لفت سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: الى أن حرب تموز 2006 جرت بدعم أمريكي وتواطؤ سعودي حيث انكشف للرأي العام مؤخراً حجم تورط النظام السعودي في تلك الحرب الوحشية التي شنها العدو “الإسرائيلي” على لبنان.
وقال: نتنياهو نفسه رأى: (أن حرب 2006 كانت خطاً فاصلاً في العلاقات بين المتطرفين والمعتدلين في الشرق الاوسط) ويبدو انه يقصد بالخط الفاصل أن الحرب شكلت محطة تبلورت فيها بشكل علني التقاطعات بين “اسرائيل” والنظام السعودي الذي كان يرى أن الرهان الوحيد للتخلص من حزب الله هو على الجيش الاسرائيلي.
كما أن “قائد ورئيس الاستخبارات “الإسرائيلية” كشف قبل أيام عبر وثائق أن النظام السعودي كان شريكاً في العدوان على لبنان في تموز عام 2006، وأنه زوّد “إسرائيل” بمعلومات استخباراتية في ذلك العدوان، وهذا يؤكد تورط النظام السعودي في هذا العدوان, ويؤكد مسؤولية هذا النظام عن الدمار الذي لحق بلبنان وفي سفك دماء أهلنا في تلك الحرب، ويكشف حقيقة وقوف هذا النظام إلى جانب “إسرائيل” منذ أكثر من عشر سنوات، لأنه إذا كان هناك تعاون أمني ضد المقاومة منذ عام 2006، فمعنى ذلك أن العلاقة كانت قبل ذلك، وهذا ما بدأت تكشفه اللقاءات العلنية والزيارات والاتصالات السعودية “لإسرائيلية”.
واعتبر: أن النظام السعودي الذي يدعي حماية الحرمين الشريفين وجه طعنة للحرمين وللاسلام وللامة وللشعب الفلسطيني وقضيته عندما زحف نحو “اسرائيل” ليستجدي علاقة مع الصهاينة اعداء الحرمين واعداء الاسلام والمسلمين وغاصبي أرضهم ومقدساتهم، مؤكدا: أن تطبيع النظام السعودي مع “اسرائيل” هو خطيئة وجريمة بحق الشعب الفلسطيني وخيانة للقضية الفلسطينية وللقدس والمسجد الأقصى, وهو إضعاف للأمة, وزيادة في وهنها وعجزها وإنسحاقها أمام الأعداء, وستكون له تداعيات خطيرة على قضايا الأمة ومستقبل المنطقة.
وأشار الى أنه بعد عشر سنوات على العدوان “الإسرائيلي” على لبنان، وبعد ما يزيد عن سنة على بدء الحملة السعودية ضد المقاومة، اقتصادياً وسياسياً وإعلامياً وأمنياً، فإن المقاومة تزداد قوة شعبياً وسياسياً وعسكرياً، بينما في المقابل يزداد الصهاينة قلقاً وخوفاً من قدرات المقاومة ومن اية مواجهة معها, كما يزداد المشروع السعودي وأدواته في سوريا تقهقراً وتراجعاً خصوصاً بعد انتصارات حلب.
وشدد: على أن الوضع في سوريا اليوم هو أفضل من أي يوم مضى، وعلى الإستمرار في مواجهة التكفيريين لحماية لبنان ، فلبنان لن يكون مستقراً ما دام هناك مقرات تكفيرية إرهابية خلف الحدود مع سوريا, معتبراً: أن تغيير الأسم من النصرة الى فتح الشام هو تلاعب مكشوف لا ينطلي على أحد, ولا يغير من المسميات شيئاً, ولن يخرج هؤلاء من كونهم عصابات ومجرمين وقتلة خطفوا جنودا لبنانيين وقتلوا بعضهم ولا يزالون يهددون بلدنا وأهلنا في كل يوم لا سيما في عرسال وعلى الحدود مع سوريا , كما أن تغيير الإسم لن يغير في طبيعة المواجهة فنحن مستمرون في مواجهة هؤلاء التكفيريين الإرهابيين أياً كانت أسماؤهم, فهذا هو واجبنا الإنساني والشرعي والأخلاقي والوطني تجاه أهلنا وبلدنا.
نص الخطبة
في الخامس والعشرين من شهر شوّال نلتقي بذكرى وفاة الإمام جعفر الصادق(ع)، الذي أغنى العلماء والعالم الإسلامي بعلمه ومعارفه المتنوعة التي لم تقتصر على العلوم والمعارف الدينية والاسلامية،كعلم الفقه والحديث والتفسير وإنما تعدت ذلك لتشمل العلوم الإنسانية كعلم الجبر والكيمياء والطب وغيره, حيث أُتيح للإمام أن يمارس دوراً علمياً أوسع من الدور الذي مارسه بقية الأئمة(ع) بسبب الصراع الذي كان دائراً بين الأمويين والعباسيين أنذاك ، فقد شغل هذا الصراع الطرفان عن ملاحقة الإمام الصادق(ع) ومحاصرته والتضييق عليه كما كان يفعل أسلافهم، وكما فعل أبناؤهم مع بقية أئمة أهل البيت(ع)، فاتيحت للإمام حرية التحرك من دون مضايقات فاستفاد من هذه الفرصة في نشر علوم أهل البيت(ع) وفي بلورة المعالم التفصيلية للتشيع ولمذهب أهل البيت(ع), حتى نسب هذا المذهب اليه حيث يقال له: المذهب الجعفري نسبة الى الامام جعفر الصادق(ع).
وقد كان الامام(ع) موضع احترام كل الناس، وشكل مرجعية لكل العلماء والمفكرين وأقبل عليه من كان يعترف بإمامته ومن لم يعترف بها من أصحاب المذاهب والإتجاهات الأخرى.
وكان من تلامذته مالك بن أنس إمام المذهب المالكي الذي يُروى عنه أنه قال :” اختلفت إلى جعفر بن محمد زماناً ـ أي ترددت عليه فترة من الزمن كنت أتتلمذ فيها على يديه ـ فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال: إما مصلٍ وإما صائم وإما يقرأ القرآن، وما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وورعاً”.
وقد تتلمذ عليه أيضاً إمام المذهب الحنفي “أبو حنيفة النعمان بن يوسف” مدة سنتين، ويُنقل عنه أنه قال: “لولا السنتان لهلك النعمان.
وينقل عن “أبي حنيفة”، أن الخليفة العباسي، أبا جعفر المنصور، قال له: لقد فُتن الناس بجعفر بن محمد وأقبلوا عليه، وأصبح له شأن كبير عندهم، وأريدك أن تحضّر له من مسائلك ما تستطيع أن تتغلّب فيها عليه، فيقول أبو حنيفة: فحضّرت له أربعين مسألة من المسائل الكبيرة والصعبة، ودخلت على أبي جعفر المنصور، وجعفر بن محمد جالس إلى جانبه، فأخذتني هيبة الإمام الصادق أكثر مما أخذتني هيبة الخليفة، فقال لي المنصور: ألقِ على أبي عبد الله ـ وهي كنية الإمام الصادق ـ مسائلك، فبدأت ألقي عليه مسائلي، فكان (ع) يقول: “أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا” ـ أي كان لا يقتصر على بيان رأيه في المسألة، وإنما يعرض كل الآراء ـ ، فربما التقى معنا وربما اختلف عنا جميعاً، إلى أن انتهت كل مسائلي ثم قال أبو حنيفة: ألسنا قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
وقد اتسعت مدرسة الإمام الصادق (ع) لتضم آلاف العلماء والمفكرين والرواة الذين تتلمذو على يديه، حتى عدّ الناس ممن تتلمذ على يديه وروى عنه، أربعة آلاف شخص.
وفي رواية، أن أحد الأشخاص دخل مسجد الكوفة ووجد تسعمائة شيخ وكل واحد منهم يقول: حدّثني جعفر بن محمد.
لقد ربى الإمام الصادق (ع) أصحابه وشيعته على احترام الديانات والمذاهب الأخرى واحترام أتباعها ورموزها ومقدساتها, وأراد لأتباعه أن ينخرطوا في المجتمعات الأخرى ولا ينعزلوا عنها وأن يخالطوا أتباع الطوائف والمذاهب الأخرى وينفتحوا عليهم، ورفض لغة اللعن والشتم والسب الذي يستخدمه البعض تجاه من يختلف معه في العقيدة او الطائفة او المذهب او السياسة وكان (ع) يقول: “ما أيسر ما رضي به الناس عنكم، كفّوا ألسنتكم عنهم”، كفوا ألسنتكم عمن تختلفون معهم, لأن الاختلاف لا يُعالج بالسب واللعن والتشهير، بل بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، السبّ يستدرج سباً مقابلاً واللعن يستدرج لعناً مقابلاً ويزيد خصمك حقداً على حقد. (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الانعام 108).
والسب يدفع نحو المزيد من الفرقة والخلاف, ويذكي الأحقاد والضغائن والعَداوة والبغضاء والفتن في المجتمع وبين الطوائف والمذاهب, ويعطي انطباعاً سيئاً وصورة سلبية عن دينك وعن مذهبك لا تنسجم مع الصورة الحقيقية المشرقة. ولذا قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].
وروي عن أحد أصحاب الإمام الصادق(ع) واسمه سَمَاعَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَقَالَ لِي- مُبْتَدِئاً-: «يَا سَمَاعَةُ، مَا هذَا الَّذِي كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ جَمَّالِكَ ؟ إِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ فَحَّاشاً، أَوْ صَخَّاباً ، أَوْ لَعَّاناً».
فَقُلْتُ: وَاللَّهِ، لَقَدْ كَانَ ذلِكَ أَنَّهُ ظَلَمَنِي.
قَالَ: «إِنْ كَانَ ظَلَمَكَ، لَقَدْ أَرْبَيْتَ عَلَيْهِ ؛ إِنَّ هذَا لَيْسَ مِنْ فِعَالِي، وَلَا آمُرُ بِهِ شِيعَتِي، اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ وَلَا تَعُدْ»
قُلْتُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَلَا أَعُودُ.
اذن الامام الصادق لا يريد لأتباعه وشيعته ومحبيه أن يلجأوا الى أسلوب اللعن والشتم والفحش عندما الخلاف مع الآخرين وهذا هو منهج النبي(ص) الذي نهى عن اللعن وقول الفحش والسب وإطلاق الشتائم بحق الآخرين, وهو في كل حياته لم يكن لعّاناً أو سباباً أو شتاماً لمن كان يختلف معهم , وكيف يكون لعّاناً وهو قد نهى المسلمين في روايات عديدة عن أن يكونوا لعّانين؟ فقال(ص) فيما روي عنه: (ما بعثت سبّابا ولا لعّانا) وقال (ص) في حديث آخر: سِبابُ المسلم فسوق وقتاله كُفْر.وفي حديث ثالث: ما بعثت لعاناً وإنما بعثت رحمة.
وروي عَنْ الامام الباقر عليه السلام، قَالَ: «دَخَلَ يَهُودِيٌّ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَعَائِشَةُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: عَلَيْكُمْ
ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ، فَقَالَ مِثْلَ ذلِكَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ كَمَا رَدَّ عَلى صَاحِبِهِ، ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ، فَقَالَ مِثْلَ ذلِكَ، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله كَمَا رَدَّ عَلى صَاحِبَيْهِ ، فَغَضِبَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَتْ:
عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالْغَضَبُ وَاللَّعْنَةُ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ!.
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ الْفُحْشَ لَوْ كَانَ مُمَثَّلًا، لَكَانَ مِثَالَ سَوْءٍ، إِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يُوضَعْ عَلى شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا زَانَهُ، وَ لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُ قَطُّ إِلَّا شَانَهُ.
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا سَمِعْتَ إِلى [قَوْلِهِمْ: السَّامُ عَلَيْكُمْ ؟ فَقَالَ: بَلى، أَمَا سَمِعْتِ مَا رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، قُلْتُ: عَلَيْكُمْ؟ فَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ مُسْلِمٌ، فَقُولُوا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ كَافِرٌ، فَقُولُوا: عَلَيْكَ».
فالنبي (صلى الله عليه وآله) يرفض السب واللعن من حيث المبدأ كمفهوم وكثقافة وكأسلوب من أساليب مواجهة من يختلف معنا في الفكر او في العقيدة او في المذهب او في التوجه بمعزل عن تطبيقات هذا المفهوم والمصاديق اي بمعزل عن الأشخاص والحكم عليهم بالكفر أو الضلال أو الفسق, أو أنهم مع الحق أو على الباطل , أصل اللعن مرفوض ولا ينبغي أن يكون من أدبياتنا بعزل عمن يستحق اللعن أو لا يستحقه وعمن يجوز اللعن بحقه ومن لا يجوز.
وعلى منهج النبي(ص) كان أمير المؤمنين علي عليه السلام يرفض هذه الثقافة لأتباعه, فقد نهى عن لعن أهل الشام الذين قاتلوه وحاربوه وقتلوا المسلمين من أصحابه وشيعته, ولم يقبل بسبهم وشتمهم ولعنهم, فعل ذلك اتجاه المحاربين والقتلة فكيف بمن لم يحاربه؟ فمن باب أولى أنه لا يقبل بسبه ولعنه حتى لو كان يختلف معه.
فقد روي أن حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ وَعَمْرُو بْنَ الْحَمِقِ وهما من أصحاب علي(ع) خرجا يُظْهِرَانِ الْبَرَاءَةَ وَاللَّعْنَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا عَلِيٌّ(ع) «أَنْ كُفَّا عَمَّا يَبْلُغُنِي عَنْكُمَا»
فَأَتَيَاهُ فَقَالا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَسْنَا مُحِقِّينَ؟ !
قَالَ: «بَلَى» !.
قَالا: أَوَلَيْسُوا مُبْطِلِينَ؟ !
قَالَ: «بَلَى» ! .
قَالا: فَلِمَ مَنَعْتَنَا مِنْ شَتْمِهِمْ؟ .
قَالَ: «كَرِهْتُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا لَعَّانِينَ ، شَتَّامِينَ ، تَشْتِمُونَ وَتَتَبَرَّءُونَ ، وَلَكِنْ لَوْ وَصَفْتُمْ مَسَاوِيَ أَعْمَالِهِمْ ، فَقُلْتُمْ مِنْ سِيرَتِهِمْ كَذَا وَكَذَا ، وَمِنْ عَمَلِهِمْ كَذَا وَكَذَا، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ ، وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ ، ولو َقُلْتُمْ مَكَانَ لَعْنِكُمْ إِيَّاهُمْ وَبَرَاءَتِكُمْ مِنْهُمْ ، اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ ، وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مِنْهُمْ مَنْ جَهِلَهُ ، وَيَرْعَوِىَ عَنْ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ ، كَانَ هَذَا أَحَبَّ إِلَيَّ وَخَيْراً لَكُمْ» .
فَقَالا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَقْبَلُ عِظَتَكَ ، وَنَتَأَدَّبُ بِأَدَبِكَ.
هذه الرواية تدل:
1- على إن أمير المؤمنين عليه السلام يرفض هذه الثقافة ثقافة اللعن حتى اتجاه أعدائه الذين يقاتلونه ويقاتلهم, وأن على أتباعه وشيعته أن يترفعوا عن لعن الناس حتى الأعداء الذين يستحقون الذم والقتل
2- أن الأمر بالكف (كُفَّا عَمَّا يَبْلُغُنِي عَنْكُمَا ) ظاهر في الإلزام, وأنه ليس هناك من خيار أمام المؤمن سوى الإمتناع عن هذا السلوك.
3- إن هذه الرواية تثبت بطلان ما نسب إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من أنه كان يقنت في صلاته بالدعاء على من اختلف معهم فهذا ليس من اخلاقه وأدبه وسيرته, فليس في روايات أهل البيت عليهم السلام الصحيحة أن عليا(ع) قنت في صلاته على معاوية أو على عمرو بن العاص أوعلى أبي موسى الأشعري أوعلى غيرهم .
كما ان الرواية التي تقول أن الإمام الصادق عليه السلام كان لا ينصرف من صلاته حتى يلعن أربعة هي رواية ضعيفة.
كما ان الروايات التي تتحدث عن أن الإمام الحسن عليه السلام استخدم اسلوب اللعن لمعاوية وأصحابه في محاوراته ومناظراته معهم هي روايات موضوعة ومدسوسة, وهي لتشويه صورة وسمعة إمامنا الحسن بن علي عليه السلام.
أئمتنا عليهم السلام أعلى وأنبل وأسمى وأرفع من أن يستخدموا أسلوب السب والشتم والفحش واللعن الذين كانوا ينهون الناس عنه, فهو اسلوب العاجز ومن لا يملك الحجة والأئمة(ع) وشيعتهم يلكون الحجة الكاملة فلا يحتاجون الى مثل هذا الأسلوب في مواجهة الآخرين .
ولعل مثل هذه المرويات جيء بها لأجل تبرير سلوك بني أمية الذين كانوا يلعنون عليا(ع) على المنابر لأكثر من 80 سنة . والذين كانوا بذلك أول من أسس لثقافة اللعن, وسنوا سنة اللعن والشتم, ونشروا لغة الكراهية والحقد بين المسلمين باسم الاسلام.
4- إن رفض سياسة اللعن وعدم اللعن للشخص الذي يستحق اللعن لا يعطيه شهادة حسن سيرة وسلوك ولا ينزع عنه صفة الظلم الذي يمارسه ولا يحوله اذا كان غاصباً للحق الى بريء, فالظالم ظالم والقاتل قاتل والغاصب للحق يبقى مغتصباً, سواء لعنته أو امتنعت عن لعنه, وكذلك من يترفع عن اللعن ولا يمارسه لا يعني أنه ينازل عن حقه أو أنه ليس له حق في المواجهة السياسية والجهادية وغيرها, فالإمتناع عن لغة اللعن لا يعني أن تتفرج على المحتلين والغاصبين والتكفيريين والقتلة ولا تواجههم سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً , بل هذا الحق ثابت وعلى الإنسان أن يختار شكل المواجهة حسب ما تقتضيه طبيعة المرحلة.
5- إن سياسة اللعن والسب والشتم هي سياسة فاشلة على مدى التاريخ بدليل أن أعداء أمير المؤمنين الذين شتموه لأكثر من 80 سنة لم ينالوا إلا الخزي والعار. لذلك قَالَ عليه السلام لأصحابه وشيعته: «كَرِهْتُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا لَعَّانِينَ شَتَّامِينَ» أما السياسة الناجحة لمواجهة العدو فهي سياسة كشف أوراقه وأعماله وسلوكه وبيان انحرافه وعدم أحقيته أمام الرأي العام لأن أكثر الناس لا يعلمون الحق ولو علموه لاتبعه أكثرهم وهذا ما أشار اليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: (وَلَكِنْ لَوْ وَصَفْتُمْ مَسَاوِيَ أَعْمَالِهِمْ ، فَقُلْتُمْ مِنْ سِيرَتِهِمْ كَذَا وَكَذَا ، وَمِنْ عَمَلِهِمْ كَذَا وَكَذَا، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ ، وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ) فالإمام يريدنا أن نواجه الآخرين بالحجة لا بالكلمات البذيئة والنابية , ان نحاور ونناقش وأن نحدث الناس بالحق والحقيقة ولغة الأرقام لا أن نسب ونشتم..
فلو بقيت تسب إنساناً وتلعنه من الصباح حتى المساء فهل يقنعه ذلك بالحق الذي أنت عليه أو أنه يعقّده ضد الحق الذي أنت عليه؟
إن على صاحب الحق الذي يدعو إلى حقه أن يتوجه إلى الله بالدعاء: أن يحقن دماء المسلمين خصوصاً إذا كان النزاع قائماً بينهم, بدل أن يأزم الموقف بالسب والشتم. كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: (وَلَو قُلْتُمْ مَكَانَ لَعْنِكُمْ إِيَّاهُمْ وَبَرَاءَتِكُمْ مِنْهُمْ اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ) وهذا الأسلوب الذي يدعونا اليه أمير المؤمنين عليه السلام هو من أنبل وأسمى الأساليب للتعامل مع من نختلف معهم.
إن هذا المنهج الذي ينبع من الرحمة وروح الأخوة والمحبة للآخرين مهما اختلفت معهم ، يدل بكل وضوح على أن ائمتنا(ع) يريدوننا أن نكون عامل وحدة وتقريب واجتماع وتآلف لا عامل خلاف وفرقة وفتنة.
هذه تعاليم الأئمة من أهل البيت(ع)، ومنهم الإمام الصادق(ع) الذي يوجّهنا إلى تعاليم الإسلام الحق الذي يجعل منا أمة موحدة متحابة ومتعاونة .وبدل ان توجه سهامها الى بعضها البعض توجهها الى اعدائها الحقيقين من الصهاينة والمحتلين والتكفريين الارهابيين.
في مثل هذه الايام من تموز العام 2006 كان الآلة العسكرية الارهابية الاسرائيلية تمعن في تدمير لبنان وفي قتل أهلنا بدعم أمريكي وتواطؤ من بعض الانظمة العربية الرجعية كالنظام السعودي الذي انكشف مؤخراً للرأي العام حجم تواطئه وتورطه في تلك الحرب الوحشية التي شنها العدو على اهلنا وعلى لبنان.
نتنياهو نفسه رأى: (أن حرب 2006 كانت خطاً فاصلاً في العلاقات بين المتطرفين والمعتدلين في الشرق الاوسط) ويبدو انه يقصد بالخط الفاصل أن الحرب شكلت محطة تبلورت فيها بشكل علني التقاطعات بين اسرائيل والنظام السعودي الذي كان يرى ان الرهان الوحيد للتخلص من حزب الله هو على الجيش الاسرائيلي.
“قائد ورئيس الاستخبارات الإسرائيلية كشف قبل أيام عبر وثائق أن النظام السعودي كان شريكاً في العدوان على لبنان في تموز عام 2006، وأنه زوّد إسرائيل بمعلومات استخباراتية في ذلك العدوان، وهذا يؤكد تورط النظام السعودي في عدوان تموز على لبنان عام 2006، ويؤكد مسؤولية هذا النظام عن الدمار الذي لحق بلبنان وفي سفك دماء أهلنا في تلك الحرب، ويكشف حقيقة وقوف هذا النظام إلى جانب إسرائيل منذ أكثر من عشر سنوات، لأنه إذا كان هناك تعاون أمني ضد المقاومة منذ عام 2006، فمعنى ذلك أن العلاقة كانت قبل ذلك، وهذا ما بدأت تكشفه اللقاءات العلنية والزيارات والاتصالات السعودية “الإسرائيلية”.
اليوم النظام السعودي الذي يدعي حماية الحرمين الشريفين يوجه طعنة للحرمين وللاسلام وللامة وللشعب الفلسطيني وقضيته عندما يزحف نحو اسرائيل ليستجدي علاقة مع الصهاينة اعداء الحرمين واعداء الاسلام والمسلمين وغاصبي أرضهم ومقدساتهم.
تطبيع النظام السعودي مع “اسرائيل” هو خطيئة وجريمة بحق الشعب الفلسطيني وخيانة للقضية الفلسطينية وللقدس والمسجد الأقصى, وهو إضعاف للأمة, وزيادة في وهنها وعجزها وإنسحاقها أمام الأعداء, وستكون له تداعيات خطيرة على قضايا الأمة ومستقبل المنطقة.
هم يوهنون بالأمة، بينما المقاومة التي رصدوا كل إمكاناتهم ضدها وسخروا من إنجازاتها وانتصاراتها تعزز قوة الأمة، هم باتوا يشكّلون عبئاً ثقيلاً على الأمة بسياساتهم الطائفية والمذهبية الحاقدة والعدوانية، بينما المقاومة باتت تشكل اليوم عنوان المنعة والقوة والاقتدار أمام العدوان الإسرائيلي”.
ولا زال الإسرائيلي الى الآن يعاني من مرارة الهزيمة في العام 2006 باعتراف وزير الدفاع الإسرائيلي “ليبرمان” الذي قال قبل أيام إن نتائج حرب تموز عام 2006 لا تزال جرحاً نازفاً في الكيان الاسرائيلي وهذا يعني أنه وبعد عشر سنوات لا تزال إسرائيل تتذوق مرارة الهزيمة.
بعد عشر سنوات على العدوان الإسرائيلي على لبنان، وبعد ما يزيد عن سنة على بدء الحملة السعودية ضد المقاومة، اقتصادياً وسياسياً وإعلامياً وأمنياً، فإن المقاومة تزداد قوة شعبياً وسياسياً وعسكرياً، بينما في المقابل يزداد الصهاينة قلقاً وخوفاً من قدرات المقاومة ومن اية مواجهة معها, كما يزداد المشروع السعودي وأدواته في سوريا تقهقراً وتراجعاً خصوصاً بعد انتصارات حلب, واليوم الوضع في سوريا هو أفضل من أي يوم مضى، ونحن سنكمل القيام بواجبنا في حماية أهلنا وبلدنا من التكفيريين ، فلبنان، لن يكون مستقراً ما دام هناك مقرات تكفيرية إرهابية خلف الحدود مع سوريا، وتغيير الأسماء من النصرة الى فتح الشام هو تلاعب مكشوف لا ينطلي على أحد, ولا يغير من المسميات شيئاً, ولن يخرج هؤلاء من كونهم عصابات ومجرمين وقتلة خطفوا جنودا لبنانيين وقتلوا بعضهم ولا يزالوا يهددون بلدنا وأهلنا في كل يوم لا سيما في عرسال وعلى الحدود مع سوريا , كما أن تغيير الإسم لن يغير في طبيعة المواجهة فنحن مستمرون في مواجهة هؤلاء التكفيريين الإرهابيين أياً كانت أسماؤهم, فهذا هو واجبنا الإنساني والشرعي والأخلاقي والوطني تجاه أهلنا وبلدنا.
المصدر: موقع المنار