القتل.. القمع.. الاعتقال.. إسقاط الجنسية، والنفي وصولاً إلى الإعدام. منذ لحظة 14 فبراير الأولى عام 2011، قررت السلطة التي يطبق على كل مفاتيحها آل خليفة، أن اللغة التي يجب أن يواجه بها الشارع هي القوة. وعلى مدى سنوات سبع كانت السلطة تتفنن في ابتكار أساليب البطش، واستيراد مرتزقة الخارج، وفتح الحدود أمام آليات المملكة الشقيقة للضرب باليد من حديد، وهو دور تجيده السعودية، وتفضله طالما أن شعارات الحقوق والمواطنة تمس بسطوة نفوذ أهل الحكم في السعودية. وعلى مدار السنوات السبع، عجز منطق القهر، دون أن يُعجِز يقين الأمل بانتصار المطالب، ودون أن يكسر إرادة يُصر الشعب أنها أقوى رغم آلة القهر.
وفي وقت كانت القوات السعودية تهدم مساجد المتجذرين من أرض البحرين، كان الدرك الأردني يمارس أبشع فنون التعذيب، وكان المجنسون الباكستانيون ومثلهم الهنود والبنغال يجوبون قرى البحرين لتنفيذ أوامر سلطة تسلحت بالمجنسين والمرتزقة ضد أبناء الوطن.
على مدى السنوات الماضية صُنّفت البحرين كثاني دولة خليجية بعد السعودية نسبة لعدد المعتقلين في سجونها. وفي وقت كانت وفود البحرين تتجول في متاحف الصهيونية في الولايات المتحدة، وتجوب شوارع القدس المحتلة برعاية أمنية صهيونية، كانت شعارات دينية تُزال من شوارع المنامة والنويدرات وسترة، وغيرها من القرى.. وكانت الاستدعاءات تتم على خلفية رفع رايات عاشورائية على أسطح المنازل، أو على خلفية إلقاء خطاب يُجرم قتل حفيد نبي الإسلام (ص)… لا لشيء إلا لاستنهاض غريزة طائفية كانت تريدها السلطة أن تظهر منذ اليوم الأول، لتدعم كل دعايات شيطنة المعارضة التي وُسمت بالطائفية، ثم اتهمت بالعمالة لإيران، وعندما تحوّل العداء الرسمي لقطر جُرمّت بتهمة التواصل مع قطر!
وأمام كل سياسات البطش، كانت السلطة تتسلح بتهافتها نحو التطبيع للإبقاء على الود الأميركي كسلاح يشرعن نفوذها في الداخل، وأغدقت الأموال على شركات العلاقات العامة واستضافة سباقات الفورمولا واحد وأقامت المهرجانات الفنية، ودورات حوار المنامة السنوية، لتظهر صورة البحرين المستقرة سياسياً.
قسمت البحرين البلاد، بين صورة تجمل وجه النظام القبيح حيث السباقات والمهرجانات، ومناطق أخرى تشبع فيها شهوة الاستبداد والقمع، تأديباً بشعب خرج عار ليطالب بالاعتراف بمواطنته فعلاً.
على مدى سنوات الثورة، خرج البحرينيون في 48029 تظاهرة سلمية رصدتها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية وحدها. لم يحمل البحرينيون السلاح، ورغم التجاهل الدولي، والانتقادات التي طالت المطالب تارة ولم يسلم منها خيار السلمية حتى، تمسك البحرينيون بخيارهم. على مدار تلك السناوت، صاغ البحرينيون تعريفاً راقياً للثورة، التي لم يخترقها الخارج ليحرفها عن سكة الوطنية، ولم تمد يدها طلباً لسلاح، أراد البحرينيون أن يثبتوا أن السلمية خيارهم وأن الثورة قرار لا رجعة عنه.
ورغم الركود السياسي، والايغال في سياسات البطش الأمني، ظل أرجل البحرينيين ثابتة في الساحات، لا تعرف تراجعاً، ولا تعرف استسلاماً، ولا حتى يأساً. جاب البحرينيون المحافل الحقوقية دولياً، ليقدموا قضيتهم بالصورة التي يؤمنون هم بصوابيتها، نجحوا في تهشيم صورة الملك الذي اعتلى الحكم بخداع شعبه تحت عنوان “الميثاق الوطني”. اخترق البحرينيون جدار الصمت والتعتيم، ليقرنوا صورة النظام الجاثم على قلوبهم بصورة من لا يجد حرجاً في سفك الدم البريء، وسلخ أبناء الأرض عن هويتهم وتاريخهم. وفي السياسة، ظل الخطاب المعارض على حاله. اليد الممدودة للنهوض بالأزمة ظلت على حالها، دعوات الحوار لم يكل البحرينيون عن تردادها، وأطروحات المشاركة السياسية وجدت لها مكاناً في كل محطة، رغم حالة الصمم التي تعمدها النظام. حتى سُجل للمعارضة وقيادتها، بأنها نجحت رغم كل ما تعرضت له بعدم الإنجرار إلى ردة فعل، فحافظت على خطاب تدرك تماماً سقفه، وتعلم أن لا مفر من مآلاته.
وأمام مبادرات الحوار واليد المفتوحة، كيف كان رد السلطة؟ رصاص شوزن، وإعدامات، وتهجير، وإسقاط الجنسية وإعدامات ذاق مراراتها كل بيت بحريني. وفي وقت كانت رسائل السلطة تصل إلى العلماء أو القيادات عن اقتراب حوارات التسوية، كان الآتي أشد ايلاماً للداخل، اعتقل زعيم المعارضة الشيخ علي سلمان، بعد أن زجت أبرز قيادات الجمعيات والقوى الثورية في السجون، ولأن شهوة البطش كانت تزداد قاد الجنون الأمني إلى مزيد من التهور. كسر جنون النظام قلم “صحيفة الوسط” التي نجحت في الحفاظ على استقلالها عن السلطة لصالح أقلام السلطة الصفراء. وعلى عين العالم أعدمت السلطة العمل السياسي، بحل جمعية الوفاق ولاحقاً وعد… وقبل كل ذلك، أسقط النظام كل خطوط الداخل الحمراء باستهدافه آية الله الشيخ عيسى قاسم، المرجعية الدينية الأكبر في البلاد، وأحد المشاركين في وضع دستور لطالما عطلته شهوة السلطة في الاستفراد بقرار الوطن.
اليوم يطوي البحرينيون عامهم السابع على حراكهم الشعبي، وفيما يد الأمن مطلقة في البطش، تتردد في الكواليس همساً مساعٍ قد تقدم عليها السلطة لاسترضاء المعارضة. مجدداً ظهر إلى الساحة ولي العهد البحرين سلمان بن حمد، راعي مبادرة الحل في أيام الثورة الأولى، التي وُئدت في مهدها. كشّرت السلطة عن كل أنيابها، وهي اليوم تقدم عروضا لا لأمل بحل يعيد الاستقرار في الداخل، ولكن طمعاً في احتواء المعارضة وإشراكها في الاستحقاق الانتخابي الذي تنتظره البحرين في تشرين الأول/أكتوبر المقبل. اعتقال الشيخ علي سلمان، وفرض الاقامة الجبرية على آية الله قاسم، أتى ضريبة موقف المعارضة في مقاطعة الانتخابات السابقة. لا تريد السلطة للمقاطعة أن تتكرر. ولكن كيف؟ من سيدفع الناس إلى المشاركة في انتخابات لا تعبر عنهم إلى اليوم، وزعيم معارضتهم معتقل، وأكبر رموزهم الدينية تحت إقامة جبرية؟!
المصدر: موقع المنار