الإتفاق النووي الذي وقَّعته إيران مع دول ( خمسة زائد واحد) عام 2015، وانسحبت منه الولايات المتحدة في أيار من العام 2018، أبدَت إيران لأكثر من سنة كل صبرِ ممكن في مواجهة العقوبات الإضافية التي فرضها نظام ترامب، إحتراماً منها لإلتزاماتها المبدئية في أي إتفاقٍ دولي، سيما وأن حليفتيها في هذا الإتفاق روسيا والصين أكدتا حسن تطبيقها لمُندرجات هذا الإتفاق، إضافة الى تنويه ألماني متكرر، وتأكيد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومسؤولة العلاقات الدولية في الإتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني، مع إجماع من مختلف الدول المعنية على أن هذا الإتفاق مثاليّ وأن إيران تُطبِّقه بمثالية.
لكن التصريحات والتنويهات غير كافية بالنسبة لإيران لمواجهة “تطيُّر” ترامب في ابتداع أساليب تصعيد العقوبات، لدرجة أنه بلغ الذروة عندما أعلن عن نيِّته إيصال تصدير النفط الإيراني الى “الصفر”، ليبلغ تَطَيّره حد الوقاحة أن يفرض العقوبات على الامام السيد علي الخامنئي، علماً بأن قيمة هذه العقوبات هي أيضاً “صفر” لأن كل ممتلكات السيد الخامنئي تقتصر على منزل وحسينية.
المُلفِت في نهج السياسة الخارجية الإيرانية، أن لها سِمَة اللباقة الديبلوماسية مع الشركاء كما مع الخصوم، وشهِدَت أوروبا على دماثة أخلاق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في النقاشات والمُباحثات حتى المُعقَّدة منها، وفي نفس السياق، اعلن الرئيس الشيخ حسن روحاني في السابع من شهر أيار الماضي إعطاء فرصة للشركاء الأوروبيين مُدَّتها ستون يوماً، لمحاولة إنقاذ هذا الإتفاق من ضغوط ترامب، إنطلاقاً من المصالح المشتركة وإنقاذاً للإتفاقات الإقتصادية الإيرانية – الأوروبية التي تم إبرامها بعد إقرار الإتفاق النووي، وخلال مهلة الستين يوماً التي تنتهي يوم الأحد في السابع من تموز، لم تلمس إيران أية مواقف عملية أوروبية لمواجهة عبث ترامب، وأعلن الرئيس الإيراني بعد انتهاء المهلة الأكثر من كافية، العودة الجزئية الي رفع مستوى وكمية تخصيب اليورانيوم لإنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية.
وقد سبق للرئيس الأميركي منذ أيام، أن غرَّد بلُغة التهديد على تويتر قائلاً: “إيران أصدرت للتوّ تحذيراً جديداً. روحاني يقول أنَّهم سيخصّبون اليورانيوم إلى أي مستوى يريدونه”. وجاء الردّ من الرئيس روحاني على تصعيد ترامب، أن حذَّر الرئيس الأميركي، من أنّ لعبة التهديدات ستنقلب على أميركا، وأنّ بلاده ستنفّذ اعتباراً من الأحد تهديدها بتخصيب اليورانيوم بمستوى يحظره الاتفاق النووي المبرم بينها وبين الدول الكبرى.
الكُرة الآن في الملعب الأوروبي، لأن إيران لن تكتفي بعد اليوم بالتأييد الكلامي للحفاظ على الإتفاق النووي، ولن تكترث أيضاً للتحذير الكلامي كما ورد منذ أيام على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قال أن إيران “لن تربح شيئاً بخروجها من الإتفاق، وأن تراجعها عنه ليس من شأنه سوى زيادة التوترات الشديدة أصلاً في المنطقة”.
نأخذ الموقف الفرنسي كمثال عن الأزمة التي سوف تتورَّط بها أوروبا، كل أوروبا تقريباً، وليست فقط الدول الثلاث المُوقِّعة على الإتفاق النووي مع إيران ( فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، لأن الموقف الرسمي لو كان محايداً أو متضامناً مع ترامب، يتناقض مع المصالح الإقتصادية لبعض الدول الأوروبية التي سارعت شركات كبرى منها الى إبرام إتفاقيات تبادل تجاري واستثماري مع إيران، وعندما انسحب ترامب من الإتفاق النووي، سارعت المؤسسات المالية الأوروبية الى ابتداع وسائل مالية لتفادي العقوبات الأميركية، لأن وقف العمل بالإتفاقيات الإقتصادية مع إيران يوقِع هذه الشركات ذات العلاقة بأزمات مالية حادة.
المصدر: موقع المنار