نكتفي بالإشارة الى كلمة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، وكلمة الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني في الأمم المتحدة، لنتلمَّس كم هي المواقف الكبيرة عظيمة متى كانت في عقر دار الظالم، وكم هي مواقف الأمم المتحدة ذليلة متى كان مقرًّها في أكبر دولة مارقة، ما جعل من هذه المنظمة الدولية أسيرة سياسات الدولة المُضيفة.
تعريف الدولة المارقة تسمية تُطلق على كل كيان سياسي غير موثوق بأدائه سواء في الداخل أو الخارج، وقد تكون أميركا في عهد دونالد ترامب قد وصلت الى القِمَّة في تصنيف الدول المارقة، وارتكابات أميركا التي وردت على هامش كلمتيّ الرئيسين عون وروحاني، هي جزء من كل لسياسات ترامب منذ وصوله الى البيت الأبيض، الذي أطلق منذ بضع ساعات فقط آخر مواقفه الهزلية، بإعلانه أن الرئيس الصيني لم يعُد صديقه.
لا شأن لنا بتصنيف سياسات ترامب الداخلية، سواء عبر تبديل مساعديه كما يُبدِّل ملابسه، أو من خلال معاركه مع القضاء، أو بقراراته المُرتجلة مثل وقف العمل بالبرنامج الصحي المعروف بإسم “أوباما كير” ثم العودة اليه، وكذلك لا شأن لنا ببناء سورٍ على الحدود مع الجارة المكسيك، ولا بقرار منع دخول مواطني بعض الدول الإسلامية الى الولايات المتحدة، لكننا معنيون بسياسة خارجية أميركية تدفع ثمنها كل دول العالم لأنها متهوِّرة الى حدّ الجنون.
وإذا كان الإستكبار من صفات بعض الدول العُظمى، فإن هذا لا يعني التفلُّت من قواعد الإتفاقات والمعاهدات الدولية، وفي بريطانيا على سبيل المثال، رغم مساوئ سياساتها تجاه المنطقة، فإن الإستفتاء على الإنسحاب من الإتحاد الأوروبي حصل في حزيران من العام 2016، وما زالت بريطانيا لغاية الآن، وبعد مرور سنتين على إعلان الإنسحاب، تُفاوض هذا الإتحاد للخروج منه بأقل قدر من الإرتدادات السلبية عليها وعلى دول الإتحاد، في الوقت الذي تتظهَّر عنجهية ترامب في إلغاء الإتفاقات والقوانين الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة بشطبة قلم، وكأن الحكم ليس استمرارية في المؤسسة السياسية الأميركية من جهة، واعتبار الدول الأخرى “جمهوريات موز” لدى أميركا من جهة أخرى.
في كانون الأول 2017، أعلن ترامب تنفيذ قرار أميركي مُجَمَّد منذ العام 1995 بنقل السفارة الأميركية الى القدس رغم معارضة الأمم المتحدة،
وفي أيار 2018 أعلن الإنسحاب من الإتفاق النووي مع إيران، وفي تموز الفائت، هدَّد بالإنسحاب من حلف الناتو، وفي نهاية آب الماضي هدَّد بالإنسحاب من منظمة التجارة العالمية، ثم أعلن مؤخراً وقف مساهمات بلاده في وكالة إغاثة اللاجئين (الأونروا)، والحبل على الجرار في ما تبقى من مصداقية أميركا مع دول العالم.
مشكلة أميركا، أنها هي من كانت تُصنِّف بعض دول العالم الثالث وفق مصالحها، وتعتبر من لا تدور في فلكها دولة مارقة، واليوم، بدأت أميركا تفكيك قواعد صاروخية والتخفيف من تواجدها الحربي في بعض مناطق الشرق الأوسط، نتيجة سياساتها المارقة التي أغرقتها بين رمال العراق ووحول سوريا، وينتظرها ربما الغرق العظيم في مضيق هرمز..
المصدر: موقع المنار