لا شك ان رياض سلامة كان من أبرز الادوات الامريكية في لبنان خلال 3 عقود مضت، وقد استخدمته الادارات الاميركية المتعاقبة كوسيلة لتنفيذ ما تريده من سياسات مالية وتطبيق آليات لتراقب من تريد وبسط سيطرتها على كل المعلومات التي تختص بمالية لبنان الدولة والشعب والمسؤولين والمؤسسات والمشاريع المختلفة التي تنفذ في الداخل وصولا الى ربط كل شيء بهذا الموظف، فأي شيء يجب ان يدخل الى البلد يحتاج الى توقيعه وبات موظفا معينا كحاكم للمصرف المركزي ولكن بصلاحيات استثنائية وفوق العادة.
كل هذه الصلاحيات “الخارقة” التي أعطيت له – سواء بعلم او عن غير قصد – من قبل غالبية الطبقة السياسية التي حكمت لبنان وأمسكت بزمام اقتصاده منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، لم تقدم له لنباهته الموصوفة او لقدراته الفائقة بالنسبة لأقرانه حتى بات ينال الألقاب والاوسمة في مختلف أصقاع الارض، كل ذلك لم يقدم له كرمى “عيونه” بل تطبيقا للمثل الشعبي المعروف “كرمال العين تكرم مرجعيون”، فهو باعتباره “رجل أميركا الاول” (وقتها) او من رجالها الاوائل أعطي كل ذلك، وفتحت له الابواب ولم يقف بوجهه أحد لا في قضاء او إدارات او مجالس وغيرها من مؤسسات وأحزاب وزعماء.. بل كان الحاضر الدائم في كل المراحل.
ورغم ان كل أصابع الاتهام وجهت لرياض سلامة منذ بدء الانهيار في لبنان وما شهدناه منذ خريف العام 2019 وحتى اليوم، إلا ان أحدا لم يستطيع توقيف او المس به او إقالته، لانه كان ما يزال يتمتع بالحماية الامريكية، التي وقفت حتى الأمس القريب بوجه أي قرار قضائي أوروبي ضد سلامة، حتى ان هناك من طرح التمديد والتجديد لسلامة في منصبه تحت ذرائع مختلفة واستخدمت وسائل الترهيب والترغيب لاقناع اللبنانيين بذلك، إلا ان هناك فئة سياسية رفضت ذلك وأصرت على تطبيق القوانين باستلام النائب الأول لحاكم مصرف لبنان سدة المسؤولية حتى تتغير الاوضاع ويتم تعيين حاكم جديد، ومن هنا بدأت تتغير طريقة التصرف مع رياض سلامة، فماذا حصل؟
اليوم الجميع بات ينفض يده من سلامة، والأخير بمجرد انتهاء مهمته في المصرف المركزي وعدم القدرة على التمديد او التجديد له، تحوّل من “الطفل المدلل” للادارة المالية والسياسية الامريكية إلى شخص غير مرغوب فيه وتلاحقه التدابير او “العقوبات” بدءا من الولايات المتحدة الى بريطانيا وغيرها من الدول الاوروبية وصولا الى لبنان “والحبل على الجرار”.
وما عاد رياض سلامة يحظى بحماية – أقلها بالعلن – من قبل المسؤولين والطبقة السياسية في لبنان، وسكتت وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة التي كات تصدح للدفاع عنه وعن هندساته المالية التي أودت باقتصاد لبنان ومصارفه وودائع الناس وجنى عمر آلاف اللبنانيين الذين تعرضوا لعملية نصب واحتيال “محمية” بدون ان نجد موقوفا واحدا خلف القضبان بتهمة سرقة هذه المبالغ الضخمة حسابيا، وغير المقدرة بثمن وطنيا وإنسانيا لما تمثله من غربة وتعب لكثير من العائلات التي باتت اليوم مكشوفة جراء ما تعرضت له من احتيال.
وبعد كل ذلك يبقى ان ننتظر لنرى ماذا سيحل برياض سلامة المتواري عن الانظار هربا من استدعاء القضاء اللبناني له، وهنا مما يحزن انه بدل ان يلاحق سلامة لإحقاق الحق منذ بدء توجيه الاتهام له، تُرك كل هذه الفترة لتبدأ ملاحقاته بعد رفع الغطاء الأمريكي عنه، وبالتالي تطرح الأسئلة هل فعلا سيتم إلقاء القبض على رياض سلامة؟ وهل الرجل سيفضح كل ما يعرفه من أسرار؟
يبقى ان نشير ان هذا الخوف الذي قد يكون يعتري رياض سلامة اليوم من المثول امام القضاء وما قد يلقاه من مصير امام المحاكم، هو بحد ذاته “مذلة” لمن خدم أمريكا ونفذ كل ما طُلب منه بل كان في كثير من الأحيان “ملكا اكثر من الملك” وربما أمريكيا اكثر من وزارة الخزانة الامريكية نفسها.
وانطلاقا من كل ذلك من المفيد الإشارة الى انه على أدوات وعملاء وأتباع أمريكا في لبنان والمنطقة والعالم، الاستفادة والتعلم من الدروس المتكررة في التخلي عنهم من قبل الإدارات والأجهزة الأمريكية التي تسارع إلى بيعهم وتركهم عندما تنتهي مهماتهم وصلاحياتهم وقدرتهم على خدمتها او عندما تتطلب المصلحة الأمريكية ذلك.. فهل من يفقه؟؟!!
المصدر: موقع المنار