أمين أبوراشد
ضجَّت الصحف والمواقع الإخبارية العالمية، بخبر عزوف مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “جينا هاسبل”، عن متابعة تسجيلات تعذيب الصحفي جمال خاشقجي خلال زيارتها لتركيا منذ أيام، وتساءل المُحلِّلون: إذا كانت “هاسبل” الخبيرة بشؤون التعذيب في السجون عبر مسيرتها المهنية، لم تحتمل هول “السادية” التي مُورِسَت على الخاشقجي، فكم هي رهيبة تلك المشاهد التي جعلتها تُطالب بالتوقٌّف عن بثّ التسجيلات أمامها لأنها لم تعُد تحتمل أن ترى أو تسمع أكثر.
وأمام حقائق تقرير “هاسبل”، التي باتت بين يديّ الرئيس دونالد ترامب، ومُطالبة الكونغرس بمعرفة التفاصيل المُريبة لجريمة القنصلية، إزداد الضغط على الرئيس الأميركي كي يتوقَّف عن مُجاراة مملكة أشبه بمُتَّهم كاذب يعترف بجريمته “بالتقسيط” فيما ترامب جعل نفسه محامي دفاع مُرتبِك ويتَّخذ كل يومٍ موقفاً، ما جعله أضحوكة شعبية للجمهوريين والديموقراطيين على حدٍّ سواء، ويجد نفسه ضعيفاً في إقناع الناخبين الأميركيين خلال حملات الإنتخابات النصفية بسياسة العصا والجزرة التي ينتهجها مع السعودية.
الضغوط الإعلامية على ترامب، التي أطلقت شرارتها صحيفة “الواشنطن بوست” بصفتها أم الصبي التي تبنَّت “لاجىء رأي” هارب من مملكة إستبداد، تُجاريها فيها أيضاً صحيفة “نيويورك تايمز”، وبات ترامب رهينة قرارات لا بُدّ منها، ليس على مستوى فرض عقوبات على السعودية، ولا حصرية المطالبة بعزل محمد بن سلمان، بل تعدَّى الأمر بترامب لمواجهة إرهاصات هذه الجريمة، عبر مطالبته بوقف الحرب السعودية على اليمن فوراً وتلاقت معه بريطانيا بمواكبة ومباركة من الأمم المتحدة، إضافة الى الدول الأوروبية المُندِّدة أصلاً بهذا العدوان.
والمُراوغة الأميركية في إدانة السعودية بدأت منذ زمن الرئيس الأسبق باراك أوباما، من خلال تمييع آلاف الدعاوى التي أقامها أهالي ضحايا الحادي عشر من أيلول ضد الحكومة السعودية، كون غالبية الإرهابيين كانوا من الجنسية السعودية، تَلَتها مراوغة ثانية في عهد ترامب، من خلال التسويف بموضوع دعوى أقامها الملياردير السعودي / الأميركي أحمد العسراوي في شباط الماضي ضدّ محمد بن سلمان، بجُرم الضرب والتعذيب ونهب ثروته البالغة عشرة مليارات دولار، أجبره بن سلمان على التنازل عنها ضمن واقعة احتجاز الأمراء في فندق “الريتز”، مما يعني أن القضاء الأميركي محكومٌ بتوقيت المؤسسة السياسية.
فورة الملياردير العسراوي المُستجِدَّة، والتي حرّكت دعواه ضد محمد بن سلمان شخصياً لدى محكمة إتحادية أحكامها مُبرمة، لدرجة حقِّها في استدعاء بن سلمان ووضع اليدّ على الأموال السيادية والخاصة السعودية في الولايات المتحدة، هذه الفورة رافقتها فورات عبر العالم من مُعارضين سعوديين، سواء كانوا إعلاميين أو سياسيين، أو حتى أمراء منفيِّين قسراً أو طوعاً هرباً من ظلم الذين تناوبوا على العرش.
أحد هؤلاء المعارضين الأمير خالد بن فرحان ال سعود يعيش في ألمانيا ، ردَّد عبارة “الدولة العميقة في المملكة السعودية”، هذه العبارة التي سبق واستخدمها ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي، عندما أتهم الدولة العميقة في المملكة بقتل جمال خاشقجي، وأركان هذه الدولة التي تُمسِك بكل قرارات المملكة بما فيها عزل الملك أو وليّ عهده، هُم كبار أمراء آل سعود.
وقد أكَّد هذا الأمير السعودي في حديث لعدد من وسائل الاعلام من منفاه في ألمانيا، أن محمد بن سلمان قد انتهى، وليس أمام “الدولة العميقة” التي تقِف خلف قرارات هيئة البيعة سوى عزل محمد بن سلمان فوراً، ودون الحاجة لأخذ رأي الملك سلمان المعروف بعناده منذ كان أميراً على الرياض.
ويُضيف هذا الأمير، أن الوقت ضيِّق أمام “الدولة العميقة” لإنقاذ العرش السعودي، بسبب الوضع الصحي للملك سلمان، لأن مجرَّد وفاته تعني تلقائية استلام محمد بن سلمان للعرش، وهنا ستقوم قيامة مُعارضيه سواء من أمراء آل سعود أو من شيوخ العشائر الكبيرة الداعمة الدائمة للعرش والرافضة لشخص بن سلمان، نتيجة مغامراته الحمقاء في العدوان على اليمن أو من خلال حصاره لدولة قطر، ولا يستبعد هذا الأمير العالِم بأسرار الدولة العميقة، حصول إطلاق نار واغتيالات داخل جدران القصور الملكية إذا حدث سوء للملك وحاول نجله محمد اعتلاء العرش، لأن القوى العسكرية والأمنية التي يُمسِك بها رسمياً محمد بن سلمان سوف تتداعى وتتشرذم وفق الإنتماءات العشائرية والولاءات العائلية لكبار الضباط القادة.
في المُحصِّلة لغاية الآن، وبانتظار إفراج المدعي العام التركي عن تحقيقاته كاملة، بات وجود محمد بن سلمان أو رحيله مجرَّد تفصيل لا قيمة له، لأن هالة المملكة انهارت داخلياً وخارجياً كما هيكلٍ من كرتون بُنِي على الرمال، وتكفي متابعة الإعلام الرسمي الناطق بإسم الدول الأوروبية، وفي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بشكلٍ خاص، يُضاف اليه الإعلام الأميركي بوجه ترامب، لنتأكد أن منشار الخاشقجي قد قطع حدّ السيف السعودي الذي يرفرف على علم المملكة، ومصير العرش السعودي بات رهينة الوثائق والتسجيلات التي يحملها في جعبته الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولن تستطيع أية دولة تُنادي بحقوق الإنسان سوى وضع المملكة السعودية في أعلى القائمة السوداء لإرهاب الدولة، لأن الرأي العام الدولي الذي أرعبته تفاصيل الجريمة، لا يُمكنه أن يرحم أنظمة متخاذلة عن مواجهة مملكة عائلية تنحر حقوق الإنسان تارةً بالسيف وتارة بالمنشار…
المصدر: موقع المنار