لماذا الجدار الحديدي؟.. المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية عقدة “إسرائيل” – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

لماذا الجدار الحديدي؟.. المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية عقدة “إسرائيل”

لماذا الجدار الحديدي؟ .. مخيمات الضفة الغربية.. عقدة "إسرائيل"
زينب حمود

بعد 48 ساعة من وقف إطلاق النار في غزة، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني، أعلن الجيش الإسرائيلي عن عملية عسكرية باسم “الجدار الحديدي” في مخيم جنين.

قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق مداخل المدينة باستخدام السواتر الترابية، ومنعت الدخول والخروج منها، بالتزامن مع عمليات هدم مستمرة للأبنية والمنازل المحيطة. كما قامت بقطع الكهرباء عن المدينة في ظل نقص مستمر في الوقود، وأصدرت أوامر بإخلاء مئات الفلسطينيين.

لماذا “الجدار الحديدي”؟

مع إعلان العملية، تحدثت التقارير العبرية عن أسباب تسمية العملية بـ”الجدار الحديدي” وأهدافها. تعود فكرة “الجدار الحديدي” إلى الفترة بين عامي 1918 و1920، حيث طرح القادة الصهاينة تفسيرات متطرفة لإعلان “وعد بلفور” بهدف تحقيق الاعتراف الدولي بحق اليهود في إقامة “دولة قومية” في فلسطين. كما كانوا يسعون لجعل فلسطين يهودية تمامًا كما كانت إنجلترا.

يُعتبر زئيف جابوتنسكي مؤسس فكرة “الجدار الحديدي” والمدافع الأول عن استخدام القوة العسكرية لفرض السيطرة على فلسطين. كان يعتقد أن إنشاء دولة يهودية يتطلب قوة عسكرية قادرة على سحق المقاومة الفلسطينية، مما يضطر السكان العرب لقبول الحكم الإسرائيلي.

أما عن أهداف العملية، فقد أشارت تقارير إسرائيلية، ومن خلال تصريحات المسؤولين، إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يحاول من خلال العملية استرضاء اليمين المتطرف بقيادة بتسلئيل سموتريتش. وهذا ما أكده وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، حيث أوضح أن الهجوم يعكس تحولًا في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، ويأتي في إطار تجارب سابقة مثل غارات غزة، وهو ذو دوافع سياسية. وكان قد اعتبر نتنياهو الهجوم خطوة نحو تعزيز الأمن في الضفة الغربية.

في المقابل، قال المتحدث العسكري نداف شوشاني إن الغارات في جنين تهدف إلى التصدي لمئات الهجمات التي شنتها المقاومة، سواء في الضفة الغربية المحتلة أو في باقي أنحاء الكيان. ومنذ بدء الحرب على قطاع غزة، تعرضت إسرائيل لأكثر من 2000 هجوم من الضفة الغربية. وفي هذا السياق، تتهم وزارة الخارجية الفلسطينية تل أبيب بمحاولة ضم الضفة الغربية المحتلة تدريجيًا.

الجدار الحديدي - جنين

أسباب عملية “الجدار الحديدي”

اعتبر الكاتب والخبير في الشؤون الإسرائيلية الفلسطيني فراس ياغي في مقابلة مع موقع المنار الاكتروني، إن العملية لم تأتِ بالصدفة، بل كانت نتيجة لعدة أسباب:

  • استرضاء الصهيونية الدينية: التي تروج لفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية بحلول عام 2025. ومن أجل تحقيق ذلك، يجب تعزيز الاستيطان، لا سيما في شمال الضفة الغربية، حيث تم فتح ملف فك الارتباط الذي تم عام 2005 في تلك المنطقة، بقرار من الكنيست لإلغائه، تمهيدًا لتمكين المستوطنين من السيطرة الكاملة على هذه المناطق. تحقيق هذا الهدف يتطلب القضاء التام على المقاومة، وخاصة في المخيمات التي تمثل حاضنة للمقاومة الفلسطينية.
  • الصراع الداخلي بين الأجهزة الأمنية والسياسية: تحت ضغط الفشل في فرض الأمن، تسعى الأجهزة الأمنية لإثبات قدرتها على السيطرة من خلال عملياتها في جنين، رغم معارضة رئيس هيئة الأركان لإقامة مئات الحواجز في الضفة الغربية، لما قد يسببه ذلك من تحفيز أطراف غير متورطة على الانضمام إلى المقاومة.
  • القرارات الأميركية: التي رفعت القيود والعقوبات عن المستوطنين خلال إدارة ترامب، مما اعتُبر بمثابة ضوء أخضر لإسرائيل لتكثيف نشاطاتها في الضفة الغربية. هذه العمليات تجري ضمن سياق إرضاء المستوطنين وفرض سيطرة “إسرائيل” على كامل الضفة.

الجدار الحديدي - جنين

مخيم جنين.. عقدة معقدة

مخيم جنين، بالنسبة لإسرائيل، يمثل عقدة معقدة ومستعصية منذ الانتفاضات الفلسطينية، وكان له دور بارز في الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى الثانية. في عملية “السور الواقي” عام (2002)، دُمّر ثلث المخيم وشهدت معارك عنيفة أسقطت العديد من القتلى والإصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي.

اليوم، كما يقول ياغي، يعود مخيم جنين إلى الواجهة، قبل وبعد عملية “طوفان الأقصى”، باعتباره الحاضنة الأساسية للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية. يمثل هذا المخيم نموذجًا يُحتذى به بين الفلسطينيين، وهو ما تسعى إسرائيل للقضاء عليه من خلال ما تسميه بـ”نقل نوعي في مكانة المخيم”. هذا ما عبّر عنه رئيس هيئة الأركان ورئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي هرتسي هليفي ورونين بار، في إشارة إلى خططهم الرامية للقضاء على نموذج المقاومة في مخيم جنين وتحطيم رمزيته في نضال الشعب الفلسطيني.

الجدار الحديدي - جنين

“التهجير” من سياسات الاحتلال لأجل الاستيطان

يُعد تهجير الفلسطينيين من المخيمات جزءًا من سياسة الاحتلال الإسرائيلي، التي تهدف إلى إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين باعتبارها القضية الرئيسية التي تمثل هوية الفلسطيني، ومفهوم عودته، وجوهر قضيته. لا يمكن حل هذه القضية عبر التوطين أو اعتبارها مشكلة يمكن تجاوزها، بل يجب الاعتراف بأن ما تقوم به إسرائيل من تهجير للفلسطينيين من المخيمات يُعد إحدى السياسات القاسية التي ترمي إلى طمس حق العودة.

يقول ياغي إن الفلسطينيين تعرضوا للتهجير منذ نكبة عام 1948، ثم نكسة عام 1967، واستمر ذلك في الحروب المتعاقبة. واليوم، يعيش الفلسطيني عبر الأجيال مفهوم التهجير المستمر، حيث تعاني المجتمعات الفلسطينية المنتشرة سواء في الأراضي المحتلة، قطاع غزة، الضفة الغربية، أو الشتات من دورات متكررة من التهجير وإعادة البناء. المخيم، الذي يُعتبر رمزًا للنكبة واللجوء، يتعرض لمحاولات مستمرة لتفكيكه وإزالته.

“التسوية بالأرض” سياسة صهيونية ممنهجة

وفي هذا السياق، قال الباحث والمفكر الفلسطيني وليد محمد علي في مقابلة مع قناة المنار، إن الآباء المؤسسين للمشروع الصهيوني، كانوا يعتقدون أنهم يستطيعوا أن يتحكموا في الشعب الفلسطيني، باقتلاع جزء منه، وطرده إلى الصحراء، وابادة الجزء الثاني، واخضاع الجزء الثالث لهيمنتهم، ليصبح خادما عندهم.

وأوضح علي أن الصهاينة تفاجئوا على مرور الأزمان والأوقات والتجارب، أن هذا الشعب عصي على كل تلك المحاولات، وأن هذا العدو أدرك، بعد محاولات شتى أنه يحارب شعوبا صلبة. كما تفاجأ الصهاينة بحسب المفكر أن الفلسطيني المهجر من أرض في الشتات، لا يزال يتمسك بفلسطين.

المسجد الأقصى: المشهد الأكثر تعقيدًا

يقول الدكتور معمر عرابي، رئيس معهد وطن للدراسات وأبحاث المستقبل في مقابلة مع موقع المنار الالكتروني، إن ما يجري في الضفة الغربية والقدس المحتلة يمثل حربًا حقيقية، وأن هذا يعكس المشروع الأيديولوجي الإسرائيلي الهادف إلى ترحيل السكان الأصليين والسيطرة على الأرض. مؤكداً أن ما يحدث هو عملية ممنهجة لتهجير سكان الأرض، وخصوصًا سكان المخيمات التي تمثل رمز العودة والنضال الفلسطيني.

فالعدو الإسرائيلي يسعى إلى فرض السيادة على الضفة الغربية وتهويد القدس، مدركًا أن ذلك لن يتحقق دون توجيه ضربة قوية للمقاومة في قطاع غزة، لجعلها غير قادرة على تهديد الداخل الإسرائيلي. وإذا قررت إسرائيل مهاجمة لبنان، فمن المرجح أن تبدأ بضرب غزة أولًا، وهكذا بالنسبة لإيران.

يخطط رئيس الشاباك “ليفي رومبا”، بالتعاون مع رئيس الأركان، لإحداث تغيير جذري في وضع المخيمات الفلسطينية، حتى وإن استغرقت العملية وقتًا طويلًا. الهدف الأساسي هو القضاء التام على المقاومة وقياداتها، خاصة في مخيم جنين، لفرض واقع جديد في الضفة الغربية وإعادة ترتيب الوضع الأمني.

 

الاشتباك مع الواقع الإسرائيلي

تحولت استراتيجية الكيان من التحذير إلى المنع والإحباط، حيث تسعى إلى إحباط العمليات قبل وقوعها، استنادًا إلى تقديرات استخباراتية تفترض وجود نوايا لتنفيذ هجمات ضدها. وحتى في غياب التخطيط الكامل لهذه العمليات، تستبق إسرائيل الأحداث عبر الاستهداف المباشر واستخدام مفهوم المنطقة العازلة.

وفي الحديث مع الكاتب والخبير في الشؤون الإسرائيلية، الفلسطيني فراس ياغي، أشار إلى توقعاته بأن “إسرائيل” قد تهدم المخيمات في الضفة الغربية بشكل كامل، كما بدأ ذلك بالفعل في مخيم جنين، وتهدف بالتالي إلى تحويل هذه المخيمات إلى مناطق غير قابلة للعيش، مما سيستلزم إعادة إعمارها من جديد.

وحول احتمالية اشتعال الأوضاع في الضفة الغربية، يقول ياغي إن ذلك يتطلب تحقيق عدة عوامل، أهمها الوحدة الوطنية الفلسطينية واتخاذ قرار مشترك بين حركتي “فتح” و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” والفصائل الأخرى. ولكن، منذ عام وحتى الآن، لم يتحقق شيء من هذا القبيل، رغم الدعوات المستمرة لانتفاضة شعبية سلمية.

بالنسبة لإسرائيل، تمثل الضفة الغربية أكثر من مجرد رئة؛ فهي جزء من قلبها من الناحيتين الدينية والأمنية. ولهذا السبب، فهي مستعدة لاحتلالها عسكريًا ودفع ثمن هذا الاحتلال دون الانسحاب، تمامًا كما هو الحال مع القدس التي تعتبرها عاصمتها الموحدة. لذلك، فإن أي خطة “سلام” مستقبلية ستبقي الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية، مع فرض سيادة على أجزاء كبيرة منها.

بالتالي، يبدو أن إحداث تغيير في موازين القوى الفلسطينية والإسرائيلية مستبعد في الوقت الراهن. والنتيجة هي استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، حتى في ظل أي صيغة “سلام” مستقبلية.

المصدر: موقع المنار