لم ينعكس نشاط رئيس “تيار المستقبل” النائب سعد الدين الحريري في الترويج للانتخابات البلدية في بيروت على نسب المشاركة فيها من قبل الناخبين “البيارتة”، فلا الجولات الانتخابية ولا الحملات الاعلامية ولا الدعوات الحريرية للمشاركة الكثيفة يوم الانتخابات، استطاعت ان تحفز الناس للنزول الى صناديق الاقتراع، حيث قاربت النسب في مدينة بيروت الـ20 % عند اقفال صناديق الاقتراع عند الساعة السابعة من مساء الاحد.
فربما فضل الناخب البيروتي الخروج للاستجمام خارج العاصمة او المكوث في المنزل للراحة في يوم العطلة على النزول للتصويت وسط روائح الفساد السياسي والمالي، وربما نأى البعض بأنفسهم عن وعود “المستقبل” التي تُكرر نفسها في كل انتخابات، فمعظم أهل بيروت باتوا خارجها، بفعل سياسات الجهة السياسية المشرفة على “سوليدير” وأخواتها.
فهل كان هناك من يمني النفس بأن يستطيع سعد الحريري بعد عودته الى لبنان لشد العصب وحشد الشارع الذي كان مؤيدا لـ”المستقبل” في يوم من الايام؟ ولماذا فشل الحريري في ذلك؟ رغم انه كان هو من يقود الجولات الانتخابية لمرشحه لرئاسة بلدية بيروت جمال عيتاني، فهل لم يعد للحريري القدرة على التحشيد الانتخابي والسياسي؟ ام ان الحريري يعاني اليوم من مشاكل كفيلة بإبعاد الجمهور عنه؟
ولماذا لم يتحمس الناخب البيروتي للنزول الى صندوق الاقتراع سواء تأييدا وتجاوبا مع دعوات الحريري من قبل مناصريه ام رفضا للسياسات الحريرية وللاعتراض عليها وللتصويت للوائح المنافسة؟ هل ان الناخب البيروتي رفض كسر سعد الحريري بالارقام داخل صندوق الاقتراع وفضل الرد بالامتناع عن المشاركة كتعبير حضاري عن رفض خيارات الحريري السياسية؟ لا سيما ان الحريري غاب طويلا عن جمهوره وعاد إليهم قبل فترة من الانتخابات بشكل قد يعتبره البعض عودة الضرورة ليس اكثر، ما يعني ان الرجل لا يتقرب من الناس إلا عند الحاجة اليهم وعند الاستحقاقات التي يحتاج فيها لأصواتهم، فهل كان الامتناع البيروتي عن المشاركة الكثيفة في الانتخابات هو الرد الذي اختاره “البيارتة” للرد على سياسات الحريري؟
وهل شكلت نسب المشاركة في الانتخابات البلدية في بيروت استفتاء على شعبية “تيار المستقبل” اولا والنائب سعد الحريري ثانيا، في بيروت ومن ثم في باقي المناطق اللبنانية؟ ام ان الامر يحتاج الى مزيد من التدقيق باعتبار ان صورة هذه الانتخابات لا تظهر حقيقة الشعبية السياسية للحريري والمستقبل؟ وبعد هذه الانتكاسة الحريرية في بيروت ماذا ستكون عليه الصورة في الدوائر الانتخابية الاخرى؟ وماذا يعني ان يفشل الحريري في التحشيد الانتخابي في العاصمة بيروت التي يعتبرها “بيته الاصلي” رغم انه ليس منها؟
حول ذلك اعتبر الوزير السابق عصام نعمان ان “سبب تدني نسبة الاقتراع في بيروت هو قرف الرأي العام وقلة ثقته بالطبقة السياسية بعد كل هذه الفترة وبعد كل هذه التجارب التي سقطت بها هذه الطبقة خاصة التي سيطرت على قرار مدينة بيروت”، وتابع “انحفاض نسبة الاقتراع في بيروت جاء كردة فعل من الناس على النتائج السيئة التي نتجت عن ممارسات الطبقة السياسية ومنها الازمات التي مر بها المواطن البيروتي وكان آخرها أزمة النفايات”.
ولفت نعمان في حديث لقناة “المنار” الى ان “الوعود التي أطلقها رئيس لائحة البيارتة جمال عيتاني(المدعوم من تيار المستقبل) سبق للبيارتة ان سمعوها في الانتخابات الماضية ولم يتحقق منها اي شيء”، وذكّر ان “القسم الاكبر من اهل بيروت خارجها ويعيش في ضواحيها بسبب الازمات الانمائية والاجتماعية التي عانى منها اهل بيروت في مدينتهم”.
وشدد نعمان على ان “هناك سخط على الشبكة السياسية الحاكمة وعلى افرازها الذي تجلى بالمجلس البلدي السابق في بيروت ولذلك كانت النسبة المتدنية جدا في بيروت”، وتابع “رغم ان الخصومة والعصبية عادة تكون أقل في الانتخابات البلدية إلا اننا شهدنا عصبية مفتعلة في لائحة البيارتة عبر محاولة شد الوتر الحريري”.
من جهته، قال أمين الهيئة القيادية في حركة الناصريين المستقلين “المرابطون” العميد مصطفى حمدان إن “كلام سعد الحريري ومحاولته استخدام الغريزة المذهبية في الانتخابات البلدية والاختيارية هو أمر باطل ومردود عليه”، وأسف ان “الحريري حاول استخدام منابر المساجد لإثارة الغرائز المذهبية”، واعتبر ان “الحريري هو رأس الحربة لزبانية النظام الفاسد والمفسد بكل أطيافه المذهبية والطائفية”.
ولفت حمدان الى ان “تدني نسب الاقتراع هو رد على أداء البعض ممن لم يتعلم ممارسة الحياة الديمقراطية لا في لبنان ولا في السعودية”، وشدد على “ضرورة ان يحترم هؤلاء عقول أهل بيروت”، واضاف “نحن بالانتظار ديمقراطيا في الانتخابات النيابية حسب قانون انتخابي يعتمد مبدأ النسبية والدائرة الوطنية الواحدة”.
وكان من اللافت خلال مجريات اليوم الانتخابي في بيروت تصريح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي اعتبر ان “نسبة الاقتراع في بيروت غير مقبولة بكل المقاييس”، واشار الى ان “ما كان يجري في الأعوام الأخيرة لم يكن مشجعا … يجب إعطاء خبزنا للخباز لكن من دون ان يقتنص منه”.
بالتأكيد ان كلام جعجع الغامز من “قناة الحريري” لم ينزل “لا بردا ولا سلاما” على “حليفه المفترض” بل يؤكد الازمة التي يعاني منها شعبيا وسياسيا… واخرها عدم استجابة “البيارتة” لكل التحشيد الذي سعى اليه الحريري شخصيا وعبر نوابه وحزبه وماكينته الانتخابية الاعلامية…
المصدر: موقع المنار