“مكانك راوح” هذا المصطلح المناسب لتوصيف حالة الحراك والمحادثات في ملف تأليف الحكومة في لبنان، فمؤشرات التفاؤل لا تكاد ترتفع حتى يتبين أنها “مضخمة” سواء عن قصد أو بدونه، حتى يعود الحال الى التعاطي بواقعية تامة حيث ان الامور لم تنضج لدى بعض السياسيين للتنبه ان ما يجري يدفع فاتورته الشعب اللبناني بكل مكوناته وفئاته لا سيما عبر الانعكاس المباشر على تردي الاوضاع الاقتصادي وارتفاع الاسعار بشكل جنوني وتهاوي قيمة الليرة مقابل الدولار الاميركي.
طالت الأزمة الحكومية بشكل لم يعد يتحمله المواطن، واستجلبت كل التدخلات والزيارات الخارجية بينما المطلوب واحد هو ثقة متبادلة وتفاهم داخلي-داخلي، فالوضع اصبح كالنار يكتوي به المواطن ولا يمكن التعامل ازاءه بمزيد من التأخير في بلد بات فيه تشكيل الحكومة يدخل الاوضاع كل مرة في ازمة طويلة ويضع علامات استفهام على قدرة السياسيين على اجتراح الحلول.
واللبناني لا يكاد يستيقظ من أزمة حتى يتم إدخاله في اخرى، وكأن المطلوب اليوم ان يعيش الناس في قلق دائم، فمن أزمة المحروقات الى الخبز وصولا الى الكهرباء والدواء وانقطاع بعض السلع الأساسية لحجج مختلفة، وصولا الى استخدام الشارع كما حصل لتوجيه رسائل، والحقيقة ان اللبنانيين باتوا ينتظرون بفارغ الصبر ولادة الحكومة لعلها تساهم في التخفيف من المعاناة، خاصة ان الناس تعاني لاقصى الدرجات من نار الأسعار الملتهبة مع انخفاض القدرة الشرائية امام غلاء السلع والادوات المختلفة والمواد الغذائية والخضروات واللحوم والدجاج رغم دخول شهر الصوم وعدم انعكاس قيم ومبادئ هذا الشهر الكريم على أداء فئة من التجار وأهل السياسة التي يحكمها هاجس مراكمة الحصص والثروات.
واللافت ممن يتابع الكثير من تصريحات السياسيين والمهتمين بالشأن العام اليوم هو تكرارهم لعبارات متقاربة تدور حول “الدعوة للاسراع بتشكيل الحكومة، والمطالبة بتشكيل حكومة إنقاذية او حكومة مهمة، والتشديد على ضرورة الاستفادة من الفرص المتبقية او المتاحة لانقاذ البلد…”، وغيرها من الشعارات الراقية والمتقدمة نظريا فقط إنما في دنيا الواقع الوضع مختلف تماما، حيث يبقى الشعار حبرا على ورق لا يمكن “تسييله” في حياة الناس، فالكلام يحتاج الى أفعال تصدقه والعبرة دائما بالنتائج لا بالمقدمات، ومن يريد مصلحة الوطن لن ينتظر كثيرا لاتمام التشكيلة الحكومية والانطلاق فعلا الى العمل بدون حسابات قريبة او بعيدة، واضحة او مخفية، وبدون انتظار بعض الآراء الدستورية او القانونية حول نقطة هنا او إجراء هناك، فالمسؤولية الوطنية تتطلب اليوم وضع الكتف على الكتف وليتحمل الجميع الصعوبات لإخراج البلد من أزماته وعدم رمي التهم على الآخرين.
والأكيد ان إتمام الملف الحكومي يحتاج الى توافق داخلي بالدرجة الاولى، فإن تحقق ذلك لن يستطيع أي طرف خارجي عرقلة ولادة الحكومة بل سيضطر كل الخارج للتعامل مع الأمر الواقع الايجابي الذي سيحدثه الافرقاء في لبنان، فلماذا كل هذا الانتظار وتضييع الوقت بدون أي فائدة ولماذا لا نبادر نحن الى حل مشاكلنا بدون وصاية او “ضوء أخضر” من هنا وهناك؟
ولا بد هنا من الإشارة الى ما قاله نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم خلال برنامج “بين قوسين” على شاشة قناة المنار في 12-4-2021 حيث أكد ان “تسعين بالمئة من عراقيل تشكيل الحكومة داخلية”، ودعا “لتقديم تنازلات من أجل معالجة الأزمة وتخفيف معاناة المواطنين”، ورأى انه “عندما نذهب للحكومة تتسهل أمور كثيرة…”، لذلك يبقى الأمل بأن تحل بركة شهر رمضان المبارك وتتحسن أحوال البلاد عبر تقديم الأفرقاء للتنازلات بما يصب في مصلحة الناس اولا وأخيرا، وان نشهد خلال الفترة المقبلة ولادة الحكومة كي تكون المدخل لبعض الانفراجات في يوميات المواطن.
المصدر: موقع المنار