خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 10-12-2021 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 10-12-2021

دعموش

                                                   
زينب(ع) قوة الموقف رغم الأسر

الشيخ دعموش في خطبة الجمعة: لن نقبل ان يكون لبنان جزاءا من مشروع التطبيع في المنطقة.

نص الخطبة

هذا اليوم هو يوم  الخامس من جمادى الاولى وهو يوم ولادة عقيلة بني هاشم السيدة زينب الكبرى(ع), حيث كانت ولادتها (ع) في الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة الخامسة هجرية في بيت أمير المؤمنين علي وفاطمة (ع)، في بيت الرسالة والإمامة والولاية.

وكانت زينب(ع) أول بنت ولدت لعلي وفاطمة(ع) ولذلك كان يكنى علي(ع) (بأبي زينب) في زمن الاضطهاد والقهر والقمع الأموي، في الزمن الذي كان ممنوعاً على الناس أن يذكروا علياً(ع) أو ان ينقلوا رواية او حديثاً عنه (ع) فكان يقال: روى ابو زينب باعتبار ان الاعداء ما كانوا يعرفونه بهذه الكنية .

وقد لقِّبت زينب (ع) بألقاب عديدة أهمها: لقب أُم المصائب، وانما لقبت بذلك، لأنها عاشت مصيبة فقدها لجدها رسول الله (ص) وعاشت محنة أمها فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ثم وفاتها، وفُجعت بشهادة أبيها علي (ع), ثم شاهدت محنة أخيها الحسن (ع) ثم قتله بالسم، ثم شهدت المصيبة العظمى وهي قتل أخيها الحسين وأهل بيته وقتل ولديها عون ومحمد أمام عينيها على أرض كربلاء. ثم حُملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة ومن الكوفة إلى الشام ورأسُ أخيها ورؤوس ولديها وأهل بيتها أمامها على رؤوس الرماح طوال الطريق حتى دخلوا إلى دمشق وهم على هذه الحالة, وأدخلوا إلى يزيد وهم مقيدون بالسلاسل والحبال, فأية مصائب أشد وأعظم وأدهى وأمر من هذه المصائب التي مرت على زينب (ع) ؟.نعم, ولذلك لقبت بأم المصائب.

لكن هذه المصائب على قسوتها وفظاعتها لم تكسر زينب بل بقيت متماسكة صلبة قوية وفي اوج عنفوانها وشجاعتها، وعندما وقفت في الشام امام يزيد وثبت (ع) كالاسد فسحقت جبروته وطغيانه بخطبة تعتبر من متممات النهضة الحسينية حيث وبخته واذلته في عقر داره وامام اركان سلطانه وامام حشود الناس :

(أَظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حِينَ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ، وَضَيَّقْتَ عَلَيْنَا آفَاقَ السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا لَكَ فِي إِسَارٍ، نُسَاقُ إِلَيْكَ سَوْقاً فِي قِطَارٍ، وَأَنْتَ عَلَيْنَا ذُو اقْتِدَارٍ، أَنَّ بِنَا مِنَ اللَّهِ هَوَاناً وَعَلَيْكَ مِنْهُ كَرَامَةً وَامْتِنَاناً؟؟ وَأَنَّ ذَلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ وَجَلَالَةِ قَدْرِكَ؟؟ فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَنَظَرْتَ فِي عِطْفٍ، تَضْرِبُ أَصْدَرَيْكَ فَرِحاً وَتَنْفُضُ مِدْرَوَيْكَ مَرِحاً حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا لَكَ مُسْتَوْسِقَةً وَالْأُمُورَ لَدَيْكَ مُتَّسِقَةً وَحِينَ صَفِيَ لَكَ مُلْكُنَا وَخَلَصَ لَكَ سُلْطَانُنَا.

فَمَهْلًا مَهْلًا لَا تَطِشْ جَهْلًا! أَنَسِيتَ قَوْلَ اللَّهِ:

وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ

ثم تقرعه بكلمات قاسية: أَمِنَ الْعَدْلِ يَا ابْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَسَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ سَبَايَا؟؟

فوَ اللهِ ما فَرَيتَ إلاّ جِلْدَك، ولا جَزَزْتَ إلاّ لحمك، ولَتَرِدنّ على رسول الله بما تحمّلت مِن سَفكِ دماءِ ذريّتهِ، وانتهكتَ مِن حُرمته في عِترته ولُحمته!..

وَ حَسْبُكَ بِاللَّهِ وَلِيّاً وَحَاكِماً وَبِرَسُولِ اللَّهِ خَصِيماً وَبِجَبْرَئِيلَ ظَهِيراً. وَسَيَعْلَمُ مَنْ بَوَّأَكَ وَمَكَّنَكَ مِنْ رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا وَأَنَّكُمْ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا.

وفي مقطع آخر: استصغرت قدره، وترفعت عن محاورته ،ولم تبال بسلطانه ولا بجنده، وبالرغم من كل ما ألمَ بها من مصائب كانت أشدَ قوة وأعظم بأساً من جبروته وطغيانه.

” ولئن جَرَّت علَيّ الدواهي مُخاطبتَك، إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك!! لكنّ العيون عَبْرى، والصدور حَرّى لكن العيون عبرى والصدور حرى.. فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها ( أي لا تغسله )، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد!! يوم ينادي المنادي: ألاَ لَعنةُ اللهِ علَى الظالمين !

وتظهر شجاعة السيدة (ع) وصلابتها وقوة مواقفها هذه عندما نلاحظ الحالة  التي كانت عليها (ع) عندما اطلقت هذه المواقف، وحالة يزيد والأجواء المحيطة به،حيث نجد  في مقارنة سريعة ان هناك فارقاً كبيراً بين الحالتين اي بين الحالة التي كانت فيها زينب وبين الحالة التي كان عليه زيد، فقد:

-كانت زينب (ع) امرأة في مقابل رجل، هو يزيد بن معاوية بالذات.

-ويزيد هذا هو السلطان الطاغية القوي المهيمن الذي يملك كل وسائل القهر والقمع والسلطة والجبروت وعنده الرجال والسلاح ولديه الجاه العريض وغرور السلطان وعنجهيته وعنفوانه وزهوه،وكل ذلك له اثر في بث الرهبة والرعب في قلب امرأة لا تملك من وسائل السلطان ولا من اسباب القوة المادية شيئاً.

-ويزيد يمثل ايضا اقصى حالات الطغيان والاستكبار فلا يرى ان احداً قادر على ان يخضعه او يحتقره ويستصغر قدره او ان يملي عليه رأيه وارادته ويواجهه في عقر داره وفي مركز سلطانه بل هو يحمل في داخله الدوافع القوية لسحق كل من يعترض سبيل اهوائه وطموحاته.

يزيد هذا تتحداه زينب (ع) وتقف بكل شجاعة وقوة وفي عقر داره وبين عبيده ورجاله لتوبخه وتحتقره وتنكر عليه انحرافه وجرائمه ثم لتتوعده بالخزي والخسران .

– اضافة الى ذلك ان يزيد يجلس في بيته وقصره ويعيش الأمن والأمان والاستقرار لانه في بلده وبين اهله وجنده وحاشيته يتربع على العرش كالطاووس بينما زينب (ع) في موقع الخطر لا أمان لها وهي غريبة اسيرة مكبلة بالقيود ومحاطة بالاوغاد والسلاح.

-ثم هو يعيش زهو النصر بعد ان حقق رغباته في قتل ابن رسول الله (ص) وقضى على محاولاته في الثورة والنهوض ضد ظلمه وطغيانه ،كما انه يعيش العز الظاهري من موقع انتصاره الآني ،بينما زينب (ع) تعيش مرارة الهزيمة وحزن الانكسار وفقد الأحبة وذل الاسر و السّبي هي ومن معها من عترة رسول اللّه (ص).

هذه بعض لمحات الواقع الّذي واجهته زينب (ع) الّتي هي من جنس البشر ومن لحم ودم ولها مشاعرها واحاسيسها ،وقد واجهت (ع) كلّ هذا الواقع الصّعب والمرير بصبر وثبات،ولم تكن تملك إلا نفسها وارادتها ووعيها وطلاقة لسانها واصالة رأيها وقوة حجتها ،ولم تبال بحشود يزيد ولا بسلطانه وملكه ،ولا برجاله وسلاحه ،ولا بمكره و خداعه.ولم يؤثر شيء من ذلك كله ، في سلب إرادتها أو في ثنيها عن قول كلمة الحق امام ذلك السلطان الجائر متمردة عليه في صميم محيطه وبيئته.

إن مواجهة زينب (ع) لضغوطات واقع الانحراف والطّغيان ،في اشد الامور حساسية وأهمية وهي لا تملك الا وعيها وارادتها وثقتها بربها وشجاعتها وقوة منطقها، ثمّ تحركها في وكر يزيد وابن زياد وفي صميم محيطهما لمواجتهما ومواجهة جرائمهما بكل جرأة وصلابة يدل على انه لا مجال للاستسلام والخضوعللاعداء والمستكبرين والظالمين بحجة ضغوطات الواقع والمحيط او ضغوطات السلطة او لانهم يملكون من وسائل الضغط والقهر والظلم ما لا طاقة لنا به.

كما انه يدل على ان للمراة قوة حقيقية وقدرة على ان تواجه بارادتها ووعيها  القوى الظالمة والمعتدية والمستكبرة وان يكون لمواقفها هذه انعكاساً ايجابياً على القضايا الكبرى، فالمواقف البطولية التي وقفتها السيدة زينب (ع) في الكوفة ثم في الشام وبعد ذلك في المدينة المنورة جعلت من كربلاء تاريخاً خالداً يتجدد على مدى الزمان والمكان .

الانسان المؤمن والقوي والشعب الواعي  الملتزم قضايا وطنه والحريص على سيادة بلده لا تكسره المصائب والاحداث ولا تضعفه الضغوط والتحديات والحملات المأجورة ولا تنطلي عليه الاكاذيب والشائعات التي يروج لها الاعداء.

اذا كان البعض يتخيل انه بالتحريض والاكاذيب والحصار والتجويع  والتلاعب بالدولار بامكانه تأليب الناس على المقاومة والتأثير في خياراتهم السياسية في الانتخابات وفي غير الانتخابات، فهو واهم ولم يعرف حقيقة هذا الشعب ومستوى وعيه ولا  يعرف تاريخه ولا حكايات صموده وثباته.

لقد تعرض مجتمع المقاومة خلال المراحل الماضية لكل أشكال التحريض والتضليل والضغوط والحروب والقتل والتدمير ليتخلى عن المقاومة ولكنه لم يفعل ذلك، وبقي في الميدان الى جانب المقاومة، ولن يفعل ذلك في المستقبل مهما اشتدت عليه الضغوط بل سيبقى الى جانب المقاومة لانه مؤمن بها وبصدقها واخلاصها وسعيها لتحقيق مصالح الناس ومصلحة الوطن.

نحن نثق بشعبنا وأهلنا ومجتمعنا، ونثق تماماً أن الذي أعطى دماءه وصبر وتحمّل على مدى كل العقود الماضية، لا يمكن أن يخضع او يستسلم لهؤلاء الأعداء الذين يستهدفون مجتمعنا ومقاومتنا وبلدنا.

شعبنا يعرف تماما ان من يحرض على المقاومة ويعمل على اضعافها هو من يريد ان يعود بلبنان الى مرحلة الوهن والعجز ويفتح الابواب امام التطبيع مع العدو ويسعى لتحقيق الاهداف الامريكية والاسرائيلية في لبنان وهي اهداف معروفة كانت ولا تزال المقاومة وستبقى عائقا أساسيًا يحول دون تحقيقها.

اذا كان البعض في لبنان يحلم بالتطبيع ويحاول إن يحقق حلمه فنحن نقول له ستبقى تحلم ولن يتحقق حلمك لاننا لن نقبل ان يكون لبنان جزءا من مشروع التطبيع في المنطقة.

التطبيع لا يعالج الازمة الاقتصادية والمالية في لبنان ولا الارتهان للحارج هو العلاج ولا الخضوع للولايات المتحدة الامريكية والوثوق بوعودها الكاذبة هو الحل، فاميركا هي احد اهم اسباب الازمة التي يعاني منها لبنان ولا تريد المساعدة على الحل، الحل هو بتكاتف اللبنانيين وتعاونهم مع بعضهم وعدم الاصغاء لتحريض الخارج وعدم الارتهان للخارج وبناء اقتصاد منتج وقوي يحقق للبنانيين آمالهم وطموحاتهم ويعيد لهم ثقتهم ببلدهم.