السبت   
   06 07 2025   
   9 محرم 1447   
   بيروت 01:08

سوريا الجديدة في الحسابات الإسرائيلية.. تطبيع مشروط أم إعادة تموضع؟

زين صندوق

مع بداية الأزمة السورية عام 2011، برزت تقديرات إسرائيليّة عديدة، كان من ضمنها سيناريو بانتصار “المتمردين بعد سنوات حرب استنزاف”؛ يمكن “لإسرائيل” فيه أن تستغل الأوضاع لإقامة حوار مع لاعبين جدد في الساحة السورية، يشمل جهات من “المتمردين” أنفسهم، ومع الأكراد أيضاً، الذين لا مبرر لديهم لمعاداة “إسرائيل” بحسب ذلك السيناريو.

واقعًا، وبعد سقوط النظام في سوريا، لم تحِد التقديرات الإسرائيلية عن طبيعة ما يجب أن يحكم علاقتها بـ”سوريا الجديدة”، وهي وإن كانت قد خفّفت من لهجة العداء مع “هيئة تحرير الشام” والخوف من أصولها المتشدّدة، فإنها لم تُغفل التأكيد على أن استمرارها في احتلال الأراضي السورية وتوسيع مجالها الحيوي سيجعلها قضية محورية في السياسة الداخلية السورية. وقد أبدت اهتمامها، بعد آليات التنسيق التي جرت في باكو عقب التشاحن بينها وبين أنقرة في نيسان الفائت، بتعزيز انتقال مستقر، وأكّدت ذلك في تقرير مجلس الأمن القومي.

بدا واضحًا خلال الفترة الماضية أنّ الترويج لاتفاقية “تطبيع” بين سوريا والعدو يجري في مخيال السياسة الأمريكية الناظرة للوضع السوري، وهي تتفق مع الرؤية الإسرائيلية بأنّ مناخ البيئة الإقليمية يتيح لها فرصة لإعادة رسم الخريطة السياسية لسوريا بما يضمن مصالحها الأمنية بعيدة المدى. ورغم كل ما يُصدّر، فإن “إسرائيل” لم تتخلَّ عن الغشّ المصقول في تعاطيها مع دمشق، فتثبيت الوضع الراهن من احتلال للأراضي وتزايد النشاط الاستخباري يُقرأ كورقة ضغط للمساومة مستقبلًا، سواء للانسحاب بضمانات أمنية، أو المقايضة على الجولان بشكل نهائي، وهو ما لم تؤكّده دمشق كما لم تنفه، وأوكلت الحديث فيه لوسائل إعلام تتقاذف التصريحات.

في “إسرائيل”، هناك رؤية تؤمن بأن سوريا باتت “أرض الفرص الجديدة”، فالمشاريع الاقتصادية التي سيعزّزها رفع العقوبات المشروط، ستحدّد ما إذا كانت سوريا قادرة على أن تكون دولة مفصلية إقليميًا. فالأمر يرتبط بالطرف الثالث، أي تركيا، والدور الذي ستلعبه في صياغة التفاهمات بينهما، ورؤية أردوغان لسياسة ترامب التي تدفع للتوصّل إلى اتفاق بين سوريا والعدو، والمقابل “المناسب” الذي سيحصل عليه من ترامب مقابل ذلك.

بالإضافة إلى ما سبق، لا يبدو أن حديث “التطبيع” يثير لعاب تل أبيب إلى الدرجة التي يمكن القول معها إن ما سيجري هو تفاوض يعزّز قوة كل من الطرفين، أو يتبع مبدأ: ماذا سأُعطي لأخذ؟ ففي الوقت الذي تنهال فيه التصريحات من كل صوب، فإنها لم تتفق على عنوان محدد؛ فبعضها خُصص للحديث عن الجولان وتملّكه أو استئجاره، وأخرى ترى أن ما سيحدث لا يعدو أن يكون “تفاهمًا أمنيًا”، وهو ربما الأقرب لما يحاول الشرع ووسائل إعلامه تصديره للمجتمع السوري، من أجل “وقف الاعتداءات” التي لم تتوقف بطبيعة الحال، بل وأخذت حدًا متزايدًا بعد الحرب الإسرائيلية – الإيرانية.

بالرغم من الدعم المطلق الذي تقدمه واشنطن لمسار انخراط سوريا في “الشرق الأوسط الجديد”، فإن الأمر ليس بهذه السهولة، إذ ثمّة ما يرتبط بالفواعل الداعمة لدمشق، وعلى رأسها تركيا، وأخرى تتعلق بالكيان الإسرائيلي ذاته، إذ تكشف التحركات الإسرائيلية عن خطة ممنهجة لضمان وجود عسكري بحجة إنشاء منطقة أمنية متقدّمة، خصوصًا في ظل الحديث عن رصد إنشائها لقاعدة عسكرية جديدة جنوبي البلاد، والإلماح بهدم 3000 منزل بحسب وثيقة اطّلع عليها الجنوبيون.

حتى مع التفاؤل الأمريكي بمرونة الشرع في الانخراط بمسار الترتيب الجديد للإقليم، لم يتم التخلي ــ ولو تلميحًا ــ عن أهم مطلبين نادت بهما تل أبيب منذ سقوط النظام السوري، وهما: ملف السلاح الكيميائي، ومعاداة إيران، اللذان ظهرا على لسان وزير الخارجية “الشيباني” خلال اتصاله مع وزير الخارجية الأمريكي “روبيو”. ويُعد هذا الموقف هو الأول على المستوى السياسي والدبلوماسي السوري، فبعد العدوان على إيران، لم تعرب دمشق عن موقف واضح منه، وتزامن ذلك حينها مع رسالة تركية قالت للشرع: قف جانبًا في هذه الفترة، قبل أن يُدان ضرب إيران للقواعد الأمريكية في قطر من قبل سوريا.

في الخلاصة، لا يمكن التنبؤ بمستقبل وشكل التفاهمات المُقبلة إن تمّت، في ظل تحديات عديدة، أهمّها قدرة الكيان الإسرائيلي على الاحتفاظ بالمناطق التي احتلّها حديثًا، وشكل ضمان “المخاطر” الأمنية المصطنعة من العدو. لكن، وفي سياق ما يجري، تبدو الفرصة سانحة للسوريين ليسألوا: هل تراجع العدو عن مشاريع التقسيم؟ وإن كانت الإجابة نعم، فما الثمن؟

المصدر: موقع المنار