متى سيحرّر الطوفان الوعي العربي؟ – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

متى سيحرّر الطوفان الوعي العربي؟

lvl220231102025419592
د أحمد الشامي

يظن البعض بأنّ جبهة المقاومة تطلب الآن من الشعوب أن تتجنّد للقتال، فقد ثبت باليقين أن انهزام الإسرائيلي لا يحتاج إلى جبهات تعجّ بالمقاتلين، إذ تؤكد حقائق التاريخ عالمياً ومحلياً بأن الجيوش الاستعمارية والمحتلة إنّما كانت هزيمتها على يد قلّة من المقاومين الشجعان.

ومخطئ من يظن بأن جبهة المقاومة تطلب من الشعوب أن يملؤوا الساحات تظاهرات، واعتصامات، وصراخاً وتنديداً، فقد سبق أن ضجّت هذه الساحات بالهتافات، وبُحّت الأصوات، وطالما لم يجيّر هذا الانفعال إلى فعل، فلن يتجاوز ذلك حدود تنفيس الاحتقان.

كما هو مخطئ من يظن بأن شعوب المنطقة قد تخلّت عن هويتها، وقيمها، ففي ذلك ظلم كبير، لأنّه لم يأخذ بعين الاعتبار ما تعرّضت له هذه الشعوب خلال العقدين الماضيين، من حركات تكفيرية شوّهت الدين وباعدت بين المؤمنين، ومن أنظمة وأحزاب ونخب فاسدة أرهقت هذه الشعوب بلقمة عيشها واستقرارها وكرامتها.
إنّ جبهة المقاومة أمام فرصة ثمينة جداً لاستنهاض الشعوب، من خلال توجيه الحرب الدائرة الآن نحو ضرب المرتكزات التي أعاقت وعيهم، وأعطت للعدو الإسرائيلي أملاً كبيراً بالبقاء في المنطقة والسيادة عليها، وذلك عبر تحقيق الآتي:

أولاً: الإصرار الحاسم على إذلال العدو الإسرائيلي وإخراج جيشه مهزوماً، فاقد القدرة الردعية، بلا هيبة، فهذه هي المدخلية الأساس لاستعادة شعوب المنطقة وعيها، وكرامتها، ولفلسطين والأقصى. وقد أكّد آخر ملوك اليهود الصهاينة (نتنياهو) على هذه الحقيقة في قوله: إن الهدف الاستراتيجي والأهم لإسرائيل هو أن تستعيد هيبتها الردعية.

ثانياً: الحيلولة دون وقوع الحرب الواسعة أو الكبرى، والسعي لإبقاء كيان العدو في حال من الاستنزاف الحاد والمؤلم وفي كل المجالات، فهذا أفعل للانتقام وفرض الهزيمة على العدو، وللناس قدرة على تحمل تبعاته، فجبهة المقاومة عليها الانتقام لآلاف الأطفال والنساء والشيوخ كما الانتقام للقادة الشهداء، وعلى الكيان كل الكيان الإسرائيلي أن يدفع هذا الثمن الكبير وليس مجرّد أفراد فيه أو مراكز معينة.

ثالثاً: ابتداع أشكال أخرى من التظاهر والتعبئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام والمعارض والمنتديات لتظهير وإبقاء الصورة الحقيقية المتوحشة لليهود الصهاينة، وأنهم يستحيل أن يصيروا جزء من أهل هذه البلاد، فيجب أن يشعر اليهودي الصهيوني، سفيراً، تاجراً، سائحاً، علمانياً كان أو متديناً، بأنه مرفوض ولا إمكانية أن تعيش المجتمعات العربية والإسلامية معه بسلام.

رابعاً: فضح النموذج الغربي، وكشف حقيقته، التي ظهرت جليّة في ادعاءاته الكاذبة والمراوغة، حول حقوق الإنسان، الأطفال، النساء، والشيوخ، ليس فقط بعدم حمايتهم، بل في الشراكة العملية مع الإسرائيلي في قتلهم، وترويعهم، وإفقادهم أدنى فرص الحياة.

خامساً: تقع على الجبهة الفلسطينية تحديداً مسؤولية كبرى، بأن تؤسّس على ما تسطّره غزّة من ملحمة أسطوريّة في الإيمان، الصبر، الإرادة، والإصرار على الاستمرار في هذه المعركة الجديّة والواعدة في التحرير، فهذا من شأنه أن يحرّر الذاكرة والوعي عند الشعوب ممّا علق بها من قناعات ومواقف سلبيّة، فالاتحاد ما بين الفلسطينيين الآن، ومع المجتمعات المحيطة، عامل أساس في نتائج الحرب.

ويبقى الخير فيما حصل.

المصدر: موقع المنار