لطالما تباهى العدو الإسرائيلي بفِرق النُخبة في جيشه التي لا تُقهر، وآلياته العسكرية الخارقة والعصية على التدمير والانهزام، حيث شكّل هذا الثنائي العامل الحاسم في كل الحروب التي خاضها في مواجهة الجيوش العربية على امتداد العقود الماضية من الزمن.
لقد حدث التحول الكبير في حرب العام 2006، لمّا فوجئ العدو بأن بالمقاومة قد امتلكت السلاح الذي أبطل سحر دبابته المعجزة كما كان يحلو له أن يسميها، وكيف تحوّلت إلى محرقة وتوابيت لعناصر جيشه، وبذلك خسر جيش العدو أحد أركان ثنائيته التي اعتاد أن تحقق له الغلبة في الميدان، حين كان يدخل النخبة من جيشه خلف دباباتهم الساحرة ليكملوا ما بدأته الطائرة من تمهيد عبر أرض محروقة.
وبذلك، ما عاد أمام كيان العدو من وسيلة للمحافظة على البقاء وقدرة التأثير إلّا من خلال تلك الطائرة الحربية، التي بفضل تكنولوجيتها المتطورة وقدرتها على رمي حمم قذائفها القاتلة والمدمرة من علو شاهق ما يمكن قادة العدو القابعين في غرفهم المحصنة من المناورة لكسب الوقت، علّ تلك الحمم أن تحقق لهم رغباتهم بأن يخرج المقاومين- شعباً ومقاتلين- من بين الركام وهم يرفعون الراية البيضاء استسلاماً، وخضوعاً.
لقد بلغت الحرب المشتعلة الآن على أكثر من جبهة، مرحلة شديدة التعقيد، ما ضيّق هامش المناورة فيها، بحيث أن أي تنازل من أحد أطرافها يعد انهزاماً يتجاوز في تداعياته حدود قطاع غزّة وفلسطين، ليمتد نحو قضايا كبرى عالقة بين الجبهتين، بدءً من الإقليم بكل تناقضاته، مروراً بالحرب الدائرة في أوروبا، ووصولاً إلى الصين حيث المركز الأساس لانهزام الأحادية القطبية في العالم.
يعد من التبسيط القول بأنّ ما يقوم به الأمريكي هو مجرد إسناد للعدو، بل في الحقيقة هو الإدارة الكاملة لجبهته، وما تظهير التناقضات بين الإدارة الأمريكية والعدو إلّا مجرّد تكتيكات علّها تفيد الأمريكي فيما لو أكره على تقديم التنازلات بأن يصير (نتنياهو) وفريقه كبش المحرقة كما حصل مع رئيس وزراء العدو الأسبق (اولمرت) في حرب 2006.
ولكن السؤال ماذا يفعل الروسي والصيني؟
لا ينكر الروسي بأن صواريخ الكورنيت التي عبثت (بدبابة الميركافا) الحصن الحصين لجنود العدو إنّما قد أسهمت هي وما تبعها من حضور له مباشر في مواجهة الحرب الكونية على سوريا، من أن تحقق حلمه التاريخي بتواجد فاعل ومؤثر في المياه الدافئة، وعلى هذه الجبهة بالتحديد، لما تملكه من تأثيرات كبرى على خريطة التوازنات الإقليمية والدولية. فأين أخبار حرب أوكرانيا بعدما اندلعت معركة طوفان الأقصى؟
وفيما يعلم الأمريكي والعدو بأن الروسي يملك تلك الأسلحة التي تستطيع أن تضع حداً لغطرسة هذه الطائرة الحربية، يجدر التوقف أمام ما يجري الآن من مناورة بحرية مشتركة بين إيران وروسيا والصين، وأي رسائل تبعثها في هذا التوقيت الحساس بالتحديد، فهل آن الأوان لإحداث الصدمة المطلوبة لكسر حال الاستعصاء الأمريكي لوضعه حداً لعبثه السائد بأرواح الناس وممتلكاتهم.
ما إن يفقد الإسرائيلي قدرته على المناورة، حتى يشهد العالم كيف ستتحوّل هذه المراوغة الأمريكية إلى جدية واهتمام بالغ بوقف الحرب وتقديم العروض والتنازلات على اختلافها، إلّا إذا كان للدولة العميقة في أمريكا رأي مغاير، يستجيب لخطاب يمتد من الكيان الإسرائيلي ودول التطبيع العربي وبعض الرؤوس الحامية في الغرب بأن الحفاظ على الآحادية القطبية للحلف الأمريكي لا يبدأ من الصين بل من فلسطين.
ويبقى الخير فيما حصل.