إيهاب شوقي
التزمت المقاومة في لبنان سياسة الغموض تجاه موقفها من إطلاق الصواريخ من داخل لبنان تجاه فلسطين المحتلة، وهي سياسة فسرها مسبقا سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله، بأن المقاومة لا تتبرع بحل مشكلة العدو الاستخباراتية، وبأن العدو يقع في معضلة لا يستطيع معها تحديد المسؤوليةـ، وبالتالي فلا داعي لمساعدته وحل معضلته، وخاصة وأن المقاومة ثبتت معادلات الردع ولا تخشى من العدو وحماقاته.
وما لوحظ هو أن العدو مردوع في لبنان، وأن إطلاق الصواريخ سبب له معضلة كبرى، حيث لا يملك الصمت بسبب تآكل الردع وإراقة ماء وجهه، ولا يستطيع التصعيد، لأنه يعلم أن المقاومة في لبنان لن تصمت على عدوان يخرق المعادلات التي تم تثبيتها، وبالتالي جاء هذا الرد الخائب الهزيل بإطلاق صواريخ على منطقة زراعية فارغة وغارة تخلو من أي بنك للأهداف لمجرد حفظ ماء الوجه.
وهنا تظهر آثار معادلات الردع اللبنانية على باقي الجبهات، حيث تخطت معادلة الردع اللبنانية حدود لبنان ووصلت لعمق الأراضي الفلسطينية وجعلت العدو حائرا ومرتبكا في تعامله مع الفلسطينيين ولم تعد يده طليقة كما كانت قبل تثبيت معادلة الردع اللبنانية.
وهنا ومن مجمل ما تسرب من مداولات قيادات الكيان الصهيوني العسكرية والاستخباراتية يمكننا رصد عدة أمور لافتة تكشف الكثير عن تنامي قدرة المقاومة وتراجع العدو وتغير ميزان القوة بعكس ما يحاول العدو ترويجه من تفوق مزعوم يبني عليه تهديدات يعلم المقاومون أنها فارغة.
فقد كشفت وسائل الإعلام الصهيونية حجم الارتباك والخلافات بين الموساد والجيش حول طبيعة الرد على الصواريخ المنطلقة من لبنان، حيث تسرب أن الموساد يرجح رد حزب الله على أي استهداف، بينما أوصى جهاز الأمن أمام الكابينت بهجوم يركز على مواقع حماس في لبنان وعدم استهداف مواقع لحزب الله.
وحذر قادة الأجهزة الأمنية من أن هجوما أوسع يشمل مواقع حزب الله من شأنه أن يؤدي إلى إطلاق صواريخ دقيقة باتجاه المدن في “إسرائيل”، الأمر الذي سيؤدي إلى حرب شاملة.
وتسرب عن مصادر أمنية، كما نقل موقع “والا” الصهيوني، أن معظم الوزراء الأعضاء في الكابينت يفتقرون للمعلومات والخبرة بما يتعلق بجبهة لبنان التي تعتبر أكثر تعقيدا وخطورة من قطاع غزة، وكان لهذه الحقيقة تأثير على تراجع الوزراء وامتناعهم عن المطالبة بهجوم أشد.
ولعل تسريبات أخرى رشحت عبرت عن مخاوف العدو من أن يكون إطلاق الصواريخ من لبنان هو استدراج من جانب إيران وحزب الله للعدو للتصعيد ولحرب شاملة، وأن الكيان يجب أن يتمهل كي لا يقع في فخ حرب ليس جاهزا للدخول فيها، وفقا لوسائل إعلام العدو.
وهنا ينكشف حجم الارتباك الذي ولدّه صمت المقاومة، وهذا يكشف عدة أمور بجلاء ويقين وهي:
1ـــــ العدو غير جاهز لمواجهة شاملة مع محور المقاومة وخاصة مع حزب الله في لبنان، ويخشى من اختراق الخطوط الحمر في الجبهة اللبنانية، ويريد معارك محدودة مع الشعب الفلسطيني كي يبرز تفوقا زائفا يستطيع تصديره للداخل الممزق والمنقسم.
2ـــــ العدو يعيش فشلا استخباراتيا لا يستطيع معه تحديد المسؤوليات عن الاستهداف في الداخل مع تشكل فصائل جديدة للمقاومة، وفي الخارج مع المنظمات أو الجهات التي تستهدف عمقه.
3ـــــ لا توجد رؤية موحدة داخل الكيان للتعامل مع الملف الأمني، فبينما يذهب البعض إلى ضرورة التصعيد، يذهب البعض الآخر إلى ضرورة التهدئة وعدم الانزلاق لحرب لا طاقة للكيان بها.
4ـــــ خشية العدو من حرب شاملة تبطل مزاعم التفوق وتكشف زيف تهديداته لايران باستهداف مشروعها النووي وشن حرب عليها وزيف فائض القوة الذي يحاول تصديره من العدوان على سوريا والمقدسات والشعب الفلسطيني، وأنها مجرد ممارسات محدودة محسوبة الأسقف لا تتعدى سياسة “المعركة بين الحروب” التي يتبعها العدو، وهو لا يشكل دليلا على التفوق أو ضعفا لمحور المقاومة بقدر ما يشكل خوفا صهيونيا من إحكام المعادلات حوله وتضييق الخناق عليه.
5ــــ هناك معضلة مستجدة بعد سيطرة حكومة “المجانين”، وهي التصعيد مع الشعب الفلسطيني والتمادي في انتهاك المقدسات وصعوبة التراجع عن هذه السياسة، والتي تؤدي إلى تنامي المقاومة وتزايد الغضب وتزايد نذر التصعيد الإقليمي واتساع بؤرة التصعيد ونذر الحرب الشاملة، ويبدو أن العدو لا يجد حلا لهذه المعضلة التي تسبب ارتباكا وتضاربا في الممارسات والتصريحات تعصف بما تبقى من هيبة الكيان.
ان صمت المقاومة يحمل عدة ابعاد، منها الغموض البناء الواثق من ثبات معادلات الردع وعدم الخشية من حماقات العدو، ومنها أيضا، مراقبة الموقف بدقة متناهية باعتبار أن لكل حادث حديث، وأن للمقاومة توقيتها الخاص للتدخل بحسب سير الجبهات وسلوك العدو تحديدا مع لبنان.
المصدر: مواقع