نص الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في ليلة العاشر من محرم 11-10-2016 كاملاً
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله، وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني جميعاً سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
السادة العلماء، الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجوركم، وشكر الله سعيكم، وأشكر لكم هذا الحضور الكبير والدائم على مدى الليالي الماضية وفي هذه الليلة ونتطلع إن شاء الله إلى الحضور الحسيني الزينبي الكبير جداً يوم غدٍ، يوم العاشر، يوم تجديد البيعة مع الحسين وزينب والعباس.
أيها الأخوة والأخوات، في بداية الكلمة ونحن في نهاية إحياء الليالي، يجب أن أتوجه بالشكر إلى كل أولئك الذين عملوا خلال الأيام والليالي الماضية طوال الليل والنهار من أجل حماية المدن والأحياء والبلدات والقرى التي تقام فيها هذه المجالس، حموها وحرسوها وحافظوا على أمنها وأبعدوا كل تهديدٍ عنها، لهم منا في ختام إحياء ليالي عاشوراء هنا، لهم منا كل الشكر، للجيش اللبناني، للأجهزة الأمنية الرسمية، لكل الأخوة والأخوات في الوحدات والتشكيلات المعنية سواءً في حزب الله أو في حركة أمل أو في كل الأطر التي تحمّلت مسؤولية جسيمة في هذه المرحلة الصعبة.
كما يجب أن نشكر كل أولئك الذين أداروا وأقاموا ونظّموا المجالس الحسينية هذا العام أيضاً، حيث شهدنا عدداً كبيراً من هذه المجالس، تنظيماً أفضل، أداءً أجمل وحضوراً أكبر وتفاعلاً، تفاعلاً عاطفياً ووجدانياً ومن موقع الوعي.
لكل الذين كان لهم شرف المشاركة في إحياء هذه الأيام والليالي، وخصوصاً لكم، الشكر والتحية والدعاء بالقبول إن شاء الله وبيّض الله وجوهم في الآخرة كما بيّضتم وجه سيدكم أبي عبدالله الحسين عليه السلام في الدنيا.
أيها الأخوة والأخوات، عادةً هذه الليلة أنا أتركها للحديث عن أوضاع المنطقة وأوضاع لبنان، وباعتبار أن لها عناية خاصة وحضوراً خاصاً ولذلك أنا الليلة في الوقت المتاح سأتحدث عن أوضاع المنطقة أولاً، وعن الوضع في لبنان ثانياً، ونختم الكلمة بما يتعلق بمناسبة ليلة العاشر ويوم عاشوراء.
أبدأ من حديث المنطقة، باعتبار أن ما يجري في المنطقة له تأثير أكيد وحاسم على لبنان، ولذلك المدخل هو من المنطقة، طبعاً لكثرة الملفات، لأن الليلة سأتكلم، بخدمتكم، وإذا الله سبحانه وتعالى أبقانا على قيد الحياة غداً أيضاً سنتكلم، فأنا سأقسم الملفات بين الليلة وغداً.
بالنسبة للمنطقة، موضوع الصراع مع العدو الإسرائيلي، فلسطين، المقاومة، التهديدات الإسرائيلية، العراق، البحرين، سنتكلم إن شاء الله غداً. اليوم سأركز، وطبعاً لنا وقفة مع موضوع اليمن، لكن اليوم سأركز بوضع المنطقة على موضوع سوريا وموضوع اليمن وبعدها أنتقل إلى لبنان. اليوم سوريا واليمن ولبنان، وغداً إن شاء الله إذا الله سبحانه وتعالى مدّ في أعمارنا نلتقي ونتكلم في بقية الملفات.
في وضع المنطقة عموماً أولاً كإشارة عامة، نحن نشهد في هذه الأيام، طبعاً أنا لن أتكلم عن الذي حصل منذ سنة وسنتين وثلاثة وأربعة، كل هذا سمعناه، وعن الأهداف والمشاريع والمخططات وطبيعة المواجهات، هذا كله مستحضر عندكم إن شاء الله.
أتكلم عن الوضع الحالي، ما نحن فيه وعن المديات القريبة، ما نحن فيه الآن، ما كنا فيه خلال أسابيع وما نحن فيه الآن والمديات القريبة، الأفق القريب حتى نرى أولاً، نفهم ماذا يجري عندنا، وثانياً إذا كان المطلوب منا موقف نعلن موقفاً، وإذا المطلوب منا عمل نقوم بعمل.
المشهد العام في المنطقة هو مشهد تصعيد وتوتر، خلافاً لما كان عليه قبل أشهر. قبل أشهر بدا وكأن المنطقة تكاد أن تدخل في مسار التسويات السياسية والحلول السياسية.
مثلاً المفاوضات اليمنية في الكويت، أعطت انطباعاً أنه من الممكن أن تذهب الأمور إلى حل سياسي في اليمن ووقف الحرب. اللقاءات الدولية في فيينا وغير فيينا، والحوار الثنائي المباشر بين الأميركيين والروس والوصول إلى اتفاقات معينة أيضاً أعطت ايحاء أن سوريا ستذهب إلى حل سياسي معين.
ولكن في الأسابيع القليلة الماضية كل هذا المسار السياسي التفاؤلي والذي يمكن أن يعطي انطباعات إيجابية معينة انتهى، سقط، المفاوضات في الكويت فشلت قبل مدة، الاتفاقات الروسية الأميركية، سأعود إليها بعد قليل، أيضاً الأميركان انسحبوا منها وعلّقوا التفاوض وعلّقوا الاتصال السياسي، وإن كانوا سيتكلمون اليوم مرة أخرى مع بعضهم، وعاد جو المنطقة إلى جو التصعيد والتوتر على أكثر من صعيد، التوتر والتصعيد في سوريا والمعارك المحتدمة في أكثر من مكان، التوتر والتصعيد في اليمن والذي وصل غايته في الأيام القليلة الماضية من خلال المجزرة المهولة الوحشية التي ارتُكبت في الصالة الكبرى في مدينة صنعاء، التوتر العراقي التركي الجديد على مستوى القيادات وعلى مستوى الميدان، ما يقال أيضاً عن توتر مصري سعودي، والأهم والأخطر هو التوتر الأميركي الروسي على خلفية مسائل سوريا وأوكرانيا والدرع الصاروخية في أوروبا. إذاً للأسف الشديد، إذا كنا نريد أن نرسم مشهد المنطقة خلال الفترة الحالية هو مشهد توتر، مشهد تصعيد، الناس لا تتكلم مع بعض، لا تجلس مع بعض، غير واضح أن هناك مساراً مفتوحاً للتفاوض، فضلاً عن مسارات للحلول السياسية.
حسناً، هذا المشهد العام. نأتي للملف الأول، سوريا. في سوريا قبل أسابيع كان هناك فرصة من خلال الاتفاق الأميركي الروسي، بمعزل عن موقفنا، أنا لا أتكلم بلغة تأييد أو عدم تأييد، أنا أوصّف، من خلال الاتفاق الروسي الأميركي كانت سوريا أمام فرصة لوقف القتال وأمام فرصة لإعادة اطلاق المسار السياسي، ولكن سرعان ما خرج الأميركييون من الاتفاق، لأن الاتفاق كان يقضي في جملة بنوده، أو من جملة بنوده، تمييز جبهة النصرة عن بقية جماعات المسلحين في سوريا وتحديد مناطقها وبالتالي وضع مناطق النصرة ومناطق داعش تحت الاستهداف المشترك الأمريكي الروسي، واتخاذ قرار كبير جداً بمكافحة هاتين الجماعتين كمقدمة لانطلاق المسار السياسي في سوريا بين النظام وبقية فصائل المعارضة.
الأميركيون انسحبوا من هذا الاتفاق وعطّلوه، بل قطعوا الاتصالات السياسية، بكل بساطة لأنهم اكتشفوا – أنا واحد من الناس حقيقة لما رأيت الاتفاق تفاجأت، أنه معقول الأميركان قبلوا بذلك – بكل الأحوال إما هناك خلافات داخل الإدارة الأميركية أو بعد ذلك اكتشفوا بأن فصل النصرة عن بقية الجماعات المسلحة وخصوصاً في إدلب وحلب غير متاح لأن العلاقة بين جبهة النصرة وأغلب هذه الجماعات المسلحة هي علاقة عضوية، أو لأنهم اكتشفوا أن تحييد النصرة وضربها وإنهاءها سوف يجعل كل الجماعات المسلحة الباقية ضعيفة وهزيلة وغير قادرة على مساعدة أميركا في تحقيق أهدافها وفرض شروطها في سوريا، ولذلك انسحب الأميركيون من الاتفاق.
حسناً، إلى أين في هذا المسار؟ من الواضح أن الإدارة الأميركية، ولا أقول حلفاءها وإنما أتباعها في المنطقة، سيواصلون تقديم كل أشكال الدعم المالي واللوجستي والإعلامي والسياسي للجماعات المسلحة في سوريا من أجل مواصلة القتال.
في موضوع داعش، الأميركان عندهم مشروع يعملون عليه، وهذا ما تحدثت عنه السيدة كلينتون في الأيام القليلة الماضية بشكل واضح. المشروع هو تكديس، جمع داعش في منطقة معينة في سوريا، هي المنطقة الشرقية من سوريا، يعني الرقة، دير الزور وصولاً إلى الحدود الأردنية العراقية وعلى امتداد الحدود العراقية السورية بمعزل عن منطقة الأكراد.
حسناً، أولاً كلينتون تكلمت عن هذا الموضوع. اثنين في معركة الفلوجة ومعارك الأنبار، لمعلوماتكم ومعلومات المشاهدين، كان الأميركيون يفتحون الطرق أمام داعش، المهزومة في الفلوجة، والمهزومة في الأنبار، لتخرج إلى سوريا وتحت عين الطائرات الأميركية وسلاح الجو الأميركي، بدل أن يتم قصفهم وضربهم أو احتجازهم واعتقالهم، وإنما يتم إرسالهم إلى سوريا. الآن أثناء التحضير لعملية الموصل وهذا ما يجب أن ينتبه له الأخوة العراقيون، أيضاً هناك مساعٍ لفتح الطرق أمام داعش لتخرج من الموصل وتتكدس في المنطقة الشرقية، في الرقة وفي دير الزور. من المؤشرات أيضاً تراجع الأميركيين عن معركة الرقة، مضى عليهم سنتان وهم يقولون موصل والرقة.. الآن واضح جداً أنهم تخلفوا عن معركة الرقة وتركيزهم على معركة الموصل. المؤشر الإضافي أيضاً هو الغارات التي شنّها سلاح الجو الأمريكي على مواقع الجيش السوري في دير الزور، ولم تكن خطأً إنما كانت عملاً متعمداً، كان الهدف منها إسقاط مواقع الجيش السوري ليسقط المطار في دير الزور ولتسقط المنطقة، بقية مدينة دير الزور بالكامل في يد داعش، لأن امريكا تريد لداعش أن تسيطر على منطقة الرقة ودير الزور إلى الحدود إلى السخنة إلى مقربة تدمر، لماذا؟ بعد قليل أقول لماذا. أما بقاء داعش في شمال حلب فلم يعد مهما لأمريكا، شمال حلب تركته أمريكا لحلفائها الاتراك والجماعات المسلحة المتعاونة مع الجيش التركي.
حسناً إلى أين تريد أمريكا أن تصل؟ المنطقة الشرقية تريد أن تكدّس فيها داعش وتكنسها من العراق وتكدّسها في سوريا. في منطقة إدلب وحلب تدافع وتحاصر وتسمح بأن يقدم الدعم المالي والتسليحي لجبهة النصرة التي هي (تنظيم) قاعدة التي تورطت بأحداث الحادي عشر من ايلول وهم يقولون إنها قتلت ثلاثة آلاف أمريكي. لماذا كل هذا الكرم الأمريكي على النصرة وعلى داعش؟ لأنه ببساطة لم ينتهِ زمن الاستخدام في سوريا. هناك أهداف أمريكية في سوريا وهناك أهداف اسرائيلية في سوريا، سيتم استخدام داعش والنصرة من حيث تعلمان أو لا تعلمان لتحقيق وخدمة هذه الأهداف. الكل يتذكر عندما أعلن الاتفاق الروسي الأميركي أو اعلن بعض بنوده وأنه سيكون هناك عمل مشترك أمريكي – روسي لضرب داعش والنصرة في سوريا أول من ارتفعت صوتهم واحتجاجهم كانوا الإسرائيليين، وقالوا بصراحة: أنتم أيها الأمريكيون ماذ تفعلون؟ إذا ما ضربتم داعش والنصرة في سوريا، هذا يعني أنكم تركتمونا لوحدنا، استعمَلوا هذه العبارة، أي أنتم تتركون إسرائيل وحيدة في المنطقة في مواجهة سوريا وحزب الله وفصائل المقاومة، فاحتج الإسرائيليون وحرّكوا كل جماعاتهم، جماعات الضغط التابعة لهم في الولايات المتحدة الامريكية. إذا الاستخدام للأسف لم ينتهِ وبالتالي في المدى المنظور لا يبدو أن هناك أفقاً للأسف لحلول سياسية أو معالجات سياسية، وأنا لا أعلم هل ما بقي من مدة زمنية أمام الإدارة الأمريكية الحالية هل يمكن أن يساعد، أي ما لم تفعله خلال العام والعامين الماضيين هل تستطيع أن تنجزه خلال أسابيع قليلة؟
على ما يبدو ليس هناك في الموضوع السياسي أي أفق، الظاهر أن الساحة مفتوحة على المزيد من التوتر والتصعيد والمواجهات.
طبعاً ما هو المطلوب على هذا الصعيد؟ المطلوب هو الثبات، المطلوب هو الصمود، المطلوب هو البقاء في الميادين. منذ بداية الأحداث في سوريا هم راهنوا على تحقيق انتصار حاسم خلال أسابيع قليلة، ونحن الآن في العام السادس وعجزوا عن إسقاط سوريا وعن السيطرة عليها. هذا إنجاز كبير للقيادة السورية، للجيش السوري، للقوات الشعبية في سوريا، لحلفاء سوريا الذين وقفوا إلى جانبها وساندوها وساعدوها ومنعوا إلى جانب قواتها المسلحة أن تسقط سوريا في يد هذه الجماعات التكفيرية التي ترتبط بالسفارات وأجهزة المخابرات المتنوعة في العالم.
هذا الإنجاز، بالحد الأدنى يجب الحفاظ عليه. بالتأكيد يجب السعي لتحسين الأوضاع الميدانية ما أمكن ويجب السعي لفتح أفق سياسي جديد من أي فريق، هذا خط دائم، لأننا جميعاً كل الذين يدافعون في سوريا وعن سريا، يدافعون عنها وعن محور المقاومة وعن قضايا الأمة انما يتطلعون إلى الحل السياسي، لا يتطلعون إلى المزيد من سفك الدماء، يتطلعون إلى الحل السياسي.
من الذي يعطل الحلول السياسية والمسار السياسي، معروف من: الاميركان، السعودية، بعض الدول في الاقليم التي تضغط على هذه الجماعات وتضع شروطاً تعجيزية، أنا عندما أتحدث عن اليمن تصوروا أن السعودية تربط أي حل سياسي في اليمن ببقاء الرئيس التي انتهت مدته، مدته خلصت، وهو غير قانوني وهو غير شرعي، لكن هي تربط مسار الحرب كله ببقاء رئيس انتهت مدته، بينما في سوريا ترفض الحل السياسي وتشترط للحل السياسي ذهاب الرئيس المنتخب من شعبه والذي ما زال في ولايته. حسناً أكثر من هذا، الرئيس الأسد والقيادة السورية قبلوا أو قد يقبلون بانتخابات رئاسية مبكرة ضمن إطار حل سياسي انتقالي، أنتم تتحدثون عن الديمقراطية وعن الانتخابات وعن حكم الشعب، ونحن نؤيدكم في هذا، ونقول: جميعاً تعالوا لنحتكم للشعب السوري، دعوه ينتخب الرئيس الذي يريد، لماذا ترفضون أن يترشح في أي انتخابات رئاسية مبكرة أن يترشح الرئيس الأسد، لماذا؟
ألستم تقولون ـ طبعاً السعودية والأميركان وكل جماعاتهم ـ ألستم تقولون إن هذا الرئيس فد شعبيته، حسناً دعوه يسقط في الانتخابات، لماذا تخافون من الانتخابات؟ لماذا تفرضون شروطاً مسبقة ؟
إذاً، الحل السياسي واضحة معالمه الطبيعية المنطقية. عندما تم الحديث عن حكومة انتقالية وعن مصالحة وطنية وعن انتخابات، لكن هناك من يصر على إنهاء كل هذا الوضع، لأن الهدف في الحقيقة لم يكن في يوم من الايام لا الديمقراطية في سورية ممن ليس لديهم ديمقراطية، ولا الانتخابات في سورية ممن ليس لديهم انتخابات. المقصود أن تسقط سوريا وأن تضعف وأن تمزق وأن تقسّم من أجل عيون صديقهم الإسرائيلي وحليفهم الإسرائيلي، لأن سوريا كانت وما زالت وستبقى العقد الأساس في محور المقاومة..
لذلك هم يرفضون أي حل سياسي، ويريدون للمعركة أن تستمر في سوريا وللنزيف أن يستمر، هذا ما تريده أميركا وهذا ما تريده إسرائيل وهذا ما تساعد عليه بعض الدول الإقليمية والخليجية، التي لو كانت واقعاً وفعلاً تريد الخير للشعب السوري فإن عليها أن تقبل بالحل السياسي وبالمرحلة الانتقالية وبالانتخابات بلا شروط، وليترشح من يترشح، ولينتخب الشعب من يريد أليس هذا هو احترام إرادة الشعب، عندما نتحدث عن الشعب السوري وتحقيق أمانيه وغاياته. يجب أن لا نيأس بكل الأحوال من الحل السياسي ويجب أن نواصل العمل جميعاً.
أيضاً هناك ملف يجب أن لا يُنسى وأن لا يُهمل في كل الاحوال هو الملف الانساني. حيث يمكن إجراء مصالحات في أي مدينة أو قرية، حيث يمكن ايصال مساعدات انسانية إلى أي مدينة أو قرية يجب أن يحصل ذلك بمعزل عن كل التطورات والأحداث. اسمحوا لي أن اثير أمامكم وأمام الرأي العام مأساة بلدتي الفوعة وكفريا اللتين ما تزالان محاصرتين منذ وقت طويل وتعانيان، المعاناة الإنسانية والنقص بالمواد الغذائية والطبية والصحية والقصف الدائم.
أنا أقول لكم بكل صدق: الحكومة السورية دائما كانت منفتحة على أي علاج وحل شامل لقضية الفوعة وكفريا والزبداني ومضايا. ولكن الذي يعطل أي حل شامل لإنهاء معاناة السكان والمدنيين في هذه البلدات هم الجماعات المسلحة والدول التي تقف خلفها، وإلا ـ دائماً ـ كانت اليد ممدودة وكل المساعي في الليل وفي النهار من أجل الوصول إلى خاتمة.
في كل الأحوال نحن نحيي صمود الناس، الرجال والنساء والأطفال والمقاتلين الأبطال في بلدتي الفوعة وكفريا ونقول لهم: لم ينسَكم أحد ولن ينساكم أحد، وفي نهاية المطاف علينا جميعاً أن نعمل وأن نصمد وأن نبني الجهود للوصول بهذه القضية إلى الخاتمة المطلوبة.
إذن في الملف السوري هذا ما احببت أن أعرضه بين أيديكم ولكن لي كلمة أخيرة للشعب السوري بكل أطيافه: نحن في السنوات الاخيرة شهدنا في سوريا قتالاً عنيفاً ودموياً ووحشياً بين أبناء التنظيم الواحد، جماعة “القاعدة”، حيث أصبحوا جماعتين: “داعش”و”النصرة”. قتلوا بعضهم، قتلوا أسرى بعضهم، قاموا بتصفيات، نفذوا بحق بعضهم عمليات انتحارية، سبوا نساء بعضهم، كفّروا بعضهم، أهرقوا دماء بعضهم، أباحوا دماء وأعراض واموال بعضهم بعضاً، هذا حصل أو لم يحصل؟ وما زال يحصل. أيضا شهدنا في الغوطة الشرقية قتالاً دامياً وقاسياً بين جيش الإسلام وجماعات مسلحة أخرى واستمر لأشهر وقتل المئات (البعض يقول ألفاً أو الفين) أنا أحتاط، أقول المئات، وجرح الآلاف ودمرت بيوت وما زالت الغوطة التي بيد المسلحين، الغوطة الشرقية منقسمة وفيها خطوط تماس، في شمال حلب، في إدلب، عندنا هنا في جرود عرسال، ألم يكن هناك قتال؟ الآن ماذا يجري في منطقة إدلب وفي مناطق حماه؟ قتال دموي وحشي بين أحرار الشام وبين جند الأقصى، مئات القتلى، مئات الجرحى، العمليات الانتحارية، التفجيرات، القصف على القرى، الاقتحامات المتبادلة.
أنا لا أتحدث عن هذا المشهد حتى أملأ الوقت. أنا أود أن أقول للشعب السوري: لو سلّمتم سورية لهؤلاء، لو لم تصمد القيادة السورية والجيش السوري والشعب السوري المؤيد لهذه القيادة ولهذا الجيش، لو لم يصمدوا، لو سقطت سورية في يد هؤلاء، فإن حاضرها ومستقبلها لسنوات طوال فقط الله يعلم متى ينتهي هذا المشهد، مشهد التقاتل بين هذه الفصائل التي لا عقل لها ولا ثقافة لها، الغارقة في التكفير وفي الدموية وفي الحساسيات الحزبية والفصائلية وليس لديها ضوابط وليس لديها من ترجع إليه وتحتكم عنده وتخدم هذه الدولة وتلك السفارة وجهاز المخابرات.
هذا للأسف الشديد فقط، إذا أردت تقديم مشهد للشعب السوري أقول لهم انظروا، هذه أفغانستان، المقاومة الأفغانية التي قاتلت الاحتلال السوفياتي بحقّ وألحقت به الهزيمة، ولكن تسلل إليها، إلى أحزابها، إلى فصائلها الجهادية، تسلل فكر القاعدة والفكر الوهابي والفكر التكفيري، فبمجرد أن خرج السوفياتي من افغانستان بدأ القتال بين الفصائل وتمزق البلد: باشتون، وأوزباك، وهزارة ولا أعرف ماذا؟ ومازال الصراع قائماً حتى الآن. منذ أكثر من عشرين سنة أو ثلاثين سنة لم يتذوق الأفغان طعم الانتصار. لقد حوّل هذا العقل الظلامي التكفيري انتصار الأفغان إلى جنازة ولم يسمح لهم أن يقيموا للنصر أعراساً. وهكذا المشهد سيكون في سورية. حيثما يحل هذا العقل وهذا التفكير وهذه الثقافة وهذه الجماعات لا تتوقعوا لا هدوءاً ولا أمناً ولا استقراراً ولا ثباتاً ولا حكومة ولا انتخابات ولا دولة ولا تنمية ولا مستقبلاً ولا علماً ولا زراعة ولا صناعة ولا أي شيء.
ولذلك الأمر بأيديكم أنتم، أنتم أيها الشعب السوري الذي يستطيع أن يحسم هذا الصراع وهذه المعركة.
أنتقل إلى الملف اليمني. قبل أن أبدأ بالحديث عن الملف اليمني قرأت أمس واليوم في بعض الصحف مقالات لبعض الصحافيين اللبنانيين يقولون: إذا صعّد السيد بليلة العاشر بوجه السعودية بسبب مجزرة صنعاء فيكون يخرّب فرص وصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية.
أنا لا أفهم ما هو الربط بين الأمرين: هناك عدوان سافر في وضح النهار وليس ليلاً في وضح النهار على صالة كبيرة وربما بحجم هذه الصالة أو أصغر أو أكبر بقليل لا أعلم.
والناس محتشدون لا هو ثكنة عسكرية ولا هو موقع عسكري وهم يعلمون أن هذا مجلس عزاء، هناك ناس توفاهم الله، والناس أتوا ليعزوا. يأتي الطيران السعودي ويقصف هذه الصالة عامداً متعمداً عارفاً ومعتقداً أن فيها عدداً كبيراً من القيادات السياسية والعسكرية، وكان يتعمّد أن يلحق أكبر قدر ممكن من الخسائر لمن هو موجود في الصالة.
هذا الحدث المروع الهائل، من لا يتحدث بهذه الدنيا تحدث (عنه)، يا أخي الأمين العام للأمم المتحدة الذي فقط يعبر عن قلقه ونريده لو لمرة أن يتحدث، ينطق. إذا الأمين العام نطق تريدون مني الذي من الليلة الأولى من الحرب على اليمن (تحدثت) أسكت بسبب هذه الفاجعة أو بسبب هذه المعادلة؟
ومع ذلك أنا لست شتاماً أنا لست شتاماً ولا سباباً بمعزل عن الانتخابات الرئاسية ويجب أن لا يكون هناك ربط بينهم لأن هذا اسمه ابتزاز، هذا هو توظيف سيء.. وكفى.
أنا على كل حال لست سبّاباً ولا شتّاما، وإنما أريد أن أتحدث عن الوضع بمنطقية وبموضوعية، وإذا كان الحديث بواقعية وموضوعية ومنطق أيضاً ليس مقبولاً، فهذا بات بحثاً آخر.
في اليمن أيها الإخوة والأخوات هناك حرب دائرة منذ أكثر من سنة ونصف، ارتكب فيها النظام السعودي خطأً تاريخياً، سأعود للهدف، ارتكب خطأً تاريخياً عندما ظن أنه يستطيع أن يحسم معركة اليمن وأن يسجل نصراً حاسماً وعظيماً وتاريخياً في اليمن خلال أسابيع.
العقل المستكبر، العقل المستعلي، الذي كان يستضعف اليمنيين على مدار عشرات السنين وكان يحتقرهم وكان يتطلع إليهم بنظرة دونية، كان يتصور أن هؤلاء اليمنيين عندما تعلن الحرب من الشقيقة الكبرى السعودية ومعها تحالف عربي ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية سيسارع اليمنيون إلى الهروب والاستسلام والخضوع والانسحاب من أي مواجهة وسيقولون للسيد السعودي تفضل أهلاً وسهلاً بك. هذا الخطأ في التشخيص في الفهم سببه هذا العقل وهذه الطريقة في التفكير.
على مدى أكثر من سنة ونصف، حرب ضروس على الشعب اليمني، لم يبقوا شيئاً الحمد لله أمس بان كيمون حتى بهذا تحدث، كثّر الله خيرك، مستشفيات، مدارس، مساجد، مقابر، الآثار التاريخية والحضارية، الأسواق، المدن، القرى، السفن، كل شيء، هل يمكن لأحد أن يقول لي هل هناك شيء باليمن لا يقصفه الطيران السعودي وطيران التحالف، فقط يخبر عن عنوان، أنه نعم هناك هذا لم يقصف.
كل شيء، وأعداد كبيرة جداً من الشهداء والجرحى، ولكن في المقابل اليمنيون صمدوا، مع صمت العالم وسكوت العالم وخنوع العالم، لأنهم يخافون الإعلام ويطمعون بالمال ولديهم حسابات سياسية. هذا الشعب المظلوم على مدى أكثر من سنة ونصف وقف وصمد وقاتل وثبت في الميدان وصنع الملاحم والانتصارات.
ولذلك الآن السعودية ماذا تفعل؟ ما هو الحل لديها؟ ليس لديها حل إلا أن تقبل بالحل السياسي، ومع كل مظلومية اليمنيين قبلوا بالتفاوض وقبلوا بالحل السياسي وذهبوا إلى الكويت، ولكن وجدوا في الكويت من يقول لهم اخضعوا واستسلموا وسلّموا، وهم ما قاتلوا ليستسلموا.
الآن، هذه المجزرة المهولة هي فضيحة كبرى لهذا النظام السعودي لأنه أولاً نفس الجريمة، نفس العدوان، نفس القصف على هذه الصالة وعلى الناس المجتمعين فيها لا يمكن لأحد أن يخرج ويدعي أنها هدف عسكري أو قربها مواقع عسكرية، لم يكن هناك أي سبب على الاطلاق، مع ذلك هذا حصل.
ثانياً: تنصل وكذب، خرج الإعلام التابع لهم يقول: هذه عبوة متفجرة ونتيجة الخلافات الداخلية بين اليمنيين. جيّد أن هناك هاتف خلوي أيضاً له فوائد، ليس كله شيطان، تبيّن أن له فوائد، من فوائده أن الناس صورت الصالة تُقصف، هذا الدخان والشظايا هذا ليس دخان عبوة متفجرة ولا عملية انتحارية، هذا قصف من الجو، ومع ذلك بقوا على إصرارهم أنه ليس لهم علاقة وليس لديهم علم. تفضلوا وأجروا تحقيقاً دولياً محايداً، لا يريدون.
اليوم أُعلن أن عدد الجرحى أصحاب الأوضاع الصعبة 600 جريح في صنعاء لا تسمح السعودية لهم بمغادرة البلد ليعالجوا في الخارج ولا تسمح لأي دولة في العالم أن ترسل أطباء أو مساعدات طبية إلى صنعاء لمعالجة هؤلاء الجرحى. لا يوجد أحد ارتكب مجزرة (واكتفى)، بل هو مصر على أن تستكمل مفاعيل المجزرة بأن هؤلاء الستمئة أيضا يموتون ولا يسمح لهم بأي فرصة علاج. هذا ماذا تسمونه بحسابات الإنسانية وبحسابات الدين وبحسابات القيم وبحسابات العروبة؟ هذا أين يصنف وبأي دائرة يصنف؟
في كل الأحوال عسى أن تتحول هذه المجزرة أو يجب أن تتحول إلى وسيلة لإيجاد خاتمة لهذه الحرب. يجب أن يقنع العالم السعودية وأن تقتنع السعودية أن لا أفقَ لهذه المعركة وأن لا أملَ لها بالانتصار في هذه المعركة وأن الذي سينتصر في نهاية المطاف هو هذا الدم اليمني المسفوح ظلماً في مدن وقرى وحدود اليمن الشريف.
يجب أن يعلموا أن لا مستقبل لهذه الحرب على الاطلاق وأن إصرار السعودية ـ السعودية هي كل الحرب على اليمن، الباقي كله روتوش وديكور وملحق باختياره ورغماً عنه.. ـ إن إصرار السعودية في الحرب على اليمن هي لن تخسر اليمن فقط، صدقوني، المنطق، قوانين التاريخ، المعادلات تقول ستخسر نفسها. القيادة السعويدة الحالية تدفع بالمملكة العربية السعودية إلى الهاوية.
أنظروا اليوم، أنفقت السعودية مليارات الدولارات لتقدم لها صورة مشرقة في العالم لتوجد لنفسها مكاناً محترماً في العالم على المستوى الإعلامي والسياسي والدبلوماسي، وأنها مملكة الخير وهي التي تساعد الشعوب وتمدّهم بالمال وبالمساعدات الإنسانية وأنها هي رمز الإسلام وأنها.. وأنها…
وبذلت جهوداً مضنية لتثبت نفسها موقعاً إقليمياً وشريكاً إقليمياً الآن وأيضا دولة غنية، لكن الآن أين هي السعودية؟ أين هو احترامها في العالم، والعالم كله بدأ يستيقظ ويعي جيداً أن كل إرهاب في هذا العالم في أي زاوية من زوايا هذا العالم يرجع مرجعه بالفكر وبالمال إلى هؤلاء.
أين هي مكانتها وأين هو احترامها وأين هو اقتصادها الآن؟ أين هو اقتصادها؟
مئات المليارات ستسجن في البنوك، في السجون الاميركية، لتسلب من السعوديين بالقانون الجديد.
إلى أين هم ذاهبون، بالسياسة والاقتصاد والموقع وبالاحترام وبالتقدير وحتى بالميدان، وأنتم عاجزون عن أن تدافعوأ عن مواقعكم في الحدود، مواقعكم المدعومة من الجو والتي فيها دبابات أكثر مما فيها جنود أمام الحفاة، الحفاة اليمنيين.
لذلك الحل المتاح اليوم هو أن يعود الحكّام في السعودية إلى عقولهم أن يعودوا إليها وأن يُنصحوا من حلفائهم وأصدقائهم. إذا كان هناك من صديق للسعودية في أي مكان في العالم، في لبنان وغير لبنان، بدل أن بقوموا بعد قليل بالرد عليّ، أن يقدموا نصيحة إلى حكام السعودية بأن يكفّوا عن سفك دماء اليمنيين وإلا فإن هذا الدم سيجرفهم إلى أبد التاريخ.
حسناً، نتقل في الوقت المتبقي إلى الملف اللبناني الداخلي، نحن على المستوى الوطني، وخلال كل السنوات الماضية، أول أمر مهم أننا جميعاً متفقون على الحفاظ على الأمن في لبنان والاستقرار والسلم الاهلي، وفي هذه الليلة يجب أن نؤكد بكل جدية أن هذا الالتزام يجب أن يكون التزاماً قاطعاً لدى كل اللبنانيين ولدى المقيمين في لبنان، سواء كانوا لاجئين أو مهجرين أو مقيمين أجانب، السلم الأهلي في لبنان، والاستقرار والأمن هو أساس لكل شيء، للسياسة، للاقتصاد، للانتخابات، للرئاسة، لحل الأزمات المعيشية.
لقد استطاع اللبنانيون، وهذه من النقاط الإيجابية الممتازة جداً، بالرغم من انقسامهم السياسي الحاد فيما يتعلق بالشأن اللبناني، وفيما يتعلق بشؤون المنطقة، بالرغم من انقسامهم الحاد، تمكنوا من أن يحافظوا على الأمن والاستقرار والسلم الأهلي. طبعا صادفت أنه هناك على ما يبدو إرادة دولية وإقليمية، بأن لا يخرّبوا لبنان، لأنه إذا خرب لبنان، فتداعيات ذلك ستكون خطيرة على الجميع وخصوصا على أوروبا التي عليها أن تستقبل حينئذٍ ملايين المهاجرين إليها.
بكل الأحوال، الأمن والاستقرار والسلم الأهلي خط أحمر، وهذا يعني أنه يجب أن يقدم كل الدعم والمساندة للجيش اللبناني وللأجهزة الأمنية اللبنانية بمعزل عن أي تصنيف سياسي، وبمعزل عن أي ملاحظات سياسية لأن عماد الحفاظ على الأمن في لبنان هو الجيش والأجهزة الامنية، وتباني اللبنانيين، وتفاهمهم وحرصهم على استقرار بلادهم، هذا أولاً.
ثانياً في الموضوع السياسي: خلال الأسابيع القليلة الماضية، دخل البلد في مسار سياسي إيجابي، لا أريد أن أبالغ ولا أريد أن أسخّف الأمور، دخل البلد في مسار سياسي إيجابي، فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة اللبنانية، وهذا التحول الذي يُتحدث عنه ضمناً أن رئيس تيار المستقبل سيتبنى أو قد يعلن موافقته أو دعمه لترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
نحن ـ بطبيعة الحال ـ أي تحولات سياسية إيجابية توصل الاستحقاق الرئاسي إلى النتيجة المرجوة، نحن نؤيدها ونساندها ونرحب بها ونشجع عليها، وأيضاً نعترف لمن يملك هذا التحول بالشجاعة وأيضاً بالحرص على أن يوجد المخرج المعقول والمطلوب لهذا المأزق السياسي القائم في لبنان.
في هذا المسار الإيجابي السياسي يجب أن نؤكد أولاً تفعيل العمل الحكومي، وأنا ادعو حلفاءنا وأصدقاءنا وأنفسنا أن نعود بشكل كامل إلى الحكومة في مقابل التزام مكونات الحكومة بالميثاقية وبالشراكة وأن نثبت ذلك لمن ترك أو قاطع.
ثانياً العمل بجدية من أجل فتح أبواب المجلس النيابي على المستوى التشريعي من جديد. الآن هناك أناس مشترطين بقانون انتخاب وغير ذلك وتشريع ضرورة، انتم تعرفون رأينا ونحن نختلف فيه عن بعض حلفائنا وأصدقائنا، نحن في حزب الله رأينا أن يجتمع المجلس النيابي وأن يعمل بشكل طبيعي، لكن لأن هذا الموضوع بحاجة إلى تفاهمات يجب أن تبذل جهود خلال هذه الأيام للوصول إلى نتيجة.
المهم يجب أن يكون نصب أعيننا هدف اسمه عدم تعطيل التشريع في المجلس النيابي، لأن هناك ملفات مالية وصحية وبيئية واجتماعية وحقوقية وما شاكل، كلها تنتظر على بوابات المجلس.
ثالثاً، نصل الى موضوع الرئاسة، وهنا فلتسمعوني جيداً، في موضوع الرئاسة، حزب الله منذ اليوم الأول كان خياره واضحاً، وحتى قبل الإعلان عن خياره كان خياره واضحاً.
وقبل عامين، وفي مثل هذه الليلة، ليلة العاشر من محرم، أنا أعلنت أمامكم أننا نحن بشكل واضح وعلني. لأنه لمدة من الزمن بقيت بعض القوى السياسية تشكك وتقول: حزب الله يقول للعماد عون إننا معك ولكن لا يريده، إذا كان يريده لماذا لا يعلن؟
عندما أعلنّا، قالوا إن إعلان حزب الله دعمه للعماد عون لأنه لا يريد العماد عون ! “والله حيرتونا”! إذا سكتنا، تقولون إننا لا نريده، واذا تكلمنا تقولون بأننا “نحرقه” يعني لا تريدونه.
على كل نحن أعلنّا دعمنا لهذا المرشح الطبيعي، لسنا نحن من رشحناه، هو مرشح، ونحن دعمنا هذا المرشح، كأي حزب سياسي في البلد وكأي كتلة نيابية لها أصوات في المجلس النيابي ستشارك في انتخاب الرئيس. حسناً، اختلفنا ونحن أخذنا خياراً أن لا نذهب إلى أي جلسة مجلس نيابي إذا لم نضمن وصول المرشح الذي ندعمه إلى الرئاسة، وهذا حقنا السياسي الطبيعي والقانوني.
منذ تلك اللحظة فتح علينا سيل من الاتهامات ما زال قائماً حتى هذه اللحظة وسيبقى حتى انتخاب الرئيس، أننا نحن نعطل انتخاب الرئاسة ونحن لا نريد رئيساً، وحتى بعد انتخاب الرئيس، حتى لو نزلنا إلى مجلس النواب، وانتخبنا رئيساً، هؤلاء يتكلمون وسيبقون يتكلمون بأن الحزب ما كان يريد ذلك، ولكن غصباً عنه نزل، “وحياتكم هيك”، ولذلك نحن أخذنا قراراً منذ سنتين أن لا نكون مضغوطين لهذا الاتهام.
الآن وصلنا إلى المسارالجديد، قبله نحن تعرضنا للكثير من الضغوط، قبله كانوا يقولون لنا من موقع الاتهام، يقولون لنا أنتم بسبب عدم ذهابكم الى المجلس النيابي، عطلتم الرئاسة وبالتالي عطّلتم مجلس النواب وبالتالي عطّلتم مؤسسات الدولة وبالتالي عطّلتم مصالح الناس. لسنتين هذا الكلام يحكى، ونحن لم نبدّل موقفنا، يوجد أناس اليوم “شغلتهم وعملتهم” أن “لا يعملوا استحقاق رئاسي”، شغلتهم وعملتهم كيف يستفيدون من التطورات الرئاسية ليخلقوا فتنة بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وليخلقوا فتنة بين حزب الله وحركة امل، ولكي يفتعلوا فتنة بين حزب الله وتيار المردة، وليفتعلوا فتنة بين الحافاء بعضهم البعض، أصلاً هم غير مهتمين كثيراً لوصول الرئيس من عدمه.
قبل أسابيع، إخواننا كانوا لا يزالون يتكلمون بشكل طبيعي حول ترشيح العماد ميشال عون، فقيل وكتب في الصحف وأيضاً قيل للأصدقاء والحلفاء في التيار الوطني الحر إن هذا الخطاب المتكرر من حزب الله بتأييد العماد ميشال عون يستفز السعودية ويستفز المستقبل، ويعطل القصة ويصعبها.
عظيم نحن فهمنا، “قمنا سكتنا”، ألم تلاحظوا أننا ساكتون، الآن أنا أتكلم الليلة، نحن منذ ثلاثة اسابيع تفاهمنا بين بعضنا في حزب الله إنه يا أخي فلنسكت، لما سكتنا، ماذا قالوا؟ صاروا يقولون، إنه عندما صارت مسألة الجنرال عون جدية، هذا حزب الله “انفنس” وسكت، والصمت الرئاسي عند حزب الله، على كل حال نحن “مش مخلّصين”.
لكن نحن ماذا؟ نحن أهل الصدق ونحن أهل الوفاء ونحن أهل الالتزام بالموقف، هكذا كنا وهكذا نبقى، لا يتغير عندنا شيء. حصلت اتصالات دولية واتصالات إقليمية وضغوط بأشكال مختلفة حتى نتراجع عن هذا الالتزام مع العماد ميشال عون، أصلا قبل عام تقريباً، قدم لنا طرح يعني مفترض أنه يجب أن نمشي فيه والناس تقول لك ذلك، لا أدري ماذا يمكن تسميته: “طرح مشوق” “مشجع” وهو أن (تيار) المستقبل قام بترشيح صديقنا وحليفنا العزيز الوزير سليمان فرنجية، على أمل ـ وهكذا قالوا لحلفائهم الإقليميين والدوليين ـ إن هذا سيحرج حزب الله ويخلق له مشكلة أو مع العماد عون أو مع الوزير فرنجية.
ومع ذلك مع العلم أن المرشح صديقنا وعزيزنا، نحن بقينا عند التزامنا، وخلال كل هذه الفترة، لماذا حزب الله لا يضغط على حركة أمل، لماذا حزب الله لا يضغط على الوزير فرنجية لينسحب، لماذا؟
أريد أن اسألكم سؤالاً، إذا انسحب الوزير فرنجية الآن، هذا يعني أنه بيمشي الحال بانتخابات الرئاسة، يعني هل نستطيع أن ننتخب العماد ميشال عون رئيساً، قبل اعلان رئيس تيار المستقبل لهذا الترشيح، هذا كله كلام ليس له معنى، وحتى بعد الترشيح الموضوع حينئذٍ لن يقدم ولن يأخر. ولكن المطلوب انه كيف يفتعل مشكلاً بيننا وبين حلفائنا.
حسنا، دعونا نخرج من هذه الألاعيب الصبيانية والصراعات الجانبية وتسجيل النقاط على بعضنا البعض، من يريد ومن لا يريد، إن غداً لناظره لقريب، وعند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان.
نحن موقفنا بالرئاسة واضح، نعم المطلوب الآن اتصالات ولقاءات وحوارات من أجل إيجاد تفاهمات والمساعدة على إنجاز هذا الاستحقاق.
لم يقم أي أحد بوضع شروط، حسناً بين المستقبل والتيار الوطني الحر هناك تفاهم، لا يوجد صفقة، والذي قاله رئيس التيار الوطني صحيح، لا يوجد صفقة، يوجد تفاهم، جزء من هذا التفاهم أنه هو ينتخب العماد ميشال عون كمرشح قوي لرئاسة الجمهورية، وفلان لأنه مثلاً مرشح قوي لرئاسة الوزراء يأتي رئيساً للوزاء، حسنا، ما هو هذا؟ اليس تفاهماً؟ ما المشكلة بأن يكون هناك تفاهمات مع بقية القوى السياسية وخصوصا الوازنة والأساسية في لبنان؟ وفي مقدمتها دولة الرئيس الاستاذ نبيه بري والإخوة في حركة أمل والوزير فرنجية وتيار المردة وبقية الحلفاء، هذا ماذا يضر؟ هذا لا يضر بشيء، بالعكس، لا أحد يتكلم عن صفقات ولا أحد يتكلم عن شروط تعجيزية.
نحن جميعاً في لبنان، عندما نذهب في مسار سياسي واضح وأساسي إذا تفاهمنا وطمأن بعضنا البعض واقترب بعضنا من بعض وأزال بعضنا هواجس بعض
هذا هو الذي يمكن أن يدفع الأمور إلى الأمام.
في كل الأحوال، اللبنانيون ـ أيها الأخوة والأخوات ـ مطالبون بأن يبذلوا خلال هذه الأسابيع القليلة جهودهم الكاملة للتفاهم والتلاقي وحسم خياراتهم لننتخب رئيساًً وبعدها لتشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع ويبدأ التحضير للانتخابات النيابية وتعود المؤسسات لتعمل وينطلق المسار السياسي في البلد.
بالنسبة إلينا نحن لا ننتظر شيئاً من المنطقة ولا نريد أن نوظف شيئاً من تطورات المنطقة في لبنان، كنا هكذا وما زلنا هكذا. هذا هو المتاح الآن أمام اللبنانيين الذين عليهم أن يبذلوا الجهد وأن يعملوا.
أيها الأخوة والأخوات، في هذه الليلة المباركة، ليلة الوفاء وليلة تجديد البيعة وليلة الثبات على الموقف وعلى الحق، في هذه الليلة نعود كما في كل عام من مثل هذا الوقت، إلى الليلة المظلمة، ليلة العاشر من محرم على أرض كربلاء، عند الحسين عليه السلام لنتعرف أيضاً على القائد الوفي، ما هو القائد الوفي، الحسين عليه السلام، عندما قال لهم إن القوم يريدونني ولا يطلبون غيري، الحسين عليه السلام لم يكن قائداً يريد أن يستفيد من الناس أو أن يضحي بالناس حتى من أجل الأهداف المقدسة، وكان يقدم نفسه هو ليكون عنوان التضحية وعنوان الوفاء والقائد المضحي، ولذلك قال لهم، ألا إن هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، ليس أنتم فقط كأصحاب، وأنتم مباركون ولا يوجد أفضل منكم وأنتم في حلّ من بيعتي، بل فليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي وامشوا في هذا الليل واتركوني وحدي. أنا، غداً صباحاً، عندما تشرق الشمس، ويستيقظ اليزيديون وجند عبيد الله بن زياد لن يجدوا إلا خيمة واحدة ورجلاً واحداً هو الحسين بن علي ابن بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ولكن هل هذا الذي حصل؟ لا، في تلك الليلة إذا أردنا أن نسميها، نسميها ليلة الوفاء، ليلة الصدق، ليلة الثبات في الميدان، الأقدام التي لا تهزها الموت، والجماجم التي أعيرت لله عز وجل، وقف الأصحاب ووقف العباس ووقف أهل البيت جميعاً يصرخون للتاريخ وليس للحسين فقط، أنذهب نحن ونبقى بعدك، أتقتل ونبقى بعدك، لا طيب الله العيش بعدك يا حسين.. والكلمات الخالدة التي تحولت إلى مدرسة عبر الأجيال يترجمها رجال الحسين في هذا الزمن، في كل زمان وفي كل مكان عندما قال القائل للحسين والله يا أبا عبد الله لو أني أعلم أني أقتل ثم أحرق ثم أذرى في الهواء ثم أحيا ثم أقتل ثم أحرق ثم أذرى في الهواء يُفعل بي ذلك ألف مرة ما تركتك يا حسين… ونحن في هذا البلد الذي عشقنا فيه الحسين عليه السلام، عرفنا فيه الحسين وعشقناه واتبعناه وبايعناه في المقاومة ولم نخلِ أي ميدان ولم نتجاهل أي نداء للنصرة وللعون، نحن في هذا البلد الذي أثبت فيه رجالنا أنهم حسينيون ونساؤنا أنهم زينبيات وفتياننا أنهم قاسميون وشبابنا أنهم عباسيون.
غداً أيضاً، غداً في يوم العاشر من محرم في كل مدننا وقرانا وبلداتنا وشوراعنا وبالرغم من التهديدات وبالرغم من محاولات الاختراق ومن محاولات القتل، نقول لهم كما في كل عام اقتلونا فلن نترك الحسين غداً..
وغداً نجدد مع الحسين موقفه ونجدد معه التزامه ونجدد وقوفنا ـ كما أعلن في عنوان مسيرات الغد ـ وقوفنا إلى جانب الشعب اليمني المظلوم والشريف والمقتول والمحاصر والغريب، وقوفنا إلى جانب قيادته الحكيمة والشجاعة والصامدة والثابتة، وقوفنا إلى جانب الجيش اليمني الوطني واللجان الشعبية واللجان الثورية والقبائل المدافعة بعز لنقول لهم لستم وحدكم كلنا يمن…
غداً نؤكد هويتنا الجهادية، هويتنا الإيمانية، هويتنا الروحية والنفسية، في مواجهة أي تحدٍّ وكل أشكال التحديات كما كنا نواجهها دائماً، نحن غداً سنثبت أننا أبناء هذا الإمام الذين يحفظون كلمته ويعيدون موقفه ويكتبونها بالدم في كل موقف وفي كل تحدٍّ عندما نخير، عندما يقول لنا الأمريكي أو الإسرائيلي أو التكفيري أو أي طاغية من طواغيت هذا العالم، عندما يركز بين اثنتين بين السلة والذلة (هيهات منا الذلة).. لماذا هيهات منا الذلة، لأن الله يأبى لنا ذلك، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ونفوس أبية وأنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.. لأن القبول بالذل والهوان يأباه العقل وتأباه الفطرة الإنسانية كما يأباه الله سبحانه وتعالى.
غداً إذاً أيها الأوفياء، أيها الأخوة والأخوات، أيها الشرفاء، يا عوائل الشهداء، أيها الجرحى وعائلات الجرحى، أيها المجاهدون، أيها المقاومون، أيها الحسينيون، أيها الزينبيات، غداًً نداء الحسين وجوابكم (لبيك يا حسين)…
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني جميعاً سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين، والسلام عليكم جميعاً..