شارك نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في افتتاح مؤتمر الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي تحت عنوان “شهيد المحراب…شهادة أمة”.
وألقى كلمة قال فيها “نؤبن في الذكرى السنوية الثالثة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، وهو العالم الجليل التي ترك بصماته وآثاره في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، واستطاع بذكره النير أن يقوم الاعوجاج، وأن يحدد فهم الإسلام الأصيل الذي يبتعد عن الخرافات والصنمية وإبعاده عن حقيقته التي أرادها الله تعالى.الشيخ البوطي علم مرفوع، ونور مضيء إلى درجة أنه مع سنه التي تجاوزت الثمانين لم تكن تراه إلا في محاريب العبادة وفي مواقع التدريس والوعظ والإرشاد وإعلاء كلمة الحق، ولذا لم يستطع المنحرفون والجاحدون إلا أن ينالوا منه في محراب العبادة. وعندما انتقل إلى ربه شهيدا عظيما لم يتجرأ هؤلاء أن يعلنوا مسؤوليتهم عن قتله، بل حاولوا التنصل منها، وإذا كان لهذا الأمر من دلالة فدلالته أن نور الشيخ البوطي أكثر سطوعا من أن يتمكنوا من إخماده”.
وأضاف سماحته “الشيخ البوطي ملأ المكتبات بمؤلفاته الستين، واستطاع أن يكون واحدا من أولئك الذين انتشر اسمه وعلمه وفهمه وعطاءه في مختلف الأرجاء في سوريا وغيرها، والذي يراقب سيرته بشكل مباشر يرى أن بصماته في الجمهورية العربية السورية بصمات مهمة جدا لتركيز الإسلام، وقد استطاع بعلاقته مع الرئيس المرحوم حافظ الأسد وكذلك مع الرئيس المناضل الدكتور بشار الأسد أن يؤسس لثقافة إسلامية واعية حاول من خلالها أن ينقذ هذا الجيل من تلك الانحرافات التي بدأت تسري في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.لفتني في شخصية الشهيد الجليل الدكتور البوطي أنه نظر بعين الله تعالى إلى الأزمة السورية قبل استفحالها ومنذ بدايتها، وأنقل لكم ثلاثة أمور تعتبر مؤشرا مبكرا عن الرؤية البعيدة التي كان يتميز بها:
أولا: أنه وصفهم بأصحاب الفكر الظلامي التكفيري، فألقى عليهم صفة الظلام وربط الظلام بالتكفير، واعتبرهم من الذين يسيئون ويحرفون ويمعنون خطرا في حياة الأمة الإسلامية.
ثانيا: قال إن التظاهرات باتت تؤدي إلى أخطر أنواع المحرمات ولم نعهد بأن تظاهرة يمكن أن تكون على هذا المستوى، لكن كان يرى أنها ليست تظاهرات بريئة، ولذا قال في مجال آخر: أدعو إلى عدم الانقياد وراء الدعوات المجهولة المصدر التي تحاول استغلال المساجد لإثارة الفتن والفوضى في سوريا، لأن التوجيهات كانت تأتي من أشخاص مغمورين ومن أسماء وهمية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام.
ثالثا: قال إنها مؤامرة خارجية تقودها إسرائيل، وهذه الكلمات كانت في وقت مبكر، أي أنه رأى مسبقا هذا الاتجاه الخاطئ، بل كتب كتابا قبل الأحداث وهو كتاب “السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي”، ليقول إن المذاهب عند المسلمين معروفة، فلا تبتدعوا مذهبا آخر تحت عنوان السلفية التي تأخذنا إلى مكان آخر”.
وتابع: “هذه المنارة لن تنطفئ، وهي جزء من منارات الهدى التي انتشرت في منطقتنا، والتي أدت إلى تسجيل الانتصارات والتوفيقات المتتالية، ونحن الآن نشهد أن الفكر الأصيل على المستوى الإسلامي حاضر وثابت، وأن الفكر المنحرف ينهزم فكريا وثقافيا وعسكريا وفي كل المواقع”.وقال الشيخ قاسم “لا بد في هذا المقام أن نؤكد أمورا أساسية:
أولا: سوريا الأسد دعامة ارتكاز المقاومة في لبنان وفلسطين والمنطقة، وهم يريدونها ملحقا بالمشروع الإسرائيلي. نحن لم نر إصلاحات داخل أي بلد من العالم تتدخل دول العالم بأسرها من أجل فرضها وإنجازها، إذا نحن أمام احتلال وأمام تغيير في المعادلة، ولقد سمعنا بعض قادة المعارضة يتباهون بمطالبتهم بالعلاقة مع إسرائيل كبديل من المواجهة معها، فيما لو تسلموا الحكم، أصبح واضحا بأننا أمام مشروع كبير.
لقد أريد للبنان سنة 2006 بواسطة العدوان الإسرائيلي الكبير أن يكون معبرا للشرق الأوسط الجديد، وفشل هذا المشروع ببركة حزب الله ومعادلة الجيش والشعب والمقاومة وكل الشرفاء الذين قتلوا وكتبوا وصرخوا ووقفوا ليسطروا أروع الانتصارات في مواجهة هذا العدو الإسرائيلي وليسقطوا من خلاله مشروع الشرق الأوسط الجديد وكل الزبانية على المستوى العربي الذين يستفيدون من هذا المشروع، وإذ بهم ينتقلون إلى بوابة أخرى هي البوابة السورية، ونحن نرى أن ما جرى في سوريا هو محاولة للدخول إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد مرة ثانية من البوابة السورية، ومرة ثانية معادلة الجيش والشعب والمقاومة في لبنان وفي سوريا وفي المنطقة تؤدي إلى إسقاط هذا المشروع، بل أقول لكم بكل وضوح: إذا كان هناك من يؤمن في العالم بأن يأخذ فرصة لشهر أو لسنة أو أكثر ليغير في المعادلة فهذا مستحيل. المشروع المقاوم انتصر في سوريا ولو لم تعلن النتائج النهائية بعد لأن المشروع الآخر قد انكشف وانفضح وبدأ عقده يتهاوى ببركة الجهاد والمواجهة والمقاومة.
ثانيا: منذ بداية الأزمة في سوريا نحن أمام معسكرين لا ثالث لهما: معسكر الدولة السورية ومعسكر الإرهاب التكفيري، أما معسكر الدولة السورية ففيه الدولة والجيش العربي السوري المناضل ومعهما إيران وروسيا وحزب الله والفصائل المساعدة في هذا الإطار وفي القيادة الرئيس بشار الأسد. وفي المعسكر الآخر معسكر الإرهاب التكفيري الذي تقوده وترعاه وتموله أميركا وتسير في ركبه السعودية وتركيا وقطر والدول الأوروبية وكل اللاهثين أمام مكتسبات على حساب دماء وحياة الشعب السوري. هذان المعسكران يتصارعان منذ بداية الأزمة، لسنا أمام إصلاحات، ولسنا أمام خلافات جزئية، نحن أمام مشروعين كبيرين لهما امتدادهما، لا على مستوى سوريا فحسب، بل على مستوى المنطقة العربية والإسلامية، بل على مستوى العالم، وأنتم ترون الآن أن أثر الأزمة السورية هو أثر عالمي وليس أثرا محدودا”.
واضاف سماحته “نحن كنا دائما في حزب الله مع الحل السياسي، وما زلنا معه رغم كل التطورات، على قاعدة أن يختار الشعب السوري مستقبله ونظامه وممثليه من دون تدخل من أحد. لا عودة إلى الوراء، وعلامات انتصار المشروع المقاوم واضحة، ولا إمكان لداعش ومشغليه أن يكون لهم استمرارية في المنطقة، سيتراجعون يوما بعد يوم، بل أقول أكثر من هذا: داعش وهم وليست قوة، ومن أوجدها هم هؤلاء المستكبرون وأعوانهم من الإقليميين”.
وأكد أن “إنجاز تحرير تدمر والقريتين علامة فارقة في الحرب على التكفير، وتأكيد أن الجهة الجدية لمحاربة الإرهاب التكفيري هي سوريا وحلفاؤها، أما الباقون فيكذبون، هم يقبلون ويرعون الإرهاب التكفيري فقط لمواجهة المشروع المقاوم، ولو كانت له ارتدادات عليهم.لقد انجرفت السعودية كثيرا نحو الهاوية، ولن تنفعها أفكارها وأموالها ونفطها وتعنتها لتفرض إرادتها، وسترى نفسها فجأة في المستنقع في داخل بلدها إن لم تتدارك قبل فوات الأوان. الحرب في سوريا واليمن عبثية، ندعوهم إلى أن يوقفوا هذه الحروب وأن يبحثوا عن إيقاف الانحدار، لأنهم إذا كانوا يراهنون على تعبنا فلن نتعب، وسنستمر إلى آخر رمق لتحقيق النصر، ونرى النصر أمامنا بينما لن يروه لا الآن ولا في المستقبل”.
وسأل الشيخ قاسم “ماذا أنجزوا خلال السنوات الخمس الماضية؟ وما هي جردة الحساب التي يقدمونها للعالم؟ أنجزوا التدمير المنهجي لسوريا، قتلا للبشر، وتدميرا للحجر، وتحطيما للاقتصاد، وتشريدا للعباد، هذا إنجاز. أوجدوا بؤرة آمنة للتكفير العالمي في الرقة والموصل بإدارتهم، وهذا إنجاز آخر. استنزفوا مال النفط، واستقرار الدول، وأوجدوا خلافا وصراعات بين دول المنطقة بعناوين مذهبية وعنصرية، وهذا إنجاز ثالث. أما الإنجاز الرابع والأهم فهو أنهم أوجدوا الوحش داعش، فكبر وتمرد على مشغليه، وأصبح عبئا عليهم لأنهم لم يعلموا من البداية أن داعش لا تطيق نفسها، فكيف تطيقهم؟”
ورأى سماحته أن “إسقاط الدولة في سوريا هو لمصلحة إسرائيل، والتملص من قميص داعش الوسخ لا يبرئ أميركا والسعودية، الآن هم يقولون إنهم ضد داعش. كل هذه الغارات الأميركية لسنة ونصف سنة أو لسنتين قتلت عشرة أو خمسة عشر من جماعة داعش وتركت إمكانات النفط والاقتصاد وإقامة الدولة والوضع الإداري، وكان تدخل روسيا مع الجيش العربي السوري ومع حزب الله وإيران ومن معهم، فخلال يوم واحد أو يومين أنجزوا ما أنجزته أميركا في مواجهة داعش خلال سنتين، هذا يعني أنهم لا يريدونها لكنهم يتبرئون منها لأنها سمعة سيئة لا يستطيعون تحملها، إلا أنها بضاعة نتنة يحتاجونها لمشاريعهم النتنة.لولا الصمود الذي قمنا به جميعا في سوريا لانهارت المنطقة بأسرها وليس سوريا فقط، ولكان الإرهاب التكفيري ينشر مشروعه وتعطيله للحياة الإنسانية على مستوى المنطقة بأسرها بل العالم”.
وأكد الشيخ قاسم أن “مشاركتنا في سوريا كحزب الله ساهمت في إنقاذ المشروع المقاوم، وحمت لبنان واستقراره، ولولا هذه المشاركة لكانت داعش في بيروت والضاحية وجونية والشمال وفي كل مكان في لبنان، لأنه كما لاحظتم مع كل هذه المحاربة والمواجهة دخلت بعض السيارات المفخخة في سنة 2014، فلو افترضنا أن الحدود اللبنانية السورية مليئة بالتكفيريين، ماذا يمكن أن يفعل لبنان مع هؤلاء الذين ينتشرون هنا وهناك، ومع وجود بعض المدافعين عنهم من الذين يعتقدون أنهم يستثمرونهم ولكنهم أعجز من أن يستثمروا شيئا”.
وشدد سماحته على أن “صمود الخاصرة الرخوة في لبنان واستقراره سببهما مشاركة حزب الله في سوريا، وقد ثبت خطأ تنظير دعاة دفن الرأس في التراب وترك سوريا تنهار وترك لبنان في مهب الريح. نعم، نقول اليوم للمرة الألف: نحن نفتخر بمشاركتنا في سوريا ولن نرد عليكم، ولولاها لانهار لبنان، ولن نتفرج على انهياره بنظرياتكم الفاشلة، فإذا طلبنا منكم أن تقدموا جردة أعمال على نجاحكم بسياساتكم منذ خمس سنوات حتى الآن لوجدنا الورقة بيضاء، إلا إذا كان الفشل يسجل، فعندها نراها سوداء ومملوءة بالنقاط. حزب الله سيبقى في سوريا ما دام هناك حاجة، ولا مطالب لنا إلا أن يكون الشعب السوري حرا في دولته وخياراته، وأن يبقى علم المقاومة مرتفعا ولو كره الكافرون ولو كره المنافقون”.
وختم الشيخ قاسم “تحية إلى الشهيد المجاهد البطل الشيخ البوطي، أنت رمز من رموز المقاومة، ذكراك ستبقى مع سواعد المجاهدين ومع سوريا المنتصرة”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام