نص الخطبة
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ﴾ النور الآية:19
وعن النبي(ص): لا يستر عبد عبداً في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة.
السترهو: إخفاء ما يظهر من زلات الناس وعيوبهم وأخطائهم، وعدم فضحهم.، وهو ما يعبر عنه بستر العيوب.
وستر العيوب والتكتم على ما يصدر ويبدر من الآخرين من هفوات وسلبيات واجب ديني وأخلاقي وانساني، لئلا يشيع السوء وتشيع الفاحشة في المجتمع الاسلامي وبين المؤمنين.
بل إن ستر العيوب هو من جوهر الدين، وقد أراد الاسلام إرساء هذا الخلق الطيب وهذا السلوك الرفيع في المجتمع، ليكون خلق المؤمنين والمسلمين عندما ينخرطون مع بعضهم البعض في داخل المجتمع، وهذا بخلاف ما أرساه الغرب عند وقوع الفاحشة او صدور عيوب من الآخرين، حيث نجد انهم ينشرون عيوب الناس على أوسع نطاق وبمختلف وسائل الإعلام، وترى الفضائح منشورة في التلفزيونات والفضائيات والجرائد والمجلات وعلى صفحات الانترنت بشكل مخزى.
ألفان ومئتا صفحة نشرت على الأنترنت، لفاحشة ارتكبت في البيت الأبيض قبل سنوات؛ مع ذكر تفاصيلها المخزية، التي يندى لها الجبين، ويخجل الانسان من قرائتها.
هذا السلوك لا ينسجم مع السلوك الذي أراده الله سبحانه وتعالى للإنسان ولا ينسجم مع نهج الاسلام، فالله عز وجل من أسمائه الحسنى: الستّير او الستار، أي ستار العيوب، والمؤمن المرتبط بالله يتخلق بأخلاق الله ويتصف بصفاته ويشتق من هذا الاسم صفة الستر، فيكون ستارا للعيوب والزلات التي تصدر من الآخرين تماما كما هو الله سبحانه وتعالى.
ولذلك روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «إن الله حيى ستير يحب الحياء والستر» .
وقال (صلى الله عليه وآله) في توجيه عام: ” استروا على إخوانكم”.
والمطلوب أن يستر الانسان عيوب نفسه، وأن يستر عيوب الآخرين، فإذا أتى الانسان بذنب، أو اقترف إثماً، فإن عليه أن يستر على نفسه وأن لا يبوح بذنبه أمام أحد وأن لا يفضح نفسه أمام الآخرين وأن لا يجاهر بما فعل، وأن يتوب إلى الله، فلعل ما صدر منه كان في لحظة ضعف وغفلة، ولذلك ورد في بعض الأحاديث عَنْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله أنه قال:كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلانُ، عَمِلتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ الله عَنْهُ.
أي يتبجح بما ارتكبه من موبقات أمام أصدقائه ورفقائه فيقص عليهم ما فعله بالأمس ويتباهى بما مارسه من سيئات ، ليثبت شخصيته او قدراته وامكاناته وما شاكل ذلك. فهذا النوع من الناس قد بات يستره الله فيصبح ويكشف ستر الله عنه ويفضح نفسه.
وكذلك على الانسان المؤمن عندما يطلع على ذنوب الآخرين وهفواتهم وسلبياتهم فإن عليه أن يستر على الآخرين وأن لا يفضح الناس بعيوبهم، أيا كان نوع الذنب او العيب الذي صدر منهم، فإن(مَنْ سَتَرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ،) كما في الحديث عن رسول الله(ص).
وانواع الستر المطلوبة عديدة:
1- ستر الفاحشة: فإذا اطلعت على فاحشة ارتكبها رجل او امراة، على حالة زنا والعياذ بالله او على ما شاكل فإن الواجب يقتضي الستر وعدم الفضيحة. فعن النبي(ص): من ستر أخاه في فاحشة رآها عليه ستره اللَّه في الدنيا والآخرة.
وفي حديث آخر عنه (ص): من ستر على مؤمن فاحشة فكأنما أحيا موؤودة. أي كأننا منحناه فرصة الحياة بكرامة، بعد أن كادت سمعته تتشوه .
فعلى المؤمن أن يستر الفاحشة حتى لو رأى ذلك بأم عينه، فعن علي عليه السلام أنه قال: ” لو وجدت مؤمنا على فاحشة لسترته بثوبي “.
وعنه عليه السلام، أنه قال له النبي صلى الله عليه وآله : ” لو رأيت رجلا على فاحشة، قال: استره، قال: إن رأيته ثانيا، قال: استره بإزاري وردائي، إلى ثلاث مرات، فقال النبي صلى الله عليه وآله: لا فتى الا علي.
لا يجوز أن تشيع الفاحشة، يستر، حتى لو طلق امرأته او خطيبته لأسباب قاهرة، لا يفضحها، بل يبرر باشياء اخرى.
2-ستر العيوب والاخطاء: فأي عيب يصدر من الآخرين أيا كان حجمه يجب ستره وعدم إفشائه.
فعن الامام الباقر (عليه السلام) قال: يجب للمؤمن على المؤمن أن يستر عليه سبعين كبيرة.
يقول الإمام الحسن (ع) في حق الصديق: «إن رأى منك ثلمة سدّها أو رأى منك حسنة عدّها.
الثرثرة وتناول عيوب الناس أمر محرم ، تجدبعض الناس وكأنه لا شغل لهم الا الحديث عن عيوب الآخرين، فتجد رجل او امرأة كل كلامها فضح لأسرار الناس هذه قالت، وهذه فعلت، وهذه لبست كذا وهكذا.. هذا لا يجوز.
على الانسان أن يدرك أنه لا يخلو من العيوب أو الذنوب، فمن يطلع على عيوب أحد من إخوانه، لا يجوز له أن يفرح، لأنه ليس معصوما عن ارتكاب الأخطاء، ولا يعلم ما سيصدر منه من الذنوب في المستقبل، يقول الإمام علي (ع): لا تبتهجن بخطأ غيرك فإنك لا تملك الإصابة أبداً.
وعنه عليه السلام أيضا أنه قال: ” استر عورة أخيك لما تعلمه فيك “.
إذن: ما دام الإنسان لا يملك العصمة من المعاصي، فإن عليه أن لا يفضح غيره، وإلا فإن اللَّه سيفضحه، وهل يريد الإنسان لنفسه الفضيحة؟.
يقول النبي : (ص): لا تتبعوا عورات المؤمنين، فإنه من تتبع عورات المؤمنين تتبع اللَّه عورته، ومن تتبع اللَّه عورته فضحه ولو في جوف بيته.
وقد حدث لبعض الناس أنه كان كثير الكشف لعيوب الناس، ولم تنفع معه النصائح بالكف عن ذلك، حتى أتى اليوم الذي فضحه اللَّه على رؤوس الأشهاد، في عيوبه وذنوبه التي كان
يمارسها داخل بيته، وذلك على لسان زوجته التي اختلفت معه فتحدثت للناس عن كل عيوبه وسيئاته.
3- ستر الأسرار الزوجية: فعلى المؤمن أن يستر ما يدور بينه وبين زوجته فلا يتحدث به، وأن يحافظ على خصوصيات البيت الزوجي، فإن للبيت حرمته وخصوصياته فلا ينبغي ان تتحدث المرأة بكل ما يحصل داخل بيتها وكذلك الرجل، حيث تجد أحيانا امرأة تصف وضعها مع زوجها بلا حياء وستر فكأن الأخرى ترى زوجها من شدة ودقة الوصف. هذا معيب ولا يليق بالانسان المؤمن. فعن النبي صلى الله عليه وآله: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها.
لذلك كله العيوب والأخطاء والأسرار والموبقات التي تحصل داخل المجتمع وداخل البيوت والأسر يجب سترها، عندما يتيقن الانسان بصدور عيوب من الآخرين ويرى ويشاهد بأم العين تلك العيوب فإن تكليفه ان يستر تلك العيوب وان لا يتحدث بها لا مباشرة ولا عبر وسائل التواصل، وعندما لا يتيقن ولا يرى او يسمع مباشرة بل تصدر شائعات وأقاويل على الناس وأعراضهم ويتم تناقل تلك الأقاويل والشائعات عبر وسائل التواصل كما يحصل اليوم بكثرة، فإنه في مثل هذه الحالة يجب على المؤمن أن يحسن الظن بإخوانه المؤمنين، ويستر زلاتهم، ويقيل عثراتهم، فإذا جرى الحديث عن امرأة عفيفة بانها زنت ، أو عن رجل أمين بانه سرق، أو عن تقي بانه فجر، أو عن عالم أو عادل بانه ظلم، او عن الجهة الفلانية او الحزب الفلاني انه فعل وفعل، وانتشر ذلك عبر وسائل التواصل فإن تكليف الانسان المؤمن هو الترويوأن يحسن الظن بإخوانه ويستر عليه، لا أن يشارك ويساهم في النشر وفضح الآخرين.
قال الله تعالى: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ . النور: 12.
وقال الله تعالى: وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ النور: 16.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أيها الناس من عرف من أخيه وثيقة في دين، وسداد طريق، فلا يسمعن فيه أقاويل الرجال، أما إنه قد يرمي الرامي وتخطئ السهام، ويحيك الكلام، وباطل ذلك يبور، والله سميع وشهيد (ألا إنه ما بين الحق والباطل إلا أربع أصابع، وجمع أصابعه ووضعها بين اذنه وعينه، ثم قال: الباطل أن تقول: سمعت، والحق أن تقول: رأيت.
وعنه عليه السلام: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محملا .
لذلك نقول لكل هؤلاء الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، اعلموا أن لكم عذاب اليم في الدنيا والآخرة. المجلات والمواقع الالكترونية التي تنشر صور العاريات، وأخبار النجوم، والراقصات والمغنيات. صورا بعيدة كل البعد عن الستر والعفة والحياء والحشمة والقيم والأخلاق. والتلفزيونات والقنوات الفضائية التي تبث تمثيليات وأفلاما ومسرحيات ومسلسلات مائعة ومنحلة تدعو جميعها إلى السفور والفجور، عليهم ان يعلموا أنهم
يدمرون المجتمع ويفسدون الأجيال الناشئة أخلاقيا واجتماعيا ، وعلى الآباء والأمهات أن يتابعوا اولادهم فيما يشاهدون ويسمعون حتى لا يقعوا ضحية الإنحلال الأخلاقي والسلوكي، ويجب ان يبادر الجميع ومن كل الطوائف والمؤسسات الدينية والثقافية والاجتماعية في لبنان الى وضع حد لهذا الفلتان الأخلاقي من خلال فرض بعض الضوابط والقوانين التي تمنع استباحة التلفزيونات لعقول وقلوب الناس وقيمهم وحياتهم.
في الاسبوع الماضي تدحرجت الأمور بين بعض الأطراف السياسية لتتحول الى أزمة كادت ان تدخل البلد في فتنة لولا تدخل حزب الله الذي وضع حدا للمسار التصعيدي الذي رسمه البعض.
لقد أثبت حزب الله مرة جديدة انه صمام الامان في هذا البلد وانه من موقع مسؤوليته الوطنية حريص على أمن واستقرار البلد وسلمه الأهلي فهو بمعالجته لما جرى في الجاهلية حمى لبنان من فتنة كبيرة كادت أن تحصل بفعل تسرع البعض وعدم تقديره للعواقب، ومنع انزلاق البلد نحو حرب اهلية جديدة.
لقد كشفت الأحداث الأخيرة أن هناك من يتعاطى بتوتر وانفعال وخفة مع أمور حساسة في البلد ويستخدم القضاء وبعض القوى الأمنية في سياق الكيدية السياسية ومن دون مراعاة القوانين لتحقيق أغراض ومصالح سياسية خاصة وهذا يضر بسمعة القضاء والأجهزة الأمنية ودورها واسقلاليتها .
ما جرى يجب أن يدعو كل المتسرعين في السلطة الى العودة الى التعقل والترفع عن المناكفات والمكايدات السياسية وأخذ العبرة مما حصل والابتعاد عن نهج المغامرات غير المحسوبة والاستعراضات الخاطئة في معالجة الازمات التي تحصل في البلد، فلبنان لا يحتمل الا لغة الحوار والتفاهم والتعاطي مع الازمات بهدوء وتعقل بعيدا عن التسرع والانفعال..
كما ان ما جرى يدعو الرئيس المكلف الى الاسراع في تشكيل حكومة يتمثل فيها كل من له حق التمثيل ويتحمل فيها كل المشاركين مسؤولياتهم الوطنية في ادارة البلد واحتواء ومعالجة أزماته ومشاكله .
والحمد لله رب العالمين
المصدر: موقع المنار