قرية كفر جالس في ريف ادلب الشمالي، دخلت تاريخ الأحداث في سوريا من بابه العريض، حيث شهدت على أقصى ضربة تعرضت لها جبهة النصرة في الفترة الأخيرة، بخسارتها احد أبرز قادتها بينهم القيادي البارز رضوان محمود نموس* “أبو فراس السوري”.
لم يكن هذا الرجل قيادياً عادياً في صفوف جبهة النصرة، بل هو أحد الأشخاص المعروفين على مستوى تنظيم القاعدة العالمي، بدءاً بعلاقته مع أسامة بن لادن وعبد الله عزام، وانتهاء بدوره في الصراع بين الجماعات “الجهادية في سوريا”.
عندما وصل نموس إلى سوريا قادماً من اليمن، كان أحد المنقذين لجبهة النصرة ولمتزعمها أبو محمد الجولاني، بعد خسارتها امام تنظيم داعش، فأعاد تظهير الوجه القاعدي للجبهة، وساهم في جمع شمل المقاتلين، نظراً لسمعته المعروفة لديهم، ويكفي لمكانته أن جبهة النصرة “باهلت” به داعش، في ذروة الخلاف بين الطرفين.
مقتل أبو فراس السوري، وضع العديد من الجهات على قائمة المتسببين بإغتياله، في خضم ما تشهده الساحة التكفيرية من مشادات كلامية بين قادة الجماعات التكفيرية، حول العديد من المواضيع السياسية والميدانية، أبرزها الموقف من مفاوضات جنيف.
وكان لأبو فراس السوري مواقف متشددة، من مسألة مطالبة أحرار الشام لجبهة النصرة بفك ارتباطها بتنظيم القاعدة، حيث اعتبر في مقال له عنوانه “عندما ينطق الرويبضة” أن البعض ممن يطالب هذا الأمر يتقاضى أموالاً من المخابرات الإقليمية والعالمية، كما وصف قادة أحرار الشام الحاليين (التي أسسها حسان عبود وابو خالد السوري قبل مقتلهما) والجيش الحر في مقال آخر “النذير العريان” بـ “رسل المرتدين”.
كثيرون هم المستفيدون من مقتل السوري، أولهم داخل جبهة النصرة، وهو التيار الذي يقوده الشرعي السابق “أبو ماريا القحطاني”، بالإضافة إلى يوسف العرجاني “أبو حسن الكويتي” و”مظهر الويس”، ويدعو إلى فك الإرتباط مع القاعدة، والتعاون مع الجيش الحر والغرب.
ويلاحظ أن متزعمي هذا التيار هم من القيادات التي حاربت داعش في دير الزور قبل سقوطها بأيدي التنظيم، ونقموا على قيادة النصرة بسبب ما اعتبروه تخلياً عنهم، وتركهم لمصيرهم في تلك المعارك، خصوصاً وأنهم وعدوا بإمدادات لم تصل، ما دفعهم إلى التعاون مع فصائل الجيش الحر التي كانت موجودة في المنطقة حينها.
وداخل أحرار الشام، تيارات عديدة تعتبر رضوان نموس خصماً لها، حرضت عليه كثيراً، ودعت إلى عزله، خصوصاً وأن هذا الرجل يحمل كنز معلومات حول علاقة أحرار الشام بتنظيم القاعدة العالمي، الذي أمد الحركة بمقاتلين من جنسيات مختلفة في بداية تأسيسها وما زال بعضها يقاتل إلى جانبها مثل “كتيبة الإمام البخارى”، التي كان لها دور بارز في معارك ريف حلب الشمالي وفي حصار بلدتي نبل والزهراء.
وقبل أيام غرد أحد قادة أحرار الشام على موقعه على تويتر ويدعى “أبو مصطفى” قائلاً إنه “يجب أن تفهم الفصائل أن عمرها الافتراضي قد انقضى أو يكاد وعليها أن تبدأ مرحلة جديدة ..”، بالتزامن مع تحذيرات تحدث عنها العديد من المغردين من عمليات تصفية واغتيال تطال قادة من الجماعات، وأشارت إلى أن عملية استهدف أبو فراس والمجتمعين في كفرجالس، تمت “بمعلومات استخبارية أردنية و تنفيذ أميركي”، في رسالة يبدو أن أولى ابعادها، مقتل رضوان نموس.
تسريب المعلومات الإستخباراتية من داخل الفصائل لجهات إقليمية بهدف قتل المنافسين، أمر ليس بغريب على الساحة التكفيرية، واللائحة تطول. لكن ما بدا لافتاً ما تحدث عنه المدعو “سعيد القحطاني”، أحد المقريبن من قيادة أحرار الشام (بحسب حسابات تابعة لجبهة النصرة)، حيث اتهم حذيفة عبد الله عزام، بمشاركته بقتل 45 قيادياً من قادة الصف الأول بالحركة في رام حمدان بريف ادلب قبل عامين.
وقال القحطاني إن مخابرات عزام كانت تتعقب الإجتماع، متهماً إياه أيضاً بالمشاركة في قتل أبو فراس السوري.
تغريدات القحطاني أثارت جدلاً واسعاً بين أتباع جبهة النصرة واحرار الشام، حيث قام قادة الثانية وأنصارها بنفي تلك التغريدات، وأثنت على حذيفة عزام، ما أغاظ قادة الجبهة، الذين تعاملو مع كلام الرجل وكأنه صحيح، في إطار حملة تهدف إلى الإنتقام من عزام، الذي هاجم النصرة مؤخراً.
وفيما من الصعوبة التأكد من صحة تغريدات القحطاني، إلا أن الثابت هو أن تصفية السوري أمر أراح حركة احرار الشام، والتيار الناقم على تنظيم القاعدة داخل سوريا، ومن ضمنه طبعاً جماعات الجيش الحر.
وكان أبو فراس السوري انطلاقاً من مكانته داخل جبهة النصرة وكعضو في مجلس الشورى التابع لها، العائق الأكبر أمام أي طرح لفك ارتباط الجبهة بتنظيم القاعدة، وبالتالي فبعد مقتله، هل سنشهد تغيرات داخل جبهة النصرة تقربها من “الجماعات المعتدلة” بعد التخلص التدريجي من عبء إرث تنظيم القاعدة.
* من هو أبو فراس السوري؟
اسمه الحقيقي رضوان نموس، وهو من مواليد دمشق في العام 1950، والتحق بالكلية الحربية وتخرج برتبة ملازم عام 1970، وسرح من الخدمة بعد 9 سنوات بسبب اشتراكه في “مجزرة المدفعية” في حي الراموسة في حلب والتي قضى فيها عشرات الطلاب العسكريين، كونه كان يعمل سراً مع تنظيم “الطليعة المقاتلة” التي قاتلت في سوريا أواخر السبعينات، حيث كان يعمل مدرباً للمسلحين.
سافر إلى أفغانستان عام 1981 وقام بعدة دورات عسكرية للافغان وللعرب القادمين الى القتال هناك، وكان مقرباً من زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وشكل “جماعة الدعوة”، التي تولى بن لادن تمويلها، بينما دربها هو بنفسه، ثم التقى مع أبي مصعب الزرقاوي واتفقا على بدء العمل في بلاد الشام، كما ذهب إلى اليمن عام 2003، حيث بقي هناك حتى عودته إلى سوريا عام 2013، اثر الخلاف المعروف بين النصرة وداعش. كما يعتبر السوري من المقربين لأيمن الظواهري، وأحد القادة المعروفين والمعتبرين لدى تنظيم القاعدة وعناصره.
وتولى السوري منصب المتحدث الرسمي بإسم جبهة النصرة، ثم مسؤول المعاهد الشرعية فيها، بالإضافة إلى منصب عضو مجلس شورى الجبهة.
المصدر: موقع المنار