مواطن القدوة في شخصية الزهراء(ع)
نعزي المسلمين والموالين بمناسبة شهادة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء(ع) بحسب الرواية الثانية المشهورة التي تقول بان شهادتها كانت بعد ٧٥ يوماً من وفاة ابيها رسول الله(ص)، والمصادف ١٣ جمادى الأولى سنة 11 هجرية.
من حق هذه السيدة الجليلة العظيمة علينا أن ندرس شخصيتها وحياتها، وان نتخذ نساءا ورجالا من شخصيتها وحياتها اسوة وقدوة وعنوانا ونموذجا وطريقا لنا في هذه الحياة.
ومن اهم مواطن الاقتداء بالزهراء، الاقتداء بها في الجانب الاجتماعي، بأن نتعرف الى شخصيتها وحياتها الاجتماعية ونقتدي بها في ذلك، اي ان نعرف كيف كانت تتعامل مع ابيها ومع زوجها، وكيف كانت تربي أولادها، وكيف كانت تتعامل مع جيرانها ومع ومحيطها ومجتمعها، ان نتعلم منها ونقتدي بها في ذلك كله، لانها مثلت النموذج الامثل في السلوك الاجتماعي وفي التعامل الايجابي مع محيطها، لانها المرأة الكاملة المعصومة التي جمعت في شخصيتها كل القيم الاخلاقية والانسانية، بلغت القمة في كل كل شيء.
كانت الزهراء(ع) البنت كأفضل ما تكون البنات، وكانت الزوجة كأفضل ما تكون الزوجات، وكانت الأم كأفضل ما تكون الامهات، وكانت المسلمة المسؤولة المجاهدة بعملها وحركتها ومواقفها كأفضل ما تكون المسلمات، فهي تجمع كل هذه العناوين الإنسانية في شخصيتها الفريدة، ولذلك استحقت أن تكون نموذجا وقدوة واسوة ليس للنساء فقط بل للنساء وللرجال.
فقد كانت بالنسبة الى ابيها – خصوصا بعدما توفيت امها خديجة -كالأم الحنونة العطوفة الرؤوفة، فقد كان النبي يناديها بكنيةٍ تسترعي الانتباه الخاص ألا و هي “أمّ أبيها”.
ذكر الأربلي في كشف الغمة: ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كان يعظم شأنها، و يرفع مكانها، و كان يكنيها بأم ابيها .
وسبب تكنيتها بام ابيها، هو رعايتها المتميزة لأبيها، كرعاية الأم لولدها، فكانت لرسول الله(ص) بمثابة الأم الرحيمة والعطوفة التي تغدق عليه حنانها و محبتها، بل كانت له أكثر حناناً و عطفاً و شفقة من الأم.
والسبب الثاني تقدير النبي(ص) لها، فهو يريد بهذه الكنية أن يظهر تقديره وحبه وحنانه تجاهها، بإظهار المحبة لها على مستوى محبته (صلى الله عليه وآله) لأمه البارة الحنونة السيّدة آمنة بنت وهب (رضوان الله عليها) ليعرف الجميع بأن إبنته الزهراء(ع) هي موضع دلاله و تقديره و حبه وحنانه على هذا المستوى الرفيع.
وكانت الزهراء(ع) اشبه الناس برسول الله(ص) و قد تاثرت به حتى في مشيه في بعض الاحاديث:( ان فاطمة اقبلت ما تخطئ مشيتها مشيت رسول الله (ص) ).
وكان النبي (ص) يعاملها بكل حب ومودة واحترام وتقدير وتعظيم.
فعن عائشة في الاستيعاب قالت : ما رأيت احدا كان اشبه كلاما وسمتا وهديا برسول الله(ص) من فاطمة، وكانت اذا دخلت عليه قام اليها فأخذ بيدها فقبلها واجلسها في مجلسه، وكانت اذا دخل عليها قامت اليه فأخذت بيده فقبلتها واجلسته في مجلسها.
ان رسالة النبي الأكرم للآباء والامهات التي نتعلمها من سلوكه مع الزهراء ومحبته واحترامه لها، أن “أغدقوا الحب على بناتكم، احترموا مشاعرهن، اهتموا بهن حتى لا يعشن فقرا وجوعا وجفافا عاطفيا يدفعهن إلى طرق أخرى”.
اما فاطمة في بيت الزوجية فانها:
اولا: عندما تزوجت كان مهرها متواضعا وجهازها متواضعا واثاث منزلها متواضعا.
كان مهرها 400 درهما او 500 درهما و هو ثمن الدرع الذي كان يملكه علي(ع).
وقد قال رسول الله (ص) : افضل نساء امتي اقلهن مهرا.
وعن الامام الصادق (ع): شؤم المرأة في كثرة صداقها. لان زيادة المهر يصعب الحياة على الناس ويخلق لهم المشاكل .
وكان جهاز فاطمة الذي اخذته معها الى بيت الزوجية عبارة عن بعض الملابس والاثاث الضروري الذي تحتاجه في بيتها: عباءة وخمار وسرير من سعف النخل وحصير وبعض الأواني المنزلية .
وكان اثاث بيتها وبيت علي (ع) يتكون من هذه الاشياء البسيطة ويقتصر على ما هو ضروري.
ثانيا::
كانت تتعاطى مع زوجها في بيت الزوجية بمنتهى الاخلاق والاحترام،وعاشت حياتها كأية زوجة تخلص لزوجها في كل مسؤولياتها الزوجية، لم تميز نفسها عن أية زوجة مسلمة مع زوجها من خلال أنها إبنة رسول الله (ص)، كانت تتميز بسلوك اسلامي رفيع:
1- بالاحترام والتقدير لزوجها، وما اسخطته يوما، ولم تعصي له أمراً.
2- بالقناعة وعدم المطالبة والإلحاح في الطلب، وعدم تكليف علي (ع) ما لا يقدر عليه.
3- بقيامها بمسؤلياتها البيتية وإدارة شؤون المنزل والاولاد، كانت تقوم بمسؤولياتها وواجباتها المنزلية كاية امرأة مسلمة ولم تكن لتستنكف عن اي عمل داخل البيت مهما كان وضيعا او متعبا اومجهدا .
وقد ورد عن علي(ع): انها استقت بالقربة حتى أثر ذلك في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها.
وكانت احيانا تقسيم العمل بينها وبين علي (ع). فعن الامام الصادق (ع) قال : ( كان امير المؤمنين (ع) يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة تطحن و تعجن و تخبز).
4- بحسن التبعل، حيث كانت تحفظ زوجها في حضوره وغيابه، فقد كان علي(ع) يقضي الكثير من أيامه في الجهاد غائبا عن بيته فكانت الزهراء نعم المرأة التي تحفظ زوجها في غيابه وتحسن معاملته في حضوره، وقد ورد في الحديث: جهاد المرأة حسن التبعل.
عندما تصبر المرأة على زوجها وتحسن معاملته فذلك جهاد في سبيل الله وتشاركه أجر جهاده.
يقول علي(ع) : لقد كنت أنظر إليها فتنجلي عني الغموم والأحزان.
ويقول (عليه السلام): فوالله ما أغضبتها ولا أكربتها حتى قبضها الله إليه ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً.
واما تربيتها لاطفالها: فقد قدمت أفضل نموذج في التربية، فقد ربت الحسنين(ع) سيدي شباب أهل الجنة والعقيلة زينب وأختها أم كلثوم، احسن تربية.
واعتمدت في التربية:
1-الحب والمودة، لانه ثبت في علم النفس والتربية ان الطفل يحتاج في مرحلة الطفولة الى الشعور بحب الاخرين له واهتمامهم به.
2- احترام شخصية الطفل ومعاملته معاملة الرجال الكبار.
3- التربية على اساس الايمان.
4- الاستقامة في السلوك والصراحة والصدق والوفاء بالوعد.
5- الاعتماد على النفس.
6- رعاية حقوق الاخرين وعدم بخس الناس اشياءهم، وخدمة الناس والتصدي لقضاء حاجاتهم والاهتمام بشؤونهم وامورهم، وهذا ما نتعلمه من هذه التربية الدينية والاخلاقية والانسانية ومن منهج اهل البيت(ع) في تربيتهم لاولادهم واتباعهم وشيعتهم، نتعلم منهم ان يكون لدينا حس المسؤولية تجاه حقوق الناس واتجاه ما يعاني منه الناس، لنبادر الى رعاية حقوقهم وخدمتهم والتخفيف من معاناتهم وازماتهم ومشكلاتهم بكل الامكانات المتاحة وبكل ما نقدر عليه.
حزب الله لم يقف موقف المتفرج على معاناة اللبنانيين وانما بادر منذ بداية الازمة المعيشية الى المساعدة على الحد من تداعياتها، وكان شغله الشاغل ولا يزال خدمة الناس والتخفيف من معاناتهم وقدم لاجل ذلك كل ما يمكن تقديمه على المستوى الاجتماعي والغذائي والصحي والتربوي والخدماتي
اليوم اميركا وحلفاؤها وأدواتها في لبنان والمنطقة شغلهم الشاغل ليس معالجة الازمة المعيشية ولا وقف انهيار الليرة ولا حل مشكلة الكهرباء، ولا تأمين وظائف للحد من البطالة والهجرة، ولا تحويل لبنان الى دولة منتجة فهذه العناوين ليست مطروحة على جدول اهداف الادارة الامريكية ولا في برامج الاحزاب والجمعيات والجماعات التي ترعاها وتدعمها في لبنان.
العنوان الاساسي المطروح على جدول الاهداف الامريكية وادواتها في لبنان ليس وقف الانهيار والمساعدة على الحل، وانما استهداف المقاومة وسلاحها والعمل على الحد من تاثيرها في المعادلة الداخلية وفي المعادلات الاقليمية.
ولذلك اميركا وحلفاؤها في المنطقة هم من يدير ويدعم ويمول الحملة السياسية والاعلامية ضد المقاومة، وهم وادواتهم في الداخل من يحرض اللبنانيين على حزب الله، ويدفع الامور نحو التعقيد ويمنع الحلول.
اذا كانوا يعتقدون انهم بالتحريض والشعارات الطائفية والحملات الاعلامية والحديث عن اكذوبة الاحتلال الايراني وغيرها من الاكاذيب يمكنهم ان يضللوا الناس ويغيروا من قناعاتنا ومواقفنا وهوية لبنان المقاوم، فهم واهمون، وعليهم ان ييأسوا لانهم لن يصلوا الى ما يريدون، ولن يحصلوا الا على االمزيد من خيبات الامل والفشل.
المصدر: بريد الموقع