لفت وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الى أن “موضوع النزوح هو أمر قد لا يفهمه الكثير من الدول التي لا تفهم خصوصية لبنان او لا تريد ان تفهمها، لذلك فإن مقارنة لبنان ببعض الدول في هذا الموضوع أمر غير صحيح”، موضحاً أن “الأردن أراد أن يستوعب لاجئين ونازحين لأن هذا الموضوع لا يتسبب له بإشكالية بغض النظر عن الطاقة والأعباء، أما لبنان فإن دستوره ينص على رفض التوطين”.
وخلال افتتاح مركز الأبحاث والدراسات في “التيار الوطني الحر” مؤتمره السنوي السابع بعنوان ” النزوح السوري في لبنان: تداعيات وحلول”، قال باسيل إنه “مهما قلنا بأن إطالة أزمة النزوح السوري ستؤدي إلى توطين يبدأ مقنعاً ثم يتحول الى قائم ودائم بحكم الواقع، نحن اليوم في السنة السبعين للنكبة ونعرف كيف حصلت قضية اللاجئين التي تحولت إلى صفقة العصر التي قامت على إبقاء اللاجئين الفلسطينيين حيث هم، وعدم عودتهم إلى أرضهم كموضوع مسلم به، فلاجئو 48 لا كلام عنهم، لا أرض لهم ولاجئو 67 كذلك ولا كلام اليوم عن حق العودة، بل هناك بيع للقضية الفلسطينية بدأ يتدرج من بيع القدس إلى بيع حق العودة إلى بيع الأراضي وبيع السيادة والدولة الفلسطينية التي يريدها الفلسطينيون”.
وأضاف باسيل “لذلك فإن هذا المؤتمر الذي يبحث هذا الأمر بكل تداعياته لا يستطيع أن يحل الأزمة بحلقة واحدة، لأن الأكلاف كبيرة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية بحجم وجود أو زوال وطن، لذلك كان التيار الوطني الحر أول من نبه إلى هذا الأمر، وكان رافضا بشكل جذري لإنشاء مخيمات في قلب لبنان، وعندما اضطررنا سميناهم تجمعات، هذا أمر نصر عليه، وهو موضوع خلاف كبير، لأن أطرافا ما زالت تعيب علينا كيف رفضنا إقامة مخيمات للاجئين السوريين”.
وتابع باسيل “في العام 2011 وبعدما وصل إلينا تقرير يتحدث عن وصول 3000 نازح سوري رفعنا الصوت، وطالبنا بوضع سياسة حكومية تضبط الحدود، لكننا اتهمنا بالتطرف والعنصرية وحصل خلاف سياسي حيث نظر البعض إلى الأخوة السوريين بأنه يمكن الاتكال عليهم لمواجهة النطام في سوريا او مواجهة حزب الله في لبنان، وهذه النوايا انكشفت بسياسات رسمية اعلنتها دول كبرى، او بوسائل تسببت باضطرابات امنية، وقد تم التعاطي مع هذا الموضوع بالشكل المطلوب، لذلك فان خطر التوطين في لبنان او ابقاء عدد كبير من النازحين فيه او اندماجهم فيه يتعاطى معه المجتمع الدولي بخلفيات مشكوك بها اقل ما يقال فيها أنها للحفاظ على نفسه لخوفه من ان عودة هؤلاء إلى بلدهم في ظروف غير مستقرة قد تجعلهم يذهبون إلى اوروبا او المحيط العربي، لذلك يتبعون سياسة متشددة يحدها الأمور لحماية أنفسهم وبعدها الابعد الانخراط بالمؤامرة على سوريا وعلى إيصالها إلى ما وصلت إليه باستعمال قضية النازحين كورقة ضغط في الانتخابات المقبلة او العملية الأمنية التي ساهمت بالحال الأمني في سوريا وفي لبنان”.
وفي السياق نفسه، ذكر باسيل أنه “من الناحية السياسية، الأضرار والتداعيات هي على هذا المستوى، أما اقتصاديا فحدث ولا حرج، حيث تبلغ الكلفة المباشرة 18 مليار دولار إضافة إلى خسارة اللبنانيين لفرص العمل والضغط الموجود على المدارس الرسمية التي تستوعب 200 ألف طالب سوري، حيث أن أعداد الطلاب السوريين في بعض المدارس الرسمية فاق أعداد الطلاب اللبنانيين، وهذا يتطلب خدمات صحية واجتماعية إضافة إلى البنية التحتية التي لم تعد تكفي اللبنانيين أصلاً”، متسائلاً “كيف سيكون حالها مع مليون ونصف نازح اضافي”.
ولفت وزير الخارجية الى أنه على الصعيد الأمني، “فإن التهديد الأمني الذي شهدناه أدى إلى احتلال أرض لبنانية بمساحة 450 كيلومترا مربعا اوصلتنا إلى عملية فجر الجرود لتحريرها، وهذا الضرر كله لا يستطيع شعب واحد وبلد واحد ان يتحمله، خصوصا وإن المساعدات التي تأتينا من المجتمع الدولي عبر كافية. فاذا كان المجتمع الدولي يعتقد انه ببعض المساعدات التي يقدمها للنازحين السوريين، والتي لا تلبي حاجاتهم يكفر عن ذنوبه الجسيمة التي ارتكبها في سوريا، فبضعة مليارات الدولارات لا تمحو هكذا خطيئة دولية ارتكبت بحق بلد وبحق شعب وبشكل مباشر على سوريا وبشكل غير مباشر على لبنان والاردن والدول المجاورة وكل المجتمعات التي تضررت بشكل مباشر او غير مباشر من هذه الازمة، خصوصا اذا تكلمنا عن دول مولت، سلحت، غذت وحرضت وحبكت هذه المؤامرة السياسية التي ادت الى اكبر عملية نزوح بتاريخ البشرية في بلد واحد وبحجم شعبه وبهذا الشكل، والتي ادت الى تسجيل اعلى نسبة نزوح الى لبنان نسبة الى عدد سكانه ومساحة ارضه. ولبنان لا يستحق هذه المعاملة من المجتمع الدولي، لا بحجم المساعدات التي تصل الى صفر كمساعدات مباشرة للبنان، بل كلها مساعدات لم نتردد يوما انها تهدف الى اطالة امد بقاء النازحين السوريين في لبنان ولا تهدف الى تشجيعهم على العودة، بل على البقاء، وهذه جريمة تضاف الى الجريمة الاساسية المرتكبة من المجتمع الدولي”.
واعتبر باسيل أن “المسؤول الاول هو الحكومة اللبنانية وتقع عليها مسؤولية مواجهة هذه الازمة، لان لبنان بلد سيد، فهو الذي يحدد سياساته ويحمي ارضه وشعبه، ولا يمكن لاحد ان يملي عليه هذه السياسات، طالما هي منسجمة مع الاتفاقات الدولية ومع الاعراف الانسانية والمعايير التي تعالج هكذا حالات والمنصوص عنها في اتفاقية الهجرة، والتي لم يوقع لبنان عليها، وبالرغم من ذلك فهو يحترمها اكثر من دول عدة موقعة عليها وبعضها في اوروبا وفي انحاء العالم كافة ومسموح لهذه الدول ان تتعاطى مع النازحين السوريين بشكل مرفوض على لبنان ان يتعامل فيه معها، وهذا لا ينسجم مع القانون الدولي انما لا يعفي الحكومة اللبنانية من مسؤوليتها من وضع الخطط الكاملة المتكاملة لمعالجة هذه الازمة على ان تأخذ في الاعتبار قدرات لبنان الاقتصادية وخصوصيته وواقعه السياسي الهش وكل توازناته”.
وتابع وزير الخارجية” امام كل هذا الواقع السيىء يبقى السؤال ما هي الحلول؟ “، موضحاً أن “الحل واحد وهو عودة النازحين السوريين الى ارضهم ولا حل آخر، لان لبنان اعجز من ان يتعاطى مع هذه الازمة بحلول متنوعة يمكنه ان يتدرج بتطبيقها وان ينفذ سياسات العودة على مراحل، انما لا يمكن ان يفكر بحل آخر، لان اي حل آخر هو مسكن يزيد المرض وهو حل منقوص، وهو شكل من اشكال الاندماج واثره الطويل الامد معروف”.
هذا وأكد أن “على الدولة اللبنانية ان تطبق القانون، فبمجرد تطبيق القوانين اللبنانية والمنسجمة مع القوانين الدولية يؤدي الى معالجة لقسم كبير من ازمة النزوح. ويجب اولا التمييز بين اللاجىء الفعلي والنازح الاقتصادي، وما نشهده في سوريا اليوم من توسع رقعة مناطق تفكيك التوتر والمناطق المستقرة تباعا، يوضح بشكل ثابت ان هناك امكانية للعودة. ومن خلال الاطلاع على الارقام في الاشهر الخمسة الاخيرة، نلاحظ ان مؤشرات الاتجاه الى العودة، وذلك نتيجة توسع رقعة المناطق واعلان الحكومة السورية عن رغبتها باستقبال النازحين السوريين رغم الوضع غير المستتب سياسيا بشكل كامل انما باوضاع امنية مقبولة اقله في المناطق المحاذية للبنان، ويمكن ان يتم هذا الامر من دون اي خلاف سياسي بين اللبنانيين على موضوع النظام في سوريا والتعاطي معه”.
وقال “من خلال سياسة النأي بالنفس التي يعتمدها لبنان يعني ابعاد نفسه عن اتخاذ مواقف منحازة لملفات خارجية الى اي فريق من افرقاء الصراع، ففي ما يتعلق بسوريا مثلا لا مع النظام ولا ضد النظام، وبالتالي فان التعاطي مع سوريا الدولة القائمة والمعترف بها لغاية اليوم من المجتمع الدولي هو تعاط مع الدولة ويمكن ان يتغير رأس او نظام هذه الدولة، انما اذا كان للبنان اليوم عنوان واحد للتعاطي معه فهو سفير سوريا في لبنان وسفيرنا في سوريا الذي يتعاطى مع الجهات السورية المختصة من دون اعتبار ذلك انه عملية تطبيع واقرار بواقع جديد، بل هو مسألة طبيعية لم تنقطع ولا في اي مرحلة من مراحل الصراع في سوريا ويتعاطى معها لبنان كما حصل في موضوع تسجيل الولادات التي طالبنا بها منذ ال 2012 نسبة الى الاعداد الكبيرة، وطالبنا بعملية تبليغ بسيطة بالوسائل الدبلوماسية واقرت واعترف بها بعد تأخير ست سنوات، فهذه عملية طبيعية لتحمي اولا النازح السوري وثانيا بلدنا من اعداد كبيرة لا جنسية لهم او مكتومي القيد، وتصعب بذلك عودتهم الى سوريا لان لا اثبات للدولة السورية ان جنسيتهم سورية، في وقت يمكن تسجيلهم في سجل الاجانب في لبنان، ونبلغ الجهات السورية المختصة ويكون بذلك قام لبنان بكل واجباته، وعندئذ تتحمل الدولة السورية مسؤولية عودتهم”.
كما لفت باسيل الى أن “كل اللبنانيين يتحملون اليوم تقاعس الحكومة اللبنانية عن قيامها بواجباتها لغاية اليوم في تطبيق القانون اللبناني وفرض على النازح السوري ما تفرضه على المواطن اللبناني من قوانين العمل وكيفية التعاطي مع الجرائم وليس اكثر، وبحسب القانون الدولي من لا تنطبق عليه صفة اللاجىء او النازح ويعمل في لبنان بخلاف القوانين الدولية، على الدولة اللبنانية اقله ان تعيده الى وطنه، وتتخذ اجراءات عقابية بحقه، لانه يخالف عمدا ومن دون موجب القوانين اللبنانية، وهؤلاء يمثلون مئات آلاف السوريين الذين يحلون مكان اللبنانيين في الوظائف، وهم ليسوا نازحين لانهم يذهبون الى بلدهم وبمجرد ذهابهم الى بلدهم يفقدون صفة النزوح او اللجوء، فهؤلاء يخالفون القانون الدولي والقانون اللبناني، ولا يمكن لاحد ان يحاسب لبنان اذا اتخذ اجراءات بحقهم. وهذا هو التقاعس الكبير للدولة اللبنانية التي تفقد مواطنيها آلاف فرص العمل لتمنحهم الى غير اللبنانيين ومن دون وجه حق”.
وقال باسيل “هذا ابسط امر نطالب بمعالجته لنظهر الجدية بالاهتمام بشعبنا، وفي ذلك لا تمييز لانه من الطبيعي ان تعطي الدولة الاولوية لمواطنيها في كل المجالات. وفي هذا الاطار، دعونا البلديات كسلطات محلية الى تطبيق القوانين في نطاقها البلدي بشكل يشجع السوريين على العودة الى وطنهم، علما ان لبنان لم يتحدث يوما ولا باي شكل عن عودة جماعية جبرية للسوريين، بل كان الحديث عن حالات فردية مخالفة للقوانين وعن سياسات تعتمد تشجيع العودة”. كما كشف عن “انعقاد مؤتمر للبلديات في 4 ايار المقبل حول موضوع النزوح السوري للاطلاع على تجارب بعض البلديات التي نجحت في ضبط حالات النزوح في نطاقها البلدي وفي مساعدة اهل البلدة على المحافظة على اعمالهم، وكذلك المحافظة على الامن وعلى اي خلل اجتماعي. ولم ولن نرضى بحصول اي تمييز عنصري مع شعب هو شقيق لنا والذي لم نقدم له الا الخير”.
وختم بالقول “لبنان الذي ضاقت على ارضه الحرية والحاجة في كثير من الاوقات ووصل شعبه الى مراحل من العوز، لم يصدر يوما نازحين او لاجئين انما صدر ادمغة، فهذا اللبنان نفسه استقبل برحابة صدر مليون ونصف مليون نازح على مدى سبع سنوات، ولم يظهر تجاههم اي عمل غير اخوي وغير انساني. فهذا اللبنان يستحق ان يكون نموذجا في العالم يحتذى به للعمل الانساني، ويستحق نيل جوائز غير مسبوقة في هذا المجال، ولا يستأهل ان يعاقب لبنان كما يعاقب من المجتمع الدولي بالسياسات التي تمارس ضده في موضوع النزوح وانتفاء اي مساعدات تعوض عليه ولو جزئيا الاضرار اللاحقة به. فهذا الأمر يجب أن يحرر لبنان من اي عقدة لارضاء المجتمع الدولي، وانا كوزير خارجية لم اخش يوما من التوجه الى الدول بهذا الكلام الذي يعزز موقفنا ويجعلنا موضع احترام من الدول واي تصرف ادنى من ذلك يضعنا في نظرة دونية من الدول الينا تجعلنا في مصاف الدولة غير القادرة على القيام بمسؤولياتها وتمارس سيادتها وتطبق قوانينها على ارضها. هذا هو المطلوب من الدولة اللبنانية ومن التيار الوطني الحر ليبشر ويتمسك به حفاظا على لبنان وعلى وجوده وغير ذلك يشكل انتفاء لرسالة لبنان”.
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام