واستناداً إلى تحليل لمصادر الأبحاث الطبية، أصدرت «جمعية أبحاث النوم» و «الأكاديمية الأميركية لطب النوم»، بياناً مشتركاً العام الماضي أوصتا فيه البالغين بالنوم لما لا يقلّ عن سبع ساعات في الليل للحفاظ على وضع صحي جيد.
واستندت هذه التوصية على مراجعة وتنقيح شاملين للدراسات والأبحاث السابقة. كما أشار البيان إلى أن النوم لفترة تقلّ عن ست ساعات ليلياً، وبشكل منتظم، «لن يكفي للحفاظ على الصحة».
يمر النوم بدورات من مراحل عدة تشـــمل «حركة العين الســــريعة»، و «حركة العين غير السريعة». وخلال مرحلة حركة العين الســريعة نحلم أكثر أحلامنا بلقطاتها الواضحة. وتسمّى مرحلة حركة العين غير السريعة أيضاً بمرحلة النوم الخفــــيف (المرحلتان الأولى والثانية)، إضافة إلى مرحلة النوم العمــــيق بالموجات البطيئة (وهي المرحــلة الثالثة).
ويُعتقد أن مرحلة نوم الموجات البطيئة ذات أهمية خاصة للانتعاش البدني والصحة، نظراً لدورها الوظيفي في صيانة الخلايا والحفاظ على صحتها. ولضمان أداء جيد للذاكرة، نحتاج إلى دورة نوم طبيعية من مرحلتي حركة العين السريعة وغير السريعة.
وتُعَدّ مرحلة حركة العين السريعة مرحلة مهمة من مراحل النوم من أجل قوة وتماسك الذاكرة، وخاصة ذاكرة العمليات الإجرائية والمكانية.
أما مرحلة حركة العين غير السريعة والموجات البطيئة فتمكّننا من معالجة المعلومات وتماسك الذاكرة، وخصوصًا الذاكرة الجلية، وهي تلك التي تكمن وظيفتها في استعادة الحقائق والأحداث.
وتتواصل خلايا الدماغ فيما بينها عبر «المشبك العصبي»، وهي نقاط وصل تربط تلك الخلايا ببعضها عن طريق مواد كيمياوية تسمّى أيضاً النواقل العصبية. وتُعَدّ مرحلة نوم الموجات البطيئة ضرورية لتنظيف وتصفية المشابك والنواقل العصبية. وتُعَدّ عملية التصفية هذه ضرورية جداً للحفاظ على الروابط القوية في الدماغ، ولإزالة الروابط الهزيلة، كجزء من عملية تماسك المعلومات في الذاكرة.
تُظهر مجموعة من الأبحاث ضعف الأداء على مستويات متنوّعة من الوظائف المعرفية للدماغ نتيجة للحرمان من النوم. وتشمل هذه مستويات الانتباه وضبط المشاعر والتعلم والذاكرة و «المهام التنفيذية».
وتشمل المهام التنفيذية في هذه الدراسات، القدرات المرتبطة بتنفيذ مهام متعددة في آن واحد، وترتيب أمور متسلسلة معقدة. كما تدلّ أيضاً على قدرات ضبط النفس، وتهذيب سلوكياتنا وكلامنا لنتجنّب تصرفات وتعليقات قليلة الأدب.
ومن بين تلك الوظائف، تتأثر المستويات المعرفية للانتباه أكثر من غيرها بالحرمان من النوم، حيث يمكن رؤية تأثيرات خفيفة على عمليات الانتباه المعقدة والذاكرة العاملة. وقد جرى تدوين تأثيرات بدنية عدة ناجمة عن نقص النوم، أو النقص المزمن للنوم، بما في ذلك زيادة الوزن والسمنة، ومرض السكري، ومرض ارتفاع ضغط الدم، والكآبة، وزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب، والجلطة الدماغية، إضافة إلى زيادة مخاطر الموت.
كما جرى التوصّل إلى وجود صلات عديدة بين عدم كفاية النوم ونقص المناعة، وزيادة الشعور بالألم.
وتجري «مؤسسة النوم الأميركية» بشكل دوري استطلاعاً للرأي تطلق عليه اسم «النوم في أميركا». وهناك معطيات تبين أن 40 في المئة من المشاركين في ذلك الاستطلاع ذكروا أنهم ينامون أقلّ من سبع ساعات أثناء الليل. أما وزارة الصحة والخدمات الصحية الأميركية فقد أطلقت مبادرة سمّتها «الأشخاص الأصحاء 2020» تهدف إلى تحسين صحة الأمة كلها. ووضعت هذه المبادرة هدفاً لها يتلخّص في «زيادة نسبة البالغين الذين يحصلون على نومٍ كافٍ».
المصدر: بي بي سي