أمين أبوراشد
ثلاث جزئيات نتوقَّف عندها في كلمة سماحة السيد حسن نصرالله مساء يوم الجمعة 29/06/2018، ليس بهدف التحليل لأن مفردات سماحته واضحة، ولا للتقييم السياسي والإستراتيجي لأننا اعتدنا على رؤيته المتقدِّمة دائماً في مُقاربة الآتي من التطورات، بل للتقويم، تقويم ثقافتنا الوطنية لو كنا حريصين على ترميم بُنيتنا المجتمعية اللبنانية وقيام دولة المؤسسات.
حصر موضوعنا في الجزئيات الثلاث الآتية التي سنوردها تباعاً، فلأنها تتناول أموراً طالت فيها السجالات المحمومة والمسمومة، والشعب اللبناني بغنى عن ضوضاء حجارة الرُحى والجعجعة بلا طحين.
أولاً:
تناول سماحته موضوع تأليف الحكومة وضرورة الاستعجال في هذا الأمر، معتبراً أن المشكلة الحقيقية التي حالت حتى الآن دون تشكيلها هي في ضياع المعايير الموحَّدة والواضحة، ودعا الى الإعتماد على نتائج الانتخابات النيابية وأن تقوم الأمور بالنسبة والتناسب.
وهنا نسمح لأنفسنا كمواطنين مُتابعين، اعتبار الثوب الفضفاض الذي ارتدته بعض القوى السياسية بعد الإنتخابات قياساً الى عدد نوابها، جعلها تتناسى حجم ناخبي هؤلاء النواب، ومن حقنا المطالبة ببعضِ من تواضع، لأن الكُتل النيابية التي فازت بأصوات آلاف مؤلفة مُستمرَّة في زُهدها من أجل الحفاظ على التماسك الوطني مع الآخرين، بينما كُتل أخرى قد تضم نواباً فازوا ببضع مئات أو عشرات من الأصوات يُحصُون نوابهم ويتجاهلون الحجم الشعبي، ونشأ لديهم “تضخُّم” غير صحي في استعراض الأحجام، مما أدى لغاية الآن الى عرقلة مؤثرة في مسار تشكيل الحكومة نتيجة مُبالغتهم في مطالب غير مُستحِقَّة، علماً بأنهم سيكونون عاجزين بالخطاب الفئوي لديهم عن تحصيل ما ليس لهم.
ثانياً:
في ملف عودة النازحين، طَرَح سماحته المشكلة وأعطى الحلّ كما في كل مواقفه، قائلاً: لا داعٍ للتأزم والحدة في هذا الملف، ولم يطرح احد فكرة العودة الاجبارية للنازحين، والكل يتحدث عن العودة الطوعية الآمنة، فما هو الاشكال حول ذلك؟.
وأضاف سماحته “النازحون الذين يريدون العودة فليعودوا ولتقدَّم لهم كل التسهيلات، ويجب أن نساعد هؤلاء لنحقق لهم العودة الكريمة”، كاشفاً أنه من خلال معلومات ميدانية، هناك جهات ومنظمات دولية وجهات محلية تُخوِّف النازحين السوريين من العودة وتقدم لهم معلومات غير صحيحة.
وبالفعل، وكما سبق لفخامة رئيس الجمهورية أن سمَّى اللواء عباس ابراهيم موفداً رئاسياً الى سوريا لمعالجة الملف بفعالية وهدوء، أعلن سماحة السيد أن حزب الله وانطلاقاً من طبيعة العلاقة الجيدة مع الدولة السورية، قرر الإستفادة من هذه الحيثية لمد يد المساعدة في عودة النازحين، ويريد الدخول الى هذا الملف وتقديم المساعدة اللازمة، والتواصل مع النازحين وتشكيل ملف للعناية بمساعدتهم وتسهيلات عودتهم، وتكليف النائب السابق نوار الساحلي بهذا الملف عبر تشكيل لجان شعبية للتواصل مع النازحين دون إلزام أي طرف بأي شيء.
تكليف النائب السابق نوار الساحلي بمهام عملانية لإدارة ملف النازحين في إطار مساهمة حزب الله، شبيه جداً بتكليف النائب حسن فضل الله بملف مكافحة الفساد تُساعده كوادر من الحزب وبإشراف مباشر من الأمين العام، ومن هنا يتبين الفارق بين المٌساهمة الفعلية ونهج الفكر المؤسساتي لدى حزب الله، وبين استخدام ملف النازحين من قِبَل البعض للمُتاجرة ببؤسهم واستخدامهم أدوات تراشق سياسي.
ثالثاً:
المؤشر المُلفت في كلمة سماحة السيد، تناوله موضوع مرسوم التجنيس بفكر مؤسساتي سبَّاق، وأعلن بصراحته المعروفة ” صدر مرسوم التجنيس وحصلت بلبلة في البلد وقيل الكثير حوله معلنا أننا في حزب الله لم نكن على علم بهذا المرسوم ولم نكن نعلم اصلا ان هناك مرسوما يعد في هذا الموضوع”، وسَيُوفِد حزب الله نائباً لزيارة فخامة الرئيس والوقوف على حيثيات الأمر.
هنا لا بُدَّ لنا من التوقُّف والمقارنة، بين الحكمة والهدوء في معالجة الملفات الوطنية ضمن المؤسسات وبعيداً عن الصخب، وبين من يستخدمون أي ملف للمزايدة على الآخر والذمّ بالآخر في كل شأنِ وطني أو سياسي أو حياتي يتَّصل بشؤون البلد والناس ونقول نحن مُتفائلون كلبنانيين بقيام دولة المؤسسات، والتعهُّد الذي كرره قائد المقاومة قبل الإنتخابات وخلالها وبعدها يمنحنا الأمل الأكيد، أن هذا الوطن يُدار بالحكمة والفعالية والعزم، ومَن حَمَل كُرة النار بيمينه لتحرير وحماية وطن، قادرٌ بيساره أن يَمُد الدولة بالدعم المؤسساتي والأداء الراقي، وأن يُخرِج الوطن والدولة من سوق المُزايدات والسلام…
المصدر: خاص موقع المنار