كشفت دراسة جديدة أن غياب العدالة يعد أحد الأسباب الكامنة وراء أزمة الغذاء العالمية. ففي الدول الفقيرة يدفع المواطنون أكثر من دخل يوم كامل من أجل الحصول على وجبة واحدة.
في الوقت ذاته، تنفق أفقر شعوب العالم أكثر من أجرة يوم عمل من أجل الحصول على طبق واحد من الطعام، وذلك حسب تقرير جديد صدر عن برنامج الأغذية العالمي.
وقد كشف هذا التقرير الذي نشرته صحيفة The Guardian البريطانية، أن طبق حساء الفول ذاته يمكن أن يكلف زبوناً عادياً في مدينة نيويورك حوالي 1.2 دولار، بينما يكلف شخصاً آخر في جنوب السودان أكثر من 320 دولاراً.
في الواقع، سلَّطت هذه الدراسة التي تم الكشف عنها بالتزامن مع يوم الأغذية العالمي للغذاء الذي صادف يوم الإثنين، الضوءَ على التناقض المثير للدهشة بين المقدرة الشرائية للمستهلكين حول العالم، وقد توصلت هذه الدراسة إلى ذلك من خلال احتساب كلفة الغذاء في دول مختلفة بناء على معايير موحدة.
في هذا الصدد، أورد ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، أنه من خلال معاينة المقدرة الشرائية لكل دولة، تمكنا من إبراز الفروق الشاسعة في المقدرة الشرائية بين مختلف الشعوب. وقد كانت النتيجة في أغلب الحالات صادمة، فمن يعتقد أن وجبة طعام في النرويج مثلاً مكلفة، عليه أن يتطلع إلى ثمنها بالنسبة لمواطن في دولة مالاوي.
في حقيقة الأمر، عمد خبراء الاقتصاد في برنامج الأغذية العالمي إلى تحديد وجبة تقليدية مكونة من الفول والحبوب، مع نوع من الأغذية الغنية بالكربوهيدرات المفضلة محلياً مثل الأرز. ومن ثم تم احتساب ثمنها وفقاً لتكلفتها محلياً. عقب ذلك، قام الخبراء بمقارنة ثمنها بمعدل المصروف اليومي انطلاقاً من الناتج القومي الخام للفرد. بالاعتماد على هذه المعادلة على اعتبارها أساساً للدراسة، تمكن الخبراء في برنامج الأغذية العالمي من تحديد المبلغ الذي يدفعه مواطن عادي في مدينة نيويورك لشراء الحساء، في حال افترضنا أنه ينفق النسبة ذاتها من دخله اليومي تماماً مثل المواطنين في بقية الدول.
في الحقيقة، يبلغ ثمن طبق الأرز والفول في نيويورك حوالي 1.2 دولار، وهو ما يمثل 0.6% فقط من معدل الدخل اليومي في هذه المدينة. ويكلف الطبق ذاته 8.27 دولار في غواتيمالا، و27.77 دولار في نيبال، و72.65 دولار في هايتي، أما في دولة جنوب السودان، التي جاء ترتيبها الأسوأ ضمن هذه الدراسة، فتكلف هذه الوجبة 321 دولاراً، وهو ما يمثل 155% من الدخل اليومي للفرد.
وفي هذا الإطار، أشار ديفيد بيسلي إلى الارتفاع الكبير في أسعار الغذاء، الأمر الذي بات يمثل مشكلة أكبر حتى من مشكلة ندرته، ويفسر هذا سبب انتشار المجاعات، خاصة في الدول النامية، حيث كان حوالي 795 مليون شخص يعانون من الجوع في العام 2016، وذلك حسب الأرقام الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي، ويتوقع برنامج الأغذية العالمي تفاقم هذه المعضلة خلال العام الجاري، نتيجة للعديد من العوامل على غرار الصراعات المسلحة، وغياب الاستقرار السياسي، فضلاً عن ضعف البنية التحتية والتغير المناخي.
من جانبه، أوضح فرانسيس موانزا، المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي، أن “حوالي 800 مليون شخص جابهوا الجوع على كوكب الأرض خلال العام الماضي، لأنهم بكل بساطة لم يكونوا قادرين على تحمل كلفة الغذاء. ومن المؤسف أن هذا الأمر يحدث على الرغم من أننا ننتج ما يكفي من الغذاء لإطعام الجميع حول العالم. ففي الواقع، تعتبر كميات الطعام التي يتم إهدارها كل يوم كافية لسد احتياجات 2 مليار شخص”.
وأضاف موانزا، أنه “في حال لم تتوقف الصراعات المسلحة في العالم، ولم نجد حلاً لنزوح الأفراد من أوطانهم لبلدان مجاورة، ولم توفر للأشخاص وسائل إنتاج لتطوير زراعتهم وبلوغ القدرة على شراء الغذاء، ستتواصل مشكلة الغذاء في العالم إلى ما لا نهاية”.
فعلى سبيل المثال، كان 50% من سكان سوريا في حاجة ملحة للمساعدات الغذائية في العام 2016. وحسب تقرير برنامج الأغذية العالمي، تقدر كلفة طبق حساء وفول في سوريا بنحو 190 دولاراً، وفقاً للمعايير العالمية، والجدير بالذكر أنه وقبل أن يندلع هذا الصراع المسلح في 2011، كانت سوريا دولة متوسطة الدخل. ولكن في غضون خمس سنوات فقط، أصبح أربعة أخماس السوريين يعيشون تحت طائلة الفقر، في حين أن 75% من الشعب بات في أمس الحاجة للتدخل الإنساني.
أما في اليمن، الذي تتواصل به الحرب منذ سنتين، يشكو أكثر من ثلثي الشعب من مشقة الحصول على الغذاء. وتوفر زراعة الحبوب حالياً أقل من 20% من احتياجات اليمنيين، في الوقت ذاته، تغيب الأدوية والمتابعة الضرورية بالنسبة للمحاصيل الزراعية وقطعان الماشية، وذلك بسبب نقص التمويل والمواد اللازمة.
في سياق متصل، أعرب كريس غيليغان، عضو مجلس إدارة المبادرة العالمية للأمن الغذائي في جامعة كامبريدج، عن صدمته من هذه النتائج، حيث قال: “تعد هذه الأرقام مفزعة. أنا أرحب بالمحاولات الجادة لعقد مقارنات بين مختلف الدول، نظراً لأن ذلك من شأنه أن يسلط الضوء على الفئات الهشة والدول التي تعجز عن تأمين احتياجاتها، ينتابني شعور متزايد بالقلق في كل مرة أسمع فيها عن ظهور وباء جديد في إفريقيا، أو آفة ضربت المحاصيل. فذلك يعني العودة إلى نقطة الصفر في كل مرة لإصلاح منظومة الغذاء في هذه الدول. نحن في حاجة ملحة لإحراز تقدم حقيقي، والعمل بجد في المناطق التي تظهر فيها الأوبئة والآفات، والتي يسهل فيها انتشارها.
الفقر وقلة الغذاء تسبب تقزم الأطفال
أظهرت دراسة نشرت في المجلة الطبية البريطانية، التي أجريت في أربع دول أوروبية، وهم البرتغال وايرلندا وفنلندا والمملكة المتحدة، على أكثر من تسعة وأربعين طفلا منذ ولادتهم حتى عامهم الحادي والعشرون. على الرغم من أن ارتفاع قامة الشخص يعتمد إلى حد كبير على الجينات الوراثية، إلا أنه الظروف الخارجية تؤثر فيه بحوالي 20٪. من بين هذه الظروف، وفقا للباحثين، مستوى تعليم الأم، وتحسن الحالة المادية والبيئة الاجتماعية التي ينمو فيها الطفل، بشكل عام، بحسب لموقع الإيطالي La Repubblica.it.
وتشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية أنه في عام 2013، 161.5 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من التقزّم و50.8 مليون طفل منهم يعانون من نقص الوزن عند الميلاد، بينما يعاني 41.7 مليون طفل من تلك الفئة من فرط الوزن.
المصدر: هافينغتون بوست