يقول المثل الشعبي “أيلول طرفه بالشتا مبلول” باعتبار ان شهر أيلول/سبتمبر يتخلله بدء هطول الأمطار ما يشكل مقدمة للدخول الى مرحلة الشتاء، ولكن أيلول في لبنان هذا العام يشهد توقعات بحصول حوار ما أو تفاهم تعلق عليه الآمال للوصول الى حلول إيجابية في الملف الرئاسي.
وأولى طلائع وتباشير هذا الحوار هو الدعوة العلنية والأولية التي وجهها رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال كلمته بذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه في 31 آب/اغسطس للدخول بحوار مفتوح لسبعة أيام تليه جلسات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية، مع وجود بعض التوقعات والمعلومات عن قرب وصول الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الى لبنان لاستكمال البحث في الملف الرئاسي، مع انتظار ما يحمله الرجل من جديد على هذا الصعيد.
وشكلت دعوة الرئيس بري خطوة لاعادة تشغيل محركات الاهتمام الداخلي بالملف الرئاسي بعد فترة من الجمود، وبالتالي تم تحريك المياه الراكدة وعدم الوقوف لانتظار الخارج مع ما يحمله من طروحات، ولا شك ان الحركة الداخلية فيها فائدة وبركة اذا ما تناغمت مع طروحات خارجية صادقة للدفع قدما بإزالة العوائق امام التفاهم اللبناني اللبناني، ومنع المعرقلين الخارجيين من الضغط على بعض الداخل لمنع الوصول الى انتخاب رئيس جديد للبلاد بما يشكله ذلك من مفتاح للبدء بحلحلة عقد الملفات العالقة والخروج من الازمات المتراكمة.
ليبقى السؤال هل سنشهد في أيلول/سبتمبر جولة حوارية لبنانية لمدة سبعة أيام تليها الجلسات المتتالية لانتخاب الرئيس (بحسب ما تضمنته دعوة الرئيس بري)؟ هل سيقتنع الجميع بأهمية هذه الدعوة وبأن الجلوس للحديث والنقاش والتباحث خير من الجمود والقطيعة والتباعد؟
الأكيد ان الرئيس بري سيدعو للحوار طالما وجد الأرضية مهيأة له بدون وجود حالات معرقلة ومانعة للوصول الى نتائج، وبانتظار ما ستعلنه جميع الكتل النيابية والأطراف السياسية من مواقف حول هذا الحوار بشكل رسمي ونهائي، بعد ان أطلقت مواقف من قبل مختلف الأطراف في وسائل الاعلام بغالبيتها تؤيد هذا الحوار، باستثناء قلّة من النواب ترفض كل تقارب مع الشريك اللبناني وتذهب لطرح مسائل خلافية، بالأساس لا يمكن حلها إلا عبر الحوار لو وجدت فعلا النية بالحل وعدم السعي لتوتير الأجواء في البلاد وخلق الفتن المذهبية والطائفية.
فمن يسعى مثلا اليوم في ظل هذا الفراغ الذي يتمدد بمختلف إدارات الدولة ومؤسساتها الدستورية واستبدال الوضع الطبيعي العادي بحالات من تصريف الأعمال المستمرة، بدءا من رئاسة الجمهورية وصولا الى رئاسة الحكومة والحكومة مجتمعة ومن ثم حاكمية مصرف لبنان وصولا ربما الى غيرها من المراكز الأمنية والعسكرية والادارية.. من يسعى لوضع كل ذلك جانبا ويذهب للبحث بمسائل لا تحل “بلمح البصر او بسحر ساحر”، هل هذا يريد البحث فعلا بحلول أم أنه يريد تعقيد المسائل لعدم الوصول الى حل؟ لا شك ان الأساس البحث عن مفتاح لعودة عمل الدولة بشكل طبيعي واعتيادي ومن ثم الخوض بالقضايا الاخرى العالقة.
فالتعطيل لا ينتج سوى التعطيل، أما الحوار فقد يؤدي الى إيجاد الحلول المناسبة والمرضية لغالبية اللبنانيين بما يساهم بالتفرغ للعمل ومن ثم طرح اي ملف للنقاش وايجاد الحلول له وتبديد هواجس كل من لديه هاجس، وهنا من المفيد الاشارة لما قاله البطريرك الماروني بشارة الراعي عن دعوة الرئيس بري للحوار، حيث لفت الى ان “الحوار المدعون إليه نواب الامة اذا حصل على الرغم من التجاذبات انما يقتضي ايضا المجيء اليه دون احكام مسبقة ودون فرض الافكار والمشاريع، ويقتضي ايضا روح التجرد من المصالح الشخصية والمذهبية واعتماد الدستور واعتباره الطريق الوحيد الواجب سلوكه، كما يقتضي الصراحة والاقرار بالاخطاء الشخصية والبحث عن الحقيقة الموضوعية التي تحرر وتوحد”.
المصدر: موقع المنار