شيئاً فشيئاً، يكتمل الطوق على جبهة النصرة من قبل حلفاء الأمس، وآخر الخطوات تشكيل مجلس شرعي دعي بإسم “تجمع أهل العلم في الشام”، وعلى جدول أعماله، إنشاء محكمة عليا لفض النزاعات بين الجماعات، بالإضافة إلى كونه مرجعية لتبيان الموقف من الأحداث على مستوى الساحة، وإصدار الفتاوى بالسياسات العامة للفصائل، بحسب المعلن من بيان التشكيل.
سريعاً جاء موافقة حركة احرار الشام على التجمع، بعد أقل من 24 ساعة على إعلانه، حيث وصف القائد العام للحركة مهند المصري “أبو يحيى الحموي”، التجمع بأنه خطوة في الإتجاه الصحيح، داعياً في الوقت نفسه إلى تفعيل دور العلماء على نهج “العز بن عبد السلام” و “ابن تيمية”.
في الشكل
يضم التجمع العديد من الشخصيات على الساحة السورية، وأبرزهم الشرعي العام السابق لجبهة النصرة العراقي أبو ماريا القحطاني، والقاضي في جيش الفتح السعودي عبد الله المحيسني، بالإضافة إلى العديد من الأشخاص “الجدليين” داخل الجماعات المسلحة، ومنهم القيادي في جبهة النصرة “مظهر الويس”، ورئيس هيئة الدعوة والارشاد في احرار الشام “أبو محمد الصادق”، بالاضافة الى عضو المجلس الشرعي في أحرار الشام “أيمن هاروش”.
والملفت في الأسماء هو مشاركة المصري شريف هزاع “ابو أيوب المصري”، الذي أفرجت عنه السلطات المصرية عام 2010، بعد أن وافق على المراجعات الفكرية لحركة الجهاد المصرية والتي تتضمن نبذ العنف.
ودخل هزاع قبل أيام في سجال علني على موقع تويتر مع مسؤول جبهة النصرة الإعلامي “أبو عمار الشامي” حول قضية “جيش التحرير”، قائلاً إنه لا يمكن أن يستمر مع جماعة تدعي الجهاد من أجل تطبيق الشريعة، لكنها تماطل في الاستجابة لدعوات تحكيمها”.
وحاول التجمع أن يكون جامعاً لكافة التيارات لدى الجماعات المسلحة، لكن الأسماء التي دخلت تحت راية التجمع من جبهة النصرة، هي على خلاف مع قيادتها المركزية، خصوصاً الشرعية، والتي يقودها الأردني سامي العريدي.
في التوقيت
الإعلان عن هذا التجمع جاء في مرحلة معقدة تمر فيها العلاقة بين جبهة النصرة وباقي الجماعات في سوريا، خصوصاً تلك المحسوبة على الجيش الحر، والمقربة من حركة أحرار الشام، وفي ظل حراك منظم يطالب النصرة بالإنفصال عن القاعدة.
والحدث الأبرز هو ما دار من مواجهات بين الجبهة و”الفرقة 13″ في معرة النعمان في ريف ادلب قبل أسابيع، واعتقال الجبهة مسؤول “جيش التحرير” محمد الغابي، بعد مداهمة العديد من مقرات الجيش في مناطق متفرقة في ادلب وريفها، قبل أن تفرج عنه مرغمة بسبب الضغوط التي تعرضت لها. وقامت النصرة خلال العامين الماضيين بتصفية 15 فصيلاً من الجيش الحر، بتهم التعاون مع الغرب، وتنفيذ اجنداته، بحسب الجبهة.
الإعلان عن تجمع أهل العلم رسالة مباشرة إلى جبهة النصرة، خصوصاً لجهة تأسيس محكمة لحل الخلافات بين الفصائل، وهذا الأمر الذي تهربت منه جبهة النصرة، في جميع خلافاتها مع الفصائل الأخرى، في وقت تتهم العديد من الجهات النصرة بالتفرد بالقرارات المصيرية لصالح تنظيم القاعدة العالمي، وأنها تعمل لخلاف مصلحة “المعارضة السورية المسلحة”، وأتى بيان التجمع في هذا السياق، ليضع حداً للجبهة، وليحصر القرار بالمسائل المصيرية بـ “أهل العلم”.
تداعيات الإعلان عن التجمع
على مواقع التواصل الإجتماعي، برزت العديد من الأصوات المنددة بالتجمع، خصوصاً لجهة طريقة الإعلان عنه، (نحن المؤسسون وعليكم اللحاق بنا)، واعتباره أنه يسعى إلى فرض قراراته بشأن الاحداث في سوريا، وأنهم يعمق الانقسام الحاصل بين الجماعات المسلحة، كما أن وجود العديد من غير السوريين في التجمع، طرح العديد من علامات التساؤل لدى المغردين على موقع تويتر، كيف لمصري وسعودي وعراقي أن يكون ضمن اللجنة التي تقرر مصير السوريين ؟
لكن الحدث الأبرز كان محاولة اغتيال أبو محمد الصادق وابو اسلام الحموي في ريف حماة الغربي، نسب إلى مجهولين، وهما من أبرز المشاركين في تجمع أهل العلم. والجدير بالذكر أن ابو محمد يعتبر من أصحاب الفكر “القاعدي” في حركة احرار الشام، ومحاولة اغتياله يطرح العديد من علامات التساؤلات، عن مدى ارتباط هذه المحاولة بالتجمع، او بحرب تصفيات تطال رموز هذا الفكر في سوريا.
هذه المحاولة ليست معزولة أيضاً عن موجة الإغتيلات التي اجتاحت مناطق في ادلب وريفها، قضت على العديد من قادة المسلحين، حيث تم توجيه الاتهام إلى خلايا لداعش من دون أثبات ذلك، فيما العديد من التنسيقيات اكدت ان ما يجري هو حرب تصفيات بين الجماعات المسلحة، بسبب خلافات فكرية وعلى الغنائم وممرات التهريب من تركيا إلى الأراضي السورية.
واستهدفت الاغتيالات قيادات من احرار الشام، حيث قتل 15 من قيادات الحركة ومقاتليها خلال الشهرين الماضيين، أبرزهم المسؤول الأمني في الحركة بريف إدلب “عبدو حجي”، ومسؤول التصنيع “أبو خليل”.
احرار الشام تنفصل عن النصرة !
في بيان حمل الكثير من المدلولات، تبرات حركة أحرار الشام ذات الهوى التركي عن جبهة النصرة، في معرض غسل يدها من انتهاكات جيش الفتح في المناطق التي يتواجد فيها، والتي تحدث عنها تقرير منظمة العفو الدولية قبل أيام.
الحركة التي وجدت في تقرير المنظمة الدولية منصة لتظهر من خلال ردها عليه أمام الرأي العام العالمي، قالت إن ربطها مع جبهة النصرة وكأنهما شيء واحد، امر مناف للحقيقة، وأقرت بأن جيش الفتح يضم فصائل غير متجانسة ومختلفة في المشاريع والسياسات.
ورغم تشارك الحركة مع جبهة النصرة في معظم المعارك التي خيضت خلال الأشهر السابقة، برز خلاف بين الجانبين حول معارك جبهة الملاح، تحت تأثير الخسائر التي منيت بها الجماعتين. وقال الناطق العسكري للحركة أبو يوسف المهاجر، إن الحركة لا تدخل معركة غير مجدية وفاشلة، وإن القادة العسكريين اعتبروا أن نسبة النجاح ضعيفة جداً في معارك الملاح بريف حلب الشمالي.
وترى قيادة أحرار الشام أنه لا بد لجبهة النصرة من فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، والتوجه من “العالمية” إلى “الوطنية”، وتضغط بإتجاه هذا الأمر بالتنسيق مع الرعاة الإقليميين، لا سيما مع بروز أصوات داخل الجبهة تدفع للإنفصال، أبرزها القحطاني والويس، الحاضران بقوة، في “تجمع أهل العلم”.
المصدر: خاص