بعيد خروجه من منصبه بتقاعده، يبدو ان الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة سيكون له صولات وجولات بمواجهة القضاء محاولا التهرب من حضور الجلسات تمهيدا للتهرب من المسؤوليات التي ستلاحقه حتما -امام القضاء في لبنان او الخارج وامام التاريخ -، لذلك يعمد سلامة عبر مستشاريه القانونيين للاستفادة قدر الإمكان مما يتيح له القانون او ما فيه من ثغرات متاحة للمناورة والهروب الى الامام بعدم المثول لأطول فترة ممكنة امام القضاء.
فقد تغيب سلامة يوم الثلاثاء الماضي عن الجلسة التي كانت محددة له امام الهيئة الإتهامية في بيروت برئاسة القاضي ماهر شعيتو، التي عقدت لاتخاذ القرار بإمكانية إصدار مذكرة توقيف وجاهية أو غيابية بحقه، ولكن اللافت ان وكيله القانوني المحامي حافظ زخور قد تقدم بدعوى “مخاصمة عن أعمال القضاة” بحق كل الهيئات الاتهامية التي تناوبت على النظر في هذا الملف، ما يؤدي حتما الى رفع يد هذه الهيئات عن الملف المعروض امامها، بانتظار البت بالطلب المقدم من قبل وكيل سلامة، والبت بهذا الطلب، بموجب قانون أصول المحاكمات المدنية هو من اختصاص الهيئة العامة لمحكمة لتمييز (بحسب المادتين 743 و750 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني)، إلا ان هذه المحكمة اليوم غير مكتملة الأعضاء جراء الشغور الحاصل بسبب عدم إتمام التشكيلات القضائية، ما يعني ان البت بطلب المخاصمة المقدم من سلامة سينتظر إقرار التشكيلات القضائية أي اكتمال نصاب الهيئة العامة في محكمة التمييز.
علما ان الهيئات الاتهامية التي نظرت بملف سلامة هي: هيئة القاضية ميراي ملاك التي قبلت الاستئناف المقدم من قبل هيئة القضايا في وزارة العدل، هيئة القاضي سامي صدقي الذي تعذر في جلسته إبلاغ الحاكم السابق بموعد الجلسة، والهيئة الحالية برئاسة القاضي الأصيل ماهر شعيتو.
ما جرى دفع بالقاضي شعيتو (باعتباره رئيس الهيئة الاتهامية الحالية في بيروت التي تنظر بالملف) وبعد التشاور مع أعضاء الهيئة الى رفع اليد عن الملف، بحجة أنه لا يمكن البت فيه بسبب عدم وجود تشكيلات قضائية خاصة بالمحكمة العامة للهيئة التمييزية غير مكتملة الأعضاء.
في الخلاصة فإن محاكمة سلامة امام القضاء اللبناني ستتوقف حاليا الى حين إتمام التشكيلات وعودة الأمور الى نصابها في الجسم القضائي، الأمر الذي يحتاج أساسا الى عودة الامور الى نصابها في الشأن السياسي وكل الشأن العام في لبنان بدءا من انتهاء الشغور الرئاسي وصولا لانطلاق العمل الحكومي المفترض بعد انتخاب الرئيس لانجاز الكثير من الملفات العالقة ومن بينها الشغور في العديد من المناصب سواء في القضاء او مصرف لبنان او غيرهما، ما يعني ان الأمر مؤجل حتى إشعار آخر لحين اتمام ما سبق ذكره.
وهنا من المفيد الاشارة الى ان دعوى المخاصمة لا ترفع ضد القضاة وإنما ترفع ضد الدولة بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال القضاة، وفي هذا الاطار تنص المادة 741 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني على انه: “تجوز مداعاة الدولة بشأن المسؤولية الناجمة عن اعمال القاضي سواء كان ممن يتولون الحكم او التحقيق او النيابة العامة في جميع الحالات التي يجيز فيها هذه المداعاة نص خاص وفي الحالات التالية:
1- الاستنكاف عن احقاق الحق.
2- الخداع او الغش.
3- الرشوة.
4- الخطأ الجسيم الذي يفترض ان لا يقع فيه قاض يهتم بواجباته الاهتمام العادي”.
ولا شك ان سلامة يتذرع بأحد هذه الاسباب المذكورة بالمادة السابقة للامتناع عن المثول امام القضاء ولاطالة أمد المحاكمات وكسب المزيد من الوقت، وهذا الامر بالتأكيد سيعيق الوصول الى الحقيقة وإحقاق الحق وتكريس العدالة المنتظرة من قبل الشعب اللبناني عن كل التهم الموجهة لسلامة خلال السنوات الماضية وكل من يقف خلفه في الداخل والخارج، وبعيدا عن الإطار القانوني المحض من إمكانية كسب الوقت، يبقى السؤال المطروح بديهيا: لو ان رياض سلامة كان بريئا فعلا ولديه الثقة أنه سيخرج بدون مذكرات توقيف كان سيلجأ الى هذه المناورات للتهرب من الحضور الى الجلسات القضائية؟ وهل الرجل ينتظر شيئا ما يخرجه من كل هذه “المعمعة”؟
المصدر: موقع المنار