خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 10-6-2022 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 10-6-2022

الشيخ علي دعموش

 
في الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة ١٤٨ هجرية الموافق لسنة ٧٦٦ ميلادية كانت ولادة ثامن الأئمَّة الإمام عليّ بن موسى الرّضا (ع)، ولا بُدَّ لنا أن نتعرف على مكانة هذا الإمام الَّذي هو من أئمّة أهل البيت (ع) الَّذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً،

ففي عقيدتنا أنَّه أحد الأئمة الاثني عشر المعصومين الَّذين فرض الله ولايتهم وطاعتهم وجعلهم حججاً على عباده وخلفاء لرسوله

وقد اشاد العلماء ممن عاصروا الامام وعرفوه بفضله وعلمه وسعة معارفه وتفوقه في مختلف مجالات العلم والمعرفة والحوار والمحاججة على سائر علماء الاديان والمذاهب كما شهدوا بأدبه واخلاقه.

فقال أبو الصّلت الهرويّ: «ما رأيت أعلم من عليّ بن موسى الرّضا، ولا رأيت عالماً إلاَّ شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع له المأمون في مجلس له عدداً من علماء الأديان وفقهاء الشّريعة والمتكلّمين، فغلبهم عن آخرهم، حتّى ما بقي أحدٌ منهم إلاَّ أقرّ بالفضل وأقرّ على نفسه بالقصور… وأنَّ موسى بن جعفر قال لبنيه: هذا أخوكم عليّ بن موسى، عالم آل محمَّد، فسلوه عن أديانكم، واحفظوا ما يقوله لكم».

وفي نص اخر في عيون أخبار الرِّضا: «أنَّ المأمون جمع علماء سائر الملل، مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصّابئين، منهم عمران الصابئي والهربذ الأكبر وأصحاب زرادشت ونطاس الروميّ، والمتكلّمين منهم سليمان المروزي، ثُمَّ أحضر الرّضا، فسألوه، فقطع الرّضا واحداً بعد واحد».

وفي نّص ثالث: عن إبراهيم بن العباس، وهو يتحدث عن أخلاق الإمام الرّضا(ع) وسلوكه مع اصحابه وخدمه، قال: «ما رأيت أبا الحسن الرّضا (ع) جفا أحداً بكلمة قطّ، ولا رأيته قطع على أحدٍ كلامه حتّى يفرغ منه، وما ردّ أحداً عن حاجة يقدر عليها، ولا مدَّ رجليه بين جليسٍ له قطّ، ولا اتّكأ بين يدي جليس له قطّ، ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قطّ، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قطّ، بل كان ضحكه التبسّم، وكان إذا خلا ونصب مائدته، أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه، حتّى البوّاب والسائس، وكان (ع) قليل النّوم باللّيل، كثير السّهر، يحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى الصبح، وكان كثير الصيام، فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول ذلك (صوم الدهر)، وكان كثير المعروف والصّدقة في السرّ، وأكثر ذلك يكون منه في اللّيالي المظلمة، فمن زعم أنَّه رأى مثله في فضله، فلا تصدّق».

وقال أيضاً: «ما رأيت الرّضا يُسأل عن شيء إلاَّ علم، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزّمان الأوّل إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسّؤال عن كلّ شيء فيجيب فيه، وكان كلامه كلّه وجوابه وتمثّله انتزاعات من القرآن، وكان يختمه في كلّ ثلاثة ويقول: لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة ختمت، ولكن ما مررت بآية قطّ إلاَّ فكرت فيها، وفي أيِّ شيء نزلت، وفي أيِّ وقت، فلذلك صرت أختم في كلِّ ثلاثة أيّام».

عندما نتأمل في سيرة الامام وكلماته نجد انه كان يتصدى لتصحيح بعض المفاهيم التي قد يفهمها البعض بشكل خاطىء مثل مفهوم الزهد ودور الحاكم وما شاكل ذلك.

فعندما ولّي الامام العهد، جاءه جماعة من الصوفية الَّذين كانوا يرون أنَّ المعيار في التدين والاستقامة هي ان يعيش الانسان حياة الزهد ويعيش عيشة الفقراء والبؤساء فلا يتنعم بما رزقه الله من فضله ونعمه وكرمه وجوده ، لا يأكل جيّداً، ولا يلبس جيّداً، ولا يعيش حياة مرفهة، لأنَّ الزهد في مفهومهم يعني ان يقف الانسان موقفا سلبيا من النعم التي انعم الله بها عليه، فلا يستفيد منها ولا يتنعم بها ولا يلتفت اليها، بينما الزهد في المعنى الإسلاميّ الأصيل لا يعني ان لا يتنعم الانسان بما رزقه الله في الدنيا بل معناه ان لا تسيطر عليك نعم الدنيا وملذاتها وشهواتها ومصالحها بحيث تصبح ملكا لها واسيرا لها تمنعك من القيام بواجباتك ومسؤولياتك.
وهذا ما عبر عنه الامام علي في الحديث عنه (ع): «ليس الزّهد أن لا تملك الدّنيا، بل الزهد أن لا يملكك شيء»

الزهد أن تقول (لا) إذا أرادت الدنيا لك أن تنساق مع اهوائها ورغباتها وشهواتها ومعصية الله ، وأن تقول (نعم) فتتحمل واجباتك ومسؤولياتك حتى لو كلفتك الكثير من التضحيات.

وحتى بالنسبة للحاكم فان المعيار الصحيح للحاكم العادل ليس الشكليات، وانه يلبس الخشن، ويأكل الجشب ويعيش عيشة الزاهدين وانه مثله مثل الناس، يأتي اليهم ويشاركهم في احزانهم وافراحهم، لإنَّه من السهولة أن يخدعكم ويخذلكم أيّ شخصٍ يتظاهر بانه يعيش مثل الناس العاديين فيسكن في بيت عادي ويلبس لباسا عاديا ويأكل الطّعام العادي فيما هو يظلم النَّاس وياكل حقوقهم ويسلب اموال الدولة ويرتكب الفساد، في حين أنَّ النَّاس يرون منه الشّكل فيقولون إنَّه زاهد متواضع نظيف تقي الخ.

الإمام الرّضا (ع) يقول للمتصوفة عندما قالوا له: «إنَّ المأمون قد ردَّ الأمر إليك، وإنَّك لأحقُّ النَّاس به، إلاَّ أنَّه يحتاج من يتقدَّم منك بقدمك إلى لبس الصّوف وما يخشن لبسه، فقال: «ويحكم! إنَّما يُراد من الإمام قسطه وعدله، إذا قال صدق، وإذا حكم عدل وإذا وعد أنجز، والخير معروف {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}(الأعراف؛ 32)، وإنَّ يوسف الصدّيق لبس الدّيباج المنسوج بالذَّهب، وجلس على متّكئات فرعون».فيوسف كان نبيا من انبياء الله المعصومين ومع ذلك لم يمتنع عن التنعم بنعيم السلطة والملك فيلبس الديباج مالمنسوج من الذهب ويجلس على متكئات فرعون.

فالمعيار الصحيح للحاكم العادل ليس بالشكليّات، وإنَّما المعيار هو عدله وقسطه ومراعاته لحقوق الناس وحرصه على مصالحهم ومصلحة الدولة، المعيار هو اداؤه وطبيعة حكمه، بحيث انه اذا حكم حكم بالعدل، واذا تحدث تحدث بالصّدق، واذا وعد وفى بوعده للناس وانجز ما وعد به.، وليس كبعض المسؤولين والوزراء والنواب اليوم الذين يعدون الناس ويطلقون برامج طويلة وعريضة في مواسم الانتخابات ويتحثون انهم سيفعلون كذا وكذا ثم بعد ان يصلوا يتجاهلون كل خطاباتهم وكلماتهم ووعودهم ويخذلون الناس.

اليوم كل الرهانات والحسابات الخارجية والداخلية باسقاط حزب الله او تحجيمه واضعافه انكشف انها خائبة وخاطئة، وخاصة الرهانات الامريكية، حيث كان الامريكي يراهن على الحصار والحملات الاعلامية وعلى الانتخابات النيابية لاضعاف حزب الله وحلفائه فكانت النتيجة على خلاف رغباتهم، حيث حافظ حزب الله وحلفاؤه على قوة وازنة في المجلس النيابي.

هؤلاء يعتمدون على ما يقوله لهم ادواتهم وازلامهم في لبنان، حيث إن بعض الادوات، وهم معروفون في لبنان، يكبرون أحجامهم ويستعرضون عضلاتهم وقواهم الوهمية أمام اسيادهم ويوهمونهم بانهم قادرون على تحجيم حزب الله من اجل ان يحصلوا على اموال ومواقع ومناصب معينة، بينما في الواقع هم أضعف وأعجز من ان ينالوا من قوة حزب الله السياسية والشعبية.

هؤلاء اعتقدوا من خلال الحصار والعقوبات والتجويع والاكاذيب والتضليل انهم يستطيعون ان يضعوا الناس في مواجهة المقاومة، وان يبعدوا الناس عنها، فانكشف انهم واهمون وخائبون، وكل الاموال التي انفقوها لتحقيق هذه الغاية تبخرت وذهبت بلا نتيجة.

واليوم اميركا واهمة اذا اعتقدت انها تستطيع من خلال استمرار الحصار والتضييق ومنع الحلول في لبنان ان تضع الشعب اللبناني في مواجهة المقاومة، لان الشعب اللبناني يعرف ان الذي يحمي البلد في مواجهة الاخطار الكبرى ويردع العدو الاسرائيلي عن التعدي على ثروات لبنان وحقوقه في البر والبحر، هو المقاومة الى جانب الجيش والشعب، وهذه حقيقة باتت متجذرة في الوعي اللبناني مهما كابر البعض وتنكر لأهمية المقاومة وقدراتها.

اليوم اللبنانيون بحاجة في هذه المرحلة اكثر من اي وقت مضى الى التضامن لمواجهة الاخطار والازمات وبلوغ مرحلة الخلاص، وبدون الوحدة والتضامن لن نتمكن من مواجهة التحديات والاخطار التي يفرضها العدو الاسرائيلي ومن حل الأزمات والمشكلات السياسية والإقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون .

ومن المعيب ان يستمر السجال على الاوزان والاحجام في الوقت الذي يمر فيه البلد في مرحلة حساسة يحتاج فيها الى تظافر كل الجهود لمواجهة التحديات والازمات التي يتعرض لها.

يجب ان يرتقي الجميع الى مستوى المسؤولية الوطنية، وان تتكامل كل الاحزاب والقوى السياسية وتتوافق وتتشارك وتنسق فيما بينها وتعمل لأجل لبنان، لان هذا هو الطريق للخروج من النفق المظلم وغيره سيؤدي الى المزيد من الانهيار والخراب.

المصدر: بريد الموقع