على قاعدة “مجبر أخاك لا بطل”، خسر المودعون ما يقارب 43 بالمئة من حقوقهم وودائعهم. فالمودع مواطن تمر عليه الازمة المعيشية والاقتصادية الأقسى على لبنان منذ قيامه لذلك اضطر للتعامل مع تعاميم المصرف المركزي التي لعبت الدور الأساسي في تقليص حجم الودائع.
حتى هذه اللحظة تغيب الحلول التقنية والسياسية وآخر الحلول التي قررتها جمعية المودعين هي المواجهة في الشارع. فبعد 3 سنوات من تقديم حلول عدة من قبل الجمعية، ولكن لا آذان صاغية بل سياسة اللا حلول لتذويب اكبر قدر ممكن من الودائع، كما يشير رئيس الجمعية حسن مغنية لموقع المنار حيث يرى أن المشكلة في لبنان هي سياسية اكثر من ما هي تقنية ففي التقنيات لديهم حلول ولكن يلزمها توافق سياسي.
بالأرقام.. حجم الودائع؟
أولاً: يبلغ عدد المودعين 1.4 مليون وينقسم العدد إلى فئتين:
المقيمون وغير المقيمين الذين يشملون لبنانيين غير مقيميين اضافة الى عرب وأجانب ومؤسسات.
ثانياً: تبلغ اليوم مجمل الودائع 92 مليار دولار بعد ان كانت 164 مليار دولار ودائع بالدولار وبالليرة عشية 17 تشرين 2019. وتقلصت بفعل التحويلات الكبيرة التي قام بها نافذون الى الخارج وعمليات سحب من المصارف. والمفارقة أن 0.03 من مجمل الحسابات يمتلك اصحابها قرابة 27 مليار دولار اي اكثر من 25 % من مجمل الودائع، بينهم 20 حساباً بلغت ودائعهم 5.2 مليار دولار، بحسب مغنية.
التعاميم التي قلصت حجم الودائع !
في مراجعة لثلاث سنوات مرت على الأزمة، صدر تعاميم عدة من قبل المصرف المركزي والتي أُجبر أصحاب الودائع بالتعامل معها ليستطيعوا سحب ما أمكن من حقوقهم المالية، خصوصاً في ظل أزمة معيشية واقتصادية صعبة. والتعاميم هي:
1- في نيسان/أبريل 2020، صدر تعميم مصرف لبنان رقم 148، الذي سمح لصغار المودعين اللبنانيين، أي من كانت حساباتهم دون 5 ملايين ليرة لبنانية أو ثلاثة آلاف دولار أميركي، بإجراء السحوبات أو غيرها من المعاملات النقدية.
2- التعميم رقم 151 والذي صدر أواخر 2020، وبموجب التعميم، يستطيع كل صاحب وديعة بالعملة الأجنبية قيمتها أكثر من 3000 د.أ. إجراء سحب نقدي بالليرة اللبنانية على سعر 3900 ل.ل. للدولار، شرط ألا تتجاوز سقف 5 آلاف دولار شهريًا.
3- التعميم رقم 154 صدر في آب/أغسطس 2020, الذي بموجبه يتعيّن على المصارف إجراء تقييم عادل لموجوداتها ومطلوباتها.
4- التعميم رقم 158 صدر في حزيران/يونيو 2021، سعى المصرف عبر هذا التعميم إلى التعويض جزئيًا للمودعين عن ودائعهم بالدولار عبر السماح لهم بسحب 800 د.أ. شهريًا: مبلغ 400 د.أ. يدفع نقدًا و400 د.أ. يدفع بالعملة الوطنية على أساس سعر 12000 ل.ل.
كيف تعاملت المصارف مع التعاميم؟
كان التعميم 158 أبرز التعاميم التي استطاع المودع سحب حقوقه مجتزأة بشكل شهري، ولكن بحسب مغنية، لم تلتزم كل المصارف بهذا التعميم، على سبيل المثال بنك البركة، والتي تقول المعلومات انه أحيل الى التصفية لأنه لم يلتزم بهذا التعميم، وأحاله مصرف لبنان الى الهيئة العليا المصرفية، وهناك مصارف كثيرة تحتال على التعاميم بعدما احتالت وخالفت قانون النقد والتسليف ولم تلتزم بقانون الدولار الطلابي.
ويقول مغنية أن التعاميم قلصت من حجم الودائع على قاعدة “مجبر اخاك لا بطل”، فالمودع هو مواطن والازمة المعيشية اصابته فكان مجبرا على السحب وتقديم محامين عدة طعنا بالتعاميم ولم يحرك القضاء ساكنا. والحجة التي تتكرر دائماً ان هناك شحا في السيولة والخوف من زيادة الطبع لكي لا يصل البلد الى نموذج فنزويلا – علماً أن لبنان اليوم تخطى فنزويلا وزيمبابوي في تضخم أسعار الغذاء، وإحتل المرتبة الأولى عالمياً وفق مؤشر البنك الدولي لتضخم أسعار الغذاء الذي صدر في آب/أغسطس 2022 – لذا سلكت التعاميم مسلكها، وما زالت قائمة اما تعميم 151 هو الاكثر ضررا على المودعين، حيث بلغت نسبة الاقتطاع 75٪ من الوديعة فبعد هذه التعاميم والتحاويل تقلصت الودائع الى 92 مليارد.أ اي بنسبة 43٪ خلال 5 سنوات.
حجم ودائع غير المقيمين!
تقول المعطيات بأن ودائع غير المقيمين، التي كان هناك مطالبة من بعض أفرادها أو حتى من جهات خارجية كانت حتى حزيران/يونيو 2019، نحو 37 مليار دولار، وشكلت نحو 20% من إجمالي الودائع في المصارف اللبنانية، ذلك وفق كلام سابق للرئيس الأسبق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود (أيلول 2022 – لأحد المواقع العربية). أما حتى حزيران/يونيو 2022، فبلغت قيمة ودائع غير المقيمين 20 مليار دولار، مقابل 80 مليار الدولار ودائع المقيمين، بحسب حمود الذي يقول إن ودائع غير المقيمين انخفضت إلى هذا المستوى لأن نسبة من أصحابها أغلقوا حساباتهم أو سحبوا منها باقتطاع قيمتها وفقا لتعاميم المركزي.
تصفية على حساب المودع!
يقول الخبير المالي والاقتصادي جاسم عجاقة لموقع المنار إن ما ورد في خطة التعافي الحكومية بعنوان “ملفات الحكومة اللبنانية في سياسات الإصلاح المالي والإقتصاد”، فيها تجاهل للمودع ففي الفقرة 13 من هذه الخطّة، تُشدّد الحكومة على أهمية إستدامة الدين العام، واعادة هيكلته وخفضه إلى 100 % من الناتج المحلّي الإجمالي بحلول العام 2026 ، مُعلّلة ذلك بـ “انخفاض قيمة الدين المقوّم بالعملة المحلية نتيجة الانخفاض الحاد في سعر الصرف! الكلام هذا يعني بحسب عجاقة أن الحكومة إما أنها تريد شطب ديونها وهذا هو السيناريو الأكثر إحتمالًا، خصوصًا الدين الداخلي أي أموال المودعين، أو أنها تتوقّع أن يأتيها مدخول بالعملة الصعبة، وهذا المدخول قد يكون دفع مُسبقا من شركات الغاز المتواجد في البحر ، وهذا أمر شبه مُستحيل في ظل عدم القيام بإصلاحات.
حتى هذه اللحظة يخشى المودعون تحميلهم المسؤولية الكبرى بالاقتطاع من ودائعهم في ظل غياب توافق رسمي بشأن كيفية توزيع الخسائر بين الدولة والمركزي والمصارف التجارية، وحول اقرار قانون الكابيتال كونترول يقول حسن مغنية رئيس جمعية المودعين إنه عشية 17 تشرين كان البلد يملك احتياطا بلغ 35 مليار دولار، اليوم يريدون اقراره بعدما حول من حول وهرب من هرب علما ان المصارف تنفذ الكابيتال كونترول غير القانوني عليهم كموديعين منذ 2019، وحتى اليوم هم يرفضون هذا القانون الا اذا اعيدت الاموال المهربة والمحولة الى مكانها وقت كان معظم اللبنانيين لا يستطيعون الولوج الى اموالهم.
فهذا القانون يقول مغنية هو فقط لحماية المصارف من الدعاوى القضائية ولا يحمي المودعين فهم يتذرعون انهم يريدون منع التحويلات الاستنسابية بهذا القانون، متناسين ان المصارف خرقت الدستور وجعلت من قانون النقد والتسليف “ممسحة” أمام فروعها، وبقي قانون الدولار الطلابي حبراً على ورق فما ضمانة تطبيق قانون الكابيتال كونترول. ويشير إلى أن أنهم اليوم سيقفون بوجهه رافضين اقراره على قاعدة ما في “ناس بسمنة وناس بزيت”.
المصدر: موقع المنار