إسراء الفاس
منذ شباط/ فبراير2011، أي صورة ثبتتها السلطة البحرينية عن نفسها؟ ملثمون يمرون على هيئة أشباح، فتبقى آثارهم: مساجد مهدمة، دماء مسالة، مخلفات الشوزن، مبانٍ مقفلة بالشمع الأحمر وجرافات هدم تنال من رأي مستقل أو كلمة قررت أن تتخذ مسافة من إعلام الصوت الواحد الممجد للسلطة… أشباح السلطة مرّوا بالأمس من شارع البديع المتصل بالعاصمة المنامة، ماذا كانت المخلفات؟ مبنى تم هدمه… مبنى تحرير صحيفة الوسط التحق بكل ما يمتّ للآخر – غير السلطة- في البحرين، مع مساجد شعب لا تراه السلطة متصلاً بها، ومع دوار اللؤلؤة الذي أكد التصاقه بأبناء الأرض بعد أن بات أيقونة لا تشير إلا لثورة شعب منتقص الحقوق، فحُكم عليه بالإعدام هدماً، في هذه الخانة قررت السلطة وضع صحيفة الوسط أيضاً، خانة المحكوم عليهم بالإعدام.
بعد عامين من إيقافها بقرار انتقامي من قبل وزارة الإعلام البحرينية في ٤ حزيران/يونيو ٢٠١٧، عمدت القوات البحرينية إلى هدم مبنى الصحيفة الأكثر انتشاراً وتأثيراً في الداخل البحريني. صباح الاثنين 10 حزيران/يونيو 2019، كان الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي يتفاعلون مع مشاهد الهدم. منع صدور الصحيفة وتسريح 180 من موظفيها لم تجده السلطة كافياً، فكان الهدم، لتمحو السلطة كل أثر لمبنى شاهد على تاريخ “الوسط” الممتد لخمسة عشر عاماً. ليُطرح التساؤل: أي مفعول أحدثته الكلمة في واقع الاستبداد؟
في البحرين يريد الحاكم أن يؤكد أن دائرة سطوته لا تتسع لكل مختلف، حتى ولو لم يتخذ المختلف موقفاً. هكذا كانت الوسط، ناقلة للخبر، غير متخندقة في اصطفاف هنا، ولا مجملة لممارسات بذلت السلطة كل الجهود لخلق مبررات لها. اكتفت الوسط بنقل الخبر، ولكن وقعت في محظور السلطة، واقع المملكة لم يرد له أن يخرج إلى الضوء، لا التظاهرات، ولا القتل ولا الإعدامات، ولا حجب الجمعيات ولا غيره وغيره.. النقل بلا موقف في مملكة القمع هو جريمة بحد ذاته.
يثبّت النظام الحاكم للبحرين معاييره، مهما سمينّاها قمعاً او استبداداً أو سطوة قوة، فمن يمارسها في البحرين لا يهتم… طالما أن أوراق اعتماده للخارج مطروحة على طاولة الابتزاز المفتوح. التطبيع فليكن، وكذلك صفقة القرن، لا ضير في خيانة فلسطين، والتطبيل لصور الخيانة بعناوين التسامح مع الأديان، أو حماية التراث أو حتى المؤتمرات الثقافية التي تجد أنها أكبر من كل صراعات السياسية وقضايا الحاضر وثوابت التاريخ.. هكذا هي البحرين، وهكذا هو الخارج أيضاً… يتمترس خلف الحريات والحقوق يتبناها يحارب بسيفها للضغط على دولة هنا أو حاكم هناك، وعندما تكون الحريات أو الحقوق متعلقة بالبحرين أو من يشابهها يبلع الخارج لسانه، يصم آذانه، ويدير ظهره دون أن يرف له جفن، يفسر كل ذلك كيف يمكن للسلطة في البحرين أن تسقط الجنسيات وتستجلب مرتزقة بدل شعب أصيل، وتعدم عملاً سياسياً معارضاً على اختلاف صوره، وأن تحاكم وتقتل باعترافات تنتزعها، ومن ثم تحاكم صحافة نقل الواقع لا تبني الموقف.. دون أن يخرج من يسائل، بل على العكس يظهر ترامب ليرتب على كتف ملك الاستبداد الحاكم مؤكداً: أن علاقات بلاده مع البحرين لن تكون متوترة… فكيف يُفهم ذلك؟ ..ضوء أخضر مفتوح!
المصدر: موقع المنار