قد تكون آخر رسالة يخطّها الصحفي مكتوبة بدمه، وكما يستطيع حينها أن يرسخ أصداء رسالة الحقيقة عند أصحاب الحق، يقدر أيضا أن يروي بدمه شجرة زيتون غُرست لذكراه.
في معلولا بين صخور تحمل التاريخ على أكتافها، وبين الصدى المتردد جيئة وإيابا في أزقة البلدة المقدسة، محمولاً مع أصوات أجراس الكنائس المحيطة بكل زوايا المكان، كتب الزملاء الشهداء من قناة المنار قيمة إضافية لتاريخ الحق.
إنه الرابع عشر من نيسان، للعام 2014 ، حيث ارتقى حمزة وحليم ومحمد، وبدأ مع ارتقائهم تقويم جديد للذكرى، إنها ذكرى الإعلاميين الشهداء، وكلما مضى منها يوم، كبرت شجرة الزيتون التي زرعها أهالي البلدة في ذات المكان حيث روت دماؤهم الطاهرة الأرض وجعلت للتراب خصوبة تشع على طول الأزمان.
“قبل أن يحفروا أسماءهم على صخور معلولا، حفروها في قلوب أبنائها”، جملةٌ بدأ فيها “العم جورج” وهو أحد كبار السن، يحكي ما حدث منذ ثلاث سنوات، مؤشراً بيده الى محيط المكان، ويقول “إنها لمصادفة غريبة ولكن ليست على الأمور المقدسة، فحين تجتمع الذكرى الثالثة لاستشهاد فريق من الإعلام المقاوم، مع ذكرى الجمعة العظيمة ، وتبقى الأجراس تنعي وتذكر بالقداس، هذا يحتّم علينا أن نقف بصمت متأملين طهر وقداسة الموقف”.
يقف “سابا عبيد” – أحد أبناء البلدة- مبتسماً بإجلال ، متأملاً الكلام أمام شجرة زيتون تتجاوز مرحلة الغرسة الفتية، وهو الأقرب إلى الحادثة – مكاناً وزماناً، لا يمكنه نسيان التفاصيل، لم يترك البلدة رغم اشتداد المعارك وهو الرجل الخمسيني. “من جهة الطريق الغربي المؤدي إلى ساحة معلولا، وصلت سيارة الإعلاميين لتغطي انتصار الجيش واستكمال تمشيط الشوارع”، ولكن وقع ما لم يكن بحسبان من يسعى بشغفٍ وراء تصوير الحقيقة ونقلها، يتابع سابا التفاصيل باختصار، “حيث خرج أحد الإرهابيين المختبئين بين المنازل التي أحرقها المسلحون مع فرارهم، وبدأ يطلق النار على سيارة الفريق، مستهدفاً من فيها، اصيب فيها الزملاء حمزة وحليم ومحمد.
كثيرون من أهالي البلدة القادمين لإحياء الجمعة العظيمة لم يحتاجوا لمن يذكرهم بالواقعة. فالصغير قبل الكبير يعرف التاريخ والمكان بشكل دقيق، يحيون الذكرى بقلوبهم وبشجرة غرسوها كرمزية مقدسة لذكرى الشهداء .
قبل ثلاث سنوات، حدثَ أنّ طريقاً طويلاً قطعه الزملاء الشهداء من بيروت إلى معلولا، حاملين عزيمة وعزماً على نقل الحقيقة كما هي، فأكملوا مهمتهم على أتم وجه، وتابعوا طريقهم إلى السماء، بعد تقديس تراب أرض مقدسة بدم زكي وطاهر من عروقهم وأقلامهم.
المصدر: موقع المنار