قدمت الأحزاب المغربية التي تتنافس في الانتخابات البرلمانية التي جرت أمس الجمعة برامج انتخابية خصصت قسطا كبيرا لوعود اقتصادية تتعلق أساسا بالتشغيل وتحقيق الرفاهية، لكن أغلب هذه الوعود «غير واقعية» لأنها لا تراعي الظروف المحلية والعالمية.
وحسب مقولة منسوبة للماريشال ليوتي، الذي كان مقيما عاما لفرنسا ما بين 1912 و1925 في عهد الاستعمار الفرنسي للمملكة، فان «الحكم في المغرب مرتبط بتساقط الأمطار»، وهي مقولة تجسد إلى حد كبير الارتباط الكبير بين اقتصاد البلاد واستقرار قطاع الزراعة، ما يفرز واقعا يفوق الوعود الانتخابية للأحزاب في التشغيل وتحقيق التنمية.
وبفضل الأمطار التي كانت استثنائية في 2015 حققت البلاد إنتاجا قياسيا من الحبوب جنبته استيراد كميات كبيرة من السوق الدولية التي شهدت ارتفاعا كبيرا في الأثمان، مما ساعد اقتصاد المغرب على تحقيق نسبة نمو بلغت 4.5 في المئة، أي ما يقارب معدل 5 في المئة الذي حققه المغرب خلال العشر سنوات الأخيرة.
وفي الوقت الذي ابقى فيه البنك المركزي المغربي توقعاته لنمو الاقتصاد خلال 2016 لتتراوح ما بين 1.2 في المئة و1.5 في المئة بسبب الجفاف الكبير هذا العام، تعاكس أغلب برامج الأحزاب هذه التوقعات وتعد بتحقيق نسب نمو تتراوح ما بين 5 و8 في المئة، في وقت لا تملك القدرة على التحكم في الطقس والهطولات المطرية.
وتساهم الزراعة المغربية لوحدها في الناتج الداخلي الخام للبلاد بنسب متذبذبة تتراوح بين 15 و20 في المئة، تبعا لحجم الهطولات المطرية سنويا، كما تشغل نحو 40 في المئة من اليد العاملة النشطة.
وإضافة لعدم القدرة على التحكم في المطر، تبقى الزراعة المغربية إكتفائية في أكثر من 80 في المئة من المساحات المستغلة، ما يضعف من تنافسيتها، وهي مشكلة تحاول البلاد تجاوزها منذ إطلاقها لمخطط «المغرب الأخضر» سنة 2008.
ويشكل هذا الارتباط العضوي بين الاقتصاد والمناخ تناقضا في معادلة النمو التي تحاول المملكة عكسها لصالحها عبر تبنيها، بإشراف من الملك محمد السادس، سياسة تنويع الاقتصاد الوطني عبر تبني التصنيع وتطوير البنيات التحتية.
فإلى جانب الزراعة يتمحور الاقتصاد المغربي على قطاعات أخرى تساهم في توازنه وتطوره، وعلى رأسها قطاع الفوسفات الذي تملك البلاد ثلاثة أرباع مخزونه العالمي وتعتبر أول مصدر له.
بدورها تساهم تحويلات المغاربة المهاجرين خارج البلاد، وعددهم يفوق خمسة ملايين (12 في المئة من السكان)، في جلب العملة الصعبة التي تحتاج اليها البلاد للاستيراد، وقد فاق حجمها خلال 2015 ستة ملايين دولار (7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، ومليار دولار خلال الربع الأول من 2016.
وإضافة إلى ذلك تساهم السياحة المغربية بشكل مهم في مداخيل العملة الصعبة والتشغيل. لكن منذ التفجيرات الإرهابية في مدينة مراكش سنة 2011، وعدم الاستقرار الذي تعرفه بلدان منطقة «الربيع العربي»، يعاني القطاع من ركود لا يلبي الطموحات المعقودة عليه.
ولتجاوز التذبذب في مصادر العملة الصعبة وتقلبات المناخ، استثمرت البلاد بشكل كبير في البنيات التحتية، والموانئ والمطارات والسكك الحديدية، ومناطق اللوجستيات، خلال السنوات الأخيرة، وعملت على تسهيل القوانين وإصلاح الضرائب لجعل المغرب قاعدة جذب لكبار المستثمرين، وبوابة حديثة للراغبين في التوغل في القارة السمراء.
وبالنسبة لنادية صلاح، رئيسة تحرير يومية (ليكونوميست) الاقتصادية فإن «هذه البنيات التحتية تم تطويرها برعاية الملك محمد السادس، وقد مكنت من جذب الشركات الأجنبية، وهو ما نسميه حرب الأرانب، أي أنه عليه أن تمسك أرنبا كبيرا حتى تتبعه باقي الأرانب».
وبالفعل استطاعت البلاد بفضل هذه السياسة جذب مستثمرين كبار من عيار «رينو» الفرنسية، وعملاق الطيران الكندي «بومباردييه»، وأخيرا العملاق الامريكي «بوينغ» الذي وقع مع المملكة عقدا لتصدير مليار دولار من المنتجات سنويا من أراضيها.
لكن المشكلة التي تظل قائمة حسب نادية صلاح هو أن «أصحاب المشاريع والمقاولات غالبا ما يجدون أمامهم إدارة عمومية قليلة الكفاءة وتخلق الكثير من العراقيل»، ويضاف إلى ذلك «ضعف مستوى ومهارات الخريجين» التي يتطلبها تحول الاقتصاد المغربي.
أما بالنسبة للخبير الاقتصادي نور الدين الأزرق، الذي درس وقارن برامج تسعة أحزاب مغربية استأثرت بغالبية الأصوات في الانتخابات السابقة، فإن برامج هذه الأحزاب «مبنية على منطق متناغم يقوم على تغير النموذج الاقتصادي المغربي إلى نموذج تنموي يعتمد أكثر على التصنيع والتصدير».
وحسب الأزرق فإن «المنطق في إعداد البرامج الحزبية كان قائما على سيناريو يتوقع تحقيق أحسن النتائج، دون الأخذ بعين الاعتبار التطورات الممكنة للسياق الدولي، وكذلك الظروف القائمة في السياق الوطني».
فعلى الصعيد الدولي، كما يشرح الأزرق، فإن «النمو العالمي غير مستقر وسيبلغ في أحسن الاحوال 3 في المئة، ما سيؤثر حتما على صادرات المغرب، خاصة تجاه أوروبا. كما أن ثمن البترول المنخفض اليوم سيشهد خلال العامين المقبلين ارتفاعا إلى 75 حتى 100 دولار خاصة بعد اجتماع الدول المنتجة الأخير في الجزائر».
وهذه العوامل إضافة إلى «اتسام الاقتصاد العالمي الحالي بأزمة دورية» كما يوضح الاقتصادي المغربي «لم تأخذها برامج الأحزاب السياسية المغربية بعين الاعتبار».
وحتى خيار التصنيع الذي ركزت عليه برامج الأحزاب للزيادة من تنافسية الاقتصاد المغربي «ليس سهلا» بحسب الأزرق «لأن التصنيع يعتمد وسائل إنتاج مستوردة يحدد السوق الدولي سعرها، كما أن فرص العمل التي تخلقها الصناعة اليوم في المغرب تتسم بالهشاشة، ما سيضعف أكثر الاستهلاك الداخلي الذي أنقذ اقتصاد المغرب من الموجة الثانية للأزمة العالمية سنة 2009».
وخيار التصنيع يتطلب أيضا تقديم تحفيزات ضريبية للشركات المستثمرة، وهو ما سيجعل مداخيل الدولة الضريبية «تنخفض في وقت تحتاج البلاد لمزيد من الاستثمارات في البنية التحتية لزيادة تنافسية الاقتصاد ما سيدفعها للاستدانة الخارجية».
ويختتم الأزرق تحليله بالقول ان هناك «تناقض في برامج الأحزاب رغم وجود منطق»، لأن «أغلب تلك البرامج تعد بخفض العجر إلى 3 في المئة والدين الخارجي إلى 60 في المئة في حين ان الواقع الاقتصادي يقول شيئا آخر».
المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية