تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم السبت 15-7-2023 سلسلة من الملفات المحلية والإقليمية والدولية.
البناء:
تصاعد الرفض لقرار البرلمان الأوروبي في ملف النزوح… فرنجية وباسيل وخليل
لودريان متأخر عن الاثنين رغم التأكيدات بسبب عدم وجود مبادرة واضحة للحوار
بحشد شعبي وعلمائي وإعلامي.. الجنوب وحزب الله يشيّعان الشيخ النابلسي… أحد مؤسسي المقاومة
كتب المحرر السياسي
تصاعدت التفاعلات الداخلية مع القرار العدواني الصادر بحق لبنان عن البرلمان الأوروبي، والذي يكشف خلفية استعمارية وعنصرية في آن واحد، حيث الخلفية الحاضرة في التعامل مع لبنان تعبّر عن تعالٍ استعماري وتمادٍ في الاعتداء على السيادة والتصرف بعقل دول الانتداب والوصاية بعكس إرادة الدول المعنية، خصوصاً أن الدول الأوروبية تذرعت بحقوق الإنسان التي يمثلها اللاجئون السوريون وأوضاعهم الإنسانية، وهي معايير ترفض الدول الأوروبية تطبيقها على بلادها بداعي عدم القدرة على الاستيعاب والقلق على التركيبة الديمغرافية للسكان، فتفرض على لبنان قبول الإذعان لشروطها، بينما الشرط الإنساني الحقيقي الذي يتحقق بالعودة الآمنة والطوعية التي يقوم عليها المسعى اللبناني السوري، لا يزال موضع رفض أوروبي، وهو لا يحتاج إلا إلى نقل تمويل الذي يتمّ تقديمه للنازحين السوريين في لبنان، لتقديمه لهم في سورية كعائدين ضمن شروط واضحة لعودة آمنة وطوعية. وهذا يعني أن الهدف ليس أمن النازحين وحالتهم الإنسانية، بل رفض عودتهم الى سورية لأن بقاءهم هو علامة بقاء حال الحرب وتبرير العقوبات على سورية لمعاقبة الشعب السوري على كسر مشروع الإرهاب. وبالمقابل فإن إبقاءهم في لبنان للعبث باستقرار لبنان واستعمالهم كورقة للضغط السياسي والسكاني والأمني والاجتماعي، لكن الخلفية عنصرية وهي القلق العنصري من توجههم الى أوروبا في ظل منعهم من العودة الى بلدهم. وهذه الخلفيات الأوروبية حضرت في تعليقات سياسية بارزة جمعت مواقف المرشح الرئاسي الوزير السابق سليمان فرنجية، والنائب جبران باسيل والنائب علي حسن خليل.
في الملف الرئاسي أكدت المعلومات المتواترة من أغلب الجهات المعنية بمتابعة الاستحقاق الرئاسي داخلياً وخارجياً، ما سبق وكتبت عنه «البناء» لجهة تأجيل وصول المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان لأسبوع على الأقل، في ظل عدم وضوح طبيعة المبادرة التي يحملها، وعنوانها الحوار الذي لم تتضح كيفية إجرائه في ظل مواقف رافضة للحوار أبرزها موقف القوات اللبنانية، وفي ظل عدم وضوح المضمون السياسي للمبادرة التي يمكن أن تجمع على تبنيها اللجنة الخماسية التي تستظل بها فرنسا وتضم أميركا والسعودية ومصر وقطر، في ظل تبني فرنسا لمعادلة تسوية رئاسية تقوم على ثنائية رئيسي الجمهورية والحكومة، وان لم يكن لسلة واحدة، بل أكثر من سلة على قاعدة تأمين النصاب والذهاب إلى التنافس في ظل توافق يضمن النصاب، بينما تتبنّى قطر الدعوة إلى البحث عن اسم ثالث غير المرشحين سليمان فرنجية وجهاد أزعور تمهيداً لجلسة انتخابية متعددة الدورات دون تعطيل النصاب، وتطرح ولو بصورة غير علنيّة اسم قائد الجيش العماد جوزف عون، وتواجه دعوتها إشكالية التعديل الدستوري وصعوبة الإجماع على اسم قائد الجيش لتلافي التعديل الدستوري، كما حدث في انتخاب العماد ميشال سليمان، بالتوازي مع استحالة ضمان تأمين النصاب بدون توافق على اسم المرشح أو المرشحين المقبولين ضمن مفهوم السلة الفرنسية التي تقوم على معادلة رابح رابح.
في صيدا وبحضور شعبي وعلمائي وإعلامي لافت، شيّع الجنوب وحزب الله أحد مؤسسي المقاومة ورموز الثقافة المقاومة آية الله الشيخ عفيف النابلسي والد المسؤول الإعلامي في حزب الله الحاج محمد عفيف، وكان في مقدّمة المشاركين سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية مجتبى أماني، وقادة حزب الله رئيس الهيئة الشرعية الشيخ محمد يزبك ورئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين ورئيس المجلس السياسي السيد ابراهيم أمين السيد، وإمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود، وعدد من النواب ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط الحاج وفيق صفا، وتلقى أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله برقية تعزية من مرشد الثورة الإسلامية في إيران الإمام علي الخامنئي برحيل الشيخ النابلسي. كما تلقى الحاج محمد عفيف اتصالات تعزية من رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وعدد من الوزراء والنواب والشخصيات.
فيما شهدت الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة هدوءاً حذراً بانتظار الوساطات الأميركية والأممية لجهة انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من قرية الغجر اللبنانية وموضوع الخيمتين في مزارع شبعا، تترقب الأوساط السياسية زيارة مبعوث الرئاسة الفرنسية جان إيف لودريان الى لبنان للكشف عما يحمله في جعبته من مبادرة أو اقتراحات جديدة، وبين هذا وذاك، بقي قرار البرلمان الأوروبي في ما يتعلق بالنازحين السوريين في لبنان في واجهة الاهتمام الرسمي، لما يشكله من اعتداء على السيادة اللبنانية وتدخّل في الشؤون الداخلية اللبنانية وعبث بتركيبته الداخلية وأمنه واستقراره، وفق ما تشير مصادر سياسية لـ»البناء» والتي استغربت صمت وتقاعس الحكومة اللبنانية التي لم تقم بأي إجراء أو خطوة ديبلوماسية باتجاه الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ولا حتى عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء لبحث الملف، كما صمت المجلس النيابي، واقتصار الأمر على إطلاق المواقف السياسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فيما المطلوب قرار من مجلس الوزراء برفض القرار الأوروبي وزيارة عاجلة الى سورية برئاسة رئيس الحكومة ووفد وزاري لإجراء محادثات لإعادة النازحين الى سورية تدريجياً. وحذرت المصادر من مشروع خطير يجري إعداده للبنان لمزيد من تدمير الاقتصاد عبر إغراق لبنان بتداعيات النزوح لفرض تنازلات سياسية على لبنان.
ويُحذّر خبراء في الشؤون الأمنية والعسكرية عبر «البناء» من دمج مليوني نازح سوري في المجتمع اللبناني ما يحمل مخاطر أمنية كبيرة لا سيما في حال أوقفت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي مساعداتهم للنازحين وعمدت بعض الأجهزة الاستخبارية الى تسليح بعض المجموعات أو الخلايا الإرهابية وتكليفهم بمهمات أمنية لخلق فتن في لبنان، وتوقع الخبراء إعادة نشاط الهجرة غير الشرعية للنازحين السوريين الى أوروبا عبر البحر المتوسط. وحذر الخبراء الدول الأوروبية من أن قرارهم سيرتدّ سلباً على المجتمعات الاوروبية.
وأجمعت المواقف السياسية على استنكار القرار الأوروبي والتحذير من مخاطره.
وأشار رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، الى أنّ القرار «مخالف لسيادة لبنان». ولفت في تصريح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى «أننا إذ نرفضه رفضًا قاطعًا، ندعو الدولة الى استكمال العمل الجدّي لتأمين عودة اللاجئين إلى بلادهم».
بدوره، أكّد المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، أنّ «القرار مجحف بشكلٍ متوازٍ بحق لبنان واللبنانيين وبحق سورية والسوريين، لكونه يضع عبئًا نأت على حمله قارة مثل أوروبا وتريد أن تلقي بثقله على لبنان».
ولفت إلى أنّ القرار «يحرّم السوريين من العودة إلى أرضهم وبلدهم ويريد أن يضعهم في ظروف هي أشبه بالإقامة الجبرية على الأراضي اللبنانية، لكي يضمن عدم تفكيرهم بالتوجه للبلدان الأوروبية عبر المتوسط»، مشددًا على أنّه «بئس القرار أن تضع مؤسسة التشريع الأوروبية اللبنانيين والسوريين، أمام خيارات كلها ساقطة بمفهوم السيادة الوطنية والقوانين الدولية».
كما اعتبر رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أن «قرار البرلمان الأوروبي فيه ايجابية لناحية المطالبة بفرض عقوبات على المتورطين بالفساد ومعرقلي التحقيقات بقضايا الفساد المالي وانفجار المرفأ، وقد ذكر بالاسم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي».
وفي تصريح له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اشار باسيل الى ان «في القرار أيضاً سلبية مرفوضة وهي متعلقة بموضوع إبقاء النازحين في لبنان، فبأي حق يطلب ذلك وهو قرار سيادي لبناني، وبأي سلطة يفرض على لبنان ما لا يقبله على دول الاتحاد الأوروبي، فسقف الهجرة لا يتخطى الـ30 الفاً لكل اوروبا بينما في لبنان 2 مليون نازح»، متسائلاً: «هل يتجرأ البرلمان الأوروبي على الحديث مع تركيا باللهجة نفسها؟».
ورأى باسيل أن «ابتزاز لبنان بوقف المساعدة والتمويل لأزمة النزوح فهو مرفوض و»ما يربّحونا جميلة» فمساهمة لبنان من خلال خسارته 50 مليار دولار هي أكثر بأربع مرات من كل مساهمات الدولة المانحة والتي بلغت 12 مليار دولار»، متمنياً أن تتخذ الدول الأوروبية مثل هذا القرار فهو سيساهم اما بعودة النازحين الى بلادهم او التوجه لأوروبا وعندها «ما يطلبوا منا نكون خفر سواحل» لمنع توجّه قوارب المهاجرين باتجاه أوروبا.
وفي سياق ذلك، أفادت قناة «أن بي أن» نقلًا عن مصادر مطلعة، بأنّ سفير الاتحاد الأوروبي لدى لبنان رالف طراف كشف أمام المجلس الأوروبي معطيات هامة في ملف النزوح، منها على سبيل المثال أنّ ليس كل النازحين السوريين في لبنان بحاجة إلى الحماية السياسية، التي تعتمدها مفوضية اللاجئين حيال إعطاء صفة «لاجئ»، ومن هؤلاء السوريين عمال موسميون أو مهاجرون اقتصاديون، وبالتالي لا يجب اعتبارهم لاجئين ولا حق لهم في المساعدات التي حصلوا عليها، لافتة إلى أنّ «الشروط الأممية لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، تكاد تكون غير قابلة للتحقيق».
وانتقد السفير طراف السياسة الفرنسية في لبنان، «والتفرد الفرنسي بالملف اللبناني، واصفًا الدور الفرنسي بأنّه يسير بمعزل عن موقف الاتحاد الأوروبي، وهو ما جعله يستبعد أن يصل الفرنسيون في لبنان الى النتائج المرجوة، رغم كل الجهود التي تبذل بغية إنجاح مسعى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون».
وشدّد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في خطبة الجمعة على أن «لبنان يعيش بالتلاقي والتضامن والحوار، والمطلوب أن نحدث خرقاً وطنياً لأن السكوت والحياد السياسي وترك لبنان بغيبوبة، والإصرار على القطيعة السياسية، لا يمكن أن نسمّيه إلا خيانة، لأن البلد ينزلق باتجاه الأسفل أكثر، ومع ذلك فإننا في وضعنا الحالي تجاوزنا مرحلة لبنان يكون أو لا يكون».
واعتبر أن «داتا النزوح ضرورة وطنية، والنزوح أزمة إنهاكية لبنية البلد وتركيبته وأسواقه ويده العاملة، واليد الأجنبية تجتاح كل شيء، وما يجري كارثة في حق اليد اللبنانية وأصحاب العمل، فيما اللعبة الدولية تعمل على تغيير وجه لبنان الديموغرافي والاجتماعي». ووجّه قبلان خطابه للقوى السياسية والحكومة اللبنانية معاً بالقول: «إن الاتحاد الأوروبي يتآمر على لبنان بخصوص النازحين، والبرلمان الأوروبي يتعامل مع لبنان كمنفى للاجئين، ويقود حملة دولية لوصم لبنان بالعدائية والكراهية والعنصرية، بخلفية إبقاء النازحين بعيداً عن حدائق أوروبا، وأثبتت أوروبا في هذا المجال أنها نازية وفاشية وطاغية، وذات استبداد لا نهاية له». وأكد قبلان أن «المطلوب حماية لبنان من لعبة الأمم، وطريق بيروت – دمشق وسيلة إنقاذية استراتيجية، وكذلك العلاقة فوق العادة مع دمشق ضرورة حيوية لسورية ولبنان».
لا جديد رئاسياً بانتظار عودة لودريان الى لبنان، لكن لم يحسم موعد العودة ولا طبيعة مبادرته، ولا مكان الحوار وجدول أعماله، ولفتت مصادر «البناء» الى أن «لا مبادرة فرنسية جديدة ولا تراجع فرنسياً عن المبادرة المعروفة مع عدم التمسك بها بحال تمّ الاتفاق على تسوية أخرى عبر الحوار المرتقب». ورجّحت أن يكون الحوار في قصر الصنوبر ويضم ممثلين عن الكتل النيابية فقط.
وأشارت السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو، خلال حفل في قصر الصنوبر بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، إلى أنّ «الوساطة الفرنسية ترمي إلى توفير الظروف الضرورية لإقامة حوار هادئ بين أفرقاء لا يتحدثون مع بعضهم»، وذكرت متوجهة إلى اللبنانيين أنّه «يمكنكم في لحظة يقظة جماعية أن تطلقوا العنان للتغيير».
وأوضحت أنّ «الخطوة التي قام بها رئيس الجمهورية عبر اقتراح وساطة جان-إيف لودريان، إنمّا تتوجّه إليكم، وإلى لبنان هذا بالذاّت. هي خطوة تهدف إلى جمع بلدان المنطقة والمجتمع الدولي التي ما زالت تهتمّ بمستقبل لبنان، وقد أصبح وجودها نادرًا. كما ترمي إلى توفير الظروف الضرورية لإقامة حوار هادئ بين فرقاء لا يتحدثّون مع بعضهم البعض، علماً أنه يقع على عاتقهم جميعاً انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة ليعملوا لمصلحة لبنان واللبنانيين. الهدف ليس الحلول مكانهم بل محاولة مواكبة إعادة إطلاق عجلة مؤسساتكم، فهذا شرط مسبق لا بدّ من توافره لكبح انهيار لبنان ودولته»
واعتبرت غريو أّنّ «لبنان يخسر، وكأنّه يتعرّض للبتر، قواه الحيّة وشبابه الذين يغادرونه بحثاً عن آفاق أكثر رأفة بهم لأنهم ضاقوا ذرعاً بأن تتمّ التضحية بهم على مذبح الإبقاء على نظام غير قادر على أن يتجددّ».
بدورها، دعت «لجنة المتابعة الوطنية اللبنانية» لمقرّرات وتوجُّهات الفاتيكان والأزهر الشريف، بشأن الأخوة الإنسانية والحوار الإسلامي – المسيحي، إلى «الحوار على أساس مرجعية وثيقة الوفاق الوطني والدستور، والتي لا يمكن أن تكون كذلك إلاّ في كنف المؤسسات الدستورية. وهذا المسار يبدأ حكماً بانتخاب رئيسٍ للجمهورية، غيرِ متحيّزٍ لفريقٍ أو محورٍ، ولكنه غيرُ محايدٍ بشأن مصلحة الدولة والتزام الدستور الذي سيُقسِم عليه».
اللواء:
مضبطة اتهام فرنسية تسبق لودريان: استقراركم خادع وسوريا «دولة مخدرات»!
الراعي يصعِّد.. ولقاء ثلاثي في الناقورة الإثنين وعون أمام التفتيش
على بُعد أيام من عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان- إيف لودريان الى بيروت، بعد حشد عربي ودولي لتأييد مهمته في لبنان، الرامية الى توفير الظروف الضرورية «لإقامة حوار هادئ بين فرقاء لا يتحدثون مع بعضهم البعض». بتكليف الرئيس ايمانويل ماكرون، استمع الحشد الرسمي بممثليه النيابي والسياسي والحكومي والدبلوماسي والروحي الى كلمة السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو، التي حملت رسائل للمسؤولين والكتل والنواب، وتضمنت هذه الرسائل ما يمكن وصفه «بالتوبيخ» والتأنيب، وهي تتحدث بالمناسبة، قبل ترك منصبها في بيروت، حيث اجرت كشف حساب لما عاشته في مدى 3 سنوات منذ وصولها الى لبنان عام 2020.
قالت غريو: اكتشفت عندما جئت دولة غائبة، كانت وما زالت، وصارحت اللبنانيين: لبنان ليس على ما يرام، معتبرة ان البلد لم يتجاوز الازمة.. «والاستقرار الحالي خادع». إذا ما وضعنا جانباً المساعدات الكبيرة التي تقدمها الجالية اللبنانية والمجتمع الدولي.
وتحدثت عن اقتصاد غير رسمي «يتمدّد ويتعمم» ويتغذى من الترسيخ المتزايد لعملية التبييض وللجريمة المنظمة التي تنتشر في كافة انحاء المشرق، بدفع من سوريا التي اصبحت «دولة مخدرات».
وأشارت الى ان «نموذجكم المالي والاقتصادي بات منهكاً».
وتساءلت الى أيّ حدّ يمكن الصمود، فلبنان يخسر وكأنه يتعرض للبتر، متهمة النظام بأنه «غير قادر على ان يتجدّد».
واشارت غريو الى ما وصفته «بالاستخفاف والزبائنية، والاتجار غير المشروع والفساد.. وما ينخر لبنان اليوم هو الخوف من عدم العثور على الدواء ودفع قسط ولد في المدرسة وتأمين القوت له..
واعتبرت ان المخاوف هذه تتغذى من الازمة الاقتصادية، وتوقف المؤسسات عن العمل، فلا رئيس يُسمع صوت لبنان على الساحة الدولية، والشرق الاوسط يشهد تطورات كبرى والحكومة لا تعنى الا بتصريف الاعمال والبرلمان لم يعد يشرع، انه شلل مميت للبنان.
وإذ اعادت غريو، بعد مضبطة الاتهام للطبقة السياسية التذكير بالدور الفرنسي، كشفت ان اقتراح وساطة لودريان هو خطوة تهدف إلى جمع بلدان المنطقة والمجتمع الدولي التي ما زالت تهتمّ بمستقبل لبنان، وقد أصبح وجودها نادراً. كما ترمي إلى توفير الظروف الضرورية لإقامة حوار هادئ بين فرقاء لا يتحدثّون مع بعضهم البعض علماً أنه يقع على عاتقهم جميعاً إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة ليعملا لمصلحة لبنان واللبنانيين. الهدف ليس الحلول مكانهم بل محاولة مواكبة إعادة إطلاق عجلة مؤسساتكم، فهذا شرط مسبق لا بدّ من توافره لكبح إنهيار لبنان ودولته.
وفي إشارة الى دور المساعدات الفرنسية للحؤول دون تفاقم الانهيار، تساءلت السفيرة الفرنسية: ما كان ليصُبح عليه وضع لبنان اليوم لو أنّ فرنسا إستسلمت، ولو أنّ إلتزامها إلى جانبكم، بمساعدة من دول صديقة، تلاشى وتوقفّ ؟
أين كنتم اليوم لو أنّ فرنسا لم تحتضن، مع شركائها، قواكم الأمنية؟ لو أنّ قوات اليونيفيل، التي تضمّ 700 عسكري فرنسي -وأنا أوجّه لهم تحيةّ تقدير وثناء- لم تكن تؤمّن الّاستقرار في جنوب لبنان ؟
أين كنتم اليوم لو أنّ فرنسا لم تحشد جهود المجتمع الدولي ثلاث مرّات متتالية لتجنّبكم إنهياراً عنيفاً تحت وطأة الإفلاس المالي وتدهور الليرة والإنفجار في مرفأ بيروت؟
أين كنتم اليوم لو أنّ فرنسا لمّ تهبّ على وجه السرعة لدعم مدارسكم كَيلا تغلق أبوابها، لا سيمّا المدارس الخاصّة، والمسيحيّة منها بشكل خاص، التي تستقبل حوالي ثلثي التلاميذ اللبنانيين ؟
أين كنتم اليوم لو لم تساهم فرنسا في تمويل عمل المستوصفات والمستشفيات وبرامج الأمن الغذائي كي يستمرّ اللبنانيّون الذين يعانون من الأزمة بالحصول على رعاية صحّيّة ذات جودة وتغذية صحيحة؟
أين كنتم اليوم لو لم تحافظ فرنسا على مساحات لحريّة التعبير والإبتكار والنقاش واللقاء عبر إعادة إطلاق مهرجانات الكتاب والسينما والموسيقى في جميع أنحاء لبنان؟
أين كنتم اليوم لو أنّ الشركات الفرنسية قلّصت أعمالها وتخلّت عن فرَِق العمل المحليّة فيها؟ لو أنّ بعض الشركات الفرنسية العالمية لم تراهن على لبنان لكي يكون لكم على الأقلّ مرفأ يستأنف نشاطه وإمكانيّة الحصول يوماً على موارد غازيةّ، في حين لم يعد أيّ مستثمر دولي يؤمن بلبنان «كعلَامة فارقة» بالمعنى الإقتصادي للكلمة؟
يشار الى أن غريو، كشفت عن إسم خلفها الجديد هارفي ماغرو، سفير فرنسا لدى تركيا حالياً، والذي سيتولّى مهامه بدءاً من اول شهر آب المقبل. وقد ودعت غريو ابناء الجالية الفرنسية في لبنان برسائل نصية واعلنت عن اسم السفير الجديد.
سياسياً، شددت مصادر سياسية على أن اي مبادرة فرنسية قد تطرح في خلاصة المشاورات والاتصالات التي يجريها الموفد الرئاسي الفرنسي ايف لودريان مع اللجنة الخماسية وعدد من المعنيين، لعقد طاولة حوار بين الاطراف السياسيين، لحل الازمة في لبنان، لا بد أن يسبقها اولا، الاعلان عن جدول اعمال الحوار وتمحوره حول انتخاب رئيس للجمهورية، وابداء كل طرف من الاطراف عدم تمسكه بتأييد اي مرشح رئاسي مسبقا، ما يسهل كثيرا تجاوز الصعوبات والرفض لانعقاد الحوار الموعود، وثانيا عدم شمول الحوار مناقشة المسائل والقضايا الخلافية، كاعادة النظر بالنظام السياسي، او تعديل الطائف.
ولاحظت المصادر في الدعوات التي تصدر عن الثنائي الشيعي للحوار مع المعارضة تحولا غير مكتمل للتنازل عن دعم ترشيح فرنجية للرئاسة، من خلال اعتبار الحوار للتوافق على موضوع الرئاسة، من دون الاعلان عن سحب دعم ترشيح فرنجية، في حين ان اكمال الدعوة للتوافق بالبحث عن مرشح رئاسي توافقي، يعني سحب تأييد ترشيح رئيس تيار المردة، ما يمهد الطريق ويسقط اعتراضات ورفض المعارضة على القبول والمشاركة بالحوار لحل مشكلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
واثارت المصادر الى ان تمسك الثنائي الشيعي بدعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان مقابل مطالبته المعارضة بالتخلي عن مرشحها للرئاسة الوزير السابق جهاد ازعور، في اطار الدعوة للحوار لانهاء مأزق الفراغ الرئاسي، ليس منطقيا، ولا يساعد على تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وإنما يقف عائقا كبيرا امام انعقاد اي شكل من أشكال الحوار ، وقالت ان المطلوب ان يتساوى الطرفان في سحب مرشحهما، او بالاستمرار بدعم ترشحهما من ضمن الاسماء المرشحة المطروحة على طاولة الحوار، واما ان يتم سحبهما مسبقا، لابداء حسن النية، والتأكيد بان الحوار، ليس لفرض مرشح الثنائي الشيعي، بل للبحث والنقاش عن مرشح توافقي مقبول من معظم الاطراف السياسيين.
وفي السياق، أوضحت مصادر سياسية لـ«اللواء» أن الأسبوع المقبل يرسم صورة عن المعطيات المتصلة بالاستحقاق الرئاسي في ضوء الاجتماع الخماسي ولفتت إلى أن هناك ارجحية في أن تصطدم المهمة الجديدة للموفد الرئاسي الفرنسي بشروط بعض الأفرقاء في الداخل لاسيما إذا كانت المبادرة تنطلق من اجراء الحوار، مشيرة إلى أن الملف الرئاسي يحتاج إلى تفعيل.
وأعربت هذه المصادر عن اعتقادها أنه ما بعد الاثنين المقبل يتضح مسار ملف حاكمية مصرف لبنان بعد جولة مباحثات النائب الأول للحاكم وسيم منصوري، في حين أن أي جلسة جديدة لمجلس الوزراء لا تزال مجهولة الموعد.
إلى ذلك رأت المصادر أن الحوار الجديد بين حزب الله والتيار الوطني الحر لن يذهب سريعا في اتجاه تبني شخصية للرئاسة والمفاوضات بينهما ستتركز على ملف الرئاسة ومشروع رئيس الجمهورية.
وفي المعلومات ان مسألة الخيارات المصرفية في ضوء وضعية صيرفة المقبلة، لجهة تعديلها أو إلغائها، هي النقطة المحورية في الاجراءات الجديدة المرتقبة.
وافادت مصادر متابعة للملف الرئاسي ان لو دريان أرجأ زيارته الى بيروت لمواكبة اجتماع الدوحة، لكن حسب الوقائع والمواقف اللبنانية تبدو اي اقتراحات او تسويات خارجية غير قابلة للصرف بسهولة نتيجة تمسك الاطراف بمواقفها وما لم تقتنع بالحلول المطروحة، حتى اللقاء الذي جمع رئيس التيار الحر جبران باسيل الاثنين الماضي برئيس لجنة الارتباط في حزب الله وفيق صفا لم يصل الى نتيجة حاسمة، بدليل ما اعلنه امين عام الحزب السيد حسن نصر الله يوم الاربعاء من تمسك بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. لذلك توقعت المصادران يطول امد الشغور الرئاسي.
وفي موقف جديد قال البطريرك الماروني الكاردينال بشاره بطرس الراعي خلال تدشين كنيسة مار شربل في اهدن، التي تبرع بتكاليف تشييدها طوني حميد فرنجيه وعائلته: الكنيسة بعنصرها البشريّ مجتمع منظّم فيه سلطة وقانون لا يعلو عليهما أحد من رأس الكنيسة الحبر الأعظم بابا روما إلى آخر مؤمن معمّد. وبذلك هي صورة للدولة ونموذج. لكنّنا في لبنان تُهدم السلطة بعدم انتخاب رئيس للجمهوريّة، على الرغم من وجود مرشّحين إثنين أساسيّين ظهرا في آخر جلسة انتخابيّة. ولسنا نفهم إلى الآن لماذا تمّ تعطيل الدورة التالية الدستوريّة، ولماذا لم يعد يدعى المجلس النيابيّ إلى إكمال دوراته، فيما المؤسّسات العامّة تتساقط الواحدة تلو الأخرى، والشعب يزداد فقرًا وقهرًا، وتدبّ الفوضى وتكثر الرؤوس، والأزمة الماليّة والإقتصاديّة والتجاريّة تتفاقم.
وتساءل: لمصلحة من تحتجز رئاسة الجمهوريّة عندنا رهينة؟ ومن يحرّرها؟ ومن له السلطان على بتر رأس الدولة؟ أين الدستور وأين القانون، وأين العدالة؟ بالنسبة إلينا، فإنّا ندين ونشجب كلّ هذا الإداء والتعطيل والتطاول على الدستور والقانون، والدولة واللعب بمصيرها ومصير شعبها.
لقاء الناقورة
ولإحتواء التطورات المقلقة في الجنوب، عقد اجتماع عمل مشترك في السرايا الكبير بين الفريق اللبناني ممثلا بممثلين عن رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية وقيادة الجيش والفريق الدولي ممثلاً بممثلين عن قيادة اليونيفيل.
ويأتي هذا الاجتماع عشية اللقاء الثلاثي في الناقورة الاثنين بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي بوساطة الامم المتحدة وتم خلال الاجتماع مناقشة الخروقات الاسرائيلية، في ضوء الشكوى اللبنانية سواء في قرية الغجر (الجزء الشمالي) او عند الحدود في المطلة والبياضة وصولاً الى مزارع شبعا المحررة.
بالمقابل، أكّد رئيس ما يسمى «منتدى بلدات خط المواجهة» في شمالي فلسطين المحتلة موشيه دافيدوفيش، لـلقناة الـ «13» العبرية، أنّ تقديراته تُفيد بأنّه «سيكون هناك مئات، وربما آلاف القتلى، من جرّاء صواريخ حزب الله».
وكشف دافيدوفيش للقناة أنّ سكان مناطق شمالي فلسطين المحتلة، يعيشون حالة من القلق الكبير، وقال: أنا لا أنام جيداً في الليل، كذلك كل سكان خط المواجهة، ما يحدث في الفترة الأخيرة هو ظاهرة لم نعهدها، بحيث تجري استفزازات متكررة من جانب عناصر حزب الله، والسكان هنا ليسوا فقط منزعجين، بل هم قلقون.
وتطرق إلى ضعف التحصينات، والتي تناولها مسؤولون في كيان الاحتلال الإسرائيلي في تصريحاتٍ سابقة، مضيفاً: أن الأخطر أنّ السكان غير محصنين، ومن لديه غرفة محصنة ومن ليس لديه، فعليه أن يصلي كي لا تحدث هنا حرب.
احال وزير العدل في حكومة تصريف الاعمال هنري خوري النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان غادة عون الى التفتيش القضائي، على خلفية مشاركتها في مؤتمر دعاها الى حضوره البرلمان الاوروبي، بحجة عدم الحصول على اذن بالسفر.
وقبل مثولها امام رئيسة التفتيش القضائي، تحدثت عون عن اضطهاد تتعرض له، وقالت على «التويتر»: «أسوأ عن هيك ما في!».
الاخبار:
القائد يتمدد: عقود التراضي بأسعار الألعاب!
قيادة الجيش تمعن في مخالفة القوانين: عقود بالتراضي بقيمة 20 مليون دولار
في السادس من آذار الماضي، أعلن قائد الجيش العماد جوزف عون، رداً على «بعض الموتورين الذين يختلقون الشائعات وفبركة الملفات»، أنه سيخرق القانون إذا كان ذلك يتيح له قبول مساعدات من لبنانيين ومن الخارج، من أجل «تأمين الدواء والتغذية والتنقّلات للعسكريين، والاستشفاء والمساعدات المدرسية لعائلاتهم، ويعينهم على الصمود ويخفّف عنهم الصعوبات المعيشية، ويسمح للجيش بتنفيذ مهماته».
والواقع أن خرق القانون هو ما يفعله «القائد»، بإمعان، عبر عشرات العقود بالتراضي التي تبرمها المؤسسة العسكرية، ضاربة بالقوانين عرضَ الحائط. بعيداً عن الشعبوية، لا يجادل اثنان في أن أفراد المؤسسة العسكرية، شأنهم شأن جميع موظفي القطاع العام، هم الأكثر تضرراً من الانهيار الاقتصادي، ولا يناقش أحد في أن قيادة الجيش، دون بقية الأسلاك العسكرية، تمكّنت من تأمين الطبابة لأفراد المؤسسة الموجودين في الخدمة ولمتقاعديها، وفي منح العسكريين مساعدات لمواجهة تآكل رواتبهم. لكن، من قال إن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بخرق القانون؟ هل كان مجلس الوزراء، مثلاً، سيرفض السماح للمؤسسة العسكرية بقبول هبة نقدية بقيمة 60 مليون دولار لو أن قائد الجيش سلك الطرق القانونية في عرض هذه الهبة (أو غيرها من الهبات النقدية والعينية) على الحكومة؟ ومن قال إن أياً من الأطراف السياسية سيعارض العقود التي تبرمها المؤسسة العسكرية لشراء مستلزمات وحاجات أو لصيانة معدّات، في ما لو سلكت هذه العقود المسار القانوني الصحيح؟
لا أحد يناقش في أن إطعام العسكر يسمو على القانون إذا كان هذا الأخير يمنعهم من ذلك.
لكن ماذا لو كان اتّباع الطرق القانونية يتيح للمؤسسة أن تحصل على مزيد من الأموال لمساعدتهم أكثر؟ بيع أسلحة، مثلاً، عبر استدراج عروض أو مناقصة كان سيدرّ على المؤسسة العسكرية عائدات كبرى تساعدها في توفير مزيد من الدعم لأفرادها، تماماً كما أن تركيب ألواح طاقة شمسية للنوادي العسكرية عبر استدراج عروض أو مناقصات، كان سيوفّر على المؤسسة مبالغ طائلة هي في أمسّ الحاجة إليها… والأمر نفسه ينسحب على عقود صيانة الآليات وأجهزة الاتصالات وشراء السيارات وغيرها من عشرات العقود بالتراضي التي تبرمها القيادة من دون سبب مفهوم. العقود بالتراضي، تماماً، كالأمن بالتراضي، قد يتحوّل عنواناً لفشل المؤسسة.
والإمعان في التفلّت من القوانين يثير ارتياباً مشروعاً، خصوصاً أنه يترافق مع تجاهل قيادة الجيش – وهو المؤسسة الأم لإنفاذ القوانين وحمايتها – للمؤسسات الرقابية كديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام، فضلاً عن مؤسسة مجلس الوزراء ووزارة الدفاع، إذ يصرّ قائد الجيش، منذ 25 آب 2022، على تجاهل مراسلات متكررة من وزير الدفاع موريس سليم لإيداعه معلومات حول قبول المؤسسة العسكرية هبات وتبرعات نقدية وعينية وكيفية التصرف بها.
والحديث هنا عن عشرات ملايين الدولارات التي قدّمتها الولايات المتحدة على دفعات، إضافة إلى عشرات الملايين من قطر ومن أطراف أخرى. وقد تولّى قائد الجيش أخذ الأمور على عاتقه، فلم يكلّف نفسه عناء التشاور مع وزير الدفاع، ولم يلتزم بالقانون الذي يحتّم الحصول على موافقة مجلس الوزراء لقبول هذه الهبات.
وتجاهل مراسلات متكررة للوزير حول عقود تُحيط بها علامات استفهام كثيرة، تجريها قيادة الجيش بالتراضي، كما في صفقة بيع كمية ضخمة من الأسلحة الفردية مقابل مبلغ زهيد، وفي صفقة شراء «رينجرات» عسكرية بأضعاف سعرها، وغيرهما من عقود بالتراضي لم تمرّ بمجلس الوزراء أو بالوزير المختص كما يقتضي قانون المحاسبة العمومية.
بين 13 شباط الماضي و20 منه، وقّعت قيادة الجيش، ممثلةً بنائب رئيس الأركان للتجهيز، سبعة اتفاقات بالتراضي تبلغ قيمتها نحو 19 مليون دولار (ستة عقود وُقّعت في يوم واحد)، لتركيب أجهزة توليد كهرباء باستخدام ألواح الطاقة الشّمسية، بقدرة إجمالية تساوي 6.3 ميغاواط، وبطاريات تزيد سعتها التخزينية الكليّة عن 17 ميغاواط ساعة، على أن يجري تركيبها خلال «مهلة لا تزيد على 7 أشهر»، في نوادي الرّتباء الستة في الفياضية، وطليا، ودير عمار، وفي الحمام العسكري والنادي الصحي في بيروت، ونادي الضباط في جونيه.
نماذج من العقود
من الناحية التقنية، يبدو أنّ قيادة الجيش تتوجه نحو الاعتماد بشكل كلّي على الطاقة الشمسية، أقله في هذه المنشآت، وهذا ما يشي به عدد الألواح وسعة البطاريات الضخمة المطلوب تأمينها في الاتفاقيات. في الحمام العسكري مثلاً، المطلوب تركيب ألواح بقدرة تزيد على 1.5 ميغاواط في ساعات الذروة، أي ما يقارب 2880 لوحاً شمسياً في حال كانت قدرة اللوح الواحد 545 واط. وهذه الألواح قادرة على تأمين الكهرباء لـ720 منزلاً، في حال استُخدم في كلّ بيت 4 منها.
كما أنّ البطاريات المطلوبة «ليثيوم»، وتساوي قدرتها على تخزين الطاقة 3.785 ميغاواط/ ساعة، أي ما يزيد على قدرة 435 بطارية «ليثيوم» كالتي تُستخدم في أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية، بكلفة تزيد على 5 ملايين دولار. مع العلم أنّ بطاريات بهذا الحجم تكفي لتزويد 574 منزلاً بالكهرباء لمدّة 12 ساعة بشكل متواصل، وبقدرة 2.5 أمبير للمنزل، أو ما يكفي لتشغيل 240 مكيّفاً بشكل متواصل، وللمدّة الزمنية نفسها.
اللافت في العقود هو التفاوت الكبير، وغير المفهوم، في كلفة الكيلوواط الواحد بين المشاريع. ففي نادي الرتباء في دير عمار، مثلاً، يكلّف الكيلوواط الواحد 2728 دولاراً، فيما تصل كلفة الكيلوواط في الفياضية إلى 3377 دولاراً.
ويشمل التفاوت المشاريع المتطابقة من حيث القدرة وسعة البطاريات، إذ تصل كلفة الكيلوواط في المركز الصحي إلى 3800 دولار، في حين لا تزيد على 3300 دولار في نادي الرّتباء في الفياضية، رغم أن المواصفات متطابقة بين النظامين المطلوب تركيبهما في المنشأتين.
تفاوت كبير في كلفة الكيلوواط الواحد من 380 دولار إلى 1085 دولاراً
إلى ذلك (الجدول المرفق)، تتفاوت كلفة الكيلوواط بشكل لافت أيضاً بين منشأة وأخرى رغم أن المتعهّد واحد. ففي نادي الرّتباء المركزي، مثلاً، تصل كلفة الكيلوواط إلى 3377 دولاراً، فيما تصل كلفته في النادي الصحي في بيروت إلى 3800 دولار، بفارق 433 دولاراً، علماً أن متعهّد الأشغال في المنشأتين واحد وهو شركة «لينا متى».
أمّا بين متعهد وآخر، فليس واضحاً المعيار الذي يبرر التفاوت الكبير في كلفة الكيلوواط (على سبيل المثال 3800 دولار للكيلوواط في النادي الصحي – بيروت و 1085 دولاراً في نادي الرتباء – طليا)، مع ملاحظة أساسية وهي أن كل الأسعار أعلى من سعر السّوق الذي يقارب 700 دولار للكيلوواط الواحد، بحسب ما أكّد خبراء يعملون في هذا المجال لـ«الأخبار».
20% معدّل الوفر الذي كان يمكن تحقيقه في حال إخضاع العقود لمناقصات
وقد حصلت «الأخبار» من شركات عاملة في مجال تركيب أنظمة الطاقة الشمسية على عروض أسعار للمشاريع الواردة في العقود، وبالمواصفات نفسها الواردة في العقود الموقّعة مع القيادة. وبيّنت هذه العروض أن هناك الوفر الذي كان يمكن تحقيقه يُراوِح بين 31% و7%، وبمعدل عام لا يقل عن 20% لمصلحة الجيش.
علماً أنّه «يمكن الوصول إلى أرقام أقل من ذلك بكثير لو استخدم الجيش القوى العاملة والماهرة فيه، من ضباط وعسكريين متخصّصين في مجال الكهرباء»، بحسب صاحب إحدى الشركات التي يعمل فيها عدد من العسكريين خارج دوام خدمتهم!
كلفة أعلى من دون بطاريات
وقّعت قيادة الجيش عقداً بالتراضي أيضاً، في 22 نيسان الماضي، مع شركة «غرين أسانس ليبانون» لتركيب نظام لتوليد الطاقة الكهربائية في ثكنة جوزف طرابلسي – بدارو.
العقد يختلف عن العقود السابقة في أمرين، الأول أنه مسعّر باليورو وليس بالدولار (450 ألف يورو)، والثاني أنه لا يشمل تركيب بطاريات. إلا أنه رغم ذلك، بلغت كلفة الكيلوواط 1095 دولاراً، بزيادة عشرة دولارات مقارنة بعقد نادي الرتباء – طليا، علماً أن الأخير يتضمن بطاريات، ما يفترض أن تكون كلفته أعلى.
الشركة المدلّلة
الشركات السبع التي وقّعت قيادة الجيش العقود بالتراضي معها هي: ZTC technology، RJR Trading، Climate tech، «لينا متى»، «عزت جلاد»، «الموارد والتعهدات»، «غرين أسانس ليبانون»، جميعها كما يرد على مواقعها الإلكترونية بمثابة ««متعهدة أعمال الجيش».
من بين هذه الشركات تبرز «لينا متى» التي يرد على موقعها الإلكتروني أنها نفّذت سابقاً 16مشروعاً، من بينها 14مشروعاً تخصّ الجيش أو وزارة الدفاع، ما يشير إلى أن هذه الشّركة تحديداً لا تكاد تعمل إلا في مشاريع الجيش.
وقد نالت هذه الشركة اثنين من المشاريع الثمانية، هما الأكبر في الحمام العسكري بقيمة 5.150 ملايين دولار، إضافة إلى مشروع النادي الصحي بقيمة 2.849 مليون دولار، أي نحو نصف قيمة المشاريع البالغة 20 مليون دولار. وبحسب عرض الأسعار الذي حصلت عليه «الأخبار» فإن هذه الشركة تتقاضى الكلفة الأعلى للكيلوواط.
خامس حاكم لمصرف لبنان كيف يخرج وأين يكون؟
كلٌّ ممن سبق رياض سلامة إلى حاكمية مصرف لبنان غادر منصبه كمثل يوم دخل إليه آمناً: فيليب تقلا ظل يُعيّن وزيراً للخارجية، الياس سركيس صار رئيساً للجمهورية، ميشال الخوري تقاعد وهو على مشارف مئويته اليوم، إدمون نعيم انتُخب نائباً. الموارنة الثلاثة الأخيرون راموا رئاسة البلاد، فلم يفز بها إلا ثانيهم. إلا أن أحداً لا يعرف كيف سيغادر سلامة خامسهم، الأطول عمراً من بينهم، وأين يكون؟
منتصف ليل 31 تموز هو آخر موعد للحاكم المنتهية ولايته رياض سلامة في مكتبه في مصرف لبنان مُذ اتّخذه مسكناً له بعد 17 تشرين الأول 2019. دخل إليه بقرار من الرئيس رفيق الحريري ويغادره وحيداً. آخر مَن تبقّى من رموز الحريرية السياسية في نظام ما بعد اتفاق الطائف. يوم تسلّمه منصبَه كان محاطاً بطبقة سياسية منبثقة من انتخابات 1992 أضحت تدريجاً، بعد اغتيال الحريري، ملاذه. احتمى أولاً بمَن عُدّ الوارث الموقّت للرئيس الراحل في الحكم الرئيس فؤاد السنيورة رئيس حكومة الغالبية عام 2005، ثم صار منذ عام 2009 في حمى الرئيس سعد الحريري الذي لم يتردد في أن يطلب عام 2015 ـ وهو يفاوض النائب السابق سليمان فرنجية على تأييد انتخابه رئيساً للجمهورية ـ إبقاء سلامة في منصبه. ما لم يحزه من فرنجية أعطاه إياه الرئيس ميشال عون في التسوية البديلة المبرمة السنة التالية، بإعادة تعيينه عام 2017 لولاية جديدة. باندلاع أحداث 17 تشرين الأول 2019 أضحى سلامة في حمى الطبقة السياسية برمّتها، بخليطها الطائفي ونفوذها لستر ارتكاباته على مرّ العقود المنصرمة في ما تواطأ والطبقة نفسها عليه معها. في آخر الشهر يخرج وحيداً وتبقى بعده. من غير المستبعد أن لا تتنصل منه بمرور الوقت. ليس وحده المسؤول إلا أنه واجهةُ ما حدث وقَبِلَ بأن يفعل.
يوم قيل قبل ثلاثة عقود إنه سيكون الحاكم المقبل لمصرف لبنان بعد ميشال الخوري، ظُن أنه اكتشاف استثنائي. في الواقع رُوَّج له دونما أن ينتفخ حجمه أكثر من أنه موظف يستمد دوره ـ لا موقعه ـ من كونه أحد مساعدي الحريري الأب الموثوق به الملمّ بمهنته والكفيّ. أعدّ الرئيس الراحل بعناية إيصاله إلى منصبه تدريجاً. طلب أولاً من سلفه ميشال الخوري التنحي الإرادي قبل انتهاء ولايته بأن شجّعه على الاستقالة قبل سنتين من موعد انتخابات رئاسة الجمهورية المقرّرة عام 1995، عملاً بالمادة 49 من الدستور، كي يتسنى له الترشح ويدعم بدوره إيصال المرشح المزمن منذ عام 1970 إلى المنصب خلفاً للرئيس الياس هراوي.
الخطوة التالية، طلب الحريري من النواب الأربعة للحاكم (محفوظ سكينة ومروان غندور وغسان عياش وكارابيت كالاجديان) الاستقالة الطوعية هم الآخرون قبل سنة ونصف سنة من نهاية ولايتهم تمهيداً لإرفاق تعيين سلامة على رأس مصرف لبنان عامذاك بفريق عمله. أعد لإقصائهم بالتحدث إلى مرجعياتهم وحصل على موافقتهم الفورية بالتخلي عنهم. أقرن هذا الإجراء بإيفاد وزير الدولة للشؤون المالية فؤاد السنيورة إلى الرئيس سليم الحص الذي كان على رأس حكومته عيّن النواب الأربعة أولئك في كانون الثاني 1990، كي يحوز تأييده إبعادهم عن مناصبهم لإحلال طاقم جديد. سأل الحص الوزير الزائر هل هم مرتكبون؟ فردّ بالنفي. أخطره بأن في وسع الحكومة أن تفعل ما تريد إن أرغموا على الاستقالة إلا أن في وسعهم أيضاً هم مقاضاتها لدى مجلس شورى الدولة والحصول على قرار بنيلهم تعويضات السنوات الخمس كاملة في ولايتهم وإن أبعدوا عنها قبل سنة ونصف سنة من موعدها. أطلع السنيورة الحريري على الجواب، فكان الجواب على الجواب، المألوف لدى رئيس الحكومة، تسديد تعويضات السنوات الخمس والتخلص منهم. ذلك ما حصل في 31 تموز 1993. راتب نائب الحاكم آنذاك 1800 دولار أميركي، فيما استهلّ خلفاؤهم النواب الأربعة الجدد ولايتهم مطلع الشهر التالي براتب 20 ألف دولار شهرياً. يوم طلب منهم الحريري الاستقالة الطوعية في حضور ميشال الخوري والسنيورة، تذرّع بإعادة تنظيم المؤسسات في مرحلة ما بعد وصوله إلى رئاسة الحكومة، واعداً بعضهم بإبقائهم في مناصب عالية في القطاع العام كانت في الواقع ثانوية قياساً بما كانوا عليه، بيد أن المطلوب التخلص منهم لإحاطة نفسه بسلامة وفريقه وإن بتسمية مرجعياتهم الطائفية الجديدة في مرحلة ما بعد انتخابات 1992.
ماذا لو خرجت من الجارور سابقة ميشال الخوري عام 1984؟
حدث ذلك في الماضي كي يدخل سلامة محاطاً براعٍ استثنائي هو الحريري. بانقضاء العقود الثلاثة يغادر منصبه متنكباً ـ إلى الجوائز التي نالها كأحسن حاكم مصرف مركزي شرق أوسطي ـ استنابتين من الإنتربول وملاحقة سبع دول أوروبية له وحجزاً على أملاكه وأرصدته وعشرات الدعاوى وادّعاء الدولة اللبنانية عليه. إلى كمّ من الفضائح مرتبطة باتهامات شتى من بينها اختلاس وتبييض أموال وإثراء غير مشروع وتزوير، قبل الوصول إلى يوم تغسل فيه الطبقة السياسية يدها منه كما فعل بعضها من قبل عندما غسلوا أيديهم من دمشق وارتكاباتهم في الحقبة السورية بكل ما انطوت عليه من إثراء وإهدار مال عام ومناصب.
يبدو ذلك كله أيضاً من الماضي.
إلى أن يرحل الرجل أخيراً لا تزال المرحلة التالية غامضة. نوابه الأربعة الحاليون هدّدوا بالاستقالة ما لم تُطلق أيديهم في إدارة السياسة النقدية في المرحلة المقبلة بما في ذلك وقف تدخّل السياسيين في شؤونهم وفي إجراءات قد يعتزمون اتخاذها، مع أنهم يعرفون سلفاً أنهم ودائع مرجعياتهم في مصرف لبنان. استقالتهم الجماعية المزمع الإعلان عنها لا تصبح نافذة ما لم يوافق مجلس الوزراء عليها. إذا وافق يطلب منهم تسيير أعمال مصرف لبنان ريثما يُعيّن حاكم جديد ونواب حاكم جدد. في الأثناء هذه يتحمّلون التبعات والمسؤوليات كاملة وإن حُسبوا مستقيلين. ليس في وسع حكومة تصريف الأعمال الالتئام لتعيين خلف لسلامة في ظل رفض حزب الله ـ وهو الأصل في القرار ـ المشاركة في الجلسة، ناهيك برفض القوى المسيحية هذا التعيين. بدوره الرئيس نجيب ميقاتي جزم بعدم تعيين خلف لسلامة. قال أيضاً بعدم تمديد ولاية الحاكم الراحل قريباً، مع أن الخيار لم يُطوَ تماماً في ظل استمرار عرقلة الوصول إلى المخارج المقبولة الانتقالية، من بينها تسلّم النائب الأول الشيعي وسيم منصوري صلاحيات الحاكم. على أن تأكيد الأفرقاء المعنيين أن سلامة لن يبقى في منصبه بانتهاء ولايته منتصف ليل 31 تموز لا يحول دون التفكير في سابقة موقّتة انتقالية كانت قد حدثت.
في 4 أيلول 1984 أصدرت حكومة الرئيس رشيد كرامي في عهد الرئيس أمين الجميّل القرار الرقم 3 بناءً على اقتراح وزير المال الرئيس كميل شمعون وموافقة كرامي، قضى بـ»الطلب إلى حاكم مصرف لبنان ميشال الخوري متابعة ممارسة مهماته إلى أن يتم تعيين حاكم ونواب حاكم للمصرف». كانت انقضت ولاية ميشال الخوري وتعذّر الاتفاق على خلفه فاستمر في منصبه طوال أربعة أشهر إضافية خلافاً لقانون النقد والتسليف المحدِّد ولاية الحاكم بست سنوات لا تزيد يوماً ولا تنقص آخر، إلى أن عيّن مجلس الوزراء في 15 كانون الثاني 1985 الدكتور إدمون نعيم خلفاً له بالمرسوم الرقم 2189. في الجلسة نفسها عُيّن أيضاً ثلاثة نواب جدد هم الأول الشيعي حسين كنعان والثاني الدرزي مجيد جنبلاط والثالث السنّي سمير عكاري. بعد خمسة أشهر في 6 أيار عُيّن رابعهم الأرمني مكرديش بولدغيان.
تفويض إسرائيلي لرام الله بـ«البطش» | السلطة تبدأ العمل: اعتقالاتٌ بالجملة
غزة | في الوقت الذي أقرّت فيه دولة الاحتلال بإعطاء السلطة الفلسطينية مساحة للعمل الأمني في الضفة الغربية المحتلّة، ضمن خطّة لتقوية الثانية وتأهيلها لمواجهة المجموعات المقاوِمة هناك، بدأت رام الله، بالفعل، تكثيف حملة الاعتقالات التي كانت قد شرعت فيها منذ بداية العام، والتي تصاعدت بسرعة بعد العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين. وبحسب ما علمته «الأخبار» من مصادر أمنية في السلطة، فإن الأخيرة ستطلق، خلال الأيام المقبلة، عمليات اعتقالات موسعة ضدّ كوادر من المقاومة في منطقة شمال الضفة وتحديداً منطقة جنين، توازياً مع فرض إجراءات لمنع عمليات إطلاق النار باتجاه قوات الاحتلال انطلاقاً من المدينة ومخيمها. ويأتي هذا في إطار مخطّط تمّ التوافق عليه بين السلطة ودولة الاحتلال وأطراف إقليمية أخيراً، بهدف منع تعاظم قوة المقاومة في الضفة أو سيطرة حركة «حماس» على الأخيرة، والحيلولة دون انهيار السلطة.
وتأكيداً للمعلومات التي أوردتها «الأخبار» عن مخطّط للسيطرة على جنين، شكّلت زيارة الرئيس محمود عباس للمدينة خطوته الأولى، على أن يشمل أيضاً تعزيز وجود الأجهزة الأمنية وسطوتها، وتنفيذ حملة اعتقالات بحق عناصر من حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» (الخطوة الأولى على طريق «استعادة السيطرة»: السلطة نحو حملة «تطهير» ضدّ المقاومة/ «الأخبار»/ الخميس 13 تموز 2023)، كشفت «القناة الـ 14» العبرية، مساء أول من أمس، أن المستوى السياسي في دولة الاحتلال أصدر أمراً إلى الجيش الإسرائيلي وجهاز «الشاباك» وحرس الحدود بتجميد النشاط الأمني الاستباقي في جنين من أجل إعطاء السلطة وأجهزتها فرصة للتعامل مع المنطقة المشبعة بالمسلحين، وإعادة فرض القبضة التي فقدتها في الميدان.
ومع بدء الموجة الجديدة من حملة الاعتقالات، كشفت «مؤسسة محامون من أجل العدالة» أنها وثّقت أكثر من 300 حالة اعتقال سياسي نفّذتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية منذ بداية عام 2023، فيما أشار المحامي مهند كراجة، مدير المؤسسة، إلى أن الاعتقالات السياسية ارتفعت وتيرتها بعد انتخابات الجامعات، وتركّزت على استهداف الطلبة بشكل عام، بالإضافة إلى استهداف نشطاء الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي والنشطاء السياسيين. ولفت كراجة إلى أن «محامون» تتابع حالياً 13 حالة اعتقال السياسي من أصل 40 اعتُقلوا حديثاً، مضيفاً إن مَن تَصدر بحقهم قرارات بالإفراج لا يتمّ إطلاق سراحهم، أو يَجري تلبيسهم قضايا أخرى لتمديد احتجازهم. وكان آخر المعتقلين السياسيين، الناشط الصحافي عقيل عواودة، الذي اعتقله جهاز المخابرات العامة من مكان عمله مساء الخميس الماضي، حيث اقتحمت قوة عسكرية معزّزة بالأسلحة والسيارات العسكرية مكان عمله، واعتدت عليه بالضرب المبرح والشتائم، قبل أن تختطفه وتنقله إلى مكان مجهول.
لا تزال الأجهزة الأمنية الفلسطينية تنفي وجود اعتقالات على خلفية سياسية في الضفة
وبرغم هذه المعطيات والأرقام، لا تزال الأجهزة الأمنية الفلسطينية تنفي وجود اعتقالات على خلفية سياسية في الضفة. وفي هذا الإطار، قال اللواء طلال دويكات، المتحدث باسم المؤسسة الأمنية، إنه «لا صحّة للإشاعات التي يتمّ تداولها حول قيام الأجهزة الأمنية باعتقال أشخاص على خلفية سياسية»، مدافعاً بأن «الاعتقال أو التوقيف الذي طال بعض الأشخاص جاء بناءً على مذكرات قانونية صادرة من جهات الاختصاص، بعدما قدّم بعض المواطنين شكاوى، وبناءً عليه، جاء توقيفهم لاستكمال الإجراءات القانونية». في المقابل، ردّ مدير مكتب «الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان» في جنوب الضفة، فريد الأطرش، على تصريحات دويكات، بأن «كلامه غير صحيح»، لافتاً إلى أن «الهيئة وثّقت منذ بداية العام حوالي 140 حالة اعتقال على خلفية الانتماء السياسي والعمل الطلابي في الضفة الغربية». وجاء ذلك في وقت اتّهمت فيه حركة «الجهاد الإسلامي» على لسان الناطق باسمها، داوود شهاب، الأجهزة الأمنية الفلسطينية باعتقال ثمانية من قيادات الحركة في الضفة خلال الأيام الماضية، معتبرةً أن هذه الاعتقالات «لا تخدم حالة التوافق الوطني ولا المناخات التي يجب أن تكون إيجابية قبيل انعقاد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في القاهرة، والمقرّر نهاية الشهر الجاري».
بدوره، كثّف الاحتلال، في أعقاب العدوان على جنين والذي اعتقل خلاله 150 مواطناً من المخيم، من عمليات الاعتقال في الضفة، والتي استهدفت قرابة 100 مواطن خلال الأسبوع المنصرم، وهو ما يشكل ارتفاعاً حادّاً في وتيرتها.
الجنوب في الكمّاشة السعودية – الإماراتية: صراع بلا قفّازات
وصلت الأوضاع الاقتصادية والخدمية في المحافظات الواقعة تحت سيطرة التحالف السعودي في جنوب اليمن وشرقه، إلى طريق مسدود، في ظلّ الانقسام الحادّ ما بين الفريق الموالي لأبو ظبي داخل «المجلس الرئاسي» والحكومة التابعة له والتي يقودها معين عبد الملك، من جهة، والفريق الموالي للرياض، من جهة أخرى. وممّا يزيد المشهد تعقيداً أن تفاعلات هذا الانقسام لم تَعُد مقتصرة على الحرب السياسية والإعلامية، بل تعدّتها إلى الحشود العسكرية المتضادّة بين الطرفَين، والتي يبدو أنها في انتظار ساعة الصفر. وبحسب المؤشّرات، فإن وادي حضرموت سيكون الميدان الجديد للجولة المنتظَرة، والتي قد تكون الأخيرة أو ما قبل الأخيرة، على افتراض أن المهرة هي أيضاً أحد المعاقل المتبقّية للسعودية، والتي تسعى الإمارات إلى انتزاعها بالكامل.
وبالنظر إلى أن الملفّ الاقتصادي ظلّ على طول الخطّ ملفّاً سياسياً بالنسبة إلى «التحالف»، ودائماً ما استُخدم كواحدة من أدوات الحرب في اليمن، لا بل قد يكون حالياً الجبهة الوحيدة المشتعلة، في ظلّ توقّف الجبهات العسكرية، بحسب وصف المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، فلا يُستغرب ما يجري الآن في المحافظات الجنوبية والشرقية، والذي يهدّد بخروج الوضع عن السيطرة المشتركة والمنظّمة من قِبل السعودية والإمارات. بالنسبة إلى أبو ظبي، فإن الهدف الراهن هو إسقاط حكومة عدن، وشلّ حركة «الرئاسي» وفعاليته، بالتزامن مع إطلاق معركة إسقاط وادي حضرموت، الهادفة إلى تدمير قدرات المنطقة العسكرية الأولى المحسوبة على حزب «الإصلاح». إلّا أن تنفيذ ذلك المخطّط بالأدوات الخشنة، لا يزال يصطدم بمقاومة سعودية شرسة، تجبر الإمارات على تفعيل خطط بديلة، وإن تطلّبت وقتاً أكبر للحسم، يبدو أن الرياض تستفيد منه في المقابل لتحصين حلفائها على الأرض. وتقوم الخطّة الإماراتية البديلة هذه، أولاً، على تحريك القوى والمكوّنات السياسية والقبلية والشعبية، تحت شعار تردّي الخدمات للمطالبة بإسقاط الحكومة، وهو ما تمّ فعلياً في وادي حضرموت، حيث نظّمت الجماعات الموالية لأبو ظبي عدداً من الوقفات الاحتجاجية بمحاذاة المنطقة العسكرية الأولى في سيئون وتريم والقطن.
تقوم الخطّة الإماراتية البديلة، أولاً، على تحريك القوى والمكوّنات السياسية والقبلية والشعبية
أمّا في عدن، فالأمر مختلف بالنسبة إلى الإمارات؛ إذ إن المدينة تُدار عملياً من قِبَل «المجلس الانتقالي» الموالي لها، وبالتالي فإن تحريك الشارع فيها يتطلّب ضغطاً أكبر في الملفَّين الخدمي والاقتصادي، ولذا كان اللجوء إلى تحريك لعبة المضاربة بالعملة، والتي أدّت إلى تهاوي سعر الريال، بالتزامن مع الدفع بقوات «الحزام الأمني» التابعة لها إلى قطع الطريق على قواطر الوقود المخصّصة لكهرباء عدن، في أبين، تحت ذريعة المطالبة بدفع الحكومة مرتّبات عناصر تلك القوات، وهو ما أدّى إلى انقطاع التيار الكهربائي في عدن بشكل كامل، في ظلّ ارتفاع الحرارة إلى ما يقارب الأربعين درجة مئوية. كما تسبّبت «معركة الخدمات» هذه بوصول سعر صرف الدولار، إلى 1500 ريال، علماً أنه قبل أربعة أسابيع فقط كان شبه مستقر عند حدود 1200 ريال، الأمر الذي أدّى بدوره إلى ارتفاع الأسعار.
دفع كلّ ذلك مجتمعاً المواطنين إلى الخروج إلى الشوارع، وقطع الطرقات احتجاجاً على ما آلت إليه الأوضاع. غير أنه خلافاً لمرّات سابقة، يبدو هذه المرّة واضحاً حرص الأطراف المتصارعة على عدم استثمار التظاهرات بشكل معلن، بعدما اعتاد «الانتقالي» سابقاً تسخير أيّ موجة غضب لصالح مخطّط إسقاط الحكومة، فيما دأبت الأخيرة على استغلالها لتحميل «الانتقالي» مسؤولية التردّي الحاصل، وتوجيه الغضب ضدّه، وخصوصاً أن الأخير يحكم المدينة منذ آب 2018، ويسيطر على جميع إيراداتها التي بلغت بحسب تقارير غير رسمية، 100 مليون دولار شهرياً. وبرأي بعض المحلّلين، فإن بقاء الوضع على ما هو عليه، من دون تدخّل من قِبل «التحالف» أو أحد طرفيه، قد يؤدي إلى خروجه عن السيطرة، حيث لن تكون بوصلة التظاهرات عندها موجّهةً ضدّ طرف محلّي بعينه، بل قد تتّجه نحو «التحالف» نفسه عبر المطالبة برحيله، وخصوصاً أن سيناريو تغيير الحكومات لا يفتأ يتكرّر، من دون أن يحدث أيّ تغيير جذري في السياسات.
وعلى رغم المخاطر الكامنة في المشهد الحالي، يبدو أن الإمارات لن ترتدع عن مسار الدفع بـ«الانتقالي» نحو إطاحة حكومة عبد الملك، ومن ثمّ تشكيل «حكومة إنقاذ» جنوبية يشرف على عملها المجلس الموالي لأبو ظبي، علماً أن «المجلس الرئاسي» تمّت هيكلته مسبقاً، بعدما انضمّ أعضاؤه الجنوبيون إلى «الانتقالي». غير أن هذا المسار سيكلّف الإمارات أثماناً باهضة، ليس فقط في ما يتعلّق بمواجهة القوى المحلّية المناوئة لها والتي سترفع عقيرتها أكثر في حال الاستحواذ الإماراتي الكامل على الجنوب، ولكن أيضاً على مستوى علاقتها مع السعودية، التي يبدو أنها لن ترضخ لسياسة الأمر الواقع، وستواجه الزحف الإماراتي نحو آخر معاقلها شرق البلاد، ولو باستخدام القوة هذه المرّة.
المصدر: صحف