على غرار سابقاتها، فشلت الدعاية الاسرائيلية المدعومة بوضوح من الغرب، وفي مقدمته أمريكا والمانيا وبريطانيا فرنسا، في اعادة هيبة الجيش المهزوم في السابع من تشرين الأوّل/اكتوبر الماضي، امام مقاومة الشعب الفلسطيني.
أربعون يوما من التحريض الممنهج على المستشفيات، التي اعدمها أبسط مقومات الحياة، ودفع بالكثير منها الى التوقف القسري عن العمل، لم تصمد لساعات أمام الغزو لمستشفى الشفاء، حيث كشفت زيف ادعاءات العدو، بوجود الأنفاق ومخابئ السلاح، ومقرات قيادة المقاومة، وحتى أسراه، التي سرعان ما تحوّلت مادة للسخرية من قبل جبهته الداخلية، فضلاً عن الرأي العام العالمي، الذي لم تعد تنطلي عليه محاولات العدو لنشر الأكاذيب، وتشويه الحقائق.
صور المستشفى الاندونيسي، ومشاهد تقديم المساعدات المزعومة لمشفى الشفاء، التي لم تجد من يستلمها، الحقها العدو مساء الأربعاء، بما وصفه، الدليل على انّ مستشفى الشفاء كان يستخدم لأغراض عسكرية وإرهابية بما يتنافى مع القوانين الدولية، التي يتناسى أنّه ينتهكها منذ اسابيع باستهدافه المباشر للمستشفيات، فضلاً عن منع ادخال الوقود والأدوات الطبية، ضمن سياسة الابادة الجماعية، التي يرتكبها بحق المدنيين، وليس آخرها اقتحام المستشفى نفسه، وقتل العديد من النازحين والمرضى، في خرق صريح للقانون الانساني الدولي.
مشاهد من داخل مجمع الشفاء عرضها الإحتلال
المشاهد التي عرضها المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هغاري، التي ادّعى أنه عثر عليها الجيش الاسرائيلي، في مستشفى الشفاء، لا تعدو سوى بعض الأسلحة الفردية، ومخازنها والذخائر المرتبطة بها، ما يسقط صحة كل الدعاية الاسرائيلية الممنهجة، لاستهداف المستشفيات، بذرائع فاشلة، لا تهدف بحسب ما بات واضحاً الا لاظهار “نصر عسكري مزعوم” يستعيد به صورة جيش مهزوم ميدانياً، أمام صلابة المقاومين الذين يلحقون به وبآلياته خسائر يومية فادحة.
على فرض صحة هذه الصور الهزيلة، يبدو أنّ الاحتلال يحاول ذرّ الرماد في العيون عبر تشويه الحقائق، فالمعلوم ان مستشفى الشفاء، هو مشفى جامعي كبير، ويعدّ الأكبر في غزّة، ويتضمّن مبانٍ عديدة، اضحت ملاذاً كان يفترض أن يكون آمناً لآلاف اللاجئين وفق القوانين الدولية، التي استحضرها المتحدث باسم الاحتلال.
وهذا المستشفى، الذي يعلم العدو أنه لا يخضع لسلطة حركة حماس، لكنه بحجمه الكبير يحتوي على مركز للشرطة لحمايته، وبالتالي من الممكن ان يكون في هذا المركز بعض الأسلحة الخفيفية، والتي تتواجد اصلاً في كل بيت فلسطيني، هذا فضلاً عن ان الاحتلال لا يتوانَ عن تسليح المستوطنين بأسلحة تفتك يومياً بالفلسطينيين.
أمّا عن ادعاء المتحدث باسم جيش الاحتلال، بأنّ القوات المقتحمة، واجهت عددا من الإرهابيين وقتلتهم، حين دخولها المجمع الاستشفائي، فالجيش الاسرائيلي، لم يقدّم أي دليل على ذلك أيضاً، بل كل ما يتبيّن هو الفتك بالمرضى والمدنيين العزّل، الذين حوّلهم العدو الى رهائن لاستكمال مسرحيته المزعومة في المستشفى.
وهنا يظهر بوضوخ انقلاب الدعاية على العدو نفسه، فالاحتلال الذي كان يحاول أن يشوّه صورة المقاومة الفلسطينية، باستخدامها المستشفيات منطلقاً لاعمالها المسلحة، بدا مهزوماً أمام تصرّف هذه المقاومة الانساني، وهذ التي أبعدت المستشفيات عن ساحة حربها المفتوحة مع العدو، حرصاً منها على أمن شعبها ومرضاها، وايماناً منها بعدالة قضيتها، واثباتاً لقدراتها على الواجهة الميدانية، في مقابل هروب العدو من المواجهة المباشرة، الى الاعتداء على المستشفيات والمدارس ودور العبادة، ما يظهر عجزه عن تحقيق أي هدف بوجه المقاومة.
فشل يظهر يومياً في الاعلام العبري قبل غيره، وبعض الاعلام العربي والغربي الذي تبنى الدعاية الصهيونية، رغم محاولات التعمية وتشويه الحقائق، التي سرعان ما انكشفت، ابتداءً من محاولة تشويه صورة المقاومة الفلسطينية بقطع رؤوس الأطفال، وليس انتهاءً بمزاعم الأنفاق تحت مستشفى الشفاء وما بينهما من ادعاءات تساقطت كأحجار الدومينو المتدحرجة، لتصبح مادة للسخرية اليومية في وسائل اعلام العدو، الذي يذخر بحلقات النقاش، حول الفشل في التعاطي مع الحرب على المستويات العسكرية والسياسية.
القناة 13 الصهيونية تحدثت عن “فشل استخباراتي قاتل خلاف ما كان متوقع، مستشفى الشفاء خالية من الأعمال العسكرية”، ليضيف الخبير بالشؤون الإسرائيلية، أمير اورن، في مقابلة على قناة i24 “هناك خيبة امل من موضوع اقتحام المستشفى، وعن الفشل الاستخباراتي، في الوقت الأخير يمكننا أن نعلم”.
اسئلة كثيرة تطرحها الجبهة الداخلية، التي فقدت تماسكها، بفعل التباينات الكثيرة منذ ما قبل معركة طوفان الأقصى، فضلاً عن فقدان الأمان ليس في المستوطنات الواقعة على الجبهتين الجنوبية والشمالية، والتي نزح مستوطنوها الى الداخل المحتل، وأصبحوا يشكلون وضعاً ضاغطاً على حكومة العدو، انما في كل الداخل الذي بات مهدداً يومياً بصواريخ المقاومة من فلسطين وصولاً الى اليمن.
أسئلة يضاف اليها الفشل الكبير في تحقيق أي انجاز، والذي كان آخر فصوله الدخول الى مستشفى الشفاء الطبي، فاذا بالجهمور الذي كان ينتظر الكشف عن انفاق حركة حماس المزعزمة واستعادة الأسرى، وفق التبريرات التي ساقها العدو لاستباحة المستشفى، ينخدع مرّة جديدة بمشاهد اقلّ ما توصف بـ”مسرحية هزلية” فاشلة باخراجها وتنفيذها، هذا فضلاً عن الأهداف الكبيرة التي وضعها كيان الاحتلال بالقضاء عل حركة حماس، والتي سرعان ما تنازل عنها لانهاء سيطرة حماس على قطاع غزّة..
أوساط العدو أقرت بأن عدم تمكن الاحتلال من تثبيت ادعاءاته حول مستشفى الشفاء بأنه يحوي مقرات للمقاومة، اضر بمصداقيةِ جيش الاحتلال، فيما يواجهُ رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو دعوات متصاعدة للتنحِّي عن السلطة.
أهداف يبدو أنّها تضيق مع كل يوم يضاف الى المعركة، من دون تحقيق انجازات ميدانية، فالعدو الذي لا يزال يصعّد في جرائمه بحق المدنيين، يدرك جيداً أنّ الوقت لا يمضي لصالحه امام المتغيرات المتسارعة، مع توسّع الجبهات المفتوحة من لبنان الى العراق واليمن، وتهديد المصالح الأميركية التي تدير الحرب فعلياً، فضلاً عن التبدّل في الرأي العام العالمي..
ادراك يبدو واضحاً، من خلال استعجاله لتمرير صفقة تبادل للأسرى، أمام الضغط الداخلي، وان كان يزامنها مع محاولة احراز تقدّم ميداني، والضغط على المقاومة، بجرائم يومية يرتكبها بحق المدنيين، لرفع سقف مطالبه في المفاوضات أمام المقاومة التي بدورها، لا تزال تملك الكثير من الأرواق الرابحة، التي لم تستخدمها بعد في المعركة..
معطيات تدل بوضوح، أنّ كل اهداف الاحتلال تتساقط امام صمود أهالي غزّة ومقاوتهم، رغم حجم الابادة التي يتعرضون لها.. فهل يتّعض من يدير هذه الحرب، وفي مقدمتهم الادارة الاميركية، بأن مسلسل المجازر والادعاءات الكاذبة المتواصلة منذ واحد وأربعين يوما لن تجدي نفعاً في كسر ارادة المقاومة، فيتمّ التعامل بعقلانية مع الواقع، فيٌردع الكيان عن مسلسل اجرامه، ويجنّبه مزيداً من الاستنزاف العسكري والاقتصادي، الذي بات يؤرق جبهته الداخلية، لاسيما أنّ قادته يصرّخون بأنّ تحقيق أهداف هذه الحرب المعلنة، يتطلب وقتاً طويلاً وأثماناً عالية جداً؟.
أم أنّه يُسمح للعدو باستكمال تلك الدعايات المزعومة، بهدف تحصيل مكاسب ترمم بعضاً من صورة الجيش التي سقطت في السابع من تشرين الأول 2023، التي ستبقى محفورة لأجيال في ذاكرة “الاسرائيليين” باعتراف قادتهم انفسهم؟.
المصدر: موقع المنار + يونيوز