رسالة من الإمام الخميني (قدس) الى السيّدة فاطمة الطباطبائي زوجة المرحوم السيّد أحمد الخميني بعد أن طلبت منه ان يكتب لها حول مقام مولاتنا السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فكتب عليه الرحمة والرضوان:
“إبنتي العزيزة فاطمة..تريدين من عجوز بائس، خالي الوفاض من المعارف والمعالم الإلهيّة، ما لا يستطيع العرفاء الكبار والفلاسفة العظام الاقتراب منه. وماذا يستطيع المرء أن يقول أو يدرك حول شخصيّة تتمتّع بآلاف الأبعاد الإلهيّة، يعجز عن تبيان كلٍّ منها القلم واللّسان؟!
إنّه ليس بوسع أحد أن يعرف شخصيّة الزهراء المرضيّة والصدّيقة الطاهرة (عليها السلام)، سوى الذين ارتقوا مدارج الأبعاد الإلهيّة حتّى ذروتها، وهو ما لم يبلغه سوى أُولي العزم من الأنبياء والخُلّص من الأولياء، كالمعصومين عليهم صلوات الله.
إنّها ظاهرة من مرتبة الغيب الأحديّة، … كحال الخُلَّص الأولياء عليهم سلام الله، ويُخطئ مَن يدَّعي معرفة مقامها المقدَّس من العرفاء أو الفلاسفة أو العلماء. وكيف يُمكن إماطة اللّثام عن منزلتها الرفيعة، وقد كان رسول الإسلام يتعامل معها في حال حياته معاملة الكامل المطلق!!.إنّك تطلبين منّي أن أتحدث وأكتب عن هذه السيّدة العظيمة، فكيف لي ولقلمي ولغةِ البشر، الحديث عن سيّدة كانت تستنزل جبرائيل، كمثل أبيها، بقدرة الملكوت، من غيب عالم الملكوت إلى عالم المُلك، وتجعل ما في الغيب ظاهراً في الشهادة! فدعيني أذاً أجتاز هذا الوادي المريع، وأقول بأنّ فاطمة (عليها السلام)، والتي هي هكذا في المراحل الإلهيّة الغيبيّة، قد ظهرت في عالم الشهادة وتجسَّدت كأبيها وبعلها في صورة بشر ظاهر، لتؤدّي دورها ورسالتها في شؤون عالم المُلك كافّة من تعليم وتعلُّم، ونشر للثقافة الإسلاميّة، ومعارضة للطواغيت، وجدٍّ من أجل قيام حكومة العدل، وإحقاق حقوق البشريّة، ودحض وتفنيد الدعاوى الشيطانيّة..”.
وفي مناسبة ولادة السّيدة الزهراء (عليها السّلام) قال (قده):
– إنّ جميع الأبعاد الكماليّة المتصوَّرة للمرأة، والمُتصوَّرة للإنسان قد تجلّت في فاطمة الزهراء سلام الله عليها. إنّها لم تكن امرأة عاديّة، بل كانت امرأة روحانيّة، امرأة ملكوتيّة، إنساناً بتمام معنى الإنسان، بكلّ الأبعاد الإنسانيّة، حقيقة المرأة الكاملة، حقيقة الإنسان الكامل، إنّها ليست امرأة عاديّة، بل موجود مَلَكُوتي قد ظهر في العالم في صورة إنسان، موجود إلهي جبروتي ظهر بصورة امرأة.
– كلّ الحقائق الكماليّة التي تتصوّر في الإنسان وفي المرأة تتجلّى في هذه المرأة.
– جميع خواصّ الأنبياء موجودة فيها.
– بتربية رسول الله (صلى الله عليه وآله) (…) وصلت إلى مرتبة تقصر عنها أيدي الجميع.
– “مسألة مجيء جبرئيل إلى شخص ليست مسألة عاديّة، لا تتصوّر أنّ جبرئيل يأتي إلى أيّ شخص، أو أنّ من الممكن أن يأتي، إنّ هذا بحاجة إلى تناسب بين روح ذلك الشخص الذي يأتي جبرئيل إليه وبين مقام جبرئيل الذي هو الرّوح الأعظم”.. “هذا التّناسب كان قائماً بين جبرئيل الرّوح الأعظم، والدرجة الأولى من الأنبياء، كرسول الله وموسى وعيسى وإبراهيم وأمثالهم”.
إنني أعتبر هذه الفضيلة للزّهراء (عليها السلام) على الرّغم من عَظَمة كلّ فضائلها الأخرى ـ أعتبرُها ـ أعلى فضائلها، حيث لم يتحقّق مثلُها لغير الأنبياء، بل لم يتحقّق مثلُها لجميع الأنبياء، وإنّما للطّبقة العليا منهم، ولِأعظمِ الأولياء الذين هم في رُتبتِهم، ولم تتحقّق لشخصٍ آخر. وهذه من الفضائل المختصّة بالصّدّيقة (عليها السلام)”.
المصدر: موقع المنار