نص الخطبة
وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ . الانعام 38
تعتبر الثروة الحيوانيّة من الثروات الهامة التي سخرها الله للانسان، فهي مصدر اساسي لغذاء الإنسان: فالإنسان يعتمد في غذائه الأساسي على منتجات الثروة الحيوانيّة من اللحوم والبيض والألبان والأجبان وغيرها؛ كما ان بعض الحيوانات تشكل مصدرا لزيادة الدخل القومي من خلال تربيتها وبيعها أو بيع منتجاتها، كما أنّ بعض الأنواع من الحيوانات تستخدم في تنشيط السياحة في بعض الدول فتجذب السياح من مختلف أرجاء العالم من خلال تربية وعرض الحيوانات الغريبة المهدّدة بالانقراض والنادرة، إضافة الى ان الثروة الحيوانية تنشط الصناعة؛ حيث إن هناك العديد من الصناعات التي تدخل فيها منتجات الثروة الحيوانيّة مثل بعض الادوية والجلديات وغيرها، كما ان بعض الأنواع من الحيوانات يتم استخدامه في التنقّل من مكان لآخر، وخاصّةً في الأماكن الوعرة والطرق التي لا تستطيع السيّارات المرور من خلالها.
وبسبب هذه المنافع وغيرها وأهمية الثروة الحيوانية في حياة الانسان، وخوفا من عبث الانسان بهذه الثروة والتسبب بانقراضها، فقد أوجب الاسلام حماية جميع أنواع الحيوانات والحفاظ عليها والرفق بها وعدم التسبّب في انقراض بعض الأنواع النادرة منها، وقد سبق الاسلام كل الجمعيات التي تنادي بالمحافظة على الثروة الحيوانيّة وتدعو الى الرفق بالحيوان في العناية والاهتمام بهذه الثروة، ولدينا من النصوص والأحكام والتشريعات والمبادىء والقواعد والضوابط ما يكفي لادراك ومعرفة مدى عناية الاسلام بهذه الثروة ولضمان حمايتها من الأخطار والتهديدات التي تواجهها حيث ان الحيوانات تواجه عبث الانسان وبطشه وظلمه وسوء استخدامه لها فنجد البعض يحميل الحيوان فوق طاقته ويجهده بفترات العمل الطويلة، او بتعذيبه او بضربه بشدة او بحبسه حتى الموت، البعض يجعل الحيوانات هدفا فيتعلم الرماية عليها ان كل هذه التصرفات نهى عنها الاسلام ودعا الى الرفق بالحيوانات وعدم إيذائها وتوفير الطعام والشراب لها بالقدر الذي يكفيها. ومداواتها اذا مرضت وعدم التسبب بانقراضها.
هناك مجموعة من الأحكام والاجراءات امر بها الاسلام تكفل حماية الحيوانات من الأذى في حال التزم بها الانسان وعمل على مراعاتها وتطبيقها، وهي تشكل منهج الاسلام في الرفق بالحيوان وحمايته من التهديدات المختلفة، منها:
1ـ النهي عن صيد اللهو : فالبرغم من ان صيد الحيوانات يعتبر من موارد تأمين الغذاء للإنسان، وقد اباحه الله سبحانه الا انه اذا تم وفقا لأهواء الانسان وغريزته قد يصبح من أخطر المسائل التي تهدد الثروة الحيوانية، ولذلك جاء الاسلام ونظم عملية الصيد فنهى عن صيد معظم انواع الحيوانات فيما لو كان ذلك على أساس اللهو والترف والعبث، وهو ما يعرف بصيد اللهو ، اي الصيد الذي يمارسه الانسان كهواية من أجل المتعة فقط، أو للحصول على بعض الأجزاء النادرة من أجسادها مثل الفرو في الثعالب أو الأنياب عند الفيلة وغيرها، فان هذا النوع من الصيد اللهو يشكل هدراً وإتلافاً للثروة الحيوانية من دون مبرر سوى المتعة والتسلية والترف
وقد قسم الفقهاء الصيد الى قسمين
الاول: الصيد الذي يكون لاجل الانتفاع كالأكل والبيع والتجارة او للإهداء او ماشاكل وهذا لا اشكال فيه
والثاني:الصيد الذي يكون للتسلية واللهو بحيث لا ينتفع من الصيد وانما يتركه فالمشهورهو حرمة هذا النوع من الصيد ولذلك أكد الفقهاء على ان حكم من خرج الى الصيد اللهوي والعبثي وقطع مسافة السفر هو الاتمام وليس التقصير بخلاف من اذا خرج للصيد النافع فانه يقصر.
فقد سئل الامام الصادق (عليه السلام) عن الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم او يومين او ثلاثة :
هل يقصر، ام يتم؟ قال : (ان خرج لقوته وقوت عياله فليفطر وليقصر، وان خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة).
2- النهي عن اخذ الفراخ وصغار الطيور من اعشاشها والعبث بما نسميه في العامية بالجلابيط وقتلها.
فعن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : لا تأتوا الفراخ في اعشاشها، ولا الطير في منامه حتى يصبح، فقال له رجل : ما منامه يا رسول الله؟ قال : (الليل منامه فلا تطرقه في منامه حتى يصبح، ولا تأتوا الفرخ في عشه حتى يريش ويطير، فاذا طار فأوتر له قوسك وانصب له فخك.
فان المقصود بهذا النهي هو الحفاظ على هذا النوع من الطيور وتسهيل عملية توالدها وتكاثرها ليستفيد منها الانسان ، والا فان سلوك هذا الاسلوب مع الطيور ومع بقية انواع الحيوانات قد يؤدي إلى انقراضها، وبعزل عن كون هذا النهي محمولا على الحرمة او على الكراهة الا انه بالتأكيد هو لحماية الثروة الحيوانية من الانقراض.
3- الوعيد على قتل العصفور عبثا : فقد توعد الله تعالى من قتل عصفورا عبثا لا لينتفع به، فقد روي عن النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) انه قال : من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله عز وجل يوم القيامة يقول : يا رب ان فلانا قتلني عبثا، ولم يقتلني لمنفعة.
ويمكن تعميم المنع من قتل العصفور عبثا للمنع من قتل كل طير او حيوان عبثا وبلا منفعة لأن التركيز على العصفور في الحديث قد لا يكون لخصوصية فيه بل من باب المثال للمنع من قتل كل حيوان عبثا .
ولذلك وردعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “أنه نهى عن قتل كل ذي روح إلا أن يؤذي”
وعنه أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم: “ما من دابة يقتل بغير الحق إلا ستخاصمه يوم القيامة”.
4- التحذير من تعذيب الحيوان والتمثيل به: فعن النبي(صلى الله عليه واله) أنه نهى عن المثلة بالحيوان وعن البهائم.
وعن الامام الباقر (عليه السلام) انه قال : ليحذر احدكم عن المثلة، وليحد شفرته ولا يعذب البهيمة.
بل في بعض الاحاديث نهي عن جرح الحيوان او ضربه او حبسه حتى الموت، فعن جابر بن عبدالله أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ عليه حِمار قد وُسِم في وَجهه ( اي عليه أر الكي بالنار)فقال: ((لعن اللهُ الذي وسمَه))، وفي روايةٍ: “انه قال: ((أما بلغكم أنِّي لَعنتُ من وَسم البهيمةَ في وجهها أو ضَرَبَها في وجهها))،
وروى عن ابن عباس، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تتَّخذوا شيئًا فيه الرُّوحُ غرَضًا)، والغَرَض: هو المنصوب للرَّمي،فيتخذ هدفا للتدرب على الرمي.
وحتى عندما أحل الله ذبح بعض انواع الحيوانات التي حلل اكلها للاستفادة منها في الأكل وغيره من المنافع فانه أمر بتطبيق عدد من القواعد عند ذبحها رأفة ورفقا بها من هذه القواعد: تقديم الطعام والماء للحيوان قبل ذبحه ،وذبحه بسكين حادة، وأن يذبحها بسرعة دون بطء.
ومن ذلك أيضاً عدم ذبح الحيوان أمام الحيوان حتى لا يروعه ويخيفه ويحزنه، ففي الحديث ان النبي(ص) قال: (إنَّ اللهَ كتب الإحسانَ على كلِّ شيٍء. فإذا قتلتم فأحسِنُوا القِتْلَةَ. وإذا ذبحتم فأحسِنُوا الذبحَ، وليُحِدَّ أحدُكم شفرتَه. فليُرِحْ ذبيحتَه).
5- الحفاظ على الحيوانات من الامراض المعدية :
فانمن جملة التوجيهات النبوية الشريفة للحفاظ على الثروة الحيوانية النهى عن سقي الابل السليمة مع الابل المريضة، لأنها عندما تحتك بها تعديها، وهذا توجيه لوقايتها من الامراض، فاذا اصيبت يجب ان تعالج حفاظا عليها.
ففي الحديث: (لا يوردن ذو عاهة على مصح بعينه).
6- المنع من ذبح الشاة الحلوب التي تدر الحليب:
فقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله) لمضيفه الانصاري الذي أراد اكرامه بذبح شاة : (اياك والحلوب) قاله له حينما اخذ الرجل السكين ومضى ليذبح الشاة اكراما للنبي(ص).
لان هذه الشاة ينتفع بلبنها، لأنها حلوب، فاذا ذبحها يخسر حليبها، ويخسر معه المجتمع، ويغني عنها شاة اخرى غير حلوب.
إن كل هذه الاجراءات والتوجيهات تدل على مدى عناية الاسلام بالثروة الحيوانية ومدى رأفة الاسلام بالحيوان، فكيف بالانسان الذي كرمه الله وجعلة خليفة له في ارضه واوكل اليه مهمة اعمار الارض وبناء الحياة فهو اشد رأفة به وحرصا عليه وعلى حياته ووجوده ولذلك التعرض للناس بالاذى والاساء او بالترهيب والقتل هو أمر مرفوض، كما ان فرض أعراف جديدة في لبنان الذي هو بلد التنوع والتعايش والانفتاح هو امر ليس فيه مصلحة لأحد من اللبنانيين، ومن غير المفيد تكريس امور تسيء الى صورة العيش المشترك والتلاقي بين اللبنانيين، فهل بات المطلوب من كل من يريد ان يزورة منطقة ما في لبنان ان يأخذ إذنا من زعمائها وقياداتها؟ .
من غير المقبول تعريض السلم الاهلي للاهتزاز وضرب الاستقرار وتشويه صورة لبنان والحاق اضرار اقتصادية بالبلد، من اجل معالجة ازمات خاصة او ايصال رسائل معينة او استدراج دعم ضد خصوم في الداخل .
الحفاظ على صورة لبنان والعيش المشترك فيه والاستقرار الداخلي هو مسؤولية الجميع، ليأمن الناس على حياتهم ومستقبلهم، فيكفي اللبنانيون ما يعانونه من ازمات اقتصادية ومعيشية وحياتية وليسوا بجاجة الى المزيد من الأزمات.
نحن اولويتنا هي الحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار الداخلي باعتبارهما مدخلا اساسيا لتفرغ الحكومة لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية للناس، ومن موقع هذا الحرص نتحرك لنساهم في معالجة الخلافات بين بعض الفرقاء في البلد، وعلى الحكومة ان تكون اكثر فاعلية في معالجة القضايا التي يعاني منها البلد .
المصدر: موقع المنار