أمين أبوراشد
قُبيل الجولة الأولى للإنتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة في 23 إبريل / نيسان القادم، احتدمت المنافسة بين أبرز ثلاثة مرشحين، مارين لوبان من الجبهة الوطنية اليمينية المتطرِّفة، فرانسوا فيون من يمين الوسط، والمرشح المستقل إيمانويل ماكرون، وعلى نفس النَسَق من التهجُّم الشخصي الذي سارت عليه الإنتخابات البرلمانية الهولندية التي حصلت منذ شهر، بين رئيس الوزراء الفائز “مارك روتي” ومنافسه اليميني المتطرِّف “غيرت فليدرز”، فإن التجمُّعات الإنتخابية للمرشحين الفرنسيين مع أنصارهم لم تخلُ من تجريح أحدهم بالآخر، مع مغالاة “لوبان” بتصوير الوضع في حال فوز أيٍّ من “فيون” أو “ماكرون” بأنه سيقود فرنسا الى الهاوية نتيجة سياسة الإنفتاح على حدود دول الجوار المشرَّعة لإستقبال اللاجئين أو البقاء ضمن “الإتحاد الأوروبي”.
ربما من حق السيدة مارين لوبان أن تكون فرنسية حتى العظم، هي التي ورِثَت إيدولوجية “فرنسا أولاً” والعداء للمهاجرين من جان – ماري لوبان، والدها ومُلهِمها ومؤسس الجبهة الوطنية، وفي عام 2008 تحديداً، أعلنت أحزاب من اليمين المتطرِّف في دول أوروبية ضمن مؤتمر بمدينة “أنفير” البلجيكية، تأسيس منظمة جديدة تهدف إلى مكافحة ما أسمته بـ”الأسلمة” في أوروبا، وقدَّمت المنظمة الجديدة وإسمها “المدن ضد الأسلمة” للصحافيين، رئيس حزب “المصلحة الفلامنكية” فيليب ديوينتر، ورئيس حزب “إف. بي. أو” النمساوي هاينز كريستيان ستراسي، ورئيس حركة “الزاس ابور” الإقليمية الفرنسية روبرت سبيلر، وشارك أيضًا في إطلاق المنظمة ممثلون للحزب اليميني الألماني “داي ريبوبليكانر” والحزب الوطني البريطاني (بريتيش ناشيونال بارتي) وأحزاب إيطالية ودنماركية، وقال المسؤول في حزب “المصلحة الفلامنكية”برت ديبي: “يجب وقف افتتاح المساجد ويجب وقف وصول المسلمين الى اوروبا”.
إذاً، فإن نشأة اليمين الشعبوي المتطرِّف في أوروبا لا علاقة لها بارتدادات الإرهاب القادم من الشرق الأوسط وإفريقيا منذ العام 2011، بل هي مرتبطة أولاً بالأزمة المالية العالمية التي أنتجتها أزمة الإئتمان العقاري في أميركا عام 2008، وسادت موجة من البطالة العالمية طالت أوروبا الغربية نتيجة تدفُّق اليد العاملة من أوروبا الشرقية ومن شمال إفريقيا، والتي ما زالت تُعاني منها الدول الأوروبية الغنية حتى اليوم في بطالة مواطنيها الأصليين، وإزدادت تحدياتها مؤخراً نتيجة أزمة اللجوء من الشرق الأوسط، مما دفع بالأحزاب اليمينية الأوروبية الى الإنتفاض على كل طالب لجوء، سواء من أوروبا الشرقية أو شمال إفريقيا أو الشرق الأوسط، لكن الأحداث الإرهابية التي حصلت في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وبريطانيا غذَّت نُزعة “الإسلامو – فوبيا” لدى اليمين الأوروبي، وركَّزت على المواطنين المسلمين الذين يحملون جنسيات هذه الدول، وأبرز الناشطين في قيادة هذا اليمين حالياً، هُم: “غيرت فيلدرز” في هولندا، و”فراوكي بيتري” في ألمانيا إضافة الى المرشحة الرئاسية الفرنسية مارين لوبان.
آخر حملة إنتخابية شنَّتها السيدة لوبان على خصومها، كانت في مدينة “بوردو”، واعتبرت أمام مناصريها أن الإنتخابات القادمة فرصة لتغيُّر الحضارة، وتابعت وسط تصفيقٍ وهتافات “نحن تحت رحمة عملة تناسب ألمانيا وليس اقتصادنا، اليورو في المقام الأول سكين مغروز في ضلوعنا ليجعلنا نذهب إلى حيث يريد آخرون أن نذهب”، وأكدت لوبان آراءها المناهضة للعولمة وحدود فرنسا المفتوحة لكل التدفقات التجارية والبشرية دون حماية، وأضافت أنها ستعمل في حال فوزها بالرئاسة على انسحاب فرنسا من منطقة اليورو وإعادة العملة الوطنية (الفرنك الفرنسي)، وفرض ضرائب على الواردات والشركات التي توظف الأجانب، كما ذكرت أنها ستحد من الهجرة وستطرد جميع المهاجرين غير النظاميين، وتقصر الحقوق المتاحة الآن للجميع على الفرنسيين فقط.، وسوف تدعو الى استفتاء شعبي للإنسحاب من الإتحاد الأوروبي.
هذه النزعة الإنعزالية داخل الحدود الفرنسية لدى لوبان، بالتخلِّي عن اليورو وفرض قيود على التبادلات التجارية مع السوق الأوروبية المشتركة والإنسحاب من الإتحاد الأوروبي، إضافة الى حملتها على المهاجرين، قد لا تتأثر بها دول أوروبية كألمانيا وبلجيكا وهولندا لو أقدمت عليها، لأن سبعة ملايين مسلم يعيشون في فرنسا، والمساس بأوضاعهم حالياً لا تستطيع فرنسا تحمُّل تبعاته منفردة إذا وصلت مارين لوبان الى الحكم، ومَضَت في تطبيق برنامجها الإنتخابي الإنتحاري الذي سيُودي بالشارع الفرنسي الى التناحر، وما زالت أحداث ضواحي باريس في الذاكرة، حين أحرق المهاجرون المغاربة 5000 سيارة أمام أعيُن الشرطة التي لم تتكمن من ضبطهم يوم كان الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وزيراً للداخلية.
فوز السيدة لوبان مُستبعد، كونها يمينية متطرِّفة ستتقاسم الأصوات مع اليميني المُعتدِل فرانسوا فيون في الجولة الأولى مع أرجحية للأخير، لكن فكر لوبان باقٍ في الشارع الفرنسي بكل تداعياته، نتيجة علمانيتها المُناهضة للمسيحيين الفرنسيين قبل المُسلمين منذ أزمة منع الشارات الدينية على الفريقين، ووصولاً الى جعل مسألة لباس البحر المعروف بـ “البوركيني” قضية مُناهضة للقِيَم الفرنسية، وانتهاء بمطالبتها بالتخلِّي عن اليورو والإنسحاب من الإتحاد الأوروبي خوفاً على بلادها مِن كل مَن هو غريب وما هو غريب، والشارع الفرنسي بات مُنقسماً من قبل الإنتخابات وسيزداد انقسامه بعدها، نتيجة تطرُّف انتحاري أراده اليمين الأوروبي وسيلة لحماية أوروبا وستكون فرنسا أولى دافعي الأثمان فيه …
المصدر: موقع المنار